الرابر الكويرية التي تكتب أغانيكم المفضلة

كتابةمعازف - February 17, 2017

بعد سنوات من العمل الكادح في الاستوديو وظهور اسمها على أغلفة العديد من الألبومات، تسعى جزِل اليوم للبروز في مشهد الهيب هوب، فهل جمهور المشهد مستعدٌ لها؟

يجمع الفيديو الأخير لأغنية پَف دادي آند ذ فاميلي، يمكنك أن تكوني حبيبتي، ما نتوقعه ومالا نتوقعه من فيديو لدادي. يبدأ باستعراض الترف الفاحش، حيث يلف ثوب استحمام فيرزاتشي شون كومز (بَف دادي) الذي يحمل كأس شايٍ متبخترًا في أرجاء قصره. يمهد مونولوج تبجحي الطريق للازمة اللعوبة “لا يمكنك أن تكوني فتاتي، لكن بإمكانك أن تكوني حبيبتي” التي يتأوه بها تاي دولا ساين غير المكترث بالالتزام بالعلاقات، بينما يغازل پف حصته اليومية من النساء. كلا الرجلين محاطان بعارضات شابات يرتدين قمصانًا ضيِّقة ويبدو عليهنَّ حماسٌ فاتر، وكأن المشهد مسافر بالزمن من عام ١٩٩٧.

لكن عند وصول الفيديو لدقيقته الأولى و٤٤ ثانية، تدخل المشهد امرأة نحيلة بضفائر شعر معقودة، تعبث مع الكاميرا ومع باقي الفتيات اللواتي يرافقنها. هي المؤدية الرئيسية لا مجرد زينة جانبية، بقميصها الأبيض تحت سترة مزدوجة الصدر مزينة بأزرار ذهبية مترفة. هذه هي جليندا بروباي المعروفة بـ جيزِل، الرابر بنت الثمانية والعشرين عامًا التي قضت السنوات الأربع الأخيرة تجمع كلمات الأغاني التي كتبتها لفنانين مثل كانيه وست وسنوب دوغ وبووزي بادآس وكيفن جيتس وجي إيزي وإيجي أزاليا وترافِس سكوت وتي آي. هنا ينضم لهم تاي دولا ساين وبافي، اثنان من أقرب أصدقائها.

“بإمكانك أن تكوني حبيبتي” هي أول قفزة كبيرة لجيزِل من الكواليس إلى الضوء، لكن يمكن الحصول على جرعة مكثفة من شخصيتها من قناتها الخاصة على يوتيوب. في الفيديو ذو الميزانية المنخفضة الذي قامت بإنتاجه عام ٢٠١١، قدّمت جزِل أداءً حرًا فوق أغنية درايك، ذ موتو، قبل أن تجلس في مقابلة أجريت معها. “قد أقيم يوماً مفتوحاً أرحب في بكل الزنوج لمبارزتي، رؤيتي ومناداتي بالمثلية أو السحاقية وكل هذا الخراء”، تسترسل مفاخرة: “نعم صحيح، أنا مثلية وسحاقية ونساؤكم يحبّن ذلك”. يتدخل صوت رجل من خلف الكاميرا معلقاََ: “العديد من الفنانات الإناث يجدونك مصدر خطر!”، ترد جزِل بابتسامة ساخرة: “وأنا أجدهن جذابات”.

رغم التحسن الذي لحظناه السنوات في الماضية، إلا أن الهيب هوب لا تزال سمعته سيئة فيما يخص التعامل مع النساء وغير الغيريين جنسيًا. غالبًا ما يتم تهميش مؤديات الراب ولا يتاح لهن التنوع في الشخصيات الأدائية المتاحة لدى نظرائهنَّ من الرجال، غالبًا ما تحاك طريقة تصويرهنَّ أو تقديمهنَّ لتلائم المنظور الذكوري الغيري جنسيًا. استخدمت ليل كيم ونيكي مِناج وغيرهنَّ مظاهر فائقة الجنسانية كحصان طروادة للتسلل عبر الأفكار الذكورية المسيطرة والتمكن من فرض وجودهنَّ بقوة، لكن جنسانيتهنَّ الواضحة لطالما كانت عاملًا في سياق التسويق والعرض.

