الشيخ عفريت وموسيقى يهود تونس

كتابةهيكل الحزقي - September 22, 2015

ليهود تونس أثر كبير على الموسيقى التونسية والبيئة التي حضنتها، والتي اغتنت بإضافات ومشارب متنوعة، تجاوزت الجغرافي الضيق والتاريخي المتحيز نحو المشترك الذي صنع الهوية اللحنية والصوتية للبلد. من هؤلاء نذكر ستة من أعمدة التراث الغنائي التي بقيت صامدة رغم الإشكالات التاريخية، ليذوّبها التعامل الشعبي في وعاء التراث التونسي.

الشيخ العفريت

حتى يساعد أمه على مجابهة الفقر المدقع بعد رحيل والده إلى مسقط رأسه في المغرب، اشتغل إيسيرين إسرائيل روزيو، كما الكثير من أقرانه في تلك الأيام، في مطاحن القهوة. كان الصبيان يطحنون القهوة يدويًا في مهارس خشبية مدقات ويغنون سوية على إيقاع دق المهارس. في المساء كان إيسيرن يرافق والدته إلى الأعراس والمناسبات حيث كانت تغني متنوعات من التراث الغنائي التونسي.

كان إيسيرن يعود إلى المطحنة فيردد مع رفاقه فوق وقع المدقات ما سمعه مع أمه. يُروى أن الموسيقي إبراهيم التبسي مر يومًا وسمعه يغني فقال معجبًا: “ملا عفريت هالولد!” يا له من عفريت -أي شاطر- هذا الطفل. ومنذ ذلك الوقت دأب الجميع على تلقيبه بالعفريت. تعلم إيسيرين فيما بعد العزف على آلة الطار الرق على يد إبراهيم التبسي، ومر عليه أساتذة المالوف والموسيقى أمثال سوسو ليفي، فلقبوه بالشيخ نظرُا لموهبته الكبيرة و تفرّد خاماته الصوتية وقدرته الفائقة على الارتجال.

من أغنيات الشيخ عفريت الجريئة أغنية لاش تفكر فيا، أغنية عاطفية جريئة، مما كان يسمى بالأغنية الدنيوية كل ما يخرج عن دائرة الإنشاد الصوفي والديني، و فيها تظهر تأثيرات الموسيقى الربابية التي طبعت الموسيقى الشعبية آنذاك.

في أغنية يا طفلة عطاك ربي، يعدّد الشيخ عفريت صفات الجمال الشرقي ويتغنّى ببنت صعبة المنال. الكلمات بنفس جودة الصوت والموسيقى، لكن الأغنية دليل على تفوّق الشيخ العفريت وقدرته على تطويع صوته مع القرار والجواب والانتقال المقامي. يظهر في التسجيل أيضًا حجم التفاعل مع بقية أفراد فرقته الموسيقية، فيصرخ أحدهم الله يا ألبيرفي إشارة إلى عازف الكمان ألبير أبي طبول.

يظهر النفس الحِكَمي من حكمة والحس الفلسفي في كثير من أغاني الشيخ العفريت، ولعل أبرزها: الأيام كيف الريح في البريمة البريمة هي ناعورة الهواء. يتألم العفريت لمرور الأيام و خفتها التي لا تحتمل فيما يُمني نفسه بأن يكون قادرًا على مزيد من الصبر ورباطة الجأش.

عُرف عن الشيخ العفريت أيضًا زندالياته. والزندالي لفظ مشتق من زندال، وتعني بالتركية السجن، كما أطلق على أحد السجون بضاحية باردو التونسية، وهو ما يظهر عمق التأثير العثماني على الثقافة التونسية. نشأ فن الزندالي كأحد ألوان الموسيقى الشعبية حين كان السجناء يروّحون عن أنفسهم باستنباط الكلمات والألحان، فتولد الأغاني متحررة من تأثيرات المجتمع وبعيدة عن قيوده، لتُشكل ثقافة مضادة.

