.
يرجع تاريخ موسيقى الـ آي دي إم إلى بداية التسعينات، حين قامت مجموعة من مستمعي الموسيقى الإلكترونية عام ١٩٩٣ بإنشاء قائمة بريدية على الإنترنت تحمل اسم موسيقى راقصة ذكية. هدفت هذه القائمة إلى مناقشة موسيقى آيفكس توين التي كانت قد صدرت حديثًا وقتها، والألبومَين التجميعيين أرتيفيشل إنتِليجَنس وأرتيفيشل إنتِليجَنس ٢. تطورت هذه القائمة وزاد عدد المشتركين بها كما زادت كمية الموسيقى التي قد تقع تحت تلك التسمية، وهكذا فقد كان للإنترنت دورٌ أساسيّ في خلقها، كاسرًا دور البعد الاجتماعي والجغرافية وتأثر الفرد بمحيطه كمحرك رئيسي لنشأة الأنواع الموسيقية في العقود السابقة.
بالرغم من التسمية الإشكالية التي تصف موسيقى بالذكية – والتي تفرض السؤال: ما هي الموسيقى الغبية؟ إلا أنه من الممكن القول إن حماس البعض لموسيقى إلكترونية يمكن الإنصات إليها والتبحر في أصواتها خارج النوادي الراقصة جعلهم يبالغون في إطلاق هذه التسمية. اقترنت الموسيقى الإلكترونية على مدار عقد كامل حتى بداية التسعينات بالرقص، ليأتي مجموعة من الفنانين مثل آيفكس توين وأوتكر وبلايد وذَ بلاك دوج وميو-زيك ليدشنوا الموجة الأولى من تلك الموسيقى التي تعد بمثابة بديل عما هو راقص. هي موسيقى تتطلب قدرًا من التركيز والتأمل والغوص في عالم أكثر تجريبية. قد يكون المصطلح الأفضل لتلك الموسيقى هو موسيقى إلكترونية للاستماع.
أتت الموجة الثانية عام ٩٦، والتي اتسمت أكثر بالتجريب على مستوى الأصوات وتفكيك أنواع مثل الإلكترو والهاوس والجانغل والهيب هوب. تعد أعمال سكويربوشر وألبوم ميوزك هاز ذَ رايت تو ذَ تشلدرِن لـ بوردز أوف كندا أفضل مثال على ذلك. أما فنانون آخرون مثل أوتكر فقد ذهبوا إلى عالم جديد أكثر تعقيدًا من حيث الأصوات المستخدمة. ازدهر سوق الـ آي دي إم مع ظهور شركات إنتاج أمريكية مثل سكِماتِك وميل بلاتو وانضمام بلانت ميو لوَرب وجي بي آر وريفلكس ببريطانيا، ومع بداية الألفية بدأت الموجة الثالثة التي استمرت لعقد كامل واعتمدت على استغلال الأصوات النابعة من أعطال وخلل في الأجهزة الديجيتل. عُرّفت الموجة بالجليتش واتسمت بالتقليلية، نشأ من هذه الموجة العديد من فناني اللابتوب الذين لا يستعملون سنثات وأجهزة موسيقية إلكترونية على عكس فناني العقد السابق، وشهدت تلك الفترة طفرةً جديدة في مجال التكنولوجيا الديجيتل وبرامج الموسيقى، وتبلور صوت للموجة يتمثل بوضوح في ألبومات كليكس أند كاتس الخمسة.
نعيش الآن في فترة الموجة الرابعة والتي تتسم بصوت مفتوح، فقد استطاع الـ آي دي إم احتواء العديد من الأنواع تحت عباءته كما لجأ العديد من الفنانين من أنواع موسيقية أخرى لعناصر الـ آي دي إم غير مبالين بالتسمية. لم يعد للـ آي دي إم الآن ملامح واضحة، قد يعتبر البعض ذلك علامة على ذوبان النوع أو – بشكل أكثر تفاؤلًا – علامة على مدى أهميته وتأثيره على العديد من الأنواع الموسيقية الحالية.
