عربي جديد

بيناتنا في بحر | فايا يونان

هيا المويل ۲۸/۱۱/۲۰۱۷

بيناتنا في بحر هو الألبوم الأول لفايا يونان، لكنه ليس مدخلها إلى الشهرة، إذ ذاع صيتها بعد فيديو نشرته على يوتيوب مع أختها ريحان عن الحروب في المنطقة. توالت بعدها، أو بدأت تُعرف فيديوهات سابقة لفايا تغني فيها، نشرتها من غرفتها. طموح فايا واضح، لكن هو طموح من النوع الذي يجب التعامل معه بحذر، فبدلاً من أن يكون دافعاً للعمل بجدية وشغف، قد يدفع الفنان للاستعجال وإهمال التفاصيل.

تغني فايا بطريقة توحي بالكلاسيكية، رغم عدم نضوج صوتها، وما يبدو من قلة تدريبها على أصول الغناء، ككيفية أخذ النَفَس مثلًا وإخراج الصوت والانتقال بين القرارات والجوابات وأصول أداء كل منها. ما يفسر تقطع غنائها وعدم قدرتها على اللحاق باللحن في كثير من الأحيان، كما نلاحظ في أدائها لأغنية غني للحب. لا يوجد غناء لفايا لم تخرج فيه عن النغمة، ولم تحاول التصويت والتعريب خارج حدود صوتها، أو تبذل جهدًا ليس بمكانه، كأنها تريد القول أنا صوتي يستطيع أداء أي شي رغماً عن كل شيء. في أدائها لأغنية اللؤلؤ المنضود مثلًا نجد فجوة بين غنائها والأغنية التي تؤديها لأن صوتها لم يتشبع بالغناء الشرقي بعد. في الألبوم، حاول التعديل الصوتي ترقيع الكثير من هذه العيوب، لكن بقي واضحًا عدم قدرة صوتها على مجاراة الألحان في رغبتها بالتنويع والتحرك بسلاسة، فكلما حاولت الألحان ذلك شدها صوت فايا وأبقاها مربوطة به. يتمثل ذلك بتشابه الكوبليهات التي تقولها في كل أغنية دون أدنى تغيير أو محاولة إبداع شيء جديد فيها، فمثلًا في أغنية بيناتنا في بحر عم ناديك اسمعني“ الأولى هي نفسها عم ناديك اسمعنيالثانية، ناهيك عن أداء الأغنية المحفوظ والمؤدى برتابة. تظهر قلة التدريب في صوتها أيضًا في تزنر بعطري ذات اللحن الجميل، وإن كان مألوفاً، من تلحين فايا، فنجد صوتها مثلًا يكاد يختفي في القرارات كما في تعال لنغزل وجه المدينة فستان عرس“. نفس المشكلة نجدها في أغنية موطني، كلمات ابراهيم طوقان وألحان الأخوين فليفل، التي تعيد غناءها بتوزيع جديد. في موطني نجد صوتها يخفت في القرارات ويحاول إنقاذ نفسه بقول جوابات مفاجئة مقحَمة، تجعل الاستماع للأغنية صعباً.

إلى جانب هذه المشكلات في الصوت، يبدو أن أحداً ما قال لفايا إن عليها أن تنتبه إلى مخارج الحروف. طبقت فايا ذلك بطريقة مبالغ بها، كالجيم الفجة في لي في حلب نخل يمطر بالعجب، وأهملتها بأماكن أخرى كآهاتها، وكما في يغوي حين تقول وعطرك يغوي خيوط الحرير، فظهر اهتمامها بمخارج الحروف مصطنعًا، ما يمنع مرور ألفاظها إلى الأذن بأريحية. لا يقف هذا الاصطناع هنا، فمثلًا، كثرة استخدامها لأسماء البلدان في أغانيها يجعل وطنيتها تبدو مصطنعة هي الأخرى، فلا تخلو واحدة من أغانيها من أسماء بلاد تقحمها حتى لو لم يكن هناك داعٍ لذلك كقولها عـ الحلم جبتلك حلب\ حتى بحلمك نام“. يقف هذا الاصطناع حجر عثرة بين اللحن وتقبلنا لسماعه، كمن يريد إجبارنا على سماع اللحن رغم أنوفنا بحجة وطنيته وبأنه يحمل قضية، وكأن اللحن وحده أو بساطة الكلمات لا تكفي لخلق أغنية جميلة تستحق السمع.

يميز الألبوم توزيع ريان الهبر[Mtooltip description=” موسيقي وملحن لبناني، أسس عام ٢٠٠٢ فرقة باسم بسيطة بدأت عام ٢٠٠٥ بإقامة حفلات وأداء ألحانه، ثم أوقف حفلاتها عام ٢٠٠٩ وبدأ العمل على ألبومه الأول تعا قلك الذي ضم ٣٠ عازفًا وصدر عام ٢٠١٦” /]، الذي ظهر بأوضح ما يكون في شدي عقلبي التي تبدؤها فايا بالغناء منفردة ثم يدخل الجيتار والناي متماهين مع الساكسفون والإيقاع، كما نجده في ألحان خالد الهبر لبيناتنا في بحر، وزنوبيا التي تبدأ بقطعة ترومبيت منفرد، ثم يدخل بيانو ريان ويساند فايا في الغناء متماهيًا مع إيقاع خفيف في البداية يقف بين الجملة والتي تليها ليحاكيه فلوت بطريقة مداعبة :”زنوبيا السهل\والموج والصحراء“. ساعد التميز في التوزيع على تلوين الألحان رغم تشابهها في كثير من الأحيان. فمثلًا وجهك يا حلو. لحن غابي صهيوني، يقترب كثيراً من ألحان فايا، في الطريق إليك ويا ليته يعلم المتشابهتين إلى حد بعيد، كذلك لي في حلب لمهران محرز.

فايا يونان فنانة طموحة ومثابرة، لكن عليها أن تطور أداءها كمغنية بالغوص في الأغنية واستنباط كنوزها شكلًا ومضمونًا، لا برغبة تقديمها فحسب. تحتاج أيضًا أن تطور صوتها وأن تصنع شيئًا من خلاله ضمن خامة صوتها وانطلاقًا منها، لا بجر صوتها إلى ما ليس قادرًا عليه بعد، ولا بالتعويل على قضية.

المزيـــد علــى معـــازف