هناك استثناءات، استطاعت فنانات مثل إم سي لايت وكوين لطيفة ودا برات وميسي إليوت شق طريقهن نحو النجاح بعيدًا عن التقيد بالصور النمطية المعتادة، لكن تأخذ ضريبة عدم الخضوع لما هو مريح ومألوف شكل إشاعات وتكهنات مريبة. حتى وقت قريب، كان ظهور مؤدية راب غير غيرية جنسيًا وامتلاكها مجالًا مهنيًا رحبًا شبه مستحيل. لكن في الوقت عينه، يعتقد شخص مثل پافي الذي يمكن تصنيفه كأحد حراس الهيكل، أن هذه الأيام قد ولّت أو شارفت على الانتهاء. “يميل البعض للتقليل من تعقيد الهيب هوب وتطوره”. أخبرني في مكالمة هاتفية، “لا أعتقد أننا لا نزال نعيش في الزمن الذي يأبه به الناس لما يفعل الآخرون في حياتهم وشؤونهم الشخصية”.

لا يزال دخول غير الغيريين جنسيًا مشهد الهيب هوب أمرًا غير محقق – إذ لا يوجد حتى الآن مغني راب مثلي بشكلٍ علني في مشهد الرابرز الأكثر بروزًا – لكن القبول والاحتفال بغير الغيريين قد بدأ بالوصول لأصناف مجاورة للهيب هوب، مثل سيد ذ كيد من فرقة ذ إنرتنت وفرانك أوشن، حيث يمثلون انحسار رهاب المثلية. كذلك بدأنا بسماع ضجة مرافقة لظهور قادمين جدد في مشهد الهيب هوب، مثل يونج إم آيه التي حصدت أغنيتها أوووه على أكثر من ثلاثين مليون تشغيل على يوتيوب وساوندكلاود وسبوتيفاي خلال الأشهر القليلة الأخيرة.

تعزو جزِل هذه النقلة بشكلٍ جزئي إلى عصر الشفافية الذي نعيشه اليوم. “تتحول بعض الأمور التي كانت تعد عيوبًا إلى نقاط إيجابية اليوم”، تقول الرابر التي اعترفت بمثليتها في سن الخامسة عشرة. “يطمح الناس عامةً الى المزيد من الفردانية والأصالة”. من حيث ترى الأمور، لا ترى جزِل نفسها معنيةً بقيادة حملة لجعل الهيب هوب أكثر تقدميةً، حيث لا بد ان يصبح مشهد الهيب هوب أكثر انفتاحًا نتيجةً لنجاحها. فهي ترغب بفرض نفسها على المشهد عبر أعمالها لا عبر المحاججة.

في يومٍ ربيعيٍ دافئ ومشمس في مدينتها الأم، لوس آنجليس، لا تقضي جزِل وقتها بصحبة عارضات وشخصيات عالم الترفيه، بل في بيئتها الطبيعية التي اعتادت قضاء الوقت فيها منذ زمنٍ طويل، الاستوديو، وبالتحديد استوديوهات أمريكان الواقعة في شمال هوليوود. هناك تناقضٌ حاد بين الطقس الحار خارجًا والاستوديو الذي حولته المكيفات لثلاجة لحوم أكثر منه ملاذاً إبداعيًا. حتى مهندس الصوت يلتحف بمعطف ذو قبعة.

على كل حال، تجد جزِل نفسها مرتاحةً. ترتدي قميصًا ذو أكمام طويلة تمتد أزراره المغلقة حتى الرقبة، بنطال أسود ضيِّق ممزق الركبتين، وضفائر تبدو كوشاح رأس أسود – مركزةً على المهمة في متناول يديها. قررت جزِل أنه بعد أعوام من إضافة لمستها على أعمال الآخرين، حان الوقت لتخرج بموسيقاها الخاصة. عندما دخلت الاستوديو حيتني بمصافحة خاصة وشرحت لي أنها تعمل على أغانٍ تجريبية لمشروعٍ خاص وشخصي، أطلقت عليه مؤقتًا اسم إكسبو، الاسم مشتق من حي يقع في جنوب وسط لوس آنجليس ويدعى جادة إكسبوزيشن، حيث اختبرت خلال سنوات مراهقتها كل شيءٍ، من قبلتها الأولى لفتاة، حتى خسارة صديق بسبب العنف المسلح.

