بدأ دانيال دوميلاي، المعروف بإم إف دووم، بغناء الراب مع شقيقه في فرقة كاي إم دي، وبعد سلسلة أحداث – سنتطرق إلى بعضها لاحقًا – قرر وضع القناع. ليس المهم من يرتدي القناع، القناع فكرة قائمة بحد ذاتها. للتشديد على هذا المفهوم، غالبًا ما يُرسل دوميلاي أشخاصًا آخرين لإحياء حفلاته، وأعتقد أنه من النفاق أن يتذمر المعجبين من هكذا تصرف – إن كان مفهوم القناع واضحًا لك، فلتكن صادقًا معه.
كانت ستفقد الفكرة قيمتها لو لم يتحلَّ دوميلاي بقدرات استثنائية، في الكتابة والإنتاج. في التفاوت بين الواقع والخيال، إضافةً إلى الاستعارات والعيّنات التي يستخدمها، ما يجعل موسيقى دوميلاي مدهشة، مربكة في بعض الأحيان، والأهم، مثيرة للفضول.
وات أَ نيجا نوو؟ | كاي إم دي، ألبوم بلاك باستردز (١٩٩٣)
كاي إم دي هي فرقة الراب التي أنشأها إم إف دووم – الذي كان يُعرف حينها بـ زِڤ لُڤ إكس – مع أخيه ساب روك. لاقى ألبومهما الأوّل نجاحًا بسيطًا، وتبع صدوره كارثتان حلّتا على إم إف دووم. كانت الكارثة الأكبر وفاة شقيقه جراء حادث سير في ذات العام، ثم تخلّي شركة الإنتاج عن الفرقة في نفس أسبوع وفاة ساب روك.
تخلت شركة الإنتاج عن كاي إم دي بسبب هذا الألبوم، وهذه الأغنية تحديدًا، حيث يذكر المغنيان وعيهما بالعنصرية المتفشية حولهما وسخريتهما منها. إلى جانب مرجعيتها لأغنية ببلك إنيمي، تبدأ الأغنية بعينة من خطاب لمحافظ آلاباما: ”الزنوج سيبقون زنوجًا.“ لم تلقَ هذه السخرية ذات النبرة الفخورة بسبب انتمائهما لـ أمّة الإسلام ترحيبًا. توالت هذه المشاكل على دانيال، فتوارى عن الأنظار لعدة أعوام حتى ظهوره مرتديًا القناع تحت اسم إم إف دووم.
دومزداي | إم إف دووم، ألبوم دومزداي (٢٠٠١)
يوم القيامة هو يوم دووم. متكلمًا من خلف القناع عن الثقافة الاستهلاكية، كان تلاعب إم إف دووم بالكلمات لم يزل بدائيًا، وصوته لا يزال يحتفظ ببعض اللين. يذكُر شقيقه، ويذكّر نفسه – والمستمع – بأننا جميعًا سندفن تحت تراب يعلوه ضريح لا يذكر سوى اسمنا الحكوميّ. بين ذكر الموت، السجن، وإعلان دووم عن تفوّقه على جميع الرابرز، تأتي عيّنة معدَلة من أغنية لـ شاداي لتضفي رقة ساحرة.
ذ فاين برينت | كينج جيدورا، ألبوم تايك مي تو يور ليدر (٢٠٠٣)
يخاطبنا هنا تنّين ذو ثلاثة رؤوس، إنه الملك جيدورا، آتٍ من مجرّة بعيدة مطالبًا بكوكب الأرض كغرض يعود إليه. الألبوم بأكمله رواية تعرّف جيدورا على كوكبنا الأزرق الذي أصبح بغيضًا. يرفع جيدورا، الهائل كما نعلم من الأغنية، الإنسَ بملقطٍ صغير ولا يرى ما الأمر الجلل في هذا العرق الذي تمادى في الإحساس بأهميته. يذكرنا هذا الكائن الفضائي الخياليّ أننا ذرّات في كون لا يمكننا حتى تخيّل ضخامته. يتلاعب جيدورا بكلماته كما دووم، لكنه يضيف مصطلحات من بلد منشأه. لإضافة الأصالة على الأغنية، يستخدم دانيال عيّنة من الموسيقى التصويرية لمسلسل الأنيمي جاتشمان من تأليف بوب ساكوما، وينهي الأغنية بحوار من فيلم اجتياح الوحش الفضائي الذي غالبًا ما يلجأ إليه دووم كلمسة نهائية على أغانيه.
بيف راب | إم إف دووم، ألبوم ممم.. فوود (٢٠٠٤)
الأغنية الافتتاحيّة من ألبوم مم.. فوود الذي يعتمد على الغذاء في خلق الاستعارات. تبرز حصيلة دووم اللغوية في استخدامه لكلمات ذات معنًى مزدوج. مستعينًا بعيّنات صوتية من الرسوم المتحركة، يوازي خلافات الرابرز التافهة بالطعام الدسم المضر. يهزأ منهم عبر تشابيه كوميدية ساخرة، مذكرًا إيانا أن الوجه خلف القناع ليس وسيمًا، إلا أن القوافي الصادرة منه رائعة. يوازي دووم ألبومه هذا بالغذاء الفكري وحاجتنا إليه. النتيجة هي أغنية لاذعة المضمون، ذات إلقاء متهكم يرفع من شأنه معجم دووم الغني والواسع.
آكورديون | مادفيلان، ألبوم مادفيلاني (٢٠٠٤)
تعاون دووم مع المنتج مادليب على ألبوم مادفيلاني، الذي يُعدّ اليوم من كلاسيكيات الهيب هوب. تولّى مادليب الإنتاج، متيحًا لـ دووم أن يضع كل تركيزه في الكتابة.
