أحياناً أجلس وأفكر، وأحياناً أكتفي بالجلوس | كورتني بارنت

تكذب كورتني بارنت بعنوان ألبومها. “أحياناً أكتفي بالجلوس؟” مستبعد. من كتب كلمات كالتي في هذا أغاني الألبوم لا يقضي لحظة واحدة من يقظته دون التفكير المتواصل بكل شيء. تعترف بارنت بذلك خلال مقابلة مع رولينغ ستون وتضيف أنها تجد اليوغا سخيفة ومستفزة لأنها تتطلب منها أن تقوم بشيء مستحيل: أن تتوقف عن التفكير.

بعد إصدارها لأغنيتين حققتا نجاحاً غير متوقعاً على يوتيوب، أصدرت الدخيلة الأسترالية ألبومها الأول الذي امتاز بالمزيد من الأصالة والحيوية. اعتمدت بارنت على الآلات الموسيقية التقليدية في الروك، طبول وغيتارات إلكترونية وصوتية وبايس، بدون أي بهرجات سيمفونية أو إلكترونية، وباعتماد كبير على الأصوات الإيقاعية خصوصاً البايس وأسطر الجيتار المكررة Riffs، في حفاظ على موروث موسيقا الروك البديلة، لكن الألبوم يمزج الروك البديل والمستقل بالغرنج ولمسة خفيفة من البريتبوب، دون أن يخلو من صوت خاص ببارنت، بشكل يؤهل الألبوم ليعتبر إضافة مهمة، لكن غير كافية، لإنقاذ موجة إعادة إحياء البانك روك Post-Punk Revival منذ مطلع القرن.

ورغم كون الألبوم جيد جداً موسيقياً، إلا أن كلمات الأغاني ترفعه لرتبة الامتياز. كلمات الأغاني التي تقارن بتلك من كتابة ديلان ومكارتني، تتدفق بسلاسة كتيار أفكار مستمر: “أحبك، أكرهك، أنا بين بينين، كل شيء يعتمد على ما إذا كنت مكتئبة أو سعيدة، لكنني في تحسن وأحاول العودة للواقع…”. تبدأ بارنت بالحديث عن فقمة انتحارية ثم تنجرف إلى أزمة وجودية وعلاقتها بالوحدة والتدفق السريع للوقت. في أحيان أخرى تأخذ الأمور منحاً أكثر شخصيةً تتجه فيه بارنت لوصف تقلباتها المزاجية لتنتهي بسلسلة من الاعترافات تليها موجة صاخبة من توجيه الاتهامات اللئيمة والساخرة، ثم ترغمك على التعاطف معها عندما تقول بصوت مشبع بالألم: “أفقد قدرتي على التنفس / يبدو أن حياتي العاطفية تتقاطع مع الموت، وبعد لحظة تصبح جائعة وتفتقد شخصاً ما.

قد يعترض البعض بأن كلمات الأغاني، مهما كانت جيدة، لن ترفع الألبوم لهذه الدرجة. الأمر ليس على هذه الدرجة من البساطة. بارنت تبني أغانيها على الكلمات، ولو كان لكل شعور معين مرادف موسيقي له لوجدنا هذا الألبوم من أفضل الأعمال التي يتسق بها الشعور والصوت. غالباً ما تكمل بارنت الأسطر المعزوفة بالجيتار تلك المكتوبة بالكلمات. ففي Pedestrian At Best يترجم الإيقاع العنيف شعور بارنت بالتوتر والعدائية، بينما يوحي الجيتار المتكرر في اللازمة بالمواجهة والاحتداد قل لي أني استثنائية وأعدك بكراهية مطلقة، أما في Debbie Downer فتنطلق الأغنية بإيقاع بهيج لدرجة سخيفة ومضحكة، خلاله تتحدث بارنت عن مشاكلها النفسية كانخفاض تقدير الذات والشعور بالتجاهل. تتحدث عن ذلك بمنتهى الأريحية وعدم الاكتراث وكأنها خاضت هذا الحوار وتلك المواجهة مليون مرة، حتى وصلت الأمور لهذه الدرجة من الخبل وانعدام القيمة: “نبهني عندما ينتابك الملل وأرحل / لن أكون الشخص الذي يبعث الناس على الضجر / أُعذُر ثقتي المنخفضة بالنفس لكنها جزء مني“.

لا تزال موسيقى بارنت، رغم كل الإيجابيات، تستوعب بعض المساحة للتشذيب والتطوير، خصوصاً من النواحي التقنية كالمزج والإنتاج، كما تبدي فرقتها المساندة ضعفاً ملحوظاً في الأداء الحي. وهو ضعف كان، ولا يزال، يلعب دوراً في إعاقة نجاح بارنت على المستوى الجماهيري. لكن الألبوم يعد بموهبة ناضجة وخصبة سنترقب أعمالها القادمة بكثير من الحماس.

التقييم: ١٠/٩

أغاني تمثل الألبوم: Pedestrian At Best, Nobody Really Care If You Don’t Go To The Party, Depreston