عربي جديد

“إلكترو- نيـك”: القبح القابع في المدينة

مينا ناجي ۰٦/۰۱/۲۰۱۳

الاسطوانة الأولى لـهاشم القلِش” (DIJIT): سبّة فجّة في وجه مدينة القاهرة

يكشف عنوان الاسطوانة بديهيّة يعرفها الجميع وتصمت عنها الأغلبيّة: معظم الكلمات التي نستخدمها تتناص مع كلمات فضائحيّة: كلمات معتادة متداولة تروح وتجيء على الألسن بداخلها كلمات أبيحة“/ “قبيحةكما يشار إليها بلغة المجتمع الرسميّة.

القبح، أو تفجير القبح، هو الثيمة الرئيسيّة لاسطوانة القلِش إلكترونيـك” (2012). هنا يُحبَس ضوضاء المدينة في وسيط موسيقيّ إلكترونيّ ليظهر قبحها السوريالي في تداخل قبيح، منفر، مزعج، عنيف، وفضائحي.

هكذا صورة الغلاف المأخوذة من لقطة في فيلم من الثمانينيّات لـمحمّد صبحي وهو يقبِّل الراقصة هياتمفي الفراش، ماسكاً سماعة الهاتف على أذنه. اللقطة مصبوغة ببرنامج “Paint” البدائي لتبدو أكثر رخصاً وفضائحية؛ القبح الكامن في المشهد يتفجر لأقصى مداه.

في الوجه الدخلي للغلاف ثمّة صورة ذاتية للفنان: كابوسيّة بلسانها الأحمر المشقوق إلى لسانين، وهيئة أقرب إلى الغوريلا المُنزعجة. كأنها إشارة لتأثير سماع الاسطوانة، أو العيش في القاهرة، أو كلاهما. إنها تحيّة القلِش الخاصة للقاهرة بشوارعها القذرة وأخلاقيتها القبيحة وضوضائها المثير للصداع والسوداويّة وعشوائيّاتها العبثيّة المهيمنة.

تستقبلك المقطوعة الأولى في إلكترونيـكبوشّة تلفزيون خَرِب، يتم التلاعب بها لتصل إلى الشعور بالنفور والقبح والهرب منهما لتسقط نهاية الأمر في آخر حفرة في الطرقةيائساً أو مكتئباً.

تدخل بعدها في أجواء درامولا، وهي المحاكاة الأكثر ضجيجاً لموسيقى أفلام الإثارة والرعب، يُصاحبه بخط أورغ بدائي مع نبضات إيقاع من صوت يبدو كصوت صفائح القمامة المتراكمة في الشوارع. لينتهي هذا الخليط المتنافر بدخول الطبلة الشرقيّة. وهي الفكرة التي يستخدمها DIJIT أكثر من مرة في الاسطوانة.

أما دموع البطيخ، فهي الدم النازف من الأعين جراء ضوضاء الحدّادين المصممة على هتك الرأس، والمُحلّاة بصوت جرس إلكترونيّ سمج يدخل كأن لا شيء يحدث بالأصل، ليتحول في نهاية الأمر لموسيقى صينيّة في عبث واضح. في هذه المقطوعةدموع البطيخ، تظهر الثيمة التي تسيطر على كل مقطوعات الاسطوانة: وهي التكرارات التي يتم تمزيقها وتشويهها لإخراج تأثير موسيقي سيء، أو بكلمة أخرى دوشة، كما يحب أن يسمّيها قلِش.

تلعب مقطوعة أستكعلى جماليّات الخلل والخطأ الجوهرية (Intrinsic) في الأجهزة الإلكترونيّة– يتم إنتاجها بمحاكاة الـ Software- وتعظيمها، ليتم قطع خط موسيقيّ فجأة ليدخل آخر.

في المقطوعة السادسة اتنين بيحبوا بعض في المنصورةالإيقاع السريع والموسيقى الإلكترونيك يعملان كخلفية لابتهال للشيخ نصر الدين طوبار، وهو المزج الذي يبرع فيه هاشم ويعتبر العنصر الأكثر جاذبية ونضجاً في تجربته الموسيقيّة: إدخال أصوات شرقيّة، لها سياقات دينيّة عادةً، مع أصوات إلكترونيك حيويّة وتأثيرات على الصوت تجعله أقرب لصوت المذياع القديم. تتناسب حركة الموسيقى التي يصنعها قلِش وطاقتها مع الفراغ خلف الصوت الصولو القوي للشيخ طوبار.



في فيديو هذه المقطوعة، مقطع جنسي مُعالج ليبدو تسجيلاً قديماً Vintageمتقطعاً فيكون الخليط ثلاثيّاً: جنس ودين وموسيقي إليكترونية: جسد– روح– طاقة(؟). من الممكن فتح تأويلات إجتماعيّة وثقافيّة عديدة لهذه المقطوعةالفيديو كتشوّه وقبح العلاقات، واختلاط الدين بالأنشطة السريّة للمجتمع، أو حتى التعبير عن قبح الأجساد البشرية وسلوكها في فعلها الجنسي.

هذه هي المقطوعة المفضّلة لي بالتأكيد. أما ريحة الخشب الأزرق، فهي مقطوعة زحام السيارات ونوافيرها الممزوجة بإيقاع سريع وصوت متقطّع من الصرير يبرز بشاعة الضوضاء. من الممكن رسم خط الهروب من طرقة البيت بسبب قبح ضوضاء التلفاز، إلى الهروب من الشارع بسبب قبح ضوضاء السيارات التي تتحول فجأة، في ريحة الخشب الأزرق، إلى مناخ موسيقيّ مرعب، وتواتر حاد كانعكاسٍ لحالة فزع وتوتر الأعصاب. وتنتهي مرة أخرى إلى طبلة مقسوم راقصة ليتضافرا معاً في عبث وقبح، ثم ينتهي الأمر بسيطرة الإيقاع السريع والخرفشة المزعجة كدليل علي سيادة القبح المحض.

تعاد حلقات المقطوعة السابعة “7” (Loops) بتصميم مثير للأعصاب: أصوات إلكترونيّة حادة في عشوائيّة وإزعاج مستمرّيْن. بينما تبدأ المقطوعة الثامنةوهي ليست مدرجة ضمن المقطوعاتبداية قريبة من التراك السابق مع بعض الخرفشة، ثم دخول لأصوات تشبه أصوات ألعاب الأتاري، أو أجهزة رادار الغواصات، لتدخل بعدها موسيقى رقيقة طفوليّة على الأورغ.

36:39 دقيقة من الضجيج والدوشة والقبح هي انعكاس لـ24 ساعة في اليوم لضوضاء وقبح مدينة القاهرة. تخرج من الاسطوانة وأنت أكثر عصبيّة وحساسيّة لأي نوع من أنواع الضوضاء التي تتعرّض لها.

إنها محاولة– مثيرة للجدل بلا شكلمحاكاة الواقع، وتضخيم مساوئه وعيوبه، وتحطيمه للأعصاب. لكن أليس من أدوار الفن أن يزيد وعينا بما نتعرض له. حتى لو بإزعاجنا؟

صفحة هشام القلش على soundcloud

https://soundcloud.com/dijit

المزيـــد علــى معـــازف