أم الموجات | السينابتيك

كتابةهلا مصطفى - November 9, 2018

يقدم التراك الافتتاحي لأم الموجات الكثير من الوعود. سواء في التدفق الذي يتبدل أكثر من أربع مرات قبل انقضاء الدقيقة الأولى، أو في حقل المفردات التي تجمعه بالأنبياء أصحاب المعجزات، أو في صوت آلة الكمنجة التي تختتم التراك مخلفةً رهبة أوركسترالية. تجتمع هذه العناصر في تراك طوفان لتقدم وعدًا بألبوم ملحمي. أمام هذا الوعد أنت أمام حلّين: أن تتخلّف عن الانضمام وتبقى في مكانك فيدركك الطوفان، أو أن تلحق “الصوت الغريب / وارمي كلشي وراك.”

مع تتالي الأغنيات، وباستثناء زوال شعور الرهبة الذي خلّفه الكمان مع غياب الصوت الآلاتي أو اللحني في باقي الألبوم، تحافظ باقي العناصر الافتتاحية على وجودها، بل ويحرص وجودها مجتمعةً على استبدال الرهبة بمتعةٍ صرفة. إذ كثيرًا ما يتبدل الفلو في المقطع ذاته بانسيابية وعفوية، دون أن يتعارض ذلك مع كونه مشغولًا بعناية. كما أنك، من تراك داري وإنت نازل، تحصل على لوازم ممتعة وجذابة تلتصق في ذهنك مباشرة ومن أول استماع، كأنها مجسّات على أطراف أخطبوط.

يُحكِم السينابتيك وثاق مفرداته بثيمة واضحة فيما يتنقل من نار موسى إلى بطن حوت يونس، ثم إلى يوسف وأبوه أو مناجاة عليّ ويسوع، تاركًا للمستمع تتبع انطباعات هذه المفردات المنثورة من تراك لآخر، وبين الكثير من التعبيرات والتشبيهات الأخرى الأقل جدية أو الساخرة أو المبتكرة، كأن يكون الوضع سيئًا “متل الضايع بكرواتيا” أو يكون رواق متل “كاسة ميرمية.”

بعد الأحم والدستور، وقبل أن ينقضي الربع الأول من الألبوم، تبدأ أم الموجات، الأغنية التي يحمل الألبوم عنوانها وتُحمله الكثير من الصدق والحميمية. هندس السينابتيك مقاطع أم الموجات عائدًا إلى القواعد الأساسية، فركب كل مقطع من ستة عشر بارًا، كل بار منها مبني على أربع بيتات. يبدأ كلٌّ من الستة عشر بار بكلمة “خايف”، دون استثناء، لتجد نفسك فجأة ممسكًا بخيوط الحكاية من أولها، ومحيطًا بكافة المشاعر والمخاوف والأفكار التي تصاحبها: “خايف أرفع أيدي عنكم وتطلعوا لغم / خايف أضلني ماسك فيكم وتطلعوا طعم / خايف أضيِّع من حياتي كمان كمشات / بين الدراسة والراب لا هان ولا هناك.” تخرّج السينابتيك، أو ليث الحسيني من كلية الطب في حزيران / يونيو الماضي، واتخذ القرار بوضع خيار مزاولة مهنة الطب على الرف والتفرغ لموسيقاه. على الرغم من امتداد مسيرته في الراب إلى السنوات الأربعة الماضية، إلا أنه انتظر التخرج قبل البدء بالعمل على ألبومه الطويل الأول. قرار بهذا الحجم قادر على أن ينتج بسهولة الصراع الذي يحتل المساحة الأكبر من الألبوم، يفضي إلى الـ “هيلا، هيلا” الخافتة لهذا البحّار، ويمتد لتجده يراودك وينطبق عليك حتى إن لم تمر بالتجربة ذاتها: “خايف أصحى يوم ألاقي شخص عادي بالمراي / خايف يوم أبطل أحلم وأترك هالشغلة وراي … خايف أوصل لـ اللي بدي إياه وأضل تعيس / خايف أطلع بالآخر واحد بعرفش يعيش.”

