.
ما يحدّد الشخصيّات الأسطوريّة، غالباً لا يعتمد على ضخامة أعمالها الفنية الكاملة أو طول أسطواناتها، بل بشكل أكبر على حدّة اللهاث الذي يحدث عندما يذكر اسمه. بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على غنائها وعزفها لأول مرة في أتلانتيك سيتي، في بار N.J، نينا سيمون هي، كما كانت دوماً، فنانة تستدعي نغمات مهيبة ومشاهد مبجّلة.
ليس بإمكان عبقريّتها في تطبيق الفن الراقي للبيانو الكلاسيكي على أشكال شائعة كالبلوز والجاز أن تزدهر إلا في بلد، قال عنه والت ويتمان، “يؤالف الأضدّاد“. لكنها لم تستطع احتواء نينا سيمون، التي أصبحت حانقة جداً على الفشل الاجتماعي الأميركي وغادرت، وعاشت معظم حياتها خارج البلاد. ردّها الناري علي مقتل زعيم الحقوق المدنية مدغار إيفرز وأربعة أطفال سود في برمنغهام بولاية ألاباما، وتغنيها بأغنية “ميسيسيبي اللعنة“، أعطى المعنى الحقيقي لما يدفعها: السعي لتحقيق العدالة.
على الرغم من أنها كانت منعزلة، في عصر الأقراص المضغوطة، يسهل الحصول على أغاني سيمون أكثر من أي وقت مضى. الخريف الماضي، أصدرت تسجيلات رينو ألبوم نينا سيمون: أنطولوجيا: سنوات تسجيلات كولبيكس– مجموعة ثنائيّة من الأقراص المضغوطة تضم مسارات من الثمان ألبومات التي سجلتها سيمون بين عامي ١٩٥٩ و١٩٦٣. وإصدارات أخرى تظهر طوال الوقت. وخطط للقيام بجولة في تواريخ محددة– الأولى لها منذ عام ١٩٩٣- في وقت مبكر من هذا العام. تحدّثنا إلى سيمون مؤخراً عبر الهاتف في فيلتها التي تقع في جنوب فرنسا، حيث استقرت عقب سنوات من الترحال. كما وصفت، كانت صريحة بشدة ومليئة بالأراء الصادمة. والذي لم يكن متوقعاً، رغم ذلك، كان دفئها ولطفها. دعتنا لزيارتها في وقت ما وتذوق بعض توتها المنزلي: مضيفة مثالية.
أليسون: في سيرتك الذاتية I Put A Spell On You من الواضح أنك تنزعين إلى الكمال بشكل حقيقي. إلى أي مدى تقسين على نفسك أثناء التمرينات؟
نينا: أنا أطلب الكمال في ما أفعله، أتدرّب كثيراً جداً قبل أن أقدم حفلاً– في بعض الأحيان من ثلاث إلى ست ساعات خلال اليوم. أنا محددة إزاء مكان جلوس الجمهور– وأيضاً حول حجم الاموال التي يدفعونها– ولكن الأهم من ذلك كله أين يجلسون. إذا كنت أنوي غناء شيء حميم، لمن سوف أغني؟
أليسون: إبتكارك الكبير كان إدخال الموسيقى الكلاسيكية إلى الأشكال التقليدية كالجاز والبلوز. هل تشعرين الأن أن ما كنت تفعلينه كان شيئاً عميقاً؟
نينا: نعم، عندما كنت أدرس، في ذلك الوقت لم يكن هناك أي عازف بيانو أسود في الحفلات. خياري كان بديهيّاً، وكان لدي التقنيّة لفعله. سمع الناس موسيقاي وسمعوا الجانب الكلاسيكي بها، لذلك فقد عُرفتُ كعازفة بيانو كلاسيكي سوداء.
أليسون: هل تستمعين إلى الموسيقى المعاصرة كثيراً؟
نينا: لا، أنا لا أحبها، ولا أحب موسيقى الراب مطلقاً. لا أظنها موسيقى. إنها مجرد ضربات وترديد، ورغم أنهم يحتجون ضد ما نحتج كلنا ضده– العنصرية في هذه الدولة– [مغنو الراب] خرّبوا الموسيقى بقدر كبير.
