.
هذا الأسبوع، يتذكر جنوب العالم 11 أيلول آخر. قبل 40 عاماً، عام 1973، أحرق اليمين التشيلي الديمقراطيّة، بمساعدة العسكر والولايات المتحدة الأميركيّة، وانقلب الجنرال أوغستو بينوشيه على سلفادور أيّيندي، أول رئيس ماركسي منتخب ديمقراطيّاً في العالم. حينئذٍ، حوصر القصر الرئاسي وتم قصفه، قبل أن يلقي أيّيندي، الذي رفض الاستسلام رغم توفّر مخرج آمن له، خطابه الوداعيّ الأخير، محيّياً الشعب والعمّال، ومنهياً حياته بيده: النظريّة التي تقبّلتها عائلته، والتي لا تزال موضع شك لدى البعض الآخرين.
صبيحة يوم الإنقلاب، كان فيكتور جارا، المدرس والمسرحي والمغنّي والشّاعر والنّاشط في الحزب الشيوعي التشيلي، متوجّهاً إلى عمله في الجامعة التقنيّة في سانتياغو. وحين بدأت الأخبار بالتتالي، بقي في الجامعة يغنّي مع طلّابه. صبيحة الثاني عشر من أيلول/ سبتمبر، اعتقل جارا من هناك، ونقل، مع حوالي خمسة آلاف آخرين، إلى استاد تشيلي الرياضي: المسلخ المفتوح الذي رقص فيه اليمين التشيلي على آلام الاشتراكيين. وهناك، ضُرب جارا وعذّب، إلى جانب الآلاف، لأربعة أيام، لكنّه لم يتوقّف عن الغناء. وعندما كسرت يداه طلب منه بسخرية أن يعزف على غيتاره، فغنّى بتحدٍّ أغنية حزب أيّيندي الشهيرة: “سننتصر، سننتصر“.
ساهم جارا في حركة الأغنية الجديدة التي أسّستها مواطنته فيوليتا بارّا. وإلى جانب موسيقيين مثل: آنخل بارّا وسيرخيو أوتريخا، أعادوا قوالب الغناء الفولكلوري التشيلي للسياقات الاجتماعيّة والسياسيّة، وغنّوا للعمّال والثورة والحريّة، وضد الإمبرياليّة والظلم والفقر. الموسيقى عند جارا كانت وسيلة مقاومة ثقافيّة، ضد الإمبرياليّة الأميركيّة وضد تسليع الموسيقى الشعبيّة كما الاحتجاجيّة التي كان يفضّل تسميتها بالـ“ثوريّة” عليها.
انتصر جارا رغم طلقات الرشاش الـ44 التي اخترقت جسده يوم السادس عشر من أيلول/ سبتمبر. ألقيت جثّته في طريق على أطراف سانتياغو قبل أن يعثر عليها وتؤخذ إلى المشرحة، ليتم انتشالها بسريّة من بين الجثث المكدّسة ودفنها.
رغم قيام الجيش بحرق معظم تسجيلات جارا الأصليّة، إلا أن أرملته، جوان، استطاعت تهريب بعضها خارج تشيلي لتنتشر وتوزّع. رحل جارا بعمر الأربعين، لكن الآلاف خرجوا في مراسم إعادة دفنه عام 2009 بعد إخراج جثّته لاستكمال التحقيق. والآن بعد أربعين عاماً واكتمال المعلومات، رفعت جوان قضية على ضابط الجيش السابق بيدرو باريينتوس، المقيم في فلوريدا حالياً، بتهمة ارتكاب الجريمة.
مانيفستو
أنا لا أغنّي لمجرّد الغناء
ولا لأنّني أمتلك صوتاً جميلاً
أغنّي لأن قيثارتي تمتلك إحساساً ومنطقاً:
قلب الأرض، وأجنحة حمامة.
كالماء المقدّس: تبارك الأحزان والأمجاد.
هكذا يصبح لأغنيتي رسالة،
كما فيوليتا بارّا* ستقول:
القيثارات العاملة، برائحة الربيع.
هذه ليست قيثارة الأغنياء، أو ما يشبههم:
أغنيتي من سقّالات العمّال، التي ستصل للنجوم.
يصبح الغناء منطقيّاً
عندما ينبض في عروق الذين سيموتون وهم يغنّون:
الحقائق، وليس المداهنات العابرة،
أو لشهرة أجنبيّة.
يغنّي فقط من قبره، حتّى أعماق الأرض.
هكذا تصل الأغنية للناس كلّهم،
وهكذا يبدأ كلّ شيء:
الأغنية التي تم غناؤها بشجاعة،
ستبقى دوماً أغنية جديدة.
* فيوليتا بارّا: (1917-1967) مغنيّة وناشطة سياسيّة من تشيلي، ساهمت بنشوء حركة “الأغنية التشيليّة الجديدة“. قبل أن تنتحر لأسباب عاطفيّة والجو السياسي القاهر، كتبت أشهر أغانيها: “Gracias a la Vida” (شكراً للحياة).