.
يروّج الفريق لألبومهم الجديد بالاستخفاف بعيوبهم قبل أن يقبض عليها المستمع. فكردّة فعل على موجة السخريّة التي تعرّض لها صوت المغني الرئيسي للفريق أمير عيد المبحوح، بادروا هم بإبراز ذلك في الفيديو الترويجي دليلاً على استخفافهم بهذه التهمة، وترفّعهم عن التصدّي لها في نقد ذاتيّ مازح– وهي ثيمة لن يتخلّوا عنها خلال الألبوم ولا الفيديوهات، مانحةً المقطوعات شيئاً من الوعي الذاتي الذي يشير إلى نضج. في المقابل، يعدّ صوت أمير عيد بصمة الفريق التي لا يمكن التخلّي عنها، ذلك الصّوت الجديد على السوق العربي، الذي اعتاد، بدوره، تقييم الأصوات الجيّدة استناداً على معيار نقائها. ربّنا يكرمنا جميعاً ونخرج من هذا النّقد الذي يقارن بين الصوت البشري وبين صوت الآلات الوتريّة الذي لا يأتي من ورائه سوى المزيد من الأصوات المملّة الخالية من التعبير. ونتكلّم في موضوع آخر.
يتصدّر العمل فئة الأغنيات الشموليّة، وهي أغنيات لا ترتبط كلماتها بموقف معين أو صور محدّدة تضيّق خيال المستمع، بل تلك التي تتحدّث عن الحياة ككل، مع تضخيم للأصوات والتأثيرات لتعطي إحساساً غير مرتبط بزمن أو بموقف، بمنظور عريض يشمل فلسفة تخص الحياة على ضخامتها ويناسبها هذا الصوت. في شقلبة غريبة لتوالي المقطوعات في العمل، فضّل فريق كايروكي البدء بهذه الفئة من الأغنيات التي يمكن أن تناسبه كخاتمة، فيبدأ بأغنية والله ما عايز والتي يمكن ملاحظة تقاربها الشديد في الوزن والكلمات واللحن مع أغنية بننجرح لمحمد منير التي كتبها نفس الكاتب محمود رضوان. إذ يبدو أن الأسلوب المليء بالحكمة في الأغنية وكأنّها مقدّمة للعمل، لتختصر ما تتكلّم معظم الأغاني عنه: “إن الراجل مالوش غير بيته وعياله وإنه عايز ياكل عيش“، ومراته في توصيف قد يثير حنق بعض النسويين تقوم من النوم تفرد ضفايرها صباحاً وتأخذه بالحضن عصراً وتكوي القمصان مساءً وتجلب له راحة البال والعيال، بينما هو يقرأ الجرائد صباحاً ويشرب كوب الشاي ثم يعاود قراءتها مساءً، ربما لضعف ذاكرته ، أو لأنه لم يستكملها، أو لنقص المفردات التي تعبّر عن الحياه اليوميّة وتختزلها في شرب الشاي وقراءة الجرائد كل قليل، ويذهب الى العمل ويرجع ينام.
يلي ذلك أغنية قبل الوصول التي يميّزها أصوات خلفيّة مختلفة تطغى على صوت المغني الأساسي لتعطي مذاقاً جديداً، وبكلمات محمود رضوان أيضاً، ولكن هذه المرة بكلمات سيرياليّة غير ذات معنى دقيق تسعف فقط في خلق خط مصاحب للتصاعد الّلحني بدون إعطاء معنى مباشر: “قالتلي ممكن أبقى غنوة أو قصيدة أو حكاية من حكاياتك، ممكن أبقى فكرة، يوم فبالك تبعدك لو حتى لحظة عن الملل أو ترحمك مالإكتئاب“. حتّى أن اللحن في تصاعده النهائي يكاد يطغى على الكلمات تماماً، في كناية ضمنيّة عمّا يريد الفريق توجيه الاهتمام إليه – وهو اللحن وتوزيعه أكثر من الكلمات ومعناها الحرفي. مقترباً، في تصاعد الموسيقى، من طريقة كولد بلاي مع إيقاع شبيه بالزار مع توزيع غربي وتأوّهات الغيتار الكهربائي لشريف الهواري. تنتهي الأغنية بقوله: “ممكن أبقى حد تاني“، ما يعزّز من سرياليّة الكلمات وعنوان الأغنية غير مفسّر. إلّا أنّها نوعيّة جيّدة من الكلمات تناسب ذلك اللون الموسيقي، حتى إذا لم تساعد المستمع على الانفعال مع اللحن، ولكنها على الأقل لا تفصله. حتّى أن أحد المستمعين علّق على هذه الأغنية في رابطها على الـ“يوتيوب” قائلاً: “الأغنية دي احتواء“، وهذا وصف بليغ.