تظهر في أغنية مثل زعمة النار تطفاشي ألوان الموسيقى الأندلسية التي أثرت موسيقى المالوف التونسية (موسيقى كلاسيكية بامتياز)، مع حضور الموسيقى الشعبية التي تتجلى في الزندالي. هذا المزج هو ما يطلق عليه الفوندو، وهي إن كانت لفظة إيطالية تعني حجارة كريمة، فهي تستخدم للدلالة على المزج بين الموسيقى الكلاسيكية (مالوف) و الموسيقى الشعبية (الزندالي).

عمد الشيخ العفريت إلى تطعيم أغانيه بمفردات شوارعية تحمل ألوان الحياة اليومية التونسية وهواجس الفرد ومكامنه الدفينة، التي كانت الرغبة الجنسية هوتها السحيقة. فكان اللفظ عاميًا يسكن المقاهي الشعبية والأرصفة ويهتف بكل المحظور ليكسر طوق المجتمع الأخلاقي. ساهم كل هذا في تحول الشيخ العفريت إلى رمز للموسيقى الشعبية، بالرغم من أن بروزه تزامن مع نشأة الرشيدية أو المعهد الرشيدي للموسيقى، الذي أُسس في أوائل ثلاثينيّات القرن الماضي لغاية جمع التراث و تهذيبه“. كان المعهد أحد المؤسسات الملكية آنذاك الضاربة على أيادي من اعتبرتهم عابثينموسيقيًا ومصدرًا للـ فجوروالـتحرر” الزائد.

الرشيدية كانت سكولاستيكية موسيقية أرادت مأسسة التراث لتصبح صرحًا للثقافة الرسمية، ولبناء جدار وهمي بغاية الفصل المعرفيو القيمي بين الموسيقى الراقيةمن جهة و الموسيقى الشعبيةمن جهة أخرى، وإن اعتبرها البعض وسيلة فاعلة في مكافحة انحطاط الأغاني التونسية المنتشرة آنذاك، تحد من التخريب الذي سببته الموسيقى المصرية التي كانت تلهم العديد من التونسيين محمد سيف الله بن عبد الرزاق في أطروحة الدكتوراه خاصته Les orchestres arabes modernes، influences de l'organologie occidentale et problèmes d'accultrations، فإن شيوع الأغنية الجريئةآنذاك جعل الرشيدية تستنفر كل جهودها لمحوها من الذاكرة الغنائية الشعبية والإبقاء على ما كان صالحًا“، إيقاعيًا ومقاميًا. هذه الانتقائية الأكاديمية كلّفت الموروث التونسي الكثير من أغاني الشيخ عفريت، حتى بقي من آثاره ستون أغنية فقط، رغم غزارة إنتاجه الموسيقي الذي قارب  الخمسمئة أغنية.

سلطة الرشيدية لم تمنع الشيخ العفريت من الانتشار ومن جمع خيرة الموسيقيين والعازفين آنذاك، كعاشير مزراحي ومسعود الحبيب وأبرامينو والمليح وموريس عطون وغيرهم، والاستمرار في تلحين وأداء موسيقى تخالف ما حاولت الرشيدية إقصاءه.

اعترافًا له بمكانته الموسيقية، دُعي الشيخ العفريت إلى المؤتمر الأول للموسيقى العربية في القاهرة عام ١٩٣٢، ليأخذ مكانه بين عمالقة الموسيقى العربية كمحمد القبانجي ودرويش الحريري وزكي أفندي مراد الذي أثنى على صوت الشيخ وأدائه الرعيل الثاني للموسيقى العربية بعد المنيلاوي وعبده الحمولي وصالح عبد الحي وسلامة حجازي وسيد درويش وغيرهم.