أليسون: هل تظنين أن رسالة الراب تصل؟
نينا: نعم، ولكنني لا أعرف ما هي تلك الرسالة بعد الأن.
أليسون: إحدى الحجج تقول بأن تلك الرسالة مدّمرة.
نينا: حسناً، أنا أعتقد ذلك أيضاً، وأكثر من ذلك، لا أظن أن بإمكانهم الفوز. ليس بينهم أي قادة، عزيزتي. أظن أن الناس يخبطون رؤوسهم في حائط حجري.
أليسون: لماذا تعتقدين أن القيادة السوداء تبدّدت، رغم أن لها هوية بالتأكيد؟
نينا: مات معظم القادة.
أليسون: لكن لم لا ترين جيل جديد من القادة الملهمين؟
نينا: لأن ذويهم لم يعلّموهم أي شيء عن التاريخ. لو فعلوا، لما كنا بحوجة لحوارنا هذا. كان الناس سيعرفون من هي لورين هنسبيري [كاتبة مسرحية “شروق في الشمس“- عام 1959]، كانوا سيعرفون من هو الدكتور مارتن لوثر كينغ. كانوا سيعرفون من هو مالكوم أكس، وكانوا سيحصلون على إلهامهم منهم.
أليسون: ألا تعتقدين أن أحداً ما مثل [صانع الأفلام] سبايك لي بإمكانه أن يعلم جيله؟
نينا: أعتقد أن بإمكانه، وأعتقد أنه فعل، وصولاً لنقطة، ولكن يجب أن يأتي أناس بعده.
أليسون: أتظنين أن التواصل كان ليكون أفضل لو كان نوع الموسيقى الاحتجاجيّة الذي كان مسموعاً في الستينيّات ظل مهماً حتى الأن؟
نينا: نعم، أعتقد أنني لو كنت في أميركا، الموسيقى الاحتجاجيّة كانت ستصبح مهمة أكثر. لكنني لن أفعل.
أليسون: لم لا؟ أتعتقدين أن مهمّتك قد انتهت؟
نينا: لا، لا، مهمتي لم تنته. أوجه أغانيّ الآن للعالم الثالث. لا أظنك تعرفين، لكن أغنيتي “أن تكون صغيراً، موهوباً وأسود” ترجمت إلى اللغة الصينيّة. أنا مشهورة جداً في كل آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، دون التحدث عن جنوب أفريقيا، التي أحاول الذهاب إليها لرؤية نيلسون مانديلا.
أليسون: الآن، مانديلا قائد يعرفه الشباب الأمريكي.
نينا: لكنه ليس قريباً كفاية ليلهمهم بشكل مباشر.
أليسون: هل ترين أي من عناصر “بواكير حركة الحقوق المدنيّة” ما زالت تعمل في الولايات المتحدة؟
نينا: لا، كل ما أراه هو موسيقى الراب.
أليسون: لقد تنقلت في الأنحاء كثيراً وعشت في أفريقيا، أوروبا، والكاريبيان. كيف تشعرين تجاه بأميركا هذه الأيّام؟
نينا: لا أحبها، عزيزتي. مع كل التفجيرات المستمرة، والإرهاب، لا أحبها على الإطلاق. الأمر يخيفني. أحب أن أكون في جنوب فرنسا. إنه مكان رائع جداً ونحن نعمل بجهد كبير على إبقائه هكذا. لدينا حديقة ضخمة تحمل الفواكه للشتاء: الخوخ، العنب، الفراولة، والتوت.
أليسون: لقد كنت مرتبطة بشكل كبير بالقضايا السياسيّة. هل ما زلتِ؟
نينا: أنا متمردة حقيقيّة في ما يخص القضايا.
أليسون: ما هي قضيّتك الأن؟
نينا: نفس القضية التي كانت تشغلني دوماً، القضيّة التي لها علاقة بالمساواة التامة بين قومي في جميع أنحاء العالم.
أليسون: هل تظنين أن حالة العلاقات العرقيّة في أميركا هي أمر ميؤوس منه؟
نينا: أظن أنها أمر ميؤوس منه بالنسبة لمعظم السود. أظن أن الغني غني جداً والفقير فقير جداً. لا أظن أن السود سينهضون أبداً؛ أظن أن معظمهم سيموتون.
