عبد الوهاب

عبوهاب رايح جاي | الآن هنا، قصيدتان لموسيقار الأجيال

يوسف رخا ۰۵/۱۰/۲۰۱۷

لم يقف عبد الوهاب في الركن يشحذ سكيناً. بأناقته المفرطة ويديه على بنك رخام، لم يعالج نصلاً لامعاً وكأنه يمسح ألماسة بقطعة حرير. لم يُسمع صوته يقلب السين ثاء وهو يُصدر أوامرَ وقد أخرج منديله المعطر. لم ينكّت. ولم يساهم في التنظير لكيفية استخراج الألم من جسد مقبل على الحياة.

ومع ذلك لازلت أراه في الشارع الهادئ ليلة وقف ثلاثتهم ينتظرون الشخص الذي كُلّفوا باختطافه. أراه يتتبّع معهم خط سير الضحية. وحين يظهر الشاب مترجلاً كما هو مقرر – حين تسيل اللكمات تتبعها زخّات الكابل المعدني فيبقبق القيء الساخن بين الأسفلت والحائط – أرى باب الشاحنة على مقربة يؤطّر وقفته الشهيرة بالبدلة والكرافتة والجمبوش المدوّر وهو يقود أوركسترا وكورال يُفتَرَض وجودهما كاملين داخل حجرة في بيت يوسف وهبي.

https://www.youtube.com/watch?v=vfCQs4wcS9s

ومع ذلك، مع أنني أراه، أنا طبعاً فاهم أن عبد الوهاب لم يكن هناك. لم يكن على قدميه. لم يكن على مؤخرته. لم يتنحنح في الظلمة. الميت قبل خمسة وعشرين عاماً مستحيل أن يفعل. فقط كان صوته تتخلله النحنات المعتادة والضحية تستغيث. والبراز يفوح منها وسط بركة البول الطازج. صوته كان والمُمسك بالكابل يسب الدين ويهدّد والآخران يضحكان. سقطت نسيرة لحم أخرى من شلال دم منمنم فاستحال الصراخ صهيلاً ولم يعد يُسمَع استجداء. ولا أي كلام يُسمع سوى هذا الذي يُغَنَّى: مثّلتُ في الذكرى هواكِ، وفي الكرى … مع الوقت تحولت أسئلة الشاب ووعيده بالعربي المكسر ثم الإنجليزي الطليق إلى نداءات شحات عريان كان يعمل ترجماناً قبل أن يُجن. وعلى الصوت المنبعث من سماعات الشاحنة ثم من جهاز ما في جانب مخفي من غرفة حالكة، أخذت براكين الجلد والقماش تتفجر … والذكريات صدى السنين الحاكي.

حضور الموسيقى إنساني وشخصي بطريقة مخادعة، لكن لدرجة أن أظن عبد الوهاب حاضراً؟

الآن صمت حتى ثلاثتهم. لا سباب ولا قهقهة. وحده صاحب الصوت المسَجَّل قبل ثمانية وثمانين عاماً يقول: ولقد مررت على الرياض. فهل لمجرد أنني أسمع صوته أراه أيضاً في الجهة المقابلة؟ إنه على فوتي مُذهب يضرب رقماً قياسياً جديداً في المُحن والألاطة. الحقيقة أن عبد الوهاب لم يضع ساقاً فوق ساق. أطلقوا رصاصهم على الحوائط إمعاناً في إرعاب الشاب ولم يفزع بعيداً عن مرمى النار. وحين نزعوا الثياب عن الجسد المرتجف لا إرادياً الآن – وسط الظلام كانوا يصوّبون نوراً قوياً إلى العينين والشرج والخصيتين، ثم مع النغز بالعصي إلى شقوق ونتوءات هم صنعوها وكأنهم جراحون يتبادلون الخبرات – لم ينثنِ رأسه العريض العريص على العود ليغمغم. لم يفعل لأنه لم يكن هناك. والميت منذ خمسة وعشرين عاماً مستحيل أن يكون فلماذا أراه؟ عيناه باردتان برود التنين بالضبط مثلما كانتا مع البدلة الغامقة والكرافتة المخططة في فيلم غَزَل البنات.

لكنني فاهم، أقول لك. فاهم أنهم حين تسلّموا خط سير الضحية كانت إحدى أغنياته على الراديو. وفاهم أن عبوهاب القديم كما تعرفوا عليه ذكّرهم بالمعنى الأصلي للروقان، ولعله جلب روح الشخص الرائق من العالم الآخر أيضاً. من وقتها وإلى أن انتهوا من مهتمهم، بعد أسبوع كامل مع الشاب، سمعوا عبد الوهاب.