حبيبة مسيكة

مارغريت بنت خوليو أو حبيبة مسيكة، كما عرفها الجميع، كانت بلا منازع رائدة الأغنية الدنيوية في عشرينيات القرن المنقضي. نشأت حبيبة في حاضنة موسيقية لتتعلم المالوف منذ الصغر وتحفظ مدونات الغناء التونسي والمشرقي. أدخلتها خالتها ليلى سفاز العوالم الليلية والحانات الرخيصة في نهج سيدي مردوم لتغني صغيرة يافعة أمام جمهور من الندامى والسكارى، فيما كان خالها الآخر خيلو عازف الكمان يصحبها معه إلى منازل الوجهاء و قصورهم حتى تملأ لياليهم غناءً و لهوًا ورقصًا.

هذه البيئة الممتلئة باللهو والمجون وسمت حياة الفتاة اليافعة وأثرت على مسارها الفني لاحقًا، عندما خرجت من طوق العائلة وانفتحت على عوالم التسجيل والمسارح والحفلات. تربت حبيبة على ألحان المالوف التونسي وتعلمته على يدي علامتين فارقتين في الموسيقى التونسية آنذاك: عاشير مزراحي و خميس الترنان، فغنت أغنية عشيري الأول، وغيرت من فحوى كلماتها لتطوعها للذائقة السمعية المشرقية، فتصبح حبيبي الأول.

في الفريسة دابت، وهي أغنية تكتنز بالإيحاءات الجنسية وتُصنف ضمن الأغاني الجريئة كما هي أغلب أغاني حبيبة، نتلمس تأثير الغناء البدوي المشترك للقبائل التونسية والطرابلسية على لكنة حبيبة اليهودية، عبر خاصية التنوين إضافة النون بين حروف الكلمة والتأوّه المبالغ الذي يكون بإشباع حروف العلة.

يظهر تأثرها بالخزان الموسيقي الشرقي من خلال أدائها لبعض الأدوار والتفاريد الكلثومية، والفلكلورات الحلبية والطقطوقات المصرية مثل على سرير النوم دلعنيلمطربتها الأصلية سميحة البغدادية، والتي غنتها فيما بعد منيرة المهدية.

كما غنت لسيد درويش دور زوروني كل سنة مرة، التي تمت تَونَسَة مقاماته و إيقاعاته من العجم عشيران الشرقي، إلى طبع المزموم التونسي من قِبَل خميس الترنان، الذي رافقها في الترديد خلال التسجيل وأشرف على العزف.

سطع نجم حبيبة أينما حلت، في الركح أو الحانة أو الشارع، وألهبت خيال مشرقيين كثر ولم يسلم منها حتى محمد القبانجي، أحد قامات العراق والمشرق الموسيقية، الذي وقع في حبها وافتُتن بها؛ ورغم محدودية صوت حبيبة مقابل تفرد خامة أمير المقام العراقي الصوتية و قوة حنجرته، إلا أنه أصر على تسجيل أغنية معها بعنوان أصلي و أصلك بغدادي.

حاول الكثيرون خلق أسطورة من حياة حبيبة الكل” – كما كانت تُلقّب لما كان لها من تأثير على سنوات العشرينيات في تونس، إلى درجة أن الصحافي التونسي حمادي عباسي، في كتابه مدينة تونس تغني وترقص، وصل به الأمر إلى القول بأنها كانت أول من أدت أغنية عندك بحرية يا ريس، فيما كانت فوق أحد المسارح ترتدي لباس البحارة. في نفس الوقت عمد آخرون إلى إحاطتها بهالة من التمجيد و تلقيبها بـ شمس المسارح التونسية.

من ناحية أخرى، تحملت حبيبة هجومًا شرسًا من الشاعر عبد الرحمان الكافي، أحد الفلتات الشعرية في الحاضرة التونسية آنذاك، ومن بعض أفراد جماعة تحت السور مقهى كان يقع في جهة باب سويقة في تونس العاصمة، قبيل الحرب العالمية الثانية، كانت تلتقي فيه مجموعة من المثقفين والبوهيميين. تطورت الجلسات بين هؤلاء ليعرفوا باسم جماعة تحت السور، ليمثل الاسم بعدها حركة فنية جمعت بين كوميديين وأدباء وشعراء وكتاب، من أعلامها صالح الخميسي، علي الدوعاجي، أبو القاسم الشابي، الطاهر الحداد، الهادي الجويني ومصطفى خريف كحسين الجزيري الذي انتقد تحررها المفرطوعسكر الليلخاصتها، وهم جمع من الحرس الشخصيين الذين كانوا يرافقونها وتغدق عليهم المال بغاية حمايتها.