أليسون: من ماذا؟
نينا: من العنف، ومن أنهم فقراء ويحاولون النجاة. أعتقد أن الأغنياء أيضاً سيضطرون في نهاية المطاف للمعاناة لأن الحالة الاقتصاديّة حول العالم لن تتسامح مع بقاء الولايات المتحدة في القمة إلى الأبد.
أليسون: لذا، تعتقدين أن الجشع هو القوة الدافعة.
نينا: نعم، الجشع يقود العالم إلى الجنون. وأنا محظوظة لأن لدي مكان هنا أستطيع أن أدعوه منزلي. ليس أمراً مفاجئاً أن مايكل جاكسون، الرجل الذي أعشقه أكثر من أي شخص أخر في هذا العالم، اختفى من الولايات المتحدة. أتذكر بوضوح رؤية مايكل في طائرة منذ سنوات مضت عندما كان صغيراً، وقلت له، “لا تدعهم يغيرونك. أنت أسود وجميل“. ولكن، بالطبع، كان متأثراً بأسرته وكل الباقين. ولا أمانع لو قلت ذلك، لكنني أعتقد أن الشخص المسؤول عن مأساة مايكل جاكسون هو كوينسي جونزمنتج أسطوانتيّ Bad وThriller بإمكانك الإقتباس عني.
أليسون: كيف تعتبرينه مسؤولاً؟
نينا: كان كوينسي هو من تزوج فتاة من السويد [أولاً]. ومع كوينسي جاءت كل النساء البيض، لم يعرف مايكل المسكين ما يتوجب عليه فعله. مايكل يحتاج إلى شخص ليحاكيه، وأعتقد أنه فعل كل ما أخبره كوينسي جونز أن يفعل. هذا ما أعتقده.
أليسون: هل يعلم كوينسي جونز بما تشعرين نحوه؟
نينا: لا، لا أعتقد أنه يعلم.
أليسون: حسناً، هذا صحيح أن الزواج بين الأعراق لا يزال مثيراً للجدل–
نينا: منذ البداية، كانت لا–لا للرجل الأسود عندما يلمس امرأة بيضاء.
أليسون: هل توافقين على هذا؟
نينا: نعم أفعل. أنا لا أؤمن باختلاط الأعراق. يمكنك الاقتباس عني. لا أؤمن به ولم أفعل أبداً. لم أتغيّر مطلقاً. لم أغيّر شكل شعري مطلقاً. لم أغيّر لوني مطلقاً، كنت دوماً فخورة بنفسي، والمعجبين فخورين بي لأنني بقيت كما كنت دوماً. تزوجت من رجل أبيض ذات مرة، ولكنه كان مخيفاً.
أليسون: ما المكسب الذي ترينه بإبقاء الأعراق منفصلة؟
نينا: بإمكاننا التخلص من العبوديّة.
أليسون: تقصدين التوحّد والانتزاع؟
نينا: نعم، ولكن أعتقد أنه قد يكون متأخّراً جداً. العبوديّة لم تلغ أبداً من منهج التفكير الأميركي.
أليسون: ألا تعتقدين أن طمس خطوط العرق هو أمر جيد لإلغاء الفصل العنصري؟
نينا: إلغاء الفصل العنصري هو نكتة.
أليسون: لكن ما هو رأيك بالعمليّة التجميليّة التي أجراها مايكل جاكسون؟
نينا: أوه عزيزتي، لقد أصبح مهووس القرن. إنّه لأمر مؤسف، لأنني أحبه للغاية. [عندما تكتبين هذا، أيمكنك أن تنوهي إلى أن كامل تعاطفي معه؟] أنا أعشق هذا الفتى. لقد بكيت لعدة أيام عندما ظننت أنه لن ينجو.
أليسون: لقد قمت ذات مرة بتقديم أغنيتك “ميسيسيبي اللعنة” (Mississippi Goddam) بالقول أنها نغمة عرض، لعرض لم يكتب بعد.