فيما يغني السينابتيك في تراك أم الموجات وحيدًا، على اعتبار أنه التراك الأكثر شخصيةً، يزخر الألبوم بالتعاونات التي تغطي نصف أغنياته بالضبط. فمن الفرعي والبو كلثوم وياسمينا أبو ناصر، وصولًا إلى أبيوسف الذي حققت مشاركته في تراك على بالي أكبر عدد استماعات متجاوزةً المئتي ألف على ساوندكلاود وحده – تتعدد الموضوعات التي تجمع السينابتيك بأصحابه، وإن لم يجمعهم المقدار ذاته من الكيمياء في جميع هذه التعاونات. بدا البعض وكأنه ألصق مقطعه فوق تراك السينابتيك على عجل ليبدو كالرقعة التي تخالف لون القماش تحتها. بذل البعض الآخر جهدًا واضحًا ليأتي أسلوب كتابة التراك أو فلوهاته أو مزاجه العام أكثر اتساقًا، أو أكثر غنى، كما في تراك كواكب بالاشتراك مع الراس، أو بيتا برِد مع تامر نفّار الذي خرج بمقطع ممتع يصعب الاكتفاء بسماعه لمرة واحدة فقط مع كل السخرية التي يحملها: “كلو بقول شو مسكينة اللايف، أكمن واحد ماسكين هاللايف؟ / حاطين إيدهم في طيزنا ومحركينا أبلة فاهيتا لايف.”

بالمقابل، يحمل تراك ريتالين بالاشتراك مع المحراك استسهالًا واضحًا في مقاطع السينابتيك، الذي يبدو أنه استلم مساهمة المحراك وبنى حولها مقطعين إضافيين، ومن ثم بضع كلمات ختامية تحاول بلا فائدة الاقتراب من أسلوب المحراك على مبدأ اللي ما بيجي لعندك روح لعنده. رغم اعتقادي بأن عدد الأغنيات في الألبوم يقبل الاختصار، وأن بعض الأغنيات تمتد أكثر من اللازم، يبقى أم الموجات أكبر تجمع هذا العام للأشخاص المناسبين في المكان المناسب.

إلى جانب ظهور بدر عازم كمغنٍ في ميرمية، يتشارك السينابتيك معه اللامبالاة تجاه الأوضاع الراهنة: “رواق الوضع كاسة ميرمية / صالحنا علي بابا وكل الحرامية … بهالبلاد اختارلك قضية / واخسر طول الوقت طول الوقت.” تعاون بدر (تحت اسم ويكيدز) مع أسامة عبّاس (دمار) في إنتاج الألبوم، والذي منحه كل تركيزه ومبالاته. تحاصص المنتجان أغنيات الألبوم، الربع تقريبًا لويكيدز وثلاثة أرباع لدمار، الأمر الذي يصعب اكتشافه تلقائيًا عند الاستماع، إذ تابع كل منتج ما بدأه الآخر أغنية تلو الأغنية، لتخرج النتيجة النهائية متناسقة ومنسجمة، وإن أتاح الإصغاء المركز تمييز بعض التفاصيل الفارقة لكلٍ منهما. اعتمد دمار مثلًا صوت السينابتيك لأداء المؤثرات الصوتية عوضًا عن الاستعانة بمؤثرات إلكترونية جاهزة، وأتخم بهذه المؤثرات كل فاصل أو فراغ بين أسطر السينابتيك الأساسية. أما ويكيدز فاستورد عينات مثيرة للاهتمام ليُشبع بها مسافة التنقل بين الإيقاعات، كما في شباكك حيث يمكن التقاط ثلاث ثوانٍ بالضبط تصل المقطع باللازمة عن طريق بضع نوتات من المقدمة الموسيقية لأغنية أمل حياتي لأم كلثوم. أحسن الطرفان كذلك تطويع صوت السينابتيك المميز والمرن الذي بإمكانه تغيير جلده والخروج بالعديد من الأصوات الفرعية، كما أنه يجامل الأوتوتيون وينسجم معه بأفضل شكل.

“وصدقني أحنا اللي فاهمين غلط مش همي الشباب اللي باعو” أم الموجات بمخاوفه وأفكاره وطموحاته هو صوت الجيل الذي يأتي منه السينابتيك. جيل يتخبط في محاولة فهم كيف عليه أن يعيش حياته، ما بين صراعاته الداخلية، وأخرى خارجية يفتعلها المحيط والبيئة، ويحاول جاهدًا مع ذلك إخراج الأجمل والأفضل لهذا العالم. مجموع التعب والحيرة والتشكيك الذي يشاركه ألبوم أم الموجات هو بالضبط ما يجعل منه انطلاقةً واثقة وقوية.