صباح تمرين على السعادة

 

مقال ضمن عدد من المقالات تحت عنوان «أنا كدة، أنا كدة»: في فنّ صباح وتفرّدها

لسنوات طويلة لم أبن علاقة مع صباح. كنت متحزّبة لفيروز، وأستطيع حتى أن أقول أنني لم أحب صباح. لكن صوتها كان يربك مشاعري لأنّني كنت أجده جميلاً، وكان بإمكانه أن يطربني.

حين كنت أشاهدها على التلفاز الصغير وأنا مراهقة، ثم شابة، كانت ابتسامتها الدائمة تشعرني أن ثمّة أمراً مصطنعاً فيها، ابتسامة مونوتونأقول لنفسي: تبتسم لأي شيء تسمعه ولأي شيء تقوله. كانت دائما زابطةومرتاحة. لكن صباح باتت أكثر قرباً لي حين كبرتْ. وربما في تلك المرحلة صارت أكثر قرباً لنفسها أيضاً.

أنا التي كنت أنتمي إلى شباب المظاهرات واليسار وعشيّة الحرب الأهليّة في لبنان، كنت أراها هكذا، بمعنى ما كانت تمثل اللبنانالذي اعتقدت في ذلك الوقت (السبعينيّات) أنني كنت في المقلب الآخر منه. الخلط بين السياسة والذائقة الفنيّة كان كبيراً، وكان من الصعب أن أفرّق بين ماذا يقول الفنان وكيف يفكّر، وبين نوعيّة صوته وخامته: ماذا يقول وإلى من ينتمي في السياسة كان مهمّاً جدّاً لي، وإلا كيف كان بمقدوري أن أستمع في ثمانينيّات القرن الماضي إلى مطرب مثل مرسيل خليفة وهو من دون صوت تقريباً.

لكن الأماكن، برمزيّتها، تغيّرت. والأفكار تغيّرت، ونحن تغيّرنا.

فصباح لم تأتِ إلينا، بل نحن ذهبنا إليها. بقيت هي هي ولم تتغيّر في وقت انقسم البلد على ذاته. قد يكون هذا فرقاً مهمّاً بينها وبين فيروز التي قامت بما يشبه النقد الذاتي عبر تعاونها مع ابنها زياد في نهايات القرن الماضي. هكذا أعادت الوصلةمعنا، نحن شباب الحرب الأهليّة، بعد أن كنا قطعنا مع بحبك يا لبنانومع ثقافة لبنانية وطنيةجعلت منها الحرب أكذوبة. فالأسباب التي منعتي من بناء علاقة مع صباح، كمستمعة، في الماضي، هي نفسها تقريباً التي تجعلني الآن أحب الاستماع إلى بعض أغانيها. وهذا ليس تناقضاً، بل تغيّراً طرأ على علاقتي مع الطرب نفسه، مع المتعة بحد ذاتها. صوت صباح رائع، نعم وأنا الآن أتمتع به. فالتغيّر طرأ أيضاً على نظرتي للبنان كوطن وكصورة وكفكرة، وصرت أرى في تفاؤل صباح الدائم قوة داخليّة جميلة. تفاؤلاً راهنَتْ عليه طيلة حياتها. ولذلك، صرت أفهم أكثر وبالعمق ما قصَدتْه بقولها كل يوم بتمرّن على السعادة، على الفرح“.