إحدى الأغاني التي تعمل عليها جزِل مكتوبة من منظورها هي، عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها.  تتحدث الأغنية عن طلبها من تاجر مخدرات محلي أن يفتح لها باب المهنة: “يا رجل المخدرات، ممكن أركب معك بسيارة المارسيلاجو (سيارة من نوع لامبورجيني)، عبين ما تطفي، رح أخلي عيني مفتحات من الشرطة، بس سوق عمهلك، خليني أخذ شفطة بعدين علمني عالصنعة”. في ذلك الوقت، كانت تغريها حياة الشارع التي اجتذبت بعض أصدقائها وحتى والدها الذي كان عضوًا في عصابة رولين سيكستيز كريب. “أردتُ القيام بنفس الهراء الذي كان يفعله أقراني، بيع المخدرات وما شابهه، حاولت الانخراط في تلك الأجواء قليلًا لكنني لم أستطع التعمق بها لأن من هم أكبر سنًا منعوني في ذلك الوقت”. لطالما آمن أؤلئك المحتالون القدامى الذين ألفوا حياة الشارع وحفظوها المزيد بتلك الفتاة كبيرة الشخصية وذات الموهبة في نظم الإيقاعات. في مكانٍ ما في داخلها، آمنت جزِل بنفسها أيضًا.

“غالبية كتاب الأغاني يلتزمون بالكتابة عمَّا طلب منهم أن كتبوا، لكنها [جيزل] تقوم باستحداث مفاهيمها الخاصة. هذه هي الطريقة التي عمل بها فاريل”.

تيدي رايلي عن جزِل.

غداة لقائنا التعارفي الأول في استوديوهات أميرايكان، تصحبني جزِل عصراً في جولة إلى مواطئ قدمها القديمة في لوس آنجليس الجنوبية. تجولنا في سيارة عبر شوارع جفرسون وليمِت بارك وكرينشو وكيا سيدان. هذه الأماكن هي التي شكلت جيزِل، كونها بنت أسرة بليزية بليز: دولة ذات نظام ملكي دستوري في شمال أمريكا الوسطى أمريكية شديدة الروابط، مما برر امتلاك جزِل ذكرى مرتبطة بأحد أقربائها في كل مكانٍ مررنا به، كالسوبرماركت الذي اعتادت على شراء المنتوس واللبان منه لجدتها كل أحد قبل الكنيسة. في بعض الأماكن تختلط ذكريات مؤلمة بأخرى عزيزة، كموقع مطعم فات برجر الذي اعتادت ارتياده وفي الوقت عينه هو المكان الذي أصيب فيه والدها بطلقٍ ناري ذات مرة.

gizzletall2

توقفنا عند بيت جدتها القديم في جِفرسون، مكان لم تزره منذ أكثر من عقدٍ، حين كان ملاذًا لعائلتها الكبيرة وسواهم، لكن وضعه الحالي في حالةٍ يرثى لها. يجلس مجموعة من الرجال السود رماديي الشعر والمنهكين على عتبة المنزل. يخرج رجل في منتصف العمر يدعى هنري ويبدو مفتقدًا لعددٍ من أسنانه من المنزل، ويوضح أنه في خضم تحويل المكان لمأوىً ديني للمشردين. هنري كاهن يوفر الملجأ والطعام للرجال القاطنين هنا، مر جميعهم بظروفٍ صعبة تركتهم بلا مأوى. يصحبنا في جولةٍ في المكان وتلاحظ جزِل ما قد تغير فيه. خلال مغادرتنا، يطلب القسيس هنري من جزِل تخصيص بعض الوقت للتطوع في المكان فتوافق. بعد ركوبنا السيارة وقبل أن تبدأ بالقيادة، تتوقف جزِل لوهلة، تأخذ نفسًا عميقًا وتلملم نفسها. “(المنزل) كان بحالٍ مزرية، لكن هذه التغييرات التي يقوم بها، هدفها، أمرٌ مدهش”. وهو ما أرادت جدتها القيام به في هذا المكان.

توجهنا إلى كنيسة تشغل واجهة شارع في الجزء الغربي من المدينة لرؤية ما إذا كان بإمكاننا العثور على القسيس الذي عرفته جزِل في طفولتها. حالما ركنا السيارة لمحها شخص يقود سيارة دودج تشارجر سوداء، هو مغني الراب جاي ٣٠٥، صديق قديم لها، وشخص سريع بتحيته ووداعه حيث لا “يجب أن يتواجد في الأرجاء”. تخبرني جزِل أنه من حيٍ لدود، لذا فإن قضاءه الكثير من الوقت هنا قد يشكل خطرًا عليه.