مقطوعة ثالثة ضمن البداية المتصاعدة للعمل، وهي أغنية جينا الدنيا فلفّة. تتسم هذه الأغنية أيضاً بكلماتها الشموليّة وبترسيخ الشخصيّة الجديدة للفريق الذي يبدو كأنّه وصل للتو للحقيقة المطلقة. إنّما في هذه المرّة تخيب الكلمات قليلاً، لتبدأ كتنويع على ألحان أحمد منيب بنغمة رئيسيّة على العود تُرَصّ فوقها كل موتيفات الأمثال الشعبيّة التي يمكن وضعها في أغنية واحدة في لحن هادئ وببلاغة تمنح الانطباع أيضاً أنّها مقدّمة ونهاية للعمل، وبالتالي: خلاصة الحكمة: “كل يوم تفوت أيام“، “تايهين في دنيا تلاهي“، “محدّش فيها باقي“، “دوام الحال من المحال“، “فيه ناس دنيا وفيه ناس دين، وناس في نص العصاية ماسكين“، “الزمن بيبيع بأرخص تمن“، “وفي النهاية الحكمة بتبان” “الكل بيجري، عايشين فسباق“. ثم تتبنّى الموسيقى مرة أخرى ارتفاع كولد بلاي المفضّل: بداية على نقرات الغيتار وتصاعد تدريجي للإيقاع مع انسحاب صوت العود، لا تستمر ولا تتصاعد لنهاية ملحميّة بالرغم من ملاءمتها لذلك ونكون بذلك قد انتهينا بسلامة الله من المقدمة الطويلة.
يتمتع فريق كايروكي بذكاء شديد بما يتعلّق بتأليف الأغاني المناسبة للأداء الحيّ، ويبدو جليّاً أن الكثير من إصدارات هذا الألبوم ستحظى بردّ فعل جيّد جداً لدى عزفها في الحفلات. لذلك، فضّل الفريق أن يترك الجزء الأوسط من العمل لهذه الأغنيات على مختلف أنواعها الموسيقيّة. فيوجد مثلاً: نعدّي الشارع سوا وهي طبعاً أغنية للحفل الحي تتشابك أثناء غنائها أيدي العشاق، ولا مانع من بعض الاحتكاكات الخفيفة، بكلمات الغزل العفيف المناسبة لجمهور في الثانوية العامة، وهو ما يبدو أنّه الجمهور المستهدف في معظم الأغنيات. فتقول الكلمات في وصف لمشهد متخيّل للبطل وصديقته في السينما أثناء مشاهدة فيلم حركة: “ياما نفسي الفيلم يخلص والنور ينور“، “خايف أقرّب أكتر، خايف أتهور“، وصاحب الكلمات هنا هو شخص واعٍ بالدور المتوقّع منه كذكر أثناء انطفاء نور دور العرض، ولكنّه يخاف على عفّة نفسه من الانحدار في الرذيلة أو القيام بأفعال غير مسؤولة، مؤكّداً على ارتباكه بقوله: “مش عارف أفكر، متوتّر، مش عارف أعبر“. (هنا يباغتني سؤال: ما هو متوسط أعمار فريق “كايروكي” الذي يتوتّر من “الانفراد” بصديقته في السينما؟ وتتلخّص طموحاته في مسك يدها وقطع الشّارع مع بعضهما؟). ولكن صاحب الكلمات هنا بالطبع يتبنّى، دراميّاً، وجهة نظر مراهق في تجاربه الأولى ولا يتكلم عن نفسه بالفعل، ليخلق مشهداً يخصّ الفئة المستهدفة من الأغنية، (وإلا كانت مشكلة) وتتوالى أحداث هذه القصة الصبيانيّة بخروج الثنائي من السينما ليتوهان في الشوارع وتخرج عليهم العصابة ليقوم بالدفاع عن صديقته، فتقع في حبّه أكثر وأكثر وتتشابك الأيدي بشكل عرضي بين الحين والآخر لعبور الطريق مع تكرار قرار الأغنية، حتى تقول له صديقته في مزحة تدل على وعي مبتذل: “لم الدور وروح يا حمادة“، فينتهي هذا الحلم الذي يبلّل السرير بفتح “قلبه” لها ويقول لها “كل الكلام“. وبالرغم من صبيانيّة المفردات والموضوع، إلا ان الكلمات واللحن متسق مع نوع الأغنية كمقطوعة خفيفة جيّدة في نوعها الموسيقي.