لم تكن حياة حبيبة الصاخبة تنبئ بنهاية عادية، فتوفيت بطريقة ميلودرامية، حيث أحرق أحد عشاقها منزلها فيما كانت نائمة وانتحر إثر ذلك.

يعقوب البشيري

في فيلم ريح السد الذي نزل إلى قاعات السينما عام ١٩٨٦، ظهر يعقوب البشيري بصورة المحتفل بالحياة ونديم الجميع، حيث أدى أغنية حبيت نطل عليكم من كلمات النوري بوزيد، وفيها إشارة نوستالجية إلى الأيام التي جمعت أطياف المجتمع التونسي، في حيز صهر اختلافات الجميع في سبيل تأصيل لهوية شوارعية تونسية شكّلها الاحتفال اللحظي والمشتركعمد المخرج إلى إظهار تأثيرات اليهود على الثقافة التونسية من خلال تأثيث المكان بنبيذ البوخا، الذي كان فخر الصناعة الكحولية المحلية، والمسمى تيمنًا بمبدعها الأول بوخبزة، أحد يهود تونس.

كان يعقوب البشيري معروفًا بتعليلاته وأغانيه الاحتفالية، إلا أنه ردد بعض أغاني المقاومة الشعبية ضد المستعمر والتي تجلّت في شعر الخطاري جمع خاطرة، و هي الواقعة أو المعركة، عندما غنى هالخطرة صارت مكبرها للراحل إسماعيل الحطاب، أحد أعمدة الذاكرة الموسيقية الشعبية. استطاع يعقوب البشيري أن يجرد الأغنية من عباءتها اللحنية الشعبية المصنفة ضمن موسيقى المزود ويصاحبها بالعود فقط، مرفقًا إياها بإبداعٍ مقامي منح خاماته الصوتية قيمة إيقاعية ولحنية جميلة.

هنري طيبي

قد لا يكون العالم الغنائي لهنري طيبي متسعًا وثريًا بحجم سابقيه من الرواد، لكن طرافة الشكل الغنائي الذي ابتدعه من وحي التشرد في شوارع فرنسا، وطرق إلقائه الفريدة، جعلت منه علامة حاضرة في المدونة الغنائية ليهود تونس. ربما كان شغف هنري طيبي بالصور، حين كان في جهة حلق الوادي في تونس العاصمة، هو ما ساعده على إثراء زاده الغنائي. فقد كان مصورًا وجامعًا لكثير من الصور التي وثّقت لذاكرة تونس من الأربعينيات إلى السبعينيات. يستحضر طيبي في كل ارتجال أو أغنية تفاصيل الحياة اليومية في تونس وشوارعها، مثل أريانة أو La Goulette. يتغنى هنري طيبي بهاتين المدينتين المتاخمتين لتونس العاصمة ويستحضر مكونات المشهدية التونسية.

يمكن اعتبار أغنية ربي سيرة حياة هنري طيبي، أغنية الفقير التي كانت السخرية كل كنوزه.

بقي هنري طيبي وفيًا لتونسيته الأصيلة، فهام في شوارع Besannçon في فرنسا محاطًا بأصدقائه من القطط والكلاب، على أمل العودة إلى تونس يومًا ما، غير أن الموت داهمه هناك في ربيع ٢٠١٣.

