تقع وتقوم | مسار إجباري

منذ انطلاقته في الاسكندريّة العام 2005 وحتى اليوم، اتّجه فريق مسار إجباري الاسكندري نحو تثبيت اسمه على خارطة الفرق الموسيقيّة المصريّة ذات السويّة الإنتاجيّة الاحترافيّة. ضمن هذا السياق أطلق أعضاء الفريق في شهر شباط/ فبراير الماضي ألبومهم الجديد تقع وتقوم في حفلة في حديقة الحرية في الزمالك.

السمة المميزة الأولى لهذا العمل هي التحول في النوعيّة والسويّة الإنتاجيّة في العمل. إذ قام فريق مسار إجباري بإنتاج الألبوم بنفسه، كما أنجز الـmastering الخاص بالعمل في استوديو Sage Audio Mastering في أمريكا، وصمم الغلاف المصمم المصري الشاب أحمد عماد الدين الذي اشتهر مؤخراً بعد تصميمه غلاف ألبوم فريق Pink Floyd الأخير.

أما السمة الثانية، فهي انفتاح الفريق على العديد من الأسماء الشابة في كتابة كلمات الأغنيات. ففي حين تولّى مغني الفرقة الرئيسي وعازف الغيتار هاني الدقاق تلحين الأغاني، تعاون الفريق مع سبعة شعراء لكتابة الأغاني الجديدة. كذلك فقد تعاون الفريق مع عازفين من خارج الفريق مثل هاني البدري على الناي، ومحمد السواح على الترومبيت.

ضمن هذا السياق، من الممكن القول أن أغاني الألبوم على مستوى الكلمات والموضوعات لم تتجاوز موضوعتين رئيسيين: الأولى سنسمّيها أغنيات التفاؤل، ونقصد بها الأغاني الداعية للقيم الإيجابية بالعموم (التفاؤل، عدم الاستسلام لليأس). أما الموضوعة الثانية فتندرج تحتها الأغاني العاطفيّة بالمعنى التقليدي للمصطلح. وهي في حالة الألبوم كلمات وجدانيّة يوجهّها شاب لفتاة يحبها.

سنحاول التوقّف قليلاً عند كل أغنية على حدى، لمعاينة بنيتها الفنيّة، ورصد اختلافها عن باقي الأغاني في الألبوم ككل.

تقع وتقوم

لا يقتصر الأمر على إعطاء عنوان الألبوم ككل، بل من الواضح أن الأغنية تشكّل المادة الخام لهويتها الموسيقيّة والشعريّة. فمن جهة هناك الكلمات المتفائلة المجرّدة من أيّة إسقاطات واقعيّة، إلاّ في إطار الحالة النفسيّة الجمعية للشباب المصري، كلمات مثل أنا صابني الحزن ما عرفتش ليه، وعاندني الحزن قدرت عليهويا بحر حلفت أني أعديه، ويفوت العمر لو استنيت“.

عمومية الكلمات هذه وخفتها تشكلان صفة أساسيّة على طول الألبوم، وتفرضان نمطاً من التوزيع الموسيقي لملء فراغات الكلمات القليلة بالموسيقى.

أوقات

في الثلث الأول من الأغنية، تشكل الموسيقى أرضية شبه محايدة لرصف كلمات أمار مصطفى، وحتى في الثلث الثاني حين ينسحب صوت المغني، ويترك مساحة صغيرة للغيتار الكهربائي، فإننا لا نستطيع تحقيق انسجام مع صوت الغيتار بسبب استمرار صوت الإيقاع الرتيب، والذي يشعرنا بقرب دخول الصوت البشري في أيّة لحظة. الأمر الذي يحدث فعلاً بعد أقل من دقيقة واحدة.

أما النهاية فتبدو وكأنها ملصقة على الأغنية من دون أن تكون من جسمها الأصلي، وكأنه توّجب قفلها بعد الانتهاء من سرد الكلمات.

إنك تطير

لا يقتصر الشبه بين أنك تطير وأوقات على أن أمار مصطفى قد كتبت كلمات الأغنيتين فحسب، بل من الممكن القول أن الأرضيّة الموسيقيّة المحايدة تستمر بالتكرار في الأغنية، وإن استخدام آلات أخرى لإفساح المساحة لصوت هاني الدقاق في التركيز على نهايات الكلمات المغناة يتكرر أيضاً.

المختلف من ناحية الكلمات بين الأغنيتين أن كمية الحشو في الكلمات تزيد هنا، فنشعر بأن كثيراً من الكلمات قد أضيفت للحفاظ على الوزن فقط حلمك هنا ما بين إيديك، موجود هنا قدام عينيك“. وبالعموم فإن توزيع الأغنية برمته يقترب كثيراً من نمط الأغنيات الإعلانية المصريّة كتلك اللي تنتجها فودافون.

