بحث | نقد | رأي

أبيوسف | الموهبة عندما تفعل فعل البلدوزر

معن أبو طالب ۲۰۱۲/۱۲/۱۲

في أغنية سباجيتي، يقول لنا أبيوسف (هاتلي ورق تواليت وقلم بيك وأنا أكتب) ليذكرنا أن الموهبة الخام لا تحتاج للكثير لتظهر وتفرض نفسها. هكذا هي موهبة أبيوسف، جارفة لا تعيقها إمكانيات أو أي موضوع أو لحن، بل حتى اللغة بما تحمل من أصوات ومعانٍ وحروف يطوعها أبيوسف بانسيابه ليجعلها تنصاع لقلمه السلس وصوره البارعة (احتفال الحروف لما بكتب)، أو (لدغت عقرب ساعة نزلت منه سنين) ليصف تأثيره في مشهد الراب رغم دخوله الحديث نسبياً إليه.

أبيوسف لا يكتفي بإتقان البنيات التي اعتدنا عليها في الراب الأمريكي والعربي، بل هو يستخدم تركيبات وإيقاعات جريئة تتحدى المستمع كما يفعل في ميرسي التي تُظهر ثقة في الإيقاع والمحتوى. السماع المتأني والمتكرر لأغاني أبيوسف يكافئ المستمع، حيث أن التكثيف في كتابته يفصح عن الكثير من المفاجآت والألاعيب الذكية والمرجعيات المدهشة في تنويعها. أبيوسف يستمد مضمونه من الشارع وألعاب الفيديو والرياضة، العلاقات، والأفلام المصرية القديمة والحديثة، وأحياناً نجده يسقط تلميحاً سياسياً خجولاً، مع أنه دوماً يعود ويصر على امتناعه عن المحتوى السياسي. تمسك أبيوسف بشخصية الراب فوق الحقيقية لا تمنعه من تذكيرنا بإنسانية يوسف عندما يتحدث عن الاكتئاب وخيبات الأمل، وإن كان هذا أحياناً بكوميدية، كقوله (هاتلي ثلاثة وحدة كوكا وحدة بيبسي، وحدة أبكي على صدرها على خيبتي) في أغنية سباجيتي.

قد يشكو البعض من أن أبيوسف غير سياسي وأنه ليس صاحب قضية، ولكن من يدقق في عمله يجد أن قضية أبيوسف هي الراب نفسه. تمسك الفنان بفنه أمر نبيل وقضية بحد ذاتها، وهو حتماً خير من هؤلاء الذين يدّعون اتخاذهم قضية ثم يطرحونها بركاكة، ومن ثم يركبون ظهر القضية ويستخدمونها كوسيلة لبيع التذاكر والحصول على المقابلات.

يُذكّر أبيوسف رابرجياً آخر بأن المثابرة والانغماس بالموسيقى بمختلف أنواعها لا غنى عنه للإنتاج الفني (الكسل شماعة وأنا ما اتعلقش) وهذا أمر ينطبق على أي نوع من العمل الثقافي طبعاً، وهو يطرح مشكلة الكسل والرضا عن النفس التي تصيب الكثير من موسيقيينا الشباب بعد أعمالهم الأولى. أبيوسف لا يتوارى عن التباهي بمقدرته وسطوته على الألحان والكلمات واستغلال هذه الموهبة في مهاجمة قاسية وممتعة لمن يمارسون هذا الفن أيضاً. هذا الفخر والاستعلاء جزء من ثقافة الهيب هوب، ومن ثقافة الشعر العربي تاريخياً (الخيل والليل والبيداء تعرفني)، كما الهجاء اللاذع أيضاً مشترك بين هذين الإرثين. يذكرنا أبيوسف بدور المخزون الشعري العربي في أغنيته روش طحن عندما يقول أن الراب (أصله عربي أصله أميركاني من الأفارقة)، الأمر الذي يمكن أن يفسر كيف يتفجر مشهد فني كهذا في الوطن العربي في سنين قليلة، وكيف يمكن أن يقدم هذا المشهد الفتي موهبة جارفة مثل أبيوسف.

المزيـــد علــى معـــازف