.
مشهد الموسيقى الشعبية في بلاد الشام غزير الإنتاج، مستفيدًا في ذلك من قدرته على الانتشار عبر إحياء الحفلات والأعراس والمناسبات الشعبية، ما يعطيه فرصة دائمة للتجريب خارج المعتاد وتكرار ذات الألحان المعروفة بتحويرات جديدة. تضم أفضل الأغاني الشعبية الشامية لهذا العام ألوانًا متنوعة، تختلف وتتباين في بعض عناصرها، لكنها تتشابه في كثير من العوامل كظروف الإنتاج، والاعتماد على الأورغ والمجوز واليرغول والطبل، مع حفاظ على خصوصية موسيقى كل منطقة ولون.
لبعض الأصوات هنا وجود ضارب في الموسيقى الشعبية، حال أحمد القسيم في حوران، وشرحبيل التعمري والمتجدد دومًا أحمد العلي في الأردن، إلى جانب اسماء فرضت نفسها على الساحة في السنوات القليلة الماضية، وغزت أغانيها وسائل النقل والأماكن العامة والتيك توك، حال الزعيمة ريم السواس في سوريا ولبنان، وعدي الزاغة وأنس أبو سنينة ورفاقهم في فلسطين، الذين يؤسسون لقيامة في الشعبي الفلسطيني، مع اتخاذهم أشكالًا جديدة في الأداء والغناء والعرض.
كعادته، ليس هناك الكثير من الكلمات في أغاني عزيز صادق حديد، إذ يُكرّس الأغنية لتوجيه التحيات دون هوادة للجميع، كحال أغنية ميمي التي لاقت انتشارًا كبيرًا في ٢٠٢٢. تميز عزيز طبقة صوته الثقيلة، اللافتة دون الحاجة لأي فرد عضلات.
تحظى عشيرة العقيدات بدرر الأغاني التي تفخر بتاريخها العشائري ومكانتها بين العشائر السورية والعربية. رغم اعتماد أسمر الأصيل على نشر نفسه وأغانيه عبر تيك توك، ورغم أن الاحتفاء بعشيرة كالعقيدات أمر سهل في الغناء ومضمون النتائج، لكنه اجتهد بصحبة العكيد على تقديم أغنية تستحق، أضافوا إليها ألحانًا إلكترونية غريبة.
تربع أحمد العلي على عرش الأغنية الشعبية في الأردن، لا يعصى عليه لون شعبي، ويعتمد غناء الأغاني الأجنبية مصحوبةً بألحان اليرغول. في هذه الأغنية، يغني أحمد بكامل جوارحه احتفاءً بأستاذه حسين حمدان، مع ألحان قوية ويرغول لا يتوقف طوال الـ ٣٧ دقيقة، ليختم مع دقيقتين من حسين حمدان تتوج الأجواء النارية.
غناها قديمًا الفنان الشعبي الساحلي عادل نصرة، وأعاد غناءها محمد عيد في حفلة مباشرة لتكتسح الساحل والمنطقة الوسطى من سوريا. اللحن سريع مع كلمات خاوية فعليًا، لكن تكرارها مع اللحن الجذّاب جعل الأغنية تحفر في الدماغ على وضعية الإعادة.
https://youtu.be/tevWYvDD4d4
يستعيد عدي الزاغة ببحة شجية وحادة وإحساس عالٍ أغنية يا كثر ما شلت، ترافقه ألوان الأورغ الموسيقية المختلفة متفوقًا على صاحبة الأغنية نانسي عجرم بمراحل.
كان للزعيمة ريم السواس عدد وافر من الأغاني الضاربة هذا العام، وفي أغنية هاي السمرة ما يجعلها الأجدر للانتقاء بينها، من الألحان إلى الإيقاع وصولًا لأداء ريم المتفجر على المسرح.
لا شك أن أحمد القسيم شيخ كار الغناء الحوراني دون منازع، والأبرع في مسك زمام الأرغول. باتت أغنية رفي بجناحك رفي ركنًا أساسيًا من أفراح حوران، لكن تبقى مساحة الزمر الواسعة في هذه الحفلة في الأردن الأجمل، فيما يرتاح القسيم كعادته في الغناء بعفوية وتمكن.
بألحان دبكة الجوبي يبدع مجد ومحمد في غناء وصلة خفيفة، والتنقل بسلاسة بين أغنيتين وثلاثة دون أن يضيع الجوّ.
