أبيوسف يظهر أخيراً

في هذا المقال، يراجع سيف عبد السّلام الحفل الذي شارك فيه أبيوسف قبل فترة في مساحة Vent بالقاهرة. وذلك كنموذج لتجلّي أداء مغنّي الرّاب في بيئته الطبيعيّة خارج حسابات الساوند كلاود واليوتيوب وغيرها التي فرضتها، عليه وعلى المتلقّي، حقيقة شوارعيّة الرّاب وبُعده، حتّى الآن، عن القنوات الرسميّة للانتشار عربيّاً على الأقل. هذا ما يؤدّي إلى اعتبار ظهور نادر لمغنّي راب، مثل أبيوسف، من بعد خمس سنوات على بداية مسيرته الموسيقيّة، فرصة استثنائيّة ربّما لمراقبة ظاهرة موسيقيّة جديدة قبل أن تعود مرّة أخرى إلى حساب الساوند كلاود.

ظهر أبيوسف أخيراً أمام متابعيه بعد خمس سنوات من بداية تجربته الفنيّة في المساحة الموسيقيّة البديلة VENT بوسط البلد في القاهرة. يعرف، بالتأكيد، كل من يتابع مشهد الراب في مصر والعالم العربي أبيوسف وذخيرته من الرّاب الصّادق والتقدمّيّ، سواءً عبر صفحته على ساوند كلاود وتعاوناته مع سواج لي، أو عبر محاولاته الأخيرة في إنتاج فيديوهات موسيقيّة تنصهر تماماً مع صوته الذي يضرب بقوّة، كما في فيديو نفتالين مع يحيى اسماعيل.

ورغم أنّني سمّيع راب متحمّس أنجزت حصّتي من مشاهدة حفلات الرّاب في العالم، إلّا أنّها كانت المرة الأولى التي أحضر فيها حفل راب في مصر. فمن Odd Future وChance the Rapper، إلى Schoolboy Q وMeek Mill. عادةً ما أذهب لحضور تلك الحفل وحدي، لينتهي بي المطاف إلى السّماح للفنّان بالاستيلاء على اهتمامي الكامل، والاستمتاع بالتجربة الكاملة غير المقتطعة. ما ألاحظه دائماً أنّ تنظيم حفل راب لائق يحتاج إلى جيش كامل. بينما في بلد لا يتمتّع الراب فيه بالتمثيل المناسب، وحيث تحظى موسيقى الشّعبي بالإنطباع على أنّها الإنتاج الثانوي الوحيد للشباب المصري وثقافة البوب، يبقى للراب، وتحديداً أبيوسف، جمهوره ومتابعيه المخلصين بدون ذلك التصنيم الذي يحيط بالموسيقى الشّعبي. لذلك، كنت متحمّساً لمشاهدة أبيوسف للمرّة الأولى. وبالحكم على الجو العام، كان من الواضح أن الجمهور، الذي يتجاوز المئة، يشاركني ذات الحماس.

إلى جانب الحفلات الرّاقصة الاعتياديّة، بدأ Vent مؤخّراً بتنظيم حفلات مخصّصة تحت ثيمة معيّنة، مثل The Quiet Versions التي يؤدّي بها فنّانون من خلفيّات مختلفة نسخاً أكثر هدوءً من أعمالهم الأصليّة، و& friends حيث يطلب من فنانين مختارين تقديم أعمالهم مع مجموعة من فنانين آخرين، وحيث ظهر أبيوسف لأوّل مرّة مع مؤديي راب من منطقة شبرا والهرم في الجيزة، منهم Hamboboli وPolo وLink.

أوّل ما لاحظته لدى الدخول إلى المساحة هو بالضّبط ما يمكن توقّعه من حفل يقيمه أبيوسف مع أصدقاء. بغض النّظر عن صغره أو حميميّته: كان الصّوت صاخباً والمكان مزدحماً وانفعاليّاً. كنت قد وصلت متأخراً قليلاً، ويبدو أنّه كان الوقت المناسب، إذ تجاوزت المقدّمات والتجهيزات المعتادة وتجريب الصّوت لأصل تماماً في اللحظة المناسبة. بدأ أبيوسف وSwag Lee الحفل بعدد من أفضل الأغاني التي تعاونا فيها مثل يوغا.