سمعوه وسياط الكهرباء تتقافز كألف برق صغير بطول وعرض الغرفة. والشاب معلق من قدميه كالذبيحة. والسكين ترسم أنهاراً وبحيرات في طريقها إلى مَواطن البتر. سمعوه والشاب ينظر إلى إصبع مقطوع من يده ويضحك. وهو يتحسس عضوه المنكمش ويسألهم متى الإخصاء. وهو – بنبرة زبون واثق فجأة – يطلب المياه. وحين أفاق الشاب ليردد تهويدة قديمة بلغة لا يعرفونها ثم سقط فاقداً الوعي، وحين وضع توقيعه على وثائق اعتراف سيُضطرون إلى حرقها لاحقاً، سمعوا عبد الوهاب. حتى وهم يتأكدون من أن قلب الولد توقف قبل أن يلفوه في جوال ويحدفوا الجوال في الشاحنة نفسها التي جلبوه فيها، حين تركوا ما بقي منه وراء الأسفلت في بقعة بلا علامة على طريق مصر-إسكندرية الصحراوي، كانت نفس الألحان المخلّطة من طرب المقامات والنغم السيمفوني تُعمِل فيهم طاقتها.

أنا لم أعد أسأل. لكنني رأيته مرة ثالثة أو رابعة في تلك اللحظة. رأيت عبد الوهاب. كان شاباً نحيلاً يلبس طربوشاً وبدلة فاتحة. وكان يحوم حول جثة الشاب الناقصة ويغني على إيقاع الرومبا، بالضبط كما يفعل وسط الجناين في مشاهد تُظهِر جمال الريف المصري من فيلم آخر بالأبيض والأسود، سنة ١٩٣٣.

https://www.youtube.com/watch?v=nk6W_S-G4is

كان هذا بعد ست سنين. جاء على لسان عبد الوهاب في ملف من مجلة كل شيء والدنيا في رثاء شوقي إثر وفاته سنة ١٩٣٢: قبل أن ينظم القصائد التي أتحفني بها، كان قد نظم للغناء موالين فقط، ساهي الجفون وياما إنت واحشني. كان أثناء اشتغاله بالنظم يعرض علي أربع أو خمس كلمات لأختار واحدة منها تكون أحلى من غيرها في النغم، وكان يعتني عناية كبيرة بمخارج الألفاظ، وكنت أنشد له القصيدة بعد تلحينها فإذا لم تعجبه قال: ما انجذبتش. فأعيد التلحين وأجرب إنشادي مرة أخرى إلى أن يقول: اجذبت.[Mtooltip description=” عن النهار ٢١ تشرين الأول ٢٠١٤: شوقيات، موسيقار الأجيال، محمد عبد الوهاب، محمود الزيباوي” /]

ترجع قصيدة يا جارة الوادي إلى منظر زَحلة من شباك قطار. (لبنان دائماً هكذا في الكوراثون؟ لكنّ من غناها بعد عبد الوهاب فعلاً فيروز ونور الهدى. حتى أنا، لم يخطر لي استدعاء أبياتها إلا في نص غرامي عن زيارة بيت جبران في بشرّي.) القطار ذاهب من الرياق إلى صوفر عبر منطقة البقاع، فيما يبدو على الطريق الطويل غرباً وجنوباً إلى فلسطين. والشاعر المصري ذائع الصيت أحمد شوقي (١٨٦٨-١٩٣٢) ضمن المصطافين من ركابه.

الطبيعة حقاً ساحرة. وفيما يُروى أن شوقي بك يخرج إلى المحطة وقد أُعلن عن مجيئه فيستقبله وجهاء النادي الرياضي العربي الموجودون في المنطقة: مرادف العصر، كما أتصور، لما يقال له المثقفون. هؤلاء يصطحبونه إلى مقهى العرابي في عين البخاش. وهناك، على أفواههم، يسمع من الشعر والخطابة ما تستفزه بلاغته إلى حد أنه يعدهم بالعودة في الصيف المقبل ومعه تحية شعرية للمدينة على قدر مكانتها.[Mtooltip description=” عن النهار ٢١ تشرين الأول ٢٠١٤: شوقيات، موسيقار الأجيال، محمد عبد الوهاب، محمود الزيباوي” /]

يحصل هذا بحسب الرواية في صيف ١٩٢٦. وفعلاً: القصيدة الأصلية المؤرخة ١٩٢٧ في غالبية المصادر تنتهي بالقول: إن تكرمي يا زَحْلُ شِعري إنني، أنكرتُ كلَّ قصيدة إلاكِ.[Mtooltip description=” قصة ولادة أغنية يا جارة الوادي كما يسميها وردت على لسان جان عرابي في عدد ٥ أكتوبر ٢٠١١ من الشرق الأوسط” /] لقد تأثر الباشا كما يسميه عبد الوهاب أو ادعى التأثر بمكان مثلما يقول عنه بديعٍ وغريب، هو الخيال.