يعزف ديدلوس الأكورديون في الأغنيّة، مقدمًا لحنًا افتتاحيًا مذهلًا يمهد لجملة دووم الأولى التي تذكرك بفنائك الحتمي. يمنح اللحن المُستند على الـ بيت بوكس الأغنية طابعًا خامًا وكأنها من الراب القديم، بينما تحوّلها إضافة الأكورديون إلى جوهرة موسيقيّة. أمّا غناء دووم – الأقرب إلى الـ فري ستايل – فيأتي بوتيرة أكثر رزانة وهدوءًا من المعتاد.
سِلز | إم إف دووم، ألبوم بورن لايك ذيس (٢٠٠٩)
قد تتساءل عن سبب وجود مقطع صوتي لـ تشارلز بوكوفسكي يتلو فيه قصيدة سوداوية في أغنية راب. القصيدة تعيسة، تروي شقاء العرق البشري الذي تسببه لنفسه، وترسم جحيمًا على الأرض لا مفر منه، حيث يتحول الإنسان إلى كائن قد يحسد الحيوان على رُقيّه وشرفه. يناسب إنتاج الأغنية موضوعها، بلحن يميل إلى الموسيقى الصناعيّة الحالكة. بعد بضع ثوانٍ من انتهاء بوكوفسكي، يدخل دووم بتسليمٍ هادئٍ خشن.
الكلمات مليئة بالمرجعيات الدينيّة وبوصف حال الأمم والناس الذين يسكنونها. يستبدل دووم اللازمة بفاصل يقول “كل إنسان مسؤول عن أفعاله، وإلا فهو ما زال حيوانًا.“
وينتر بلوز | جاي جاي دووم، ألبوم كي تو ذَ كَفز (٢٠١٢)
أُنجز هذا الألبوم بالتعاون مع جانيرو جاريل المعروف بتسجيلاته التجريبية، لكن هذه الأغنية خاصة بـ دووم. يتجرد دووم هنا – افتراضيًا – من القناع تكريمًا لحبيبته السوداء البشرة. لا يخلعه فعليًا، لكنه يعود لكونه دانيال دوميلاي الواقع في الحب. هذه ترنيمة حب مهداةٌ لزوجته. حين يتكلم عن هذه الأغنية، يبتسم خلف القناع، لكن كعادته لا يخلو دووم من المفاجآت. وسط أغنية غزلية، يدس رسالة سياسية عن العنصرية وعن كره البشرة السوداء عامةً.
لن تجد مغني راب آخر يريد لحبه أن يكون أزليًا كخلايا هنرييتا لاكس (السوداء البشرة التي توفيت بالسرطان عام ١٩٥١، والتي ما زالت تُستخدم خلاياها السرطانية في الأبحاث الطبية)، ولا كاتبًا يثير مشاعرك بوصفه لبشرة حبيبته بينما يقوم في الآن عينه بتصريح سياسيّ. تأتي قفلة الأغنية بعيّنة من خطاب لعالمة تصرّح بأن البشر أجمعين بحاجة للميلانين كي يبقوا على قيد الحياة.
نوفمبر هاز كَم | دووم وجوريلاز، ألبوم ديمون دايز (٢٠٠٥)
يحلّ دووم ضيفًا عند الفرقة الافتراضية جوريلاز. اسم الأغنية استعارة لدنو أجل موسيقى الهيب هوب. يرثي دووم موسيقاه العزيزة، متطرقًا إلى الاختلاف بين القديم والجديد، وأن زمن عظمة الهيب هوب قد ولّى. يتباهى دووم بكونه فوق المنافسة، كما يستخدم مفردات غريبة وكلمات عاميّة يندر تداولها. تعاون دووم مع جوريلاز دليل آخر على تنوّعه، وقدرته على الانسجام مع أيّ إنتاج موسيقيّ يجده ذو قيمة.
بيتوين ڤيلاينز | ڤيكتور ڤون وإيرل سويتشيرت وفلايينج لوتس (٢٠١٣)
التشكيلة المشاركة في هذه الأغنية استثنائية. إلى جانب دووم (مستخدمًا اسم ڤيكتور ڤون، هويّته قبل أن يضع القناع)، ينتج الأغنية ويغني المقطع الأخير فلايينج لوتس (مستخدمًا اسم كابتن مورفي الذي ظهر للمرة الأولى على موسيقى لموقع أدلت سويم)، صغير الراب العبقري إيرل سويتشرت، ولاعب البايس ثاندركات الذي كان عضوًا في فرقة الثراش ميتال سويسايدال تندنسيز قبل أن يصبح جزءًا من شركة الانتاج المستقلة للموسيقى التجريبية براين فيدر. الأغنيّة مظلمة وذات نغم غامض. يصعب افتتاح أغنية من هذا المستوى، لكن دووم متمرس ويدرك تمامًا كيفية تقديم قوافي تعبث بذهنك وتعلق هناك.
بوكس أوف وور | دووم ورزا (٢٠١٥)
تعاون دووم مع العديد من أفراد وو تانج كلان. تجمع هذه الأغنية مقطعين لكل من دووم (إت أينت ناثين) ورزا (ذ نايت ذ إرث كرايد) على إيقاعات المنتج أومِجا رِد. يعيد الإنتاج، بالإضافة إلى قوافي دووم ودروس رزا عن النضال والعبودية، المستمعَ إلى راب التسعينات ببراعته ووعيه السياسي.