المنشار المغني | كيفن موربي

لو تعرفنا عليه من هذا الألبوم، قد نعتقد أن كيفن موربي شخص لم يضطر للذهاب للمدينة ومجاورة السيارات وشراء تذاكر الحفلات للتعرف على الروك، بل تعرف عليه عبر أسطوانات تسجيلات الفولك روك، بوب ديلان غالبًا وربما بعض أغاني لو ريد بعيدًا عن الفولك، تلعب على مشغل أسطوانات خشبي في إحدى زوايا منزله الريفي. اليوم بدأت المدينة تزحف باتجاه موربي، فنسمعه يقاوم: “وأنت هنا لتقوم / بما أتيت لتقوم به أصلًا / فلم لا تفعله الآن / لم لا تقطعني لأهوي أرضًا”، ونسمعه يهدي إحدى الأغاني لإريك جارنر، الأمريكي ذو الأصول الإفريقية الذي مات على يد الشرطة في نيويورك في ٢٠١٤، كاتبًا أغنية مرتاعة توثق استجابة رجل أبيض أشقر ريفي مسيحي لما حدث.

لكن حزن موربي الذي يشوب الألبوم في مواجهته المدينة هو حزن دافئ لطيف، حتى أن له مفعولًا مطمئنًا. فعلى خلاف حزن المدينة المرسوم كلوحة همجية عشوائية لـ جاكسون بولاك من ألوان المخاوف المالية ومشاكل المسكن والقلق الاجتماعي وعدائية الزحام، تبدو أحزان موربي أكثر طبيعيةً وهدوءً، كجزء من سنة الحياة، شيء من قبيل: الناس تكبر وتبتعد وهذا حزين، كما في أغنية مدمر Destroyer التي يبدؤها موربي بالحديث عن انتهاء علاقة وغياب حبيبته، ثم يذكر أن أمه لم تعد في الأرجاء بدورها، ولا أخته، ولا هو نفسه: “وماذا عن أختي؟ كم تبدو شبيهةً لي؟ أراها وكأني أنظر لمرآة / عندما كنا صغاراً، لم نكن شخصين بل واحد، أين هي الآن من هذه الحياة؟ / أين رحلت، يا ربي، إلى أين؟”، أو زهور سوداء Black Flowers التي تشبه القلق الدائم وغير المبرر من أمر سيء على وشك الحدوث بـ “في الحديقة التي بنينا وسطها منزلًا / زهورٌ سوداء”. حتى استجداء الراحة والسكينة عند موربي هو طبيعي ومطمئن بدوره، ففي مياه Water تحتد الأغنية عبر مقاطع طويلة من تفصيل الحزن والتصالح معه: “لكن أحذيتي شهدت أرضًا ألين – الطقس خبيث وغير مطمئن – تتدحرج فوقي، غيومٌ في السماء / لكنني كنت دافئًا كنار – الرغبة آخذة بالاستعار – الرغبة بالتمسك، بعدم التخلي / فكرت بالأصدقاء، فكرت بالأسرة – كل شخصٍ أشعل الدفءَ بحياتي لمرة – أما أعدائي الذين جاورتهم منذ زمان، فليعرفوا كل شيء”، قبل أن ترتاح في لازمتها القصيرة عبر نداء حار: “لو عثرت على مياه، لا تبخل علي بالنداء / أطفئني كما لو كنت نارًا، غطِّني بمطر السماء”.

تشكل كلمات أغاني موربي محورًا تدور حوله كثير من التفاصيل التي تؤصل لطبيعية الألبوم، من غنائه الريفي / الفولكي السهل، والمعزول دائمًا عن باقي الأصوات عبر المزج ثم عبر الإنتاج الذي أكسبه صدىً خاصًا به، إلى التوليفة الوترية الغنية والخالية من أي احتداد كلاسيكي صارم أو درامي، والتي تستوعب الجيتارات الكهربائية المتنكرة بزي البلوز أحيانًا والفولك أحيانًا أخرى دون أن تبدي تناقضًا، مرورًا بالكورال المساند الذي يظهر بتكرار كبير وغالبًا ما يمتنع عن الغناء لصالح همهمة شعائرية هادئة، انتهاءً بعملية الإنتاج والمزج الكلية التي أكسبت كل هذه الأصوات تباعد الريف المليء بالمساحات البينية بدلاً من ازدحام وتلاصق المدينة.

تعد إعادة إحياء الفولك روك ولو بألبوم واحد مهمة من الصعب أن تسلم من الميول الاستعادية المغبرَّة أو نوستالجيا غير متصلة  بالحاضر أو تقييدات احتجاجية مكررة، لكن موربي من القلة الذي ينجح بالمضي بألبومه بأمان عبر كل هذه المطبات، محافظًا على صوته الخاص المتفرد، ومستحقًا وجوده في النصف الأعلى من القائمة.

أغانٍ تقدم للألبوم: Water, I Have Been To The Mountain, Black Flowers