ولا أعرف لماذا انتظمت الأبيات التي أثبت بها تأثره على وزن البحر الكامل الذي تدرّب عليه في محاكاته للبوصري (ريم على القاع بين البان وما إليه). مُتَفَاعِلُنْ إما ثلاث مرات أو مرتين: لعل هذه الأمور كانت أكثر تلقائية مما يبدو، أو لعلها مميكنة ومحسوبة بالضبط كما يبدو ولكن بدرجة تجعل استيعابها من هنا مستحيلاً. فالعَروض الآتي كما هو بلغته ونغمه وحدوده الفكرية من زمن بلا قطارات أو نوادي يحيل إلى مساحة ذهنية أقدم بقرون من الزمن الحقيقي لكتابة الأبيات. إنه آت من زمن بلا نيتشه أو كافكا، بلا داروين أو ماركس أو فرويد، عروض شوقي. لذلك تبدو لي بعض أعمال المتنبي في صراحتها وصنعتها وتجردها من ذاتية اللحظة أكثر معاصرة من سلوا كؤوس الطلا بالفعل.

وهذه المأساة الحضارية قد تضيف طرافة إلى قصيدة مغناة في زمن تجاوز القطارات والنوادي. لكنها أيضاً تجعل تلك القصيدة عصيّة على أي فهم أعمق من حلاوة صوت عبد الوهاب. أولى طبعات عوليس جيمس جويس نُشرت في باريس سنة ١٩٢٢. ولم تكن دبلن أغنى أو أكثر تحرراً من القاهرة. سنة ١٩٢٢ نشرت مراثي دوينيو لريلكه. لكن شوقي كان ينظم على البحر الكامل. وخلال عام أو أكثر قليلاً من زيارته الأولى لزحلة، حين تُقرر الجماعة الأدبية العربية إعلان ولائها للشاعر الخارج من بلاط الخديوي إسماعيل، ستتبنى صيغة البيعة على الإمارة (فيه حد قال داعش؟)

كوبري بأسدين وأنتكخانه وأوبرا عايدة… ولا رائحة حداثة؟ [Mtooltip description=” كوبري إلخ إشارة إلى منجزات الخديو إسماعيل، أما قصة بيعة شوقي على الإمارة فموجودة في موقع متحفه: http://www.ashawkymuseum.gov.eg/7ayatoh.html” /]

عموماً يبدو لي هذا الوزن، رغم أنه أكثر تركيباً وأقل سلاسة من بحور أخرى، جزلاً وانسيابياً بما يتيح لمشهد حسي لا علاقة له بموضوع القصيدة أن يتجلى في أذني ملحن شاب … لا تذكر الرواية أن الموسيقي محمد عبد الوهاب (إما ١٨٩٨ أو ١٩٠٢-١٩٩٩) كان بصحبة شوقي في البقاع ذلك الصيف، غير أن روايات كثيرة تؤكد أنهما عملياً لم يفترقا منذ لقائهما في كازينو سان ستيفانو في الإسكندرية سنة ١٩٢٥ وحتى موت شوقي سنة ١٩٣٢: فترة صعود نجم عبد الوهاب الأولى وتلقيبه بالكروان ثم بلبل مصر. ولعل أوقع تعليق على ذلك ما كتبه صلاح عبد الصبور (١٩٣١-١٩٨١) في قصيدة أقول لكم سنة ١٩٦١: ولست أنا الأمير يعيش في قصر بحضن النيل، يناغيه مغنيه، وملعقة من الذهب الصريح تطل من فيه.

٥ يناير ٢٠١١، ١٢:٤٤. بيروت (رويترز) – يعرض الكاتب والناقد اللبناني جهاد فاضل في كتاب له صدر أخيراً مسيرة الفنان الكبير الراحل محمد عبد الوهاب وتوازيها مع مرحلة من حياة أمير الشعراء أحمد شوقي ليعيد طرح سؤال هو: هل كان محمد عبد الوهاب (صناعة شوقية)؟ وهو من خلال عرض مسيرة الموسيقار والمطرب الشهير وعلاقته بأمير الشعراء يعيد طرح تساؤلات … حول نوع العلاقة التي كانت قائمة بين هاتين الشخصيتين الكبيرتين. الكتاب الذي حمل عنوان ”محمد عبد الوهاب… بين التقليد والتجديد“ جاء في ١٧٢ صفحة متوسطة القطع وصدر عن دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت … الفصل الأول يبدؤه جهاد فاضل بالقول: ”إذا كان من المبالغة القول إن محمد عبد الوهاب (صناعة شوقية) استناداً إلى الأثر الكبير لأمير الشعراء شوقي في سيرته وفي فنه فلا شك أن محمد عبد الوهاب لم يكن (ليكون) هذا العملاق الكبير في تاريخ الفن العربي المعاصر لولا شوقي. فشوقي ومجالسه وما كان يدور فيها من أفكار ونقاشات هما اللذان صنعا هذه الظاهرة الفنية الخالدة … فقد احتضن شوقي عبد الوهاب واهتم به اهتماماً شديداً بحيث لم يكن يفارقه على مدار الساعة. ويقول عبد الوهاب إنه كان يلتقي شوقي يومياً من الساعة الثانية عشرة ظهراً ويظلان معاً حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل … وقد أثارت هذه العلاقة حنق بعض أفراد أسرة شوقي ومنها ابنه حسين الذي كان يتشاجر كثيراً مع عبد الوهاب لأنه كان يأخذ من طريقه الوقت الذي يفترض أن يخصصه له والده … لا شك أن معاشرة يومية متمادية بهذا المقدار (١٤ ساعة من ٢٤) بين شاعر كبير ومغنٍ ناشيء لم ينل سابقاً من الثقافة قسطاً يُذكر من شأنها توليد الاهتمام بالثقافة والرغبة بالتطور … غير أن هذه العلاقة التاريخية الشديدة الأهمية في حياة شاعر كبير ومغن كبير رغم كثرة ما كتب حولها ما تزال تطرح أسئلة كثيرة تتعلق بطبيعتها أو بجوهرها. فهل كانت مجرد علاقة بين شاعر يطمح إلى انتشار قصائده عن طريق مغن صاعد أم كانت تتضمن أمراً آخر يتجاوز هذا الطموح … إن علاقة شوقي بعبد الوهاب علاقة غريبة فعلاً … منذ أن تعرف عليه التصق كل منهما بالآخر وظل الأمر على هذه الصورة إلى أن رحل شوقي. وآخر عبارة قالها شوقي لسكرتيره (أحمد محفوظ) وهو على فراش الموت كانت عبارة (سلم لي على محمد) … وهناك خبثاء … غمزوا من هذه العلاقة (الصوفية) بين شوقي وعبد الوهاب معتبرين أن عبد الوهاب الفتى الأسمر الجميل الصوت والملامح فتن شوقي فعشقه عشقاً روحياً أو صوفياً غامراً لكن من هؤلاء من وقف عند عبارة العشق دون أن يضيف إليها“ … وأضاف أن شوقي كان يعرف مطربين آخرين مثل عبده الحمولي وعبد الحي حلمي وغيرهما لكنه لم يسعَ يوماً إلى لفت نظر هؤلاء إلى شعره ليلحنوه ويغنوه كما أنه لم يُعرف عنه أنه كان يلازم مجالسهم ولم يخصص بالتالي لأحدهم غرفة في منزله كما خصص لعبد الوهاب كما أنه اشترى له فداناً على طريق الهرم أطلق عليه عش البلبل . من جورج جحا.

ففي سياق أشبه بعلاقة الإيرومينوس[Mtooltip description=” eromenos” /] – الشاب الجميل بالإيراستس – الكهل الحكيم في اليونان القديمة، كان الطالب يأخذ عن أستاذه. أتصور أنه كان يقرأ الشعر الجديد أولاً بأول حين لا يُكتب الشعر خصيصاً لصوته. وأكاد أراه في كرمة ابن هانئ – غير بعيد من سكني حيث أكتب الآن – يداه على الرخام. والورق يخروش بين أصابعه وهو يردد الكلام ويدندن. ثم أرى رأسه العريض العريص ينثني على العود ليغمغم باللحن الجديد.

عبد الوهاب لحّن الأبيات على مقام البيات المرتبط في التلاوة القرآنية بالخشوع والرهبة وإن كان منتشراً جداً ويُسمع في كل سجلات وأنواع الموسيقى الشرقية: سالمة يا سلامة وابعتلي جواب وسألوني الناس وجانا الهوى كلها مقام بيات؛ وممكن سماع الصوت الذي يميزه فيها كلها على اختلافاتها الهائلة. مثلاً:

لم يكن أول لقاء بين البحر الكامل وذلك المقام على الأرجح، لكنه ربما كان أول حالة تحول مباشر من قصيدة إلى تراك (قبل ظهور الكومباكت كاسيت في الأسواق بخمسة وثلاثين عاماً). هذا رغم خلوه من التركيب الموجود في عاشق الروح: تجاوز قواعد النهاوند لينتهي بالكرد بدل الحجاز، إدخال الكورال، خلط الطرب الصولو بالبناء الهارموني الذي يقيم حواراً سيمفونياً بين الآلات المستحدثة والجمل الموسيقية، ويحقق داخل الأغنية ما ظل سيد درويش (١٨٩٢-١٩٢٣) يحاول تحقيقه في الأوبريت المسرحي، ويحاول… تمهيداً للفالس في الجندول سنة ١٩٤١ بل والروك أند رول في يا قلبي يا خالي سنة ١٩٥٧… فرغم بطئها وهدوئها بالحكم الحالي، لا يمكن رؤية الشعر في يا جارة الوادي بأداء عبد الوهاب المتقشف مقارنة بغناء العشرينات إلا باعتباره طرافة كلمات في سياق موسيقي تقدمي.