بعدها بلحظات اقترب منا رجلٌ متشرد كبير السن، مرتديًا سترة منفوخة ومجموعة مسابح ماردي جرا ونظارات مخبرية. “كوول بريز، أهذا أنت؟” هتفت جزِل وهي تخرج بعض الأوراق النقدية وتخبره بأن “يشتري بعض الطعام”. الرجل هو مدمن الحي الذي يروم الشوارع منذ طفولته. تخبرني جزِل أنه لم يكن على هذه الحال دائمًا، قبل إدمانه كان “لعوباً، قوادًا”، ذا عضلات وذوق خاص باختيار ملابسه.

بعد أن يثبت بحثنا عن القسيس عدم جدواه، نعود إلى سيارتها ثم إلى الطريق حيث نقود على طول الأحياء الممتدة في جادة إكسبوزيشن، حيث انتقلت جزِل بعد وفاة جدتها. “هنا تمامًا التقيت بحبيبتي الأولى” تقول لي مشيرةً إلى منزلٍ رباعي الشقق في الطرف الآخر من الشارع. “هنا وقعت في الحب للمرة الأولى. كانت تعيش في هذا المبنى”.

سنوات مراهقة جزِل كانت محورية فيما يتعلق بتشكيل هويتها وبدء ما أصبح لاحقًا حياةً مهنية في مجال كتابة الأغاني. أطلقت على نفسها في وقتٍ مبكر اسم لايدي جي د ريل ديل، فتاة استثنائية متصبينة لم تكن تتوقف على أداء الراب. كانت تغني في عروض المواهب في المدرسة، في الاستراحات بين الحصص، في الحفلات، وللفتيات التي أعجبت بهنَّ على الهاتف، وأخيرًا انتهت بها الأمور في الاستوديو لتسجيل أغانٍ تجريبية مع منتج تسجيلات روثلس ريكردز، ريذم دي. تحت اسم لايدي جي، سافرت جزِل عبر لوس آنجليس وسواها من المناطق المجاورة كمقاطعة سان برناردينو، لتشارك في مبارزات الراب هناك حيث تمت ملاحظتها من قبل كدا لاڤ Cudda Love الذي كان يعمل وقتها مع تسجيلات فور ريل إنترتينمنت، وكان قد عمل كمدير أعمال لأمثال نيلي وماشيه. طلب منها كودا لوف أن تكتب أغنيةً لفنانٍ يدعى بي تو كي الذي كان عضوًا في فرقة ليل فيز، وكانوا قد وقعوا معه عقدًا للتو وهو في أوج مسيرته.

لم تكن جزِل قد كتبت أغانٍ لفنانٍ آخر من قبل، لكنها أثبتت جدارتها وكتبت خلال سفرها على متن حافلة أغنية بِدز التي نجحت تجاريًا في ذلك الوقت. عملها على هذا المشروع نقلها من حي فقير في المنطقة الوسطى الجنوبية إلى شقة فخمة في بيفرلي هيلز في نفس المجمع السكني الذي كان يسكنه فو ريل، حيث عملت هناك مع كودا لوف وفيز على كتابة الأغاني. كانت أولى الأعمال الكبيرة التي حملت اسمها الجديد، جيزِل، قد أنجزت برعاية معلمها الأول، المنتج والموسيقي تيدي رايلي، الذي صدف أن يكون أب اخيها الروحي.  كان رايلي في ذلك الوقت يتهيأ لإنتاج ألبوم سنوب دوج، إيجو تريپن، الصادر في ٢٠٠٨، ودعا جزِل لمساعدته في كتابة الأغاني.

gizzletall1

“في ذلك الوقت، لم تكتب الفتيات أغانٍ للشباب” تقول، “كتبت أغانٍ كاملة قام سنوب دوج بأدائها كلمةً بكلمة”. كان رايلي منجذبًا الى جزِل لموهبتها التي تتعدى الإلقاء لتشمل إضفاء السياق – موهبة نادرة. “لقد رأيت سنوب دوج يسأل: لايدي جي، ماذا كنتِ ستفعلين؟ ما رأيك بهذه القطعة؟” يقول رايلي على الهاتف. “أغلب كتاب الأغاني يلتزمون بالكتابة عمَّا طلب منهم أن يكتبوا، لكنها تقوم باستحداث مفاهيمها الخاصة. هذه هي الطريقة التي عمل بها فاريل”.