يمتاز العمل بصوت جديد على كايروكي خصوصاً، وعلى الموسيقى التجاريّة المصريّة عامّةً، مع مجهود واضح مبذول في التوزيع الموسيقي والـmastering، ويبدو ذلك التجديد جليّاً في مقطوعات مثل مربوط بأستك. تصف الأغنية مشهداً يبدو أنه في بار من الموسيقى والرقص والوجوه المألوفة، مع بعض المفردات التي تبدو مدبلجة لتناسب المناخ العام للأغنية: “أجمل واحدة من غير مجهود“، و“كله عامل فيها مستر بومباستيك” – قديمة أوي بومباستيك دي – يليها لحن قرار فرانز فرديناندي الطابع مع صيحات الديسكو. وهنا يعاود الفريق مرة أخرى ممارسة النقد الذاتي التي تدل على نضج مثلما حدث مع أغنية بنعدي الشارع التي انتهت بأن الفتاه المتخيلة في القصة الدارمية تتعجّب من سذاجة الكلمات، فيقول في هذه الأغنية: “هدوم غالية وناس رخيصة وكله هايص في الهيصة“، ثم لا يستثني نفسه بعد ذلك من هيصته في الهيصة هو الآخر فيقول: “قولتلها أنا غيرهم، أنا مش منهم، وأتاري مافيش فرق بيني وبينهم“. وهنا سوف يخرج علينا في هذه للحظة صوت أوبرالي سبرانو موَلوِل في الخلفيّة، وكأن المغنية كانت تحاول أن تعيد فاجعة The Great Gig in the Sky، لتعيد نفس القرار الحماسي مع إضافة لطم وتقطيع شرايين، الأمر الذي يعدّ إضافة غريبة ولكنها قصيرة ومبلوعة مع إنجاز الاغنية. بشكل خاص أعجبني ذكر السكارى وشمّامين البودرة في سياق طبيعي بدون إعطاء نصائح ولا تصريح بموقف مؤيّد أو معارض، في لفتة رقيقة مفادها أنّها أمور مقبول تواجدها ولا تستحق التنظير والملامة.
ومثل أي فريق مصري على الساحة البديلة، لا يمكن أن يخلو الألبوم من أغاني التوعية والتنميّة البشريّة، رغم أن هذه النسبة بدت أقل قليلاً هنا، وذلك يستحق التقدير. يقصد بأغاني التنميّة البشريّة تلك التي تمتلئ بأفعل الأمر والنهي والحث والترهيب والترغيب، ويتوّج صاحب الكلمات نفسه فيها كصاحب الدّرر الذي لا ينفك يستعرض حكمته وطريقة حياته كدليل استخدام لجمهور متخيل من معدومي الخبرة والمعرفة ينهلون عليه لطلب النصح والهداية. وفي هذا الصدد، لا يبدو أن كايروكي، بتربّعهم على عرش الموسيقى المصريّة البديلة، يختلف عن أي فريق آخر يعطي نصائحه لجمهور يسيل لعابه جهلاً. وتتخذ أغاني التنمية البشرية جزءاً من العمل – مع الأسف – لتفسد ما بدا أنّه توجه جديد. ولكن تبدو كايروكي كغيرها من الفرق في هذا الصدد مصابة بشيء من سيلان الحكمة اللاإرادي، فلنلتمس لهم الأعذار في ذلك، ونقيّم المضمون بغض النظر عن تحفظي الشخصي. وأول الأغاني من هذا النوع المقصود هي أغنية كل حاجة بتعدي، التي تتبنّى نبرة النصح والإرشاد، ولكن بشكل غير مباشر لأن النصيحة هنا ليست نصيحة بقدر ما هي حكمة.
يحسب للأغنية تداخل محسوب من الآلات النحاسيّة البليغ وغير المبتذل: “بكرة مش يوم بكرة ده فكرة“، هذا الصوت النسائي جديد قريب لطريقة عفاف راضي في تخفيف مستمر للحروف الغليظة “ليل تاويل” بدلاً من “طويل“، إضافة إلى مزيج من الكلمات الإرشاديّة والمفردات البسيطة والصوت الناعم واتجاه الموسيقى والكلمات لنغمة متفائلة. كلّها مكوّنات جيدة جداً لأغنية أطفال ناجحة تمنح المستمع البالغ لذّة صبيانيّة خفيفة.
