موت صباح الأخير

 

مقال ضمن عدد من المقالات تحت عنوان «أنا كدة، أنا كدة»: في فنّ صباح وتفرّدها

لكثرة ما ماتت صباح، بدا موتها الأخير هشّاً، مترنّحاً، بلا حيل. الخبر بحد ذاته، خبر موتها، الذي يفترض به أن يكون صادماً، بدا بدوره ميتاً. لا حياة فيه، ولا حول ولا قوة. خبر عادي، لا يرقى حتى إلى مستوى الشائعة. فشائعة موت صباح كان ليبدو وقعها أقوى من خبر موتها الحقيقي الصادق. كثيرون تلقّوا الخبر على أنه شائعة، وكثيرون على الغالب، إلى الآن، يعتبرون أن موت صباح شائعة. وكثيرون أيضاً قد يطلقون، بعد موتها بسنوات، شائعات تتحدث عن موتها، وسيضحك أحدهم في بيته ويقول لزوجته: “هل لا زالت صباح حية؟“.

هذه هي بالذات معضلة الخلود. صباح خالدة، وهذا مؤلم أكثر من الموت، وأكثر من الحياة. فلا هو موت ولا هو حياة. وهو مؤلم للموت كما للحياة. فالحياة تصير مربكة مع الخلود، والموت معه يصير ذليلاً.

فهل كانت صباح بميتاتها الكثيرة تحاول أن تقول لنا شيئاً؟ هل كانت تحاول حقاً أن تموت، وكنا نمنعها، بأن نحول موتها إلى شائعة؟ أم انها كانت تلقن الموت درساً، بأن تحيله إلى سخرية الناس، وتحوله إلى شائعة رخيصة؟ أم أن الناس كانت تحاول إماتتها لتتأكد من أنها مثلهم كائن بشري له بداية وله نهاية؟

أياً كانت أسباب تلك اللعبة مع الموت، فالنتيجة واحدة: صباح فضحت القيمة الرثة للزمن، وسحبت من الموت هيبته. هذا إنجاز يفوق انجازاتها الفنيّة.