دي كانت مرحلة برده أنا بأعتبرها في حياتي، يعني مش بأقول في حياة المزيكا ولا بتاع، ما ليش دعوة، يعني بأقول في حياتي أنا – هكذا يقول لمقدم برنامج أوتوجراف الشهير طارق حبيب في لقاء تلفزيوني سنة ١٩٧٦، سنة مولدي[Mtooltip description=” هذه الفقرة بداية من ٥-يناير وحتى من-جورج-جحا منقولة بنصها عن رويترز، مع اختصارات.” /] – تصورت فيها إنه أتحرر من تلحين الألفاظ أو تلحين الحروف إلى تلحين الجميل. يعني افرض مثلاً: ياما ناديت عليك يا حبيبي. المفروض يعني كان اليا دي يعني يااا أفضل أقول في يااا عشان خاطر أوصل لياما تكون طلعت روحه. فأنا جيت قلت طب يعني أنا ليه يعني ما أنطقش الجمل، الجملة كلها تصل إلى السامع إلى المستمع بمعناها ومزيكتها، يعني ليه لازم أحيره أنا عبال ما أقول ياما وبعدين يا ترى ياما إيه مثلاً يعني ياما انضربت ياما حبيت ياما جعت يعني ما خليتوش في هذه الحالة جيت قلت أين من عيني هاتيك المجالي … ثم غناها مرتين بصوته السائع الرخيم: أين من عيني هاتيك المجالي: وحدة واحدة.

وحتى عن طريق تحرير نص شوقي بما يحقق وحدة الموضوع واتساق المعنى على مستوى الكتابة – لقد تبدل دورا الطالب والأستاذ عملياً، فالإيرومينوس هنا تفوق على الإيراستس من قبل أن يتخرج أو يستقل بذاته – كأن عبد الوهاب يعوض المسافة الزمنية المخيفة بين لحظة التأليف والمرجعية الأدبية المعتمدة في إنجازه.

أثناء عملية التعذيب حتى الموت مثلما أتخيل وقوعها في شتاء ٢٠١٦ – هذا المهم – لم يكن الرعب معزولاً عن صوت هذه الأغنية وسواها من علامات التجديد الفارقة … هذه العلامات بقيت، للغرابة، ربما أكثر من الرِدات الموسمية المتصلة بطموحه الاجتماعي. طموح يخض. طموح تحقق. طموح متعدد المراحل ومتراكم الاتجاهات. فهذا الرومانيكي الحداثي مثلاً معروف بألحان الأغاني الوطنية كيف؟ طبعاً عبد الوهاب كان بوقاً للسلطة السياسية القائمة بغض النظر عن توجهاتها. وطبعاً لم يشعر بأي مسؤولية عما ساعد السلطة عليه تجاه المجتمع أو التاريخ.

ممكن تَخيُّل فن أكثر حرية بالتأكيد – وإن كان شرط حريته أن يبقى هامشياً – ولكن لا غرابة في التراوح والتفاوت بالنظر إلى مثل هذا الكارير المديد.

عبد الوهاب عُرف بقدم تاريخه تقريباً من قبل أن يبدأ. إنه موسيقار الجيل في الستينات والجيلين في السبعينات والأجيال منذ الثمانينات. نعم! وهو الملحن الوحيد الحاصل على رتبة اللواء الشرفية (مثل عبد العاطي مخترع جهاز الكفتة، بالمناسبة). كان في المطار بالزي العسكري على رأس فرقة حسب الله حين عاد السادات من كامب ديفيد سنة ١٩٧٩. وقبل ذلك، كان المسؤول عن إعادة توزيع بلادي بلادي لتصبح نشيداً وطنياً معتمداً يوم عادت كلمة مصر لاسم الدولة بعد غياب اثني عشر عاماً منذ الوحدة المدعاة. هذا، على الرغم من احتفائه الموسيقي بالوحدة ذاتها حين وقعت، سنة ١٩٥٨.

https://www.youtube.com/watch?v=3z_BroQ6KGg

ورغم أنه يحافظ شكلاً على الابتكارات الهارمونية ففي ذلك الأخير، بالنسبة لي على الأقل، تراجُع واضح عن حساسية البدايات.