بنات شمامة

شمامة هو اسم لإحدى عائلات اليهود في تونس. بحسب بعض المصادر، ظهرت أول التسجيلات لهذه الفرقة في أوائل عام ١٩٠٥. وقد غيب الموت جميع أفرادها عام ١٩٣٥. ظهرت الفرقة قبل الحرب العالمية الأولى، ووصلت أوج انتشارها عام ١٩٠٨ضمّت الفرقة كل من كمونة ومنانة وبحايلة، وفي بعض الأحيان كانت معهم امرأة اسمها طيبية؛ وإن ظلت هذه الفرقة مُغيبة عن الذاكرة الشعبية، إلا أنها تعتبر رائدة الأغنية الدنيوية الخفيفة في بداية القرن العشرين وإرهاصات الموسيقى الشعبية التي شهدت بداية التسجيلات الصوتية.

تنتمي فرقة بنات شمامة إلى موسيقى الربايبية التي تركزت بالأساس على آلة الرباب وكانت دائمة الحضور في أوساط العائلات التونسية وفي المناسبات والاحتفالات.

عُرف عن بنات الشمامة كلماتهن الجريئة وعالم المجون الذي صاحب حفلاتهن، ففي كثير من التسجيلات يسكر الحاضرون ويتفاعلون مع الأغاني في تجرد من كل ضوابط المجتمع ونواميسه الأخلاقية، كما نجد في تسجيلَي دير الخمر في الكاس والزين الزين، اللذين يتخللهما مقاطعات من بعض الحاضرين.

من فرط تأثير بنات شمامة على دوائر السميعة والندامى آنذاك، وتحولهن إلى أسطورة تسكن خيال كثيرين في تلك الفترة، تروي بعض المصادر أن أحد الشيوخ هام حبًا بكمونة، حتى أنه بنى لها قصرًا في ضاحية المرسى يعرف الآن باسم زفير.

فريتنا دارمون

كانت معاصرة لحبيبة مسيكة، لكنها كانت أكثر محافظة منها. اسمها فريتنة، وهو تصغير لـ فرتونة الحظ بالعامية التونسية. من أغانيها يا ولفتي طال وعدك.

الإرث اليهودي في الموسيقى التونسية

أشارت العديد من الأطروحات إلى عدم التعامل مع اليهود كقومية، بل كمواطنين لهم الحق في الاندماج في أممهم. ربما يحيلنا هذا التصور – في ظل ثراء الإضافة اليهودية للخزان الموسيقي العربي إلى علمنة الموسيقى، أي فصل الديني الروحي عن الكيان الجمالي للموسيقى، وعن تلك الممارسة اللحنية والإيقاعية التي توسم الفعل الموسيقي. جدير بالذكر أن الموسيقى لم تعش شيئًا من ذلك الانغلاق اليهودي في الجيتوهات، بل نأت بنفسها عن تلك العزلة واندمجت في الحقول الإيقاعية واللحنية التي أحاطت بها، فطبعت موسيقى الغجر وأغانيهم، وأثرت زاد المالوف، وأصبحت دعامة أساسية في تشكيل الهوية الموسيقية لبلدان المشرق لتسكن تفاصيل الأغاني ومكونها اللحني والكلامي.

علمنة الموسيقى قد تعني التخلص من شوائب الحضارة المريضة والإسقاطات المغلطة، المثقلة بالأحكام والمعايير الأخلاقية، وفتح اللحن على تاريخية نشأته بكل ما له من جذور. كما تعني كذلك التخلص من الإسقاط الديني والروحي لصالح الفعل الموسيقي لحنًا وكلمة وإيقاعًا، سمعًا وكتابة وأداءً.

يهود تونس أثروا موسيقاها، فكان الانتصار للذاكرة السمعية، على حساب الاعتبار الديني عبر التحرر الإيقاعي وعكس البساطة التي تسكن شوارعية المشهد التونسي. فلا يكاد المحفل التونسي اليوم يخلو من أغاني راؤول جورنو أو تعليلات الشيخ العفريت أو أغاني يعقوب البسشيري المناسباتية، ولا يكون الحديث عن المالوف أو التراث دون التعريج على إضافات هؤلاء إلى الذاكرة الغنائية التونسية، التي ظلت عصية على اللون الإيقاعي الواحد والمنهل اللحني الواحد والحقل الشعري الواحد، بل ظلت حاملة لشتى ألوان التنوع.