من خلال عشرة ألبومات أحاول استعراض أعمال مؤثرة ومصاغة بأساليب مختلفة ميزت مراحل الـ آي دي إم الأربعة. هذه الأعمال غير لحظية وتتجاوز حاجز الزمن، إذ من الممكن الاستماع إلى الألبوم الذي صدر في التسعينات منهم كما لو أنه صدر اليوم. بالطبع يوجد أعمال أخرى خالدة وقوية لم أغفلها عن عمد، وقد تحتاج إلى قائمة أكبر لحصرها جميعًا.
براون آوت هو الألبوم الطويل الأول للثنائي رومُلو دل كاستِيّو وجوشوا كاي تحت اسم فونيسيا. لم يكتف الثنائي بإصدار بعض الألبومات القصيرة والأعمال المنفردة وإنشاء واحدة من أهم شركات الإنتاج الخاصة بالـ آي دي إم (سكيماتِك)، بل أصدر واحد من أهم ألبومات الموسيقى الإلكترونية التي تعد درسًا في كل ما هو متعلق بالـ آي دي إم. من أول تراك آيبرو يأخذنا الثنائي إلى أجوائه الغامضة الساحرة المكونة من نغمات مجردة وخامات صوتية معدنية تسبح وسط العديد من العينات الصوتية التي يستخدمها في بناء الإيقاع. يبرز هذا الجو الساحر في جاي-سبايس. أما في ديجانِسا وسويت دي٢٥٦ وأود جوب نجد جرعة مكثفة من الإيقاعات التي تعتمد على نقرات سريعة وكيك، ويأتي دور السنث والأصوات المجردة كغطاء للإيقاعات، خالقة الطابع الغامض للألبوم.
تميل بعض التراكات إلى الأسلوب الكلاسيكي للـ آي دي إم، مثل في بايو ريبو ورَف هارمونايزر وجرل تربل التي تتميز بنغمات تلتصق بالأذن، والتي أضاف الثنائي صوتيهما عليها. عند الاستماع للألبوم أكثر من مرة من الممكن استنتاج أنه ليس مجرد تراكات باردة تتكون من مقاطع مبرمجة، بل هناك تغييرات مستمرة تكشف عن الطابع الحي للألبوم وكأنه تم تسجيل كل التراكات على مسارين فقط. ألبوم حافل بالتفاصيل التي تكشف عن تصميم أصوات وتدفق رائع للتراكات.
قد تكون الموسيقى التي ينتجها الآن ترافيس ستيوارت تحت اسم ماشين درَم متواضعة المستوى، أو لا تختلف كثيرًا عن أي تراك بوب راقص أو ترانس عشوائي على إحدى محطات الراديو. لكن بالعودة إلى النصف الأول من العقد الماضي يمكننا التعرف على الوجه الآخر لستيوارت، مشروعه سيندرون. ألبوم سلماتاكسيا الذي أصدره باسم سيندرون من الألبومات التي لم تنل الانتشار التي تستحقه جماهيريًا رغم أنه من الممكن اعتباره منافس قوي لجميع أعمال أوتكر. على عكس العديد من الفنانين الذي حاولوا نحت صوت أوتكر، خاض ستيوارت في عالم سنث الإف إم والجرانيولَر مستكشفًا صوته الخاص. تميز صوته بقدر عال من النغمية الحالمة المختبئة وسط كم غني من الأصوات المجردة والإيقاعات المنتظمة والمفككة أحيانًا، والتي صاغ أصواتها من نبضات وصدمات سنث الإف إم والتشويش.