“جزِل بحاجة الى من يجاريها، إذا أردت أن تقوم بعمل مشابه لما يفعله الآخرون، فغالباً ستضيعُ وقتها. ستحتاج إلى منظور متميز، خاصة إذا كنت تحاول الخروج بعمل سيهز الساحة” — ديدي عن جزِل

بالعودة إلى الاستوديو، يجلس مهندس الصوت خلف ميكسر الصوت ويشغل بيت تكتب جزِل كلمات أغنية على إيقاعه. هناك ورقة وقلم، لكنها تستمر في دخول وخروج حجرة التسجيل دونهما، تقوم بملء الفراغات لأغنية برود داي Broad Day. يشير العنوان إلى قصة إطلاق النار على صديق مراهقتها، ديون، في حيهما القديم في جنوب وسط المدينة. عثرت على التدفق الموسيقي وبعض الكلمات، لكن البقية لا تزال في حالة خربشات إيقاعية. كنحاتٍ يعمل على الصلصال، تقوم جزِل بتشكيل وإعادة تشكيل هذه الخربشات، حتى تبدأ الأصوات المبهمة بالتحول إلى كلمات وتلك الكلمات إلى مقاطع ولوازم ومقاطع تليها.

في الركن البعيد في الغرفة لوح أبيض كتب عليه بأحرف كبيرة “لا خوف، فقط تركيز”. و تحت هذه الكلمات كتبت قائمة المشاريع التسجيلية ذات الأولوية التي يجب العمل عليها. بعضها مرتبط بمشروعها الخاص ومجموعتها، ترن إت أب Turn It Up، والبعض الآخر مرتبط بتعاونات مع فنانين آخرين قاموا باستكتابها. بمساعدة مهندس الصوت تقوم بقص ولصق أفضل المحاولات التي تم تسجيلها لكل مقطع ولازمة، وتقترب الأغنية أكثر نحو الاكتمال.

هذه التقنية هي واحدة من ترسانة طرق عمل طورتها أثناء مساهمتها في كتابة أغانٍ كـ فَمبل لـ تراي سونغز، أو نِفر كاتش مي لـ ترافيس سكوت، أو سايفد لـ تاي دولا ساين. تاي الذي يعمل مع جزِل منذ ٢٠٠٨ قد انجذب إلى انفتاحها وبراعتها كشريكة في كتابة الأغاني. “بإمكانها الحديث عن أي شيء” يقول تاي، “أعبث معها على كل مستوى حين يتعلق الأمر بالكتابة، لكن يبدو أن لا شيء يثير خوفها”. رغم أنها احدى النساء القليلات من النساء التين يكتبن لرابرز ذكور، إلا أن تاي يجد هويتها غير الغيرية جنسيًا كميزة: “تستطيع رؤية جانبي الموضوع لأن جزِل لديها فتياتها أيضًا”.

خلق أغنية هو شيء غامض، بل حتى روحاني. قليلون هم الفنانون الذين يميلون للحديث عن القيود التي يواجهونها خلال الكتابة والإنتاج. لكن هذه العملية المعقدة والغامضة بالأصل تزداد غموضًا حين يتعلق الأمر بالهيب هوب، حيث التعاون مع كتاب أغانٍ هو أمر اشكالي – بالرغم من أن المؤدين قد غنوا كلمات غيرهم منذ رابرز ديلايت في ١٩٧٩. ذلك أن تركيز الهيب هوب على الواقعية وعلى صيغة المتكلم قد جعل من عمل كتابة الأغاني أمرًا مسكوتاً عنه. مما يجبر الكتاب على التخفي، حيث يذكر اسم الكاتب بطريقة ملتوية، غير مباشرة ودقيقة، أو يسقط ذكره نهائيًا – فيأتي التعويض المالي مقابل موهبة الكاتب وقبوله بالتخفي.

لكن الخلاف الناشب بين ميك ميل ودرايك العام الفائت أثبت لنا أن المواقف الحادة حيال كتاب الأغاني قد بدأت تلين. وعند هذه المرحلة يبدو أن الرأي العام لسماع الموسيقى يختزل بعبارة: “اذا كانت الأغنية فاجرة، مين سائل عن كاتبها؟”.