“سر يا قلم بالشعر سوق الجزايل / على هل معان ونعمين بربعنا”، يغني شرحبيل التعمري برفقة أحمد الشيخ نسخة جديدة من جوفية معان العز. نسمع في الخلفية أنماطًا موسيقية مختلفة بين المجوز واليرغول، يرافقها ما يتيحه الأورغ من أصوات منسجمة. تفوق لحن الجوفية الجديد على نسختها الصاخبة التي قدمها شرحبيل في معان قبل عام.
حفلة نهارية لا حدود فيها للمجوز والطبل على ألحان الأورغ، لتصل إلى حالة السكر والانتشاء بالمجوز في الدقائق الأخيرة.
قد تبدو الأغنية عادية للوهلة الأولى، لكن سرعان ما يخرجها مؤمن أبو عابد إلى أفق أرحب، مؤديًا بإحساسٍ غامر بين علو وانخفاض وخروج وعودة للحن بسلاسة.
يظهر كل من الزاغة وأبو سنينة مع الطفل وسيم حداد بأصوات شجنة، تضيف عليها إيقاعات وألحان عازف الأورغ قيصر جبارة طابعًا مليئًا بالصخب والحزن في نفس الوقت، مع نَفَس بلقاني زاد من شهرة التسجيل في دول البلقان. هناك تناغم عالٍ بين ثنائية الزاغة وأبو سنينة وبين القيصر، ما أثمر العديد من التسجيلات القوية سواء كانت عنيفة أو عاطفية.
نقطة قوة سارة الأبرز هي الجو الذي تخلقه في حفلاتها، بعفوية وأداء وقرب من الجمهور وضحك وفرفشة، أحد أهم عناصر الفن الشعبي. في إصدارها هذا، تلعب على نفس أسلوبها في تجي نتجوز بالسرّ، أسلوب ذو رشاقة في الأداء والغناء، مع لحن سهل التعلق بالذاكرة وتقطيع محروف في العزف يدفع المستمع لا شعوريًا لهزّ أكتافه والتمايل.
معين الأعسم جدير بسماع كامل إصداراته، إذ يلتزم في كل حفلة بنفس المستوى من القوة في أداء الدحية وتحميس الجمهور بصوته القالع. هذه إحدى الدحيات المميزة التي غناها الأعسم ويوسف الصرايعة لسميعة الدحية خصوصًا.
من البقاع في لبنان يطل حسين المولى بأغنية ولد العشاير، بإنتاج استوديو متعوب عليه من ناحية التوزيع، وغير ملتزم بالنمط المعتاد لألحان البقاع القريبة من الألحان البدوية في بقية المناطق، والمعتمدة بشكل أساسي على الناي وألحان الدبكة.
إدريس العلاري مطرب مغمور من فلسطين تحت الرادار منذ فترة، يغني شدوا بعضكم ممسكًا السيجارة ومؤكدًا دورها في خامة صوته الحالية.
ميكس غريب عجيب من الألحان المطبقة فوق بعضها، على أغنية غنيت كثيرًا من قبل: مين الشاغل بالك. أداء حسين أبو حمدة متواضع مقارنة بجنون فناني الأردن، لكن ما يضمن للأغنية مستوى الجنون اللائق هو شاعر المجوز حمودة قاسم وتقسيماته الجريئة.
يبدع الشابان بأداء الهجيني والدحية والسمسمية، يشهد على ذلك جنون جمهورهم وتفاعله. تأتي السمسمية هنا بأداء مختلف وناري وأكثر حيوية من النمط المعتاد لها في المنطقة.
لا تقطعنا سارية من طلّتها حتى لو اكتسح المشهد أسماء جديدة، فهي دائمة الحضور في الحفلات، وحتى مع تكرار أغانيها على مسامعنا لا نمل منها. في إصدارها عليك الناس تنافسني مع منذر العلو، تضعنا سارية في جوّ قيادة السيارة وتشعل نيران حب نحسبها لم تعد تتأثر بالأغاني.
بصوت رقاوي شجي يغني يوسف حسين الحسن أغنية بنت العرب، ناقلًا من خلاله المستمع لأجواء الفرات على الفور، مع صرخات مثل عويل الذيب.
اعتمد حسام بعد عودته من الاعتزال على نشر الأغاني المضمون سلفًا أنها ستضرب، مثل أغنية بابجي. لذا ليس غريبًا أن فيديوهات معظم أغانيه الأخيرة على تيك توك. تأتي أغنية خلي الدنيا تلاوينا، خصوصًا في حفلة دبي، لتخرج حسام الفنان الحوراني من داخل التيكتوكر، في أداء عالٍ وكسر لأي جمود، مع قدرة على تغيير اللحن بسرعة وراحة.
يتناوب عدد من عازفي المجوز في السويداء على إحياء هذه الحفلة، خمسين دقيقة من تناوب ألوان الدرازي والدلعونا.