بعد التراك الأول كاشكسيا الذي تغلب عليه الفوضى، تتضح الرؤية والخط الموسيقي لستيوارت. في تراكات مثل وير فور آرت وكاستي وبانيك وكولنكفت استعرض مهارته في التلاعب بالإيقاع المتشابك وفواصله وأصواته المتشظية. وازن سيندرون معادلته فوفق بين أسلوبه التجريبي ونغميته التي تظهر في سلو كي وسينكو وكابيتل إم. كما ختم ألبومه بسلاسة محببة، فبعد جرعة دسمة من الأصوات التي تتطلب وقت لهضمها، تأتي مقطوعات محيطة مثل إنترلد وباندم وإنتلديو وإنسي باي إنش. في النهاية، قام بتجميع كل أفكاره التي استعرضها على مدار الألبوم ليخلطها بشكل متجانس في تراك واحد هو سيشن/ساميشن. سيبقى سلماتكسيا واحد من الألبومات الكلاسيكية وإن نسيه البعض.
بعد إصداره عدة ألبومات تحت اسم فاربن وجرام في نهاية التسعينات أطلق يان يلينك ألبومه لوب فايندنج جاز ريكوردز. بدأ يلينك مشواره بتجميع أعمال موسيقية لموسيقى الجاز والفانك والدَب إلى أن بدأ بتوظيفها في موسيقاه. في حين اعتمد العديد من فناني موجة الكليكس أند كاتس على توظيف أصوات مايكروسكوبية ناتجة عن الأعطال والخلل الديجيتل، استعان يلينك بأصوات النقرات الدقيقة والتشويش الناتجين عن تهالك أقراص الفاينل. جمّع يلينك العديد من تلك العينات الصغيرة بالإضافة لعينات إيقاعية أخرى ليصيغ منها الإيقاعات والمؤثرات، مغلفًا إياها بالبايس وأصوات البادز والنغمات المأخوذة كعينات صوتية من أقراص الفينيل.
من خلال جهاز عينات صوتية واحد (إنسونيك إيه إس آر-١٠) وخلال ثلاث أشهر، أنتج يلينك تلك القطعة الفنية موظفًا كل العينات المجمّعة في سياق وصوت موسيقي مختلف عن النسخ الأصلية المأخوذة منها. يظهر تأثره بموسيقى الهاوس في بعض التراكات القائمة على إيقاع فور تو ذَ فلور مثل في روك إن ذَ فيديو إيدج وذَي، ذِم وأفضل تراكات الألبوم، تندنسي. يطغى على تراكات أخرى طابعٌ حالم يساعد على الاسترخاء مثل ذِم، ذير ودو دِكور وافتتاحية الألبوم مواريه. بالإضافة إلى إعادة صياغة صوت الجاز، احتوى الألبوم على صدى موسيقى أخرى مثل المحيطة والهاوس التقليلي والدَب. رغم تواجد عنصر التكرار بشكل أساسي، فإن الاستماع المستمر للألبوم يكشف كل مرة عن تفاصيل جديدة تؤكد استحقاقه أن يكون بين كلاسيكيات الـ آي دي إم.
يصعب عادةً تحديد ما هو أفضل ألبومات الثنائي أوتكر، لكن عند الحديث على إل بي٥ من الممكن الجزم أنه النقطة الفاصلة والأكثر تأثيرًا على بقية مسيرته المستمرة حتى الآن. إل بي٥ بمثابة مرحلة جديدة من التجريب على مستوى كل العناصر الموسيقية بالنسبة لأوتكر، لعل أهمها هو تصميم الأصوات، حيث ترك الثنائي عالم السنثات الأنالوج ولجأ إلى سنثات الإف إم وأهمها النورد ليد راك. عن طريق هذا العنصر أخذت الأصوات طابعًا جديدًا، فاتسمت الإيقاعات بصوت معدني ولامع ولادغ. أما أصوات السنث ففي حين أنها اتسمت بالنغمية، سادها التجريد وغِنى الهارمونكس، ما جعل التجربة السمعية أكثر إثارةً للفضول. يظهر ذلك في تراكات مثل أكرويير و٧٧٧ وفوز إن ودرين تو كاليبر ريموت. من الممكن سماع صدى تلك التراكات في أعمال أوتكر التي تلت إل بي٥، فأكرويير و٧٧٧ يظهر تأثرهم بقوة في ألبوم أنتلتِد، ودرين٢ في أوفرستبس، وفوز إن في إكساي، وكاليبر ريموت في كونفيلد.