عبد الوهاب هو الوحيد اللواء، وهو الوحيد الحائز على دكتوراة فخرية في عيد الفن. سنة ١٩٧٨ قال حنفي (جورج سيدهم) لمزيكا (نجاح الموجي) في بداية مسرحية المتزوجون، وكانا يناقشان ارتفاع المبلغ المفترض أن عبد الوهاب يتقاضاه لإحياء فرح من بعد أن أصبح دكتوراً: يِدّيك هنا يا سيدي أصل دلوقتي بيغني ويكشف! لأن هناك ولاءات سياسية متحولة (قد يكون لها تأثير سلبي على الموسيقى). لكن يبدو لي أن التجديد أو السعي إلى فضاء صوتي أكثر معاصرة وتعدداً هو الذي بقي. ذلك الذي جلب على عبد الوهاب تهمة تغريب الموسيقى والأبشع أو الأغبى جدل السرقة والاقتباس: ربما أوسخ ضروب الهري المحلي في كل مجالات الإبداع.

هو فعلاً كان في ابتداء حياتي فيه هذا المعنى – هكذا يقول عبد الوهاب بأريحية لطارق حبيب إجابة على سؤال محرج حول وجود شذرات من الموسيقى الغربية في ألحانه – وده كان جاي من غلطة حاولت إني أنتزعها مني. وهي إني أنا كنت في الأول، كإنسان طالع من بيئة شرقية بحتة وغير متفتحة ولا فيش التفاعل المفروض إن يحصل بين موسيقانا وموسيقة غيرنا كان ده مقفول كله، لكن بظروفي لما سافرت أوروبا وبقيت أشتري اسطوانات – ما كانش لسه فيه إذاعة ولا حاجة زي دي – فبقيت أحفض[Mtooltip description=” نطق مصري قديم لكلمة أحفظ” /]. ودخلت، يعني بين قوسين من ضمن الحاجات اللي اتعلمتها اتعلمت الموسيقى الغربية، في معهد طلياني هنا وعلى إيد واحد روسي. كان نادي الموسيقى تحت تأثير الشباب اللي طالب بإنه لازم يحصل فيه طفرة في البتاع فقاموا جابوا أستاذ روسي عشان خاطر يعلّم. واختاروا اتنين: واحد طبعاً من الأساتذة الكبار فناً وسناً ومقاماً زي المرحوم أستاذي الأستاذ صفوت علي، وأنا كشاب ناشئ في البتاع. واتعلمت الموسيقى. فبقيت نهم. بقيت أحفض، يعني بقيت أحفض حتت بأكملها وأضربها على العود. أحرص إني أضربها على العود. وحفضت. وبعدين لقيت الحاجات دي بتنساب، بتتسلل إلى حاجاتي، يمكن في حاجات تعد على الأصابع يعني ما هيش حاجات كثيرة. وبعدين أنا آمنت إنه الفنان ما يجبش إنه يحفض. يطلع. الفرق بين الاطلاع والحفض. أطلع اه أسمع كتير زي أي أديب ما يقرا أدب لكن مش ضروري يحفض. فالحكاية دي أنا زي ما قلتلك عالجتها بإني أنا ما بقيتش أحفض، بقيت أطلع. يعني أسمع كتير أفتح راديو أجيب الاسطوانات اللي تعجبني خصوصاً من الموسيقى الكلاسيكية وأسمعها. وقطعاً دي حتخش فيا يعني برضه وتعمل حاجة. آدي الحكاية.

على الأقل فيما يتصل باسمه كمغنٍ ألثغ، وبعيداً عن أكثر من مكتبة موسيقية قامت على منجزاته ثم تشعبت منه إلى اتجاهات ومغنين ومدارس أستطيع أن أقول إني أكره معظمها بلا أي لبس. لكن لعل جانب التجديد الفردي ذاك هو المعروف شعبياً بعبوهاب القديم. يقال له القديم، أقصد، حتى حين يكون جديداً نسبياً … وعبوهاب القديم هو ما أتخيلهم يسمعونه طوال أسبوع أمضوه ببطء خرافي يقتلون الشاب الأجنبي. من جديد يحيرني خيالي. لا فرق بين حلوله شبحاً على مشاهد التوقيف والاعتداء وبين التصاق أغنياته بالنار والمعدن والكهرباء. محتار في الذي أسقط عبد الوهاب وسط واقع ما بعد الربيع العربي في أكثر صوره كابوسية فجأة.

أنا طبعاً فاهم أن السر في حضوره شيء أعمق وأصعب من أي تلبيسة سياسية، كأن يحمّله عقلي الباطن جزء من مسؤولية الانهيار الذي أفضى إلى الحاصل الآن، أو أن يقترن اسمه (مثلما حصل مع عادل إمام فعلاً) ببلاهات مفاهيمية من قبيل الثورة المضادة. فاهم أنه، وإن كان في اضطلاعه بمشروع وطني كارثي شيء من الحق، فهذا لا يمكن أن يؤثر على مكانه من أحداث مات قبل بدايتها بأكثر من واحد وعشرين عاماً. وفاهم أنه، حتى لو كان يمكن أن يؤثر، فالذات المفترض تأثرها لا يمكن أن تتأثر. هذه الذات ليست فقط مجردة من أي وعي بشخصه خلاف أدائه الفني المباشر أو (في أحاديث الراديو والتلفزيون المقصود منها دعم شهرته كمؤدي) الأقل مباشرة. إنها أيضاً نافرة من أعماقها عن ذلك النوع من الأحكام.