وهذا ما ينسحب على أغنية غمض عينك التي يحاضرنا الفنان فيها – اللي كان من شوية خايف النور ينور في السينما لا يتهور ويتهجم على صديقته – بالطريقة المثلى للعيش: “غمّض عينك، لو حتى دقيقة، إانت الاغنية والدونيا المزيكا، امشي معاها وادخل جواها“، “غنّي بإحساس لو حتى نشاز، الدنيا دوامة وما فيش عوامة، سيب نفسك خالص“، “ماتفكرش فبكرة، صدق نفسك وكده“.
يتبع هذه المهزلة من الكلمات المفككة المفخخة ضعيفة القافية قرار موسيقي جيد وجريء، وهو استخدام أمير عيد طبقة صوت عالية تقترب من الصوت النسائي تخفف من وطء ما سمعناه قبلها. يأتي بعد ذلك فاصل راقص محكم يقارب البوب البريطاني الذي يبدو ذو تأثير كبير واضح على صناعة موسيقى العمل في تأثيراته الصوتيّة.
كما يبدو من عنوان أغنية على الهامش أن الفريق ينوي الآن إثارة الصعبانيّات لجمهور المستمعين. مع مقدمة موسيقية تمهيدية شبيهة بأغنيات أفلام ديزني حينما تتكلم عن الحياة، تدخل الكلمات هذه المرة بطريقة التحليل النّفسي المعكوس، غرضها حث المستمع على النهوض بطريقة الـ: “خلاص خليك على الهامش“، وحينها يهب المستمع من مطرحه ليكسر القيود التي تكبّل إرادته وتقصيه في الهامش، ويقوم ليغيّر حياته على الفور ويصبح مدير بنك.
يأتي مقطع “بتعشق بس مش جداً، وتكره بس مش جداً، مابين الدقة والتانية فقلبك خوف قديم؟ جداً” بقرار جيّد على النقيض من المفردات البسيطة بمعانيها غير التقليديّة في الأغنية المعاصرة، لحثّها على إثارة المشاعر، سواءً بالحب أو الكره. لكنّنا نذهل مرة أخرى بعويل وصرير أسنان من الأصوات الخلفيّة الطموحة. وتنتهي الأغنية على أصابع مداعبة للبيانو لتتركك حزيناً.
كثيراً ما يقترب دور التنمويّ المدافع عن حقوق الفقراء بشيء من الطبقيّة. ولا تخلو الكلمات من الحكم المطلق على الناس. يتّضح ذلك في أغنية ناس وناس ذات النبرة الشعبيّة الطاغية، ولكن غير المناسب لصوت أمير عيد، وإن كانت نزعة التجريب هنا تقدّر من خلال التوزيع الجديد لهذا النوع من الغناء الشعبي. وهذا ما يطرح التساؤل حول اختيارها كأغنية الألبوم، خاصة لما فيها من تجريب في استعادة الغناء الشعبي مع التوزيع الغربي، والكثير من المصطلحات السبعينيّة مثل: “الجبهة” و“العبور“، و“ملامح نصر“، و“الشهدا فـ طابور العيش“. ولا يفهم إسقاط ذلك على أي شيء من واقعنا اليوم . لتتكرر ثيمة أصوات النواح في الخلفيّة مرة أخرى.
تحتاج أغنية البكا بكا إلى تدقيق خاص، لأنها في البداية تبدو كقليد سطحي مقصود لثيمة موسيقات مصريّة ثمانينيّة لتشابه حروفها مع أغنية الكيمي كيمي كا لمحمود عبد العزيز في فيلم الكيف. ولكن إذا تمعّنا في السمع نجد أن كايروكي لن يتركوا نفسهم لتقديم عمل بهذه البساطة. ولكن مع الكلمات الخفيفة واللحن المستساغ، تبطن الرسالة، مع نبرة شجن داخل اللحن الرشيق، ولوم وعتاب للوطن رغم حبه الطاغي. الحقيقة أن الكلمات تحتوي على قيم شجاعة بالفعل، وهي نبرة جديدة على الأغاني التي تتكلم عن مصر في العموم، ولا يقلل من حدتها أن تفسد الكلمات في النهاية بحكمة تقول أن ذلك الهجاء من باب اللوم ومعاتبة الأحباء لبعضهم، لكن بالعكس وعلى غير المعتاد تظل الأغنية حتى نهايتها على نبرة هجاء الواقع بجملة تلو الأخرى، الكثير منها قوي في مضمونها وبسيط في مفرداتها: “نصبوا علينا في حياتنا ولخّصوا كل حكاياتنا“، “أنا ترس فمكنة مش بتدور“. كل ذلك مع لحن خفيف وغير معقّد ومناسب جداً لتفريغ الهموم بالرقص على غير استحياء من الاتهام بالضحالة.