حتى مع غلبة الجانب التجريبي على الألبوم، احتوى بعض التراكات التي تعود بنا إلى الأربعة ألبومات الأولى للثنائي والأبسط من حيث السمع والقبول، مثل كورك وراي وآرك كاريِر. تُميز أوتكر قدرته على فتح مجال كبير من الأفكار والأساليب المختلفة من خلال تعامله مع الآلات بشكل مبدع من مرحلة إلى أخرى. يطبق الثنائي معادلة هامة من خلال اعتماده على التجريد من حيث الموسيقى وتصميم أغلفة الألبوم والظهور في الحفلات الحية، مركزًا على فكرة موسيقى من أجل الموسيقى والاستماع والتماهي مع الأصوات فقط، فيصعب ربط أعماله بأى حركة اجتماعية أو سياق سياسي أو مفاهيمي، ما قد ينفر منه البعض لكني معجبٌ به.
يعتبر سِكَند وومن من أكثر المشاريع الثنائية نضجًا. حاول النقاد تشبيه ثنائي جوش يوستس وتورك ديتريش بأوتكر بعد أول إصدار لهما عام ٢٠١٦، مع أن موسيقاه أبعد ما تكون عن أوتكر. أثبت الثنائي ذلك في ألبومه الثاني إس/دبليو، عندما اتخذ من صوت الدَب أساسًا له خالقًا منه خامات متعددة. اعتمد نصف الألبوم على تكنيك ذكي عن طريق التحكم في سرعة التراكات وموازينها كاسرًا حاجز الالتزام بإيقاع ثابت ومفككًا فكرة الزمن في الموسيقى، الأمر الذي يخطف أذن المستمع من أول تراك. يذكرنا هذا التكنيك بأعمال إس إن دي الأخيرة مثل ألبوم أتافِزم، لكن بشكل أكثر تركيبًا وتعقيدًا وكأنه تطويرٌ لها.
يفاجئنا النصف الآخر بإيقاعات مركبة ومتشظية وإن كانت ملتزمة بسرعة إيقاع واحدة. قام كل تراك على فكرة واحدة، عرضها الثنائي من زواية مختلفة معتمدًا على نهج تقليلي بإحداث تغييرات في المؤثرات المستخدمة ونقلات طفيفة وبناء تدريجي أتى بشكلٍ خفي. الألبوم مليء بالمساحات الواسعة الناتجة عن تطبيق المؤثرات على أصوات الدرامز والسنث اللذين حملهما سَب بايس ليكتمل الألبوم بعناصر قليلة وظفها الثنائي بشكل مبدع.
روبرت هِنكِه (مونولايك) واحد من أهم رواد الموسيقى الإلكترونية. فبجانب رصيده الكبير من الإصدارات وعروضه الحية المبهرة من الناحية البصرية، وتجهيزاته السمعية البصرية ومحاضرته في عدة جامعات، هو أحد مطوري برنامج أبلتون والعديد من البلَج-إنز المرفقة بالبرنامج. تكمن قوة سينماسكوب في تصميمه الصوتي القائم على خامات متماسكة، ومشاهده الصوتية من خلال البادز والكوردات الدَب التي صاغت من الألبوم ما يشبه موسيقى تصويرية لفيلمٍ ما يتماهى معها المستمع. امتلك هِنكِه حس موسيقي قوي ظهر من خلال تحكمه في ديناميكية مقطوعاته، فأدرك متى يكثف دور قسم الإيقاع أو النغمات ومتى يقلل منها، والتوقيت الأمثل للصمت، بحيث لا ينتج عن مقطوعاته الطويلة أي ملل. يظهر ذلك في كيوبيكل وبينج وتليفجن تاور.