ربما في صفاء وكياسة عبوهاب القديم شيء أقدر من سواه على أن يهوّن الرعب. الرعب الذي بات كالأكسوجين والنيتروجين مكوناً رئيسياً للهواء – فكما على أرض السلطة كذلك في سماء الثورة، حيث الاستسهال والاستنطاع والعنف هو هو، المظالم والأماثل – ربما في صفاء وكياسة عبوهاب القديم شيء فعلاً يخفف تأثيره.

عبوهاب القديم يهوّن الرعب لأنه يذكّر بإمكانية انتصار الموسيقى على التاريخ. كابوس لا يمكن الإفاقة منه، كما يقول جويس. ممكن تحويطه بالأحلام. ومن أنواع الأحلام الأكثر قدرة على تحويل مسار الأحداث التي يشهدها النائم، أو على الأقل جعلها محتملة: الدقة والميلودي في تزاوجهما بالمقام. الموسيقى تنتصر على التاريخ ليس فقط من حيث أنها تبقى من بعد أن تنقرض ملابسات إنتاجها نهائياً ولكن أيضاً من جانب قدرتها على إعادة صياغة نص مشدود إلى الماضي السحيق لتصنع منه أغنية تنظر إلى المستقبل، وقدرتها على فعل ذلك – بالذات – دون أن تعلن عن نفسها.

الموسيقى لا تسبّ النص المعني، لا تحرّض على قتل كاتبه، لا تشتكي ليل نهار من ديكتاتورية المنظومة الفنية، ولا تتاجر بتفوقها الأخلاقي المزعوم. الموسيقى لا تتبرأ من كوابيس تسببت فيها أو كانت جزءًا من تكوينها بما لا يقبل شكاً. لا تتبجح بقوة الجهل. لا تتطوع بالحكم على الغير. ولا تحوّل نفسها إلى أضحوكة مثل متظاهر يرفع يافطة مكتوبٌ عليها: من ينكر أن الإسلام دين سلام سنقتله. الموسيقى فقط تُسمع، وقد تدفع إلى الرقص.

جحيم القُبَل كما رأينا فكرة تحتمل التأويل (لا عليك من سفالة التكهنات وقد اكتسب عبد الوهاب عبر مساره الباهر أيضاً سمعة زير نساء. أقصد، ما المشكلة؟) حين يحل بشارة الخوري (١٨٨٥-١٩٦٨) محل شوقي، وحين يتصل الأمر بالأغنية السينمائية، لماذا لا ينفرط العض والمص واللعاب حبات عقد، ولماذا لا تكون كل حبة قصة غرام من فصيلة مختلفة؟ هكذا العِلم الذي يقتل العاشق في قصيدة الأخطل الصغير (يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحاً، إلخ). إنه إيقاعي ومختزل مثل الوزن الذي كُتب عليه. فالبحر الخفيف – أحد البحور المفضلة لأبي نواس (٧٥٦-٨١٤)- صارم وتو-ذا-بوينت إلى حد بعيد. أبياته القصيرة الرنانة – مثل الكثير من أعمال شاعر الخمر – تشعرك أن الكلام مفرّغ تماماً من النغم، لكنها في الوقت نفسه تُعد ذلك الكلام لارتداء النغم بحيث يلتصق بجسمه ويليق عليه.

حين تقرأ كيف يشكو من الظمأ من له هذه العيون مثلاً قد تهش لبلاغة الاستعارة والعاطفة التي تحركها، لكنك لن تشعر بقوة البيت حقيقة حتى تسمعه مع تصاعد النوتة وتسارع الدقة. والقدرة على حفظ المجاز والعاطفة في حاوية على هذا القدر من المرونة والدقة تبدو لي أبدع من عذوبة الكلام الخاوية. أنا أحب هذا الشغل بصراحة. لكن ليس بالشعر وحده يحيا غناء القصائد.

وفيما اكتفى عبد الوهاب سنة ١٩٢٧ بلقاء فانيلا بين الكامل والبيات، يبدو لي أنه – وبعد ست سنوات، خلال عام من موت أبيه الروحي – نجح في ترتيب ثريسوم بين الخفيف والعجم والرومبا.

