يا نجمة يا أخت القمر

كتابةأحمد ناجي - September 29, 2013

 

يأتي أحمد عدويّة كأسطورة متكاملة: محميّة ومدجّجة بالتاريخ والحكايات الخرافيّة كما كل الأساطير. أتذكّر أنّني كنت طفلاً ربما في الخامسة أو السادسة عندما كان سائق السيّارة التي تقلّني من المدرسة إلى المنزل يشغّل أغاني أحمد عدويّة، ويحكي عن السلطان عدويّة الذى تترمّى النّساء تحت قدميه، ويرتدي حذاءً بكعب من الذّهب.

حتّى عندما كنت أعبر بمرحلة الموسيقى الأجنبيّة والروك وغابات الميتال مراهقاً، وحتى حينما وصلت لمرحلة الاستقرار الموسيقي، كان عدويّة، طيلة هذه الليالي والأيّام، هو السّلطان. وأينما ظهر طيفه، فلا أملك إلا الخشوع وتجميع شذرات الحكايات والأساطير، والاستسلام لهذا الخدر الخفيف الذي يتسلّل كسمٍّ مثير للشبق ومهيّجاً للروح من صوته وأغانيه.

وبينما أكتب هذا النص لـ”معازف”، أشعر بحرج بالغ لعجز منطقي العقلانيّ وحسّي النّقدي في كل ما يتعلق بعدويّة، وضعفي أمام الخدر والدّلع الذي تثيره الصور والذكريات والمترادفات بمجرد ذكر اسمه.

أشعر أيضاً أن تلك اللحظة لم تأتِ بعد. لا، لست مؤهّلاً ولا قادراً على الكتابة عن عدويّة، لا أبسط قواعد المنطق المعرفي أتقنها، ولا الشجاعة للجرأة على المقدّسات الوجدانيّة أمتلكها للكتابة عن عدويّة. لكنّني هنا أخصّص هذه المداخلة لموّال بسيط لعدويّة وقعت في سحره على مدار سنوات، وما زالت صوره تتجدّد وتتغيّر وتكشف عن عمقه، ما يجعلني دائماً غارقاً في سحره الساطع كما الشمس على سطح البحر.

يفتتح موّال يا نجمة يا أخت القمربإيقاعات كهربائيّة ذات روح سبعينيّة. وهناك في الخلفية كمنجات، ورق، وطبلة، ومزمار، وأكورديون: حفلة جنس جماعي خافتة تحتاج إلى تركيز وصفاء تأملّي عالٍ، ثم يدخل صوت عدويّة شابّاً، لكن كأنّه رأى كل ما يجب وما تنفع رؤيته.

يا نجمة يا أخت القمر/ قولى لي مال بختي/ بقول يا نجمة يا أخت القمر..”: عدويّة محتار من البغددة، والأكورديون تحت ذراعي وفوق صدر وكرش الرائق دائماً حسن أبو السعود، يلعب في تقاطعات كأنما سكران يصعد سلالم أحلامه نحو الشمس بعد طرده من بار رخيص. يخاطب عدوية النّجمة، لكن النّجمة لا ترد. فيعيد نداءه مؤكداً أنه بقولوالموسيقي كأنما تحمل نداء عدويّة للنّجمة العالية أخت القمر.

في النسخة الأكثر شهرة، تلعب تقنيات الاستريوكما في معظم أعمال عدويّة بعداً سرمديّاً، خاصّة مع القفزات التي يقوم بها الأورغ ليخرج نغمات فضائيّة. يا إلهي، هذه كانت ذات الفترة التي خرجت فيها أفلام جايمس كاميرون وحروب النجوم والمجرّات، وعدوية يسير فوق سراب، يُدخل الكهرباء إلى فن الموّال، ولا أحد في هذا العالم الحقير يرفع ولو حتى القبعة شكراً.

وعدويّة لا ينتظر، هو يعرف مصيره كما أي أسطورة من الدراما الإغريقيّة؛ إن كان نصيبي كدا/ أنا هرضي بنصيبيوما الذي قد ينتظره سلطان كعدويّة: ملك الليل المتوّج؟

لا شيء، كل ما هو مكتوب لا مناص من الهرب منه أو ردّه. وإذا كان هذا هو النصيب فعليك تحمّله كما الملك.