لم يكن فقط أداء الاثنان مختلفاً ويبشّر بتجربة سمعيّة أكثر ارتقاءً من الشّكل التقليدي الذي استمعنا إليه في حسابيهما على ساوند كلاود، بل كان تذكيراً بأن حضورهما مكتمل تقريباً كعرض ثنائيّ. يختلف أبيوسف عن غيره، من مؤديي الراب الذين سبقوه أو الناشئين بكلماته وتدفّقه الحادّ اللذان يضعانه في مقدّمة المشهد. تضمّنت قائمة الأغاني بعضاً من الأعمال القديمة والجديدة، مثل عددGamed Bas$$$ ونفتالين ويوغا. كنت بالفعل سعيداً لمشاهدة أبيوسف في جوّه الطبيعيّ: محاطاً بزملائه من مغنيي الراب الذين يتشاركون بهذه الحرفة والشغف واللذين جمعهم مكان واحدهذا يعيدني إلى أداء مغنيي الراب الآخرين. فعلى الرّغم من استمتاعي بأدائهم الذي ضجّ بالطاقة والحماس، إلّا أن حماسي قلّ جرّاء الإنتاج الذي رافق كلماتهم. ففي الجزء الأوّل من العرض كان سواج لي قائماً على الصوت باقتدار، لكن الجودة انحدرت قليلاً بعد أن ابتعد عن المنصّة، وبدأ المغنّون بلعب موسيقاهم الخاصّة. في نفس الوقت، ذلك لا يعني أنّهم لم يقوموا بالمفترض منهمإلّا أنّني لست متأكّداً من تجربتهم التي تؤهّلهم بشكل جيّد ليكونوا موسيقيون، وليس كمغني راب، لإنتاج موسيقاهم الخاصّة وأدائها مباشرة.

كان عرض أبيوسف، كما تخيّلته، حيويّاً ومثيراً. مختلفاً عن غيره من مغنيي الراب اليوم في عروضهم الحيّة، والذين تغلبهم موسيقاهم الفعليّة، إلا أن أبيوسف قبض على اهتمام الجمهور الكامل بسهولة تامّة من خلال موسيقاه وتفاعله معهم. ظهر أبيوسف يصعب نسيانه: محتضناً علي الشاعر على يساره، وPolo على يمينهوالذي قام بأداء أغنيته الأخيرة القناع بتدفّق مذهل أدّى بالجمهور جميعه إلى ترديد الكلمات معه.

عندما سألت أبيوسف عن سبب اختياره لمغنيي الراب هؤلاء لمشاركته العرض ردّ بأن المنطقتين، شبرا والهرم، تحتضنان مغنّي راب عدّة ومن خلفيّات موسيقيّة مختلفة، وفي نفس الوقت الجو مشحون فيما بينهم، لذلك أردت جمعهم على منصّة واحدة وحثّهم على تجاوز اختلافاتهم ويقدّموا ما اعتادوا على تقديمه وبنفس الجودة. آنذاك فكّرت أنّ هذا السبب يمكن أن يكون أفضل وأنبل حجّة لإقامة حفل راب في هذا الجو الحميميّ. ولكل هذه الأسباب، بدت تلك الليلة من بدايتها حتّى نهايتها منطقيّة وفي مكانها المناسب، حيث يتشارك مغنّي راب، ممتاز ومحترم، الأداء مع مغنيي راب مختلفين من مناطق مهمّشة تنتج مواهب مذهلة، محاولاً، في نفس الوقت التقريب من أعمالهم لأعماله، ومشاركة جمهور الـساوند كلاود الجديد، قبل العودة إليه مرّة أخرى.