ثم يأتي الشطر النهائي بكلمات جيّدة بعيدة عن الابتذال وبقوافٍ محكمة تعطي رسالة على استحياء لن تتكرر، الرسالة التي لم يتخلّى عنها فريق كايروكي الذين يدينون للثورة المصريّة بنجاحهم، والذين شكّلوا جزءاً هامّاً من الحركة الموسيقيّة المصاحبة للثورة المصريّة. وهي في النهاية كلمات جريئة بالنسبة لفريق جماهيري يعتمد على ظهوره الإعلامي في قنوات تلفزيونية كثيرة لن تعجبهم نوعية الكلمات– ولكنه قابل للتأويل في النهاية إذا لم توضع الأغنية في سياقها التاريخي الصحيح. فمثل هذه النبرة كانت مقبولة قبل اعتلاء “عب فتاح” الحكم، ولكن الموضة الآن هي العمل والمشاركة الإيجابيّة وبناء مصر جديدة، واليأس خيانة. ولذلك يعد اسم الاغنية البكا بكا (اختصاراً للبكابورت/ مجاري الصرف الصحي) صادماً على بساطة الأغنية، الأمر الذي سيجلب على الفريق حنق مؤسسات الدولة لتلغى بسببها (أو بسبب مثيلاتها) حفلاتهم.
في استعراض واضح لتمكّن كايروكي من اللعب على الأنواع الموسيقيّة المختلفة، يقدّمون أغنية تلفزيون على طريقة الهارد روك مع كلمات غاضبة على نفس المستوى، والتناسق مع اللحن مع رف روك ثابت على أسلوب ACDC مترافقاً بزيادة في الجرعة الثوريّة. تتكلم الأغنية عن فساد الإعلام وتحكّم التلفزيون في عقول المشاهدين. مع فيديو بسيط ذو ميزانيّة قليلة ولكن مستخدمة بذكاء، واستخدام لثيمات بسيطة مثل: “الكلاب التي تهز رأسها“. ومرة أخرى في مرافعة عن برنامج البرنامج لباسم يوسف الذي أعلنت الحرب عليه كل وسائل الإعلام بمجرد مهاجمته للفريق (عب فتاح)، وبذلك يحدد الفريق موقفه السياسي بذكاء. تلفزيون أغنية جريئة بالنسبة لفريق جماهيري يهمّه التواجد الإعلامي، ويدفع الحدود قليلاً ويعيد تعريف الموسيقى الجماهيريّة.
قد تكون المقارنة ظالمة قليلاً إذا فكّرنا في تقييم كايروكي كفريق يقدم موسيقى جديدة على السوق. لأنّه وعلى الرّغم من بدايته التي طرحت على السوق الموسيقي من زاوية ثورية شبابية مجددة، إلا أنّه يفهم ديناميكيّة السوق ويضعها في الاعتبار ويتعامل معها بذكاء، ومع أن مساحات التجريب محدودة، لكنها تبقى في سياقها. ويستعاض ببساطة الكلمات، في كثير من الأحيان، بتطبيق معايير البوب العالميّة من حيث جودة الصوت والمؤثرات. كل ذلك والفريق يعي الاختلافات في الفئة المستهدفة، فيتكلم بلسان فئات عمريّة وطبقيّة مختلفة، ما بين الثوري والتنموي ورواد المقاهي والبارات والموظفين.
كايروكي فريق ناجح تجاريّاً، ليس لأنّه ينحاز إلى وجهة نظر العامة، ولكن لأنّه وجهة نظر العامة. فهو لا يسبح مع التيار التجاري، ولكنه يشكّل ذلك التيار بكل ما يتبع ذلك من إيجابيّات وسلبيّات. وفي النهاية، إذا كان الغرض من العمل تقديم نوع بوب “شعبي” يستهدف الذوق العام ويعبّر عنه، فيمكن اعتباره تجربة ناجحة. بل ربّما أن نجاح إصدار مثل هذا سيكون معياراً لتطوّر فئة المستعمين، مشيراً إلى أن الذوق العام أصبح واعياً لهذه الجودة الفنيّة المتمثّلة في الألبوم، متقبلاً للثيمات الغربيّة المجدّدة، ومتفقاً مع مضمون الكلمات. ولعلّه خير.