ولا يا مينا، يا مجنون

كتابةمينا ناجي - October 5, 2013

ظهر اسم مينافي ثلاث أغانٍ مصريّة تعبّر عن ثلاث حالات مختلفة من المجال الموسيقي والغنائي في مصر بالسنوات الخمس الأخيرة:

الأولى: هي أغنية عم ميناالتي ظهرت في أولى أسطوانات فريق وسط البلدوالتي تحمل نفس الاسم عام 2008. تقول الأغنية: “لسّا فاكر عمّ مينا/ عم مينا بتاع زمان/ المقدّس اللي كان/ يفوت علينا بالأمان“. تعتبر الأغنية نموذجاً لأولى الفرق التي حملت لواء ملامح الموسيقى البديلةفي مصر، وجاءت الأغنية في سياق محاولات إضافة لمسة إنسانيّة عالميّة بمنطق التنمية البشريّة، كما كانت الموضة حين ذاك بديلاً عن السياسة. الأمر الذي انعكس أيضاً على الموسيقى نفسها التي كانت لا سياسيّة“: لا تلوي على شيء، لا تطعم شيئاً، ولا تقدّم سوى دغدغة لحنيّة تحاول صنع جوّ لطيف.



الأغنية الثانية هي: مهرجان أنا اللي عيشتي حرام في حرام” (2008) لـالشمساويّة“: عمرو حاحا وأورتيجا وبليه ووزّه. المهرجان الأشهر في انبثاق موسيقى المهرجانات لتشمل طبقات المجتمع المختلفة في صدمها بفجاجتها اللعوبة، والتي أصبح صانعوها الآن من النّجوم الشهيرة. تحتفي الأغنية بالبهجة والفرحة: “كل يوم تلاقيني فرحان، لو تعبان أريّحك، لو زعلان أفرّحك“. وفي طاقتها الحماسيّة الفوضويّة خرجت الصيحة: “ولا يا مينا، يا مجنون“. فرحة عين شمستلك كانت ناراً في الهشيم أزاحت حالة التنمية البشريّة البرجوازيّة الباردة للموسيقى المستقلّة المزيّفة من قوائم الاستماع، وتخطّت الأغاني التجاريّة للنجوم المشاهير التي تنمّط كل شيء في قوالب محددة لم يمل صانعوها وجمهورها من تكرارها البليد.



الأغنية الثالثة هي: “تسلم الأيادي، التي استعارها/ سرقها، لا نعرف تحديداً، مصطفى كامل– نقيب الموسيقيين بمصرمن أغنية محمد الحلو التي أنتجها الجيش المصري بعد ثورة 25 يناير كنوع من البروباغندا للمؤسّسة العسكريّة بسبب انفتاح الأفق السياسي وخلخلة ثوابته لأوّل مرة منذ 60 عاماً. والتي تم استخدامها للمرّة الثانية بنفس السياق، وإن كان أكثر حدّة ووضوحاً، لدى سقوط حكم الأخوان بعد 30 يوليو/ تمّوز من هذا العام. لتصبح الأغنية الرسميّة لعودة الآيديولوجيا الكبرى في السياسة المصريّة بجانب الإسلام السياسي، إلى المجال العام، وهي: القوميّة الوطنيّة (إلى حد بثّها حاليّاً في طوابير الصباح المدرسيّة). تختلف النسخة الجديدة عن القديمة في أنّها أكثر سرعة وحماسة، وتحتوي على اللمسة الشعبيّة لكامل في الكلمات واللحن، والذي حاول أن يمنحها شكل الأوبريت، حيث غنّاها مطربين من مختلف الصفوف ومختلف مستويات الشهرة. ومن الكلمات التي أضيفت في نسخة كامل: “اسألوا الرمل اللي في سينا/ إنت مروي بدم مين/ دم حنّا ولا مينا/ ولا دم المسلمين/ ابن عمي وابن خالي/ وصاحبي من عِشرة سنين“. لتفصِّل الفكرة في اللازمة السابقة: “قول يا أبونا وقول يا شيخنا، يعني إيه 73″، أي استمداد مثال تاريخي وهو حرب أكتوبر 73، أحد إنجازات المؤسسة العسكريّة المصريّة الرسميّة، حيث استشهد المسيحي كما المسلم: أصدقاء العمر في الحياة العاديّة أيضاً، وذلك في مواجهة الحس الطائفي الحاد في آيديولوجيا الإسلام السياسي.

في الأغنتين الأولى والثالثة، تم استخدام الاسم بشكل غير شخصي، بل للتعبير عن النموذج المصري المسيحيالاجتماعي العام، مصوّرة إيّاه على أنّه إنسان طيّب أصيل وغير مؤذٍ، وهو بالضرورة مُرافق لصديقه المصري المسلم. جنباً إلى جنب في الصورة التي تكلّم عنها جاهين في الستينيّات بصوت حليم، لكي يجمّلها ويضفي بثنائيّته عليها قيد لأي تنوّع أوسع آخر. في الأغنية الأولى، ظهرت جملة، هي الأكثر ابتذالاً في استخدام الاسم، عم مينا وشيخ أمين/ شوف حروف الاسم حتّى/ مينا نفس حروف أمين“. كأن مطابقة الحروف ممكن أن تعني شيئاً، في استنباط إشاري للعلامات وفق فلسفة التنمية البشريّة (راجع باولو كويلهو، الخيميائي ساحر الصحراء). وفي الأغنيّة الأخيرة، جاء ذكر الاسم من دون إضفاء أي هويّة شخصيّة، بل مجرّد تمثيل عام لعنصر داخل هويّة جامعة صلبة ليس لها علاقة مباشرة بالواقع الاجتماعي بتفريعاته وتنوّعه وتفاعلاته. على عكس صيحة المهرجان التي تدلّنا على أنّه يوجد بالفعل شخص ما من لحم ودم اسمه مينا،ـ ينعت بالجنون لسبب ما فعله بشكل فردي مثل أي شاب، في إيماءة حميميّة تدل على علاقة معرفة شخصيّة من دون استخدام أي شعارات عامّة أو مبتذلة.

في كل مرة، سأنحاز للجنون الفَرِح الفردي المتفجر لـمينا المجنونعلى العقلانيّة الفاشلة للاسياسة التنمويّة، أو السياسة الهويّاتيّة التي تقوم على المديوكورتي، وشعارات بلا مضمون.