استمد هِنكِه من التكنو مرجعًا له في أسلوب إيقاعاته، مثل في آيونايزد وريموتبل وألبنراوش، لكن لم يتوقف عند هذا الحد بل أضاف عليه طابعًا فريدًا وطليعيًا بمعايير وقت صدور الألبوم، متجاوزًا أي صيحة موسيقية. يقع الألبوم في منطقة مثالية بين الإنصات له في غرفة بمنزل أو الرقص عليه بشكل متراخي في إحدى النوادي الراقصة. يُختم الألبوم بتراك إنديجو المحيط التي يظهر فيه عينات صوتية للماء تُلعب بشكل حيوي ومتناغم مع صوت كوردات الدَب.
بدأ كانجدنج راي (ديفيد لوتولييه) مشواره عام ٢٠٠٦ كأحد فناني موجة الكليكس أند كاتس بألبومه الأول ستايبل. بعد مرور خمس سنوات قام لوتولييه بقفزة في الاتجاه تاركًا وراءه صوت موجة وصل إلى حالة من التشبع. لم يعد يوظف الأصوات الدقيقة كعنصر أساسي يصيغ منه تراكاته كما فعل من قبل. ما يميز ألبوم أور هو إيقاعاته الراقصة التي تغازل التكنو من بعيد، وتصميم أصواته الإيقاعية الرائع الذي تتشابك فيه الأصوات مع بعضها البعض دون خلق أى نوع من التزاحم. يلعب السَب بايس دورًا حيويًا يُكمّل الجروف الخاص بالألبوم. أما السنث فجاء بدور تقليلي لإضافة مشاهد صوتية من خلال خامات غنية تغلب على التراكات في التوقيت الأمثل لتعطي مزاج غامض للألبوم. أور هو واحد من أفضل أعمال كانجدنج راي والـ آي دي إم خلال العشر سنوات الماضية.
ميك إس إن دي كاسِت هو الإصدار الرسمي الأول للثنائي إس إن دي، المكون من مارك فِل ومات ستيل. يعد الألبوم من العلامات المؤسسة للموجة التقليلية التي سيتبناها الـ آي دي إم في ما بعد على مدار عقد كامل تحت اسم الجليتش أو كليكس أند كَتس. يجذب اتجاه الألبوم المستمع من خلال اعتماده على أسلوب الهاوس والتكنو والغَراج من حيث عنصر التكرار والإيقاع شبه الراقص، والبناء وتسلسل العناصر الإيقاعية. لكن تأتي الأصوات المستخدمة من قبل الثنائي لتأخذ هذه المعادلة الراقصة إلى عالم من الأصوات بعيد كل البعد عن هذه الأنواع (وإن كانت أصوات الكيك هى العامل المشترك).
لجأ الثنائي إلى أصوات شديدة الصغر والطول تصل إلى كسور من الثانية. تشكّل تلك الأصوات الناتجة عن الخلل والأعطال الديجيتل ونقرات وعينات دقيقة مجهولة المصدر بالإضافة إلى الكيك والسَب بايس الجزء الأهم من موسيقى إس إن دي وهو الإيقاع. أكد إس إن دي نهجه التقليلي عن طريق الأدوات المستخدمة لإنتاج أعماله، خاصةً جهاز العينات الصوتية إيميو إي٦٤٠٠، بالإضافة إلى ماكس / إم إس بي في مرحلة متأخرة. في هذا الألبوم مثلًا، يأتي السنث بأصواته التقليلية ليحتل الموجات المتبقية من الطيف الموسيقى الخاص بكل تراك ليضيف إليه طابعًا نغميًا. ما يزيد التجربة السمعية اهتمامًا هو تلاعبهما بموضع الأصوات والسنث على مدى الستريو لكل تراك، وهو ما يجعل المستمع أسير السمة التكرارية للألبوم.