عطشان

الجيد في الأغنية أن الفرقة تفرد مساحة كبيرة نسبياً لآلة الناي البعيدة نظرياً عن آلات الروك التقليدية، ولكن على الرغم من هذا البعد فإن أداء هاني البدري الملفت على الناي، وكذلك التوزيع المتوازن للأغنية، أدّى إلى إدغام صوت الناي بسهولة ضمن الجمل الموسيقية، ونستطيع أن نتلمس ذلك بوضوح في الدقيقة الأخيرة. حيث يبدو أن تأجيل الجمل الموسيقية القوية لنهاية الأغنية سمة مميزة للعمل ككل.

ومن جهة أخرى يذكرنا توزيع النصف الثاني بتوزيع أعمال سابقة للفرقة مثل مرسال لحبيبتي مثلاً، ولكن الفرق الحاسم يتجلّى في نوعية الكلمات، والتي أصبحت أقل أصالة وجدّة في هذا الألبوم.

لسا الدنيا

في لسا الدنيا، لا يحاول التوزيع لي عنق الموسيقى لجهة الكلمات، بل يحاول التوفيق بين الاثنين وقد وفّق في ذلك، وخاصة في النصف الثاني. لكن تبقى المشكلة في نوعية الكلمات التي كتبها محمد السيد والتي تغرق في تفاؤل مثالي، يتحدث بضمير الجمع. وبذلك تظهر الأغنية كذروة لأغاني التفاؤل في العمل.

قلبك ده عنواني

تشكل الأغنية خياراً جيّداً ومختلفاً في الألبوم، وذلك من خلال إعطاء الصدارة لعزف الترومبيت الذي أداه محمد السواح بسويّة جيدة. يضاف إلى ذلك التجاوب العالي بين هذا العزف، وبين باقي الآلات. كما يتضح أن كلمات دعاء عبد الوهاب في هذه الأغنية كانت أكثر توفيقاً، وذات حميمية في اللهجة المصرية افتقدناها في مجمل العمل.

صباحك

جاءت بنية صباحك متماسكة، ومشابهة لروح مسار إجباري التي استمعنا إليها في أعمال الفرقة السابقة. ساعد في ذلك التوزيع الذي اعتمد على تكرار تيمة غيتار كهربائي في بداية الأغنية تختفي وتظهر بالتناوب مع الكلمات، وخلفيّة إيقاعات وكيبورد بسيطة. كما ساهم في هذا التماسك عفوية كلمات محمد ابراهيم وابتعادها عن الحشو مقارنة بأغانٍ أخرى في الألبوم.

زيك أنا

تبدوا بداية الأغنية مثالية من دون أي استعجال لرصف الكلمات، بل على العكس: تدخل الجملة الأولى زيك أنا مقسوم ما بين الضفتينبانسيابيّة كبيرة، ثم يلتحق الإيقاع بالكلمات بذكاء قبيل انتهاء الكلمات الأولى. ولكن حين ندخل في الدقيقة الثانية تخذلنا الكلمات التي لا تتجاوز اللمعة الذكية في الجملة الأولى، بل على العكس، تدخل في الحشو أوقات بحس إننا، شمس وقمر، طريقين سفر، ما بيتلاقوش، أغرب ما بين كل الوشوشليستمر متن الأغنية بالوتيرة ذاتها تقريباً، من دون محاولة لخلق جدل بين الموسيقى والكلمات. التأني المتقن في بداية الأغنية نعود ونلتمسه في نهايته. مع إفراد دقيقة كاملة للموسيقى، ولإنهاء الأغنية، بجرعة جديدة من الموسيقى، بعد تركيز التوزيع على الكلمات. لكن هذه النهاية –على جودتهاتأتي متأخرة.

انتظار إجباري

من سوء الحظ أن الاحترافيّة العالية التي اشتغل بها الفريق على هذا العمل ترافقت مع انخفاض في السوية مقارنة بالأعمال السابقة، أو على الأقل بخفوت لبريق مسار إجباري الذي كنا نلمسه بشكل غير منتظم في أعمال سابقة مثل مرسال لحبيبتي واقرا الخبر أو حتى إعادتهم لتوزيع أعمال من التراث الموسيقي المصري.

لم يكن تعامل الفرقة مع شعراء شباب مختلفين نقطة قوة لصالح الألبوم، بل على العكس، أثّر هذا التعاون سلباً على العمل، وتجلى ذلك في كلمات كانت سمتها الأساسيّة قلّة كثافة المعنى، والكثير من الحشو في المبنى.

وعلى الرغم من بعض اللحظات الملفتة خاصة في تلك التي تعاونت فيها الفرقة مع عازفين آخرين، إلا أن التلحين الذي أنجزه هاني الدقاق لم يستطع أن يدفع بمسار إجباري كثيراً إلى الأمام، الأمر الذي يتركنا في حالة انتظار إجباريلعمل جديد تتجاوز فيه الفرقة السكندرية هفواتها في تقع وتقوم“.

(تم تعديل المقال في ٧ تموز وحذفت فقرة تتعلق بأغنية “كانت هتفرق بالوداع”)