فالوزن الشعري ها هنا لا يلتقي بالمقام الموسيقي وحده وإنما أيضاً بإيقاع وارد أمريكا (٤/٤: ٢-١-١-٢). مقام العجم من القوة والجدية بحيث تستعمله القراءة القرآنية لآيات الأمر والنهي ونتائج ماتشات تقرير المصير، ولا شك أن عبد الوهاب أصاب في اختيار ما يمكن أن يتيح له التلحين المرسل ولو جزئياً. لكن شعوري أن الرومبا أهم من العجم في السياق. شعوري أنه هو ما يعلو بالجمل المنسابة ويبرز جمال الشعر، وإن كانت تتخلله وصلات طرب تبدو لي زائدة عن الحاجة فلعلها آثار التاريخ التي لا يمكن تجنبها، أو جراح تمكن التاريخ من إلحاقها بالموسيقى خلال المعرمة قبل أن يُهزم.

شعوري في الحقيقة أن الثريسوم المطروح يستعيض بآليات متاحة لدى عبد الوهاب ومستساغة لدى السميع الثلاثيني عما يمكن أن يكون موسيقى عربية غير مقامية (وهو اتجاه لم يسلكه لا عبد الوهاب ولا خلفه). إن هذا ما يتحقق بشروط مختلفة وتقليدية جداً من جانبها في الغناء الأندلسي الموجود الآن في تطوان، وهي موسيقى عربية أوركسترالية يعود أصلها إلى جنوب إسبانيا خالية تماماً من الربع تون.

كان هذا بعد ست سنين. جاء على لسان عبد الوهاب في مجلة الكواكب سنة ١٩٥٤: كان أحمد شوقي رحمه الله ذواقة للموسيقى لا يجاريه أحد. وكان يستمع إلى كل لحن أضعه لأغنية قبل أن أذيعه على الناس [ويقول لي]: يا محمد غيّر في الكوبليه ده، عدل في اللحن ده … وكنت لا أكاد أفترق عن شوقي. وكنا نقضي الليالي معاً، في سهر ومطالعات وقراءات وألحان، وكم من مرة حضرت ولادة أغنية لي ألفها شوقي، وكنت أشفق على هذا الرجل العظيم الذي كان يجد عسر ولادة في بعض الأحيان من أجل بيت من الشعر يخصصه لي.[Mtooltip description=” أنظر ١” /]

شوقي مات منذ عام (منذ لحظة تلحين جفنه علم الغزل)، لكن لم يخفت حضور شوقي. وخلال عشرين يوماً بالضبط من نشر خبر صدور كتاب جهاد فاضل في رويترز كنت أمر على ميدان التحرير في طريق الخروج من الشغل لأشهد أعداداً لم أر أو أسمع بمثلها من المتظاهرين غير الإسلاميين يرددون بلادي بلادي كما تعلمناها جميعاً بتوزيع عبد الوهاب.

رجعت إلى البيت ليلتها والفرحة تملأ صدري. الفرحة أو الحزن أو شيء ثالث أشبه بهما معاً. ومع أن المظاهرات قُمعت قبل منتصف الليل – أحد أصدقائي الشباب كادت تدهسه مدرعة والثاني امتلأ جسده خرطوشاً – ومع أنه لم يكن هناك سبب موضوعي واحد لانتظار الأحسن، بقي هذا الشيء في صدري. صدر الأهرام في صباح اليوم التالي يتحدث عن مظاهرات في لبنان، ومر يومان هادئان نسبياً قبل أن تنقلب الدنيا في الجمعة التالية. وقفت صباح السبت ٢٩ يناير أنظر حولي وكأني أرى مشروع الدولة الوطنية يترنح محتضراً على الأسفلت. وكأن الدولة الوطنية قطة دهستها سيارة. كنت أمضيت قرابة الأربع وعشرين ساعة وسط الغاز والتراب – فيما البوليس يقتل الشباب أمام عيني – أجري. ومع أني كففت عن التظاهر وبدأت أنفر من غباء وادعاء المتظاهرين خلال ستة أشهر فقط من سقوط مبارك، يبدو لي أني لم أكف عن الجري في الشوارع منذ هذه الجمعة. أجري وأنا أدندن إن لم يكن بلادي بلادي فلما إنت ناوي تغيب على طول: الأغنية التي ارتبطت بزواجي في نوفمبر ٢٠١١، والتي ظللت أسمعها كلما اشتبكت مع تبعات ما جرى ذلك اليوم. وظلت تعيد شيئاً لا أعرف إن كان حزناً أو فرحة إلى صدري.

لم يشحذ عبد الوهاب سكيناً لكنه عاد إلي. ووسط رعب أحس الآن أن غاية وجودي هي أن أعاصره وأشهد عليه – مثل أحد أولئك القتلة الثلاثة، ربما – أصبح ضرورياً أن أسمعه.


ثالث روايات يوسف رخا هي باولو، التي تجري أحداثها عام ٢٠١٢، وبطلها عميل مخابرات وقاتل وسمّيع عبد الوهاب. الغلاف من تصميم الكاتب.

المزيـــد علــى معـــازف