ليس من السهل تفريق أعمال ريوجي إيكِدا عن بعضها البعض إلا بعد الاستماع لها عدة مرات. حيث تعتمد موسيقاه من ناحية الصوت على الأصوات الخام مثل الموجة السينية sine wave والضجيج الأبيض ليخلق موسيقاه من خلالهما. اخترت داتابلكس لأنه يجمع أساليب إيكِدا المختلفة ويعطي صورة شاملة عن أعماله. استند داتابلكس إلى مقاطع صوتية اعتمدت على أطوال الموجات السينية، ووظف كل موجة بحرفية ثم قام بسلسلتها، كما نسج منها الإيقاعات من خلال نبضات قصيرة. تحدى إيكِدا نفسه بتحجيمه لكل العناصر والآلات الموسيقية واعتماده فقط على عنصر أحادي وبدائي وهو الموجة السينية بالإضافة للضجيج، طارحًا منهم إمكانيات صوتية وموسيقية واسعة، وهنا كمن إبداعه، في أسلوبه التقليلي.
ذهب إيكِدا أيضًا حد إلقاء تحدٍّ موازٍ على المستمع مشاركًا إياه في تجاربه الصوتية. فحين نستمع لداتابلكس بسماعات الرأس نقوم باختبار مدى تحملنا لتلك الموجات بدرجاتها المختلفة التي لا نتعرض لها بشكل يومي، على عكس الأصوات المحيطة لنا ومعظم الأنواع الموسيقية. يثير إيكِدا المستمع ويأسره بين حالتين متناقضتين، الضيق أو الراحة. تلك الحالة من الأسر تصل إلى قمتها في التراك التاسع ويستمر إيقاعها حتى نهاية الألبوم. داتابلكس غير مخصص للسمع العادي، بل هو خوض في تجربة صوتية تمتد على مدار ما يقرب من الساعة، لن يحس المستمع بقيمتها إلا بعد الانتهاء من الألبوم على مرة واحدة.
إن ألبوم سلكتد آمبيانت ووركس شديد الاقتران بالـ آي دي إم بصفته أحد الألبومات المدشنة للنوع. كما لا يمكن إغفال تأثيره على الاتجاه الذي سلكه كل من بوردز أُف كندا وبلايد وكلارك وآخرين. قد يكون اسم الألبوم خادعًا، حيث لا يمت بصلة للموسيقى المحيطة، ويغلب عليه الإيقاعات الثابتة والفواصل الإيقاعية والنغمات الواضحة. لجأ ريتشارد دي جيمس بشكل ذكي وخفي إلى إيقاعات الهاوس والبريكبيتس والتكنو والإلكترو، متجاهلًا نقد هذه الأنواع التي ظل مستمعين وفنانين آخرين يحاولون التصدي لها معتبرين الـ آي دي إم موجةً مضادة.
بالإضافة إلى البادز الحالمة والسنث الأنالوج بنغماته الخاطفة، استخدم صوت الأسيد وصوت الـ ٩٠٩ والـ ٧٠٧ والـ ٨٠٨ التي تعد أعمدة الموسيقى الراقصة. كما لجأ إلى البناء الكلاسيكي لتلك الأنواع الراقصة بشكله الخطي فتتوالى الأصوات واحدة وراء الأخرى، إلى أن يصل التراك إلى حالة من التشبع تعقبها الثبات. يُظهر الألبوم مدى استعداد جيمس للتجريب بالأصوات وطريقة الإنتاج واستخدام الآلات بشكل مختلف عن الذي خصصت له، وهى سمة من سمات الـ آي دي إم. إن إنتاج آيفكس توين ضخم يقرب إلى الـ ٣٠ إصدار، لكن يظل هذا الألبوم الأكثر إلهامًا للعديد من الفنانين.