قلق | كِنِمتِك

لعل المصطلح الأنسب لتقديم إنجاز فرقة كِنِمَتِك في ألبومهم الطويل الأول صدر الألبوم عن تسجيلات صدع، قلق، هو سعة الحيلة. ففي تشكيلتها الجديدة، والتي ضمت أكرم حاج وروي خازن إلى جانب عضويها المؤسسين أنتوني صهيون ورودي غفاري، وانتقلت على أساس التوسع من الاقتصار على التسجيل في الاستوديو للأداء الحي، تنطلق الفرقة معتمدةً بشكل أساسي على أربع آلات فقط: الجيتار الكهربائي وجيتار البايس والطبول والسينث، لكن هذه الآلات تكفي لخلق جهاز مسح يمشِّط مناطق موسيقية كاملة بكل حيلها وإمكانياتها. فبين ترجمة خاصة بهم للبوست روك، تصريف قريب للبوست بانك من الموسيقى الإلكترونية، وتقنيات بناء وتجميع ألحان تتراوح بين التجريبية والسيمفونية، نجد الفرقة اللبنانية التي تفضل إضفاء الطابعين الشخصي والملحمي على المحلي، نجدها تخرج بنتائج زخمة وكثيفة دون أن تخلو من اتساق واستمرارية.

يبدأ الألبوم سداسي المقطوعات باثنتين مستمرتين بإمكانهما تشكيل ما يشبه الحركة الأولى التقديمية من سيمفونية ما. مقطوعة كلمة أولى مطموسة المعالم والمشبعة بالتشويش، تبدو كعماءة خلق أو مادة أولية سيبدأ باقي الألبوم بالانبثاق عنها، في تقنية ليست جديدة تمامًا على الموسيقى الإلكترونية التجريبية أو مقطوعات الروك الملحمية. تنتهي كلمة أولى بتشويش يستمر في المقطوعة الثانية، لالوكزيّا، التي تعلن بداية الألبوم بإيقاعي طبول وبايس يشكلان مع الوقت أرضيةً للمقطوعة، تتجمع وتنتظم فوقها أسطر إيقاعية ولحنية قصيرة من الأصوات الإلكترونية التي يأتي معظمها من السينث. تتبنى لالوكزيّا بنيةً تصاعدية تأخذ فيها الأصوات بالتراكم والاحتداد، لتصل المقطوعة لذروة عالية الطاقة، تجمع بين روح الموسيقى الإلكترونية الراقصة وبين الروح المظلمة لكن المليئة بالطاقة للبوست بانك.

إتش إتش إكس وأنا بحر هما أطول مقطوعتين في الألبوم، بمتوسط تسع دقائق للواحدة، ويشكلان نواته. كل مقطوعة تكتفي بذاتها، تقدم لنفسها وتصل لعدة ذرى متناقضة شديدة المزاجية وتنسحب بأسلوبها الخاص. بإمكان هاتين المقطوعتين تشكيل الحركتين الدراميتين وسط السيمفونية الافتراضية. تبدو إتش إتش إكس كمثالٍ أكثر وضوحًا على ذلك، حيث تتنقل بنيويًا من مقاطع متشظية تأتي فيها إيقاعات الطبول على شكل وحدات متكررة منفصلة، وأصوات الجيتار الكهربائي وجيتار البايس المعزوفين بقوس كمان تأتي بدورها متحدةً مصهورة، قبل أن تبدأ إيقاعات الطبول بالتحرر وأصوات الجيتارين بالانطلاق، وتستمر على هذا الشكل لمدة لا بأس بها قبل الانهيار لمقطع كئيب لا يخلو من نوستالجيا، يحاول منطقة الأمور للتعامل معها ووضعها في سياق، ثم تتخلى الفرقة فجأةً عن أي مقدار من الشخصية لصالح ختام ملحمي قريب من البوست روك، ينطلق بعيدًا عن أي قدرة على التأويل أو التنبؤ.

يبدأ الألبوم بالسير نحو ختامه مع مقطوعتي ألعِت وعوينات نظر اللتين تتصلان باستمرارية هشة لكن مسموعة بين نهاية الأولى وبداية الثانية، ليشكلان الحركة الرابعة الختامية، الأطول والأكثر زخمًا. تبدأ ألعِت ذات الميل نحو الروك الفضائي بتشكيل لحنها الرئيسي الذي يبدو غائرًا خلال الدقيقة الثانية، ثم يبدأ بالتماسك خلال الثالثة حتى تحوله الفرقة إلى عمود المقطوعة الفقري، تكرره وتصرفه بأشكال مختلفة حتى النهاية.

تبدأ عوينات نظر بصوتٍ مسخي آتٍ من بعيد، يبدو كجسمٍ غامض يدخل ويخرج مجال بصرنا باستمرار، كأننا نضع ونزيل نظاراتنا بتكرار عند النظر إليه، فيأتي الصوت مشوشًا مشوهًا خادشًا لبعض الوقت، ثم يبدأ بالانتظام والتجمع بشكلٍ نسبي قبل أن ينهار عائدًا لحالته الأولى. لا ينمو هذا الصوت لتشكيل عمود المقطوعة الفقري، بل أرضيتها التي تستعرض الفرقة فوقها مقدراتها الإيقاعية الإلكترونية بجرأة وانطلاق، قبل أن يصيب الصمت المقطوعة عند نهاية الدقيقة السادسة، ويستمر لثوانٍ تبدأ بعدها أصوات متأرجحة قاتمة بفتح بوابةٍ سحرية سوداء ينسحب الألبوم عبرها.

يحافظ الألبوم على روح ديناميكية واضحة تبرر اسم الفرقة المقتبس عن أحد فروع علم الحركة، وبالتالي لا تفتقد تجريبيته إلى الطاقة الضرورية لخلق تجربة سماع مجزية تنجح على مستوى الإمتاع في العروض الحية، وتنجح أيضاً على مستوى الاستماع المتأني في سياق تجريبي جاد.