موّال يا نجمة يا أخت القمرجوهرة فريدة من جواهر عدويّة التي يلقيها كما طير عبر يوماً بوادٍ خلف جبال الواقواق، وعاد ليلقي بإهمال الأحجار الكريمة التي تعكس أشعة الشمس فتضايقه، يخاطب عدوية الحلوبأسلوب شاعري يتلاعب بضمائر المخاطب لينتج متاهة مُتشَابكة ترتفع بالمستمع لأفلاك عابرة: “من بعد نوم العلالي، يا بلح/ نيّموك على الخوص، ياما جرالي/ والله لأجيبك برضاك يا بلح، يا ما جرالي.

وأطلع لك فوق قصر عالي يا بلح

بربعمية سلّم،

وكل سلم عليه بنت بتوحّد الرحمن

يا حلال يا رُطَب

بين كل جواهر أحمد عدوية، تقف يا بنت السلطانكحجر جهنّمي، مجرّد التفكير في مسّه كفيل بإشعال النّار في خلايا مخّك الرمادية. يقف على هذه الجوهرة عدويّة شخصيّاً في المقدّمة، حيث الزفّة البلدي ويقول: “واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة: بص شوف: عدويّة هيعمل إيه/ الشنجر بنجر نو، عدويّة هيملا الجو/ الشنجر بنجر نو، أحمد هيملا الجو“.

لكن، بالضبط خلف هذا البناء الشامخ لموّال وأغنية يا بنت السلطانالأسطوريّة، يقف موال يا نجمة يا أخت القمر“. من السهل التقاط الإشارات بين الأغنيتين، وهذا التردّد للروح الكهربائيّة الشعبيّة، تلك القفزة الأسطوريّة التي حقّقها عدويّة مبكّراً، كمن يرفع كأس تكيلا في دفعة واحدة من دون ملح أو ليمون لأنّه صاحب معدة مدرّبة على براندي 84″ الذي يقدّم في قاع كباريهات وسط البلد بالقاهرة: المدينة الأكثر وحشيّة في دائرة قطرها قارّتين على الأقل.

هذا هو قاع أرواحنا القاهرة يا عزيزي أحمد.

وسط كل هذا الضباب الكوني، حيث يوم يجي عقلك في راسك ويوم بيتوه، وحيث تنعل البحر وسأم موجه الأبدي، يفتح عدوية ثقباً في السماء، عمل فريد من نوعه يمكن وضعه بجوار Stairway to Heavenلليد زبلين، أو الـWish You Were Hereللبينك فلويد.

إنّك تصعد في هذا الموّال نحو جنّة في قصر مشيد بقمة جبل مرتفع خلف وادٍ عميق، تحتاج للجلد والتجلّي وقلب شفاف لكي تقبض على روح الموّال الصوفي المطعّم بالبلح، والخوص. وهذا التقشّف، وتلك الرّغبة في التحقير الذاتي التي تنقلب فجأة لتحدّي بأننّي سـأجيبك برضاكفي مشهد مهيب.

كيف يمكن أن تحيي عرساً تتزواج فيه النجوم التي تخلق المجرّات والأساطير يا عدويّة؟ كيف لك أن تخلق النجم أوميغا الذي عنه تنبثق ملايين الشموس والنجوم المنفجرة والمجرّات الأخرى.

أربعمائة سلّمة يجب أن نصعدها معاً يا حمادة، وفوق كل سلمة، بينما يزفّنا أكورديون أبو السّعود، هناك بنت بتوحّد الرحمن.

صلّي على النجوم الزاهرة.

يا نجمة يا أخت القمر

قوليلي مال بختي

بقول يا نجمة يا أخت القمر قوليلي مال بختي:

أسمر وطبعه الدّلع يا عيني بهواه، ومال بختي

اسمر وطبعه الدّلع، بهواه ومال بختي

احترت من البغددة، واحترت من بختي

إن كان نصيبي كدا، أنا حأرضى بنصيبي

والحلو لو يبتسم، رح ينعدل بختي.

ويفوت عليك السّوق، يا بلح

تحب تدلّع

من بعد نوم العلالي يا بلح

نيّموك على الخوص، يا ما جرالي

والله لأجيبك برضاك، يا بلح، يا ما جرالي

ولأطلعلك فوق قصر عالي، يا بلح، بربعمية سلّم

وكل سلّم عليه بنت بتوحّد الرحمن

يا حلالي يا رُطَب