نينا: وتريدين أن تعرفي ماذا قصدت. حسناً، سأخبرك. “ميسيسيبي اللعنة“، بالنسبة لي، هي نغمة نبويّة. أؤمن بأن أمريكا ستموت، تموت كذبابة، كما تقول الأغنية. هذا ما أصدقه، أيتها السيّدة.
أليسون: هل سنقتل أم سننتحر؟
نينا: الأمر سيان. (العبارة بالفرنسيّة في الأصل).
أليسون: لقد صرت تلقبّين مؤخراً بالمؤدّية الغاضبة، كاتبة الأغاني الغاضبة–
نينا: دعيني أكمل ما تحاولين قوله. لقد كنت أؤمن في وقت ما أن تغيير مشكلة العرق أمر ممكن. لقد آمنت بأنه أمر ممكن لمارتن لوثر كينغ أن يصبح رئيساً. أن يصبح جيسي جاسكون رئيساً. لكنني لم أعد أصدّق ذلك بعد الأن. غضبي كان ناراً وأنا كنت أغذّيها طوال الوقت، لكنني لست غاضبة الأن. أنا فلسفيّة، وأنا سعيدة بما أنا عليه لأنه ليس بإمكاني تغيير العالم. أنا أتقدّم في العمر وليس هناك مصلحة لي في الخروج والقيام بالوعظ كما كنت أفعل.
أليسون: هل سمعت أيّاً من أولئك النساء اللواتي جعلوه أمراً جيداً أن يكن غاضبات في موسيقى البوب؟
نينا: لا، لقد سمعت فتاة تغنّي: “أنت آل كابوني، أنا نينا سيمون“.
أليسون: أنت تقتبسين من لوراين هيل الأغنية التي تشير إليها نينا هي Ready or Not لـ The Fugees. والعبارة الأصليّة: وبينما تقوم بمحاكاة آل كابون، سأكون نينا سيمون. . هل أعجبك أنها استخدمت اسمك؟
نينا: نعم، لكنني كنت أتمنى فقط لو أنها غنت إحدى أغانيّ.
أليسون: لا أعلم لو بإمكان أحد التغني بأغانيك بعد الأن.
نينا: يا إلهي. طفلتي العزيزة، لديّ الآلاف منها.
أليسون: لقد عنيت ببساطة أنه من وجهة النظر الصوتيّة، هذه الأغاني تنتمي إليكِ.
نينا: ولكن من يهتم؟ ليس هناك عذر للشباب لعدم معرفة من هم الأبطال والبطلات.
أليسون: هل لديك عشيق في هذه اللحظة؟
نينا: لا، ولكن كان لدي علاقة حب مكثفة جداً من عام ١٩٩٤ إلى عام ١٩٩٥. كانت مثل بركان، لذا لا أريد هذا الأمر مجدداً لفترة.
أليسون: الكثير من الانفعالات؟
نينا: نعم الكثير من الانفعالات.
أليسون: ما الذي تبحثين عنه في الرجل؟ ما الذي يجب عليه توفيره لكِ؟
نينا: أود الأن رجلاً غنيّاً، يستطيع إهدائي قارباً– مركباً شراعيّاً. أريد أن أمتلكه وأجعله يدفع ثمنه. حبي الأول هو البحر والماء، وليس الموسيقى. الموسيقى تأتي في المرتبة الثانية.
أليسون: كم كان عمرك عندما رأيت البحر لأول مرة؟
نينا: ثلاثة وعشرون عاماً، أعتقد. حاولت أن أسبح في كل يوم توفّر لي ذلك، لقد تعلمت الغوص تحت الماء والغطس. إسمعي، متى سوف ننتهي؟ العشاء أصبح جاهزاً، ولدي بعض كريمة البرستول.
أليسون: لقد أوشكنا على الانتهاء. أهناك شيء أخر تودين قوله؟
نينا: أود أن أقول أنني أتطلّع حقاً لملاقاة نيلسون مانديلا. ربما يكون هذا حلماً، لكنني سأراه على كل حال: كان من المفترض أن أتزوج في العام الماضي، واشتريت ثوباً. عندما أقابل نيلسون مانديلا، ربما أرتدي هذا الثوب وأزيل ذيله وأضعه جانباً، وأقبل الأرض التي يمشي عليها ثم أقبل قدميه.