أحد أكبر داعمي جزِل – رجلٌ يعرف بسطر الراب الشهير “لا تقلق إذا كنت أكتب القوافي، فأنا أكتب الشيكات أيضًا” – يوافق على ذلك. “في النهاية، يتعلق الأمر بالأغاني القادرة على الرواج، وإلى أي مدىً يحبها الناس” يقول ديدي. “لا شيء سوى ذلك يهم”. بمفارقة ساخرة، التقت جزِل باف عبر ميك ميل الذي عملت معه على ما أصبح لاحقًا أغنية بيغ دادي لنيكي مِناج في ٢٠١٤. بعد وقتٍ قصير، بدأت جزِل العمل مع باف على ألبوميه إم إم إم ونو واي آوت MMM and No Way Out. “جزِل بحاجة الى من يجاريها، إذا أردت أن تقوم بعمل مشابه لما يفعله الآخرون، فغالباً ستضيعُ وقتها. ستحتاج إلى منظور متميز، خاصة إذا كنت تحاول الخروج بعمل سيهز الساحة”، بحسب ديدي.

gizzle7902

حتى عندما يتعلق الأمر بالكتابة للآخرين، تسعى كلمات جزِل لملاءمة غرضها بشكلٍ مفصل، فهي لا تعتمد على أسلوب عام يصلح مع الجميع كما يفعل مستكتبون آخرون. بدلًا من الولاء لدفاتر الشيكات الخاصة بشركات التسجيل، تحاول جزِل فهم الفنانين الذين تعمل معهم، وترجمة الهدف الإبداعي لرابر ما ليس بالأمر السهل إطلاقاً: “أنا حيث يكون الفنانون، أتحدث معهم، أتسكع وأحتفل معهم، لأعرف تمامًا ما يدور ببالهم”. وبالرغم من أنها كتبت أغانٍ كاملة لعدة فنانين، إلا أنها توضح أن دورها في خلق أغنية غالبًا ما يكون أصغر من ذلك. “لو كنت أعمل على أغنية مع تي آي أو كانيه أو جاي زي، لا تظنّ أنني اكتب لهم اغانيهم!”.

بالنسبة لجيزِل، كاتبة الأغاني لا يجب أن تخلق كلمات الأغاني واللحن لوحدها. في الاستديو مع العملاء، تتنقل بين أدوار الكاتبة والمدربة والمحررة وصاحبة الفكرة وحتى دور الشخص الذي يهيئ الاستديو كبيئة مثلى للإبداع. “أقوم بأيٍ شيء يقتضيه مني الدور”، تقول جيزِل، “حتى لو كان ذلك يعني أن أهيئ الأجواء أو أعطي دفعة دعم مثل: شغلك نار، أو: فيك تعمل أحسن من هيك. كل ذلك يناسبني”. معظم الأعمال العظيمة تأتي نتيجة جهد تعاوني، والأغاني ليست استثناءً: “على الناس ألا يكونوا متزمتين تجاه العملية الإبداعية – هناك القليل جدًا من الأغاني الممتازة التي لن تجد خلفها سوى اسم شخص واحد أو اثنين”.

بالطبع جزِل بحاجة الى أغانيها الخاصة لتصبح النجمة التي تصبو اليها. في استراحة موجزة بين العمل على الأغاني، نتحدث عن المستقبل. “راح أدخل المشهد بشغل قوي، لو بتتمنيك علي بتكون بتتمنيك عشغلي، لو لأ، مش بيهم، أنا داخلة عكل الأحوال”. تقول جزِل بين قضمات ثمرة فاكهة، مظهرةً نفس الاعتداد بالنفس الذي أظهرته في فيديو اليوتيوب منذ خمس سنوات.

الجلي الآن، انّ جزِل تمتلك الموهبة والعلاقات التي ستمهد لها الطريق للنجاح: هي حاليًا جزء من جولة باد بوي فاميلي ريونين الخاصة ببافي، وتفكر بإصدار ألبومها الأول في  بداية ٢٠١٧. لكن ماذا لو لم تفلح خطتها ولم تنجح بترجمة منظورها المتفرد للجماهير؟ “وقتها راح ضب غراضي وأستقيل – بمزح!”. هدفها لا أن تصبح أغنى وأفضل رابر على قيد الحياة. “أنا جادة في عملي وأود أن تلاقي هذه الجدية تعويضها المناسب” تستنتج، “أنا ماهرة جدًا، وكل ما أريد القيام به هو تسجيل موسيقى جيدة”. ندردش لخمس دقائق أخرى بعد، قبل أن تستأذن وتنسحب لحجرة التسجيل. حان وقت العمل.


ترجمت المقال عن پتشفورك بيسان رمضان. دققه وأخرجه عمار منلا حسن وزينة حلبي.