.
ماذا سيأتي بعد جوجل وسواه من خدمات الإنترنت العملاقة الموجودة اليوم؟ قد تأتي إحدى الإجابات ممّا يسمّى بالإنترنت اللامركزي؛ مجموعة واسعة من الخدمات والبروتوكولات تهدف إلى توزيع سلطة الإنترنت على المستخدمين، وتوفير فرصة للملكية الجماعية ومقاومة الرقابة. رغم أن الإنترنت اللامركزي لا يزال في مراحله الأوليّة، إلّا أن الأفكار التي يفسح المجال لتطورها من شأنها أن تغيّر تجربة استخدامنا للإنترنت، بطريقة مشابهة للقفزة التي حدثت من ويب ١.٠ إلى ٢.٠.
نشر هذا المقال للمرة الأولى في الخامس من سبتمبر ٢٠١٨ على إلكترونيك بيتس، من كتابة ليزا بلاننج. ترجمته لمعازف براءة فاروق.
بعد ما يقارب ثلاثة عقود على انتشاره، يشعر العديدون كما لو أن الإنترنت لم يطابق بدقّة الوعود المثالية التي رافقت بدايته. بالنسبة لهؤلاء، ولأي شخصٍ مُرهَق من وضع الإنترنت الحالي، اللامركزية هي جواب محتمل. بعد أن بات لدى جميع المهتمّين على الأرجح فكرة عن تقنيّة مستخدم-مقابل-مستخدم (Peer-to-peer) التي يقدمها بيت تورنت، والتي يمكننا استخدامها كنقطة بداية في محادثاتنا الجارية عن لا مركزيّة الإنترنت – دخلنا اليوم حقبة البيتكوين والكريبتو والبلوكتشين.
أصبح فكّ مركزيّة الإنترنت موضوعًا متزايد الأهميّة. هناك إجماعٌ متنامٍ بين مطورين واثقين بأنّ فك المركزيّة هو مستقبل الإنترنت، الأمر الذي سيؤثر بالطبع على الثقافة بشكلها الحالي، كما بدأت الفكرة تتطوّر بنفسها كثقافة فرعيّة تتشابك مع عدّة ثقافات فرعيّة موسيقيّة أكثر ألفةً.
حتى نشرح فك المركزيّة بإيجاز، هو مفهوم يمكن أن يُطبَّق على أمور مختلفة عديدة. لغرض هذا المقال، بإمكاننا إعادة صياغة ما قاله مؤسس إيثيريوم فيتاليك بيوترين في تدوينة على ميديوم من عام ٢٠١٧ – حيث تشكّل اللامركزية الهيكليّة (كم عدد أجهزة الكمبيوتر التي نحتاجها لتشكيل نظام؟ كم واحد من هذه الأجهزة يمكن أن يتعطّل قبل أن يتضرر النظام؟) واللامركزيّة السياسية (كم عدد الأفراد أو المنظمات التي تتحكم بنظامٍ ما بشكلٍ مطلق؟) أهم تطبيقات هذا المفهوم.
في صميمها، يمكن شرح تقنيّة البلوكتشين على أنّها سجل تداولات موزّع على عدد من الأجهزة، بحيث تتشارك كافة الأجهزة بيانات السجل وتتولى مهمّة تصحيحها. يتمتّع السجل بالمصونيّة، بمعنى أنّه لا يمكن تعديل البيانات المدخلة عليه من قبل، فقط إدخال بيانات جديدة. (بإمكانكم معرفة المزيد عن البلوكتشين هنا). البلوكتشين إذًا هي إحدى تجليّات اللامركزية الهيكليّة، وتشغل اليوم بالطبع موقعًا مركزيًا ضمن محادثاتنا حول اللامركزية؛ لكنها في الحقيقة مجرّد التجلي الأوضح بين عدّة بروتوكولات لامركزية مثل آي بي إف إس (نظام ملفات عالمي) وإس إس بي وDat.
يعرف المطوّر المقيم في برلين لويس سنتر ضمن مجتمع دات كأحد المساهمين في برنامج البث الحيّ المعتمد على تقنيّة م-م-م (مستخدم-مقابل-مستخدم) هايبرفيجن، ويعمل حاليًا بدوامٍ جزئي على مشروع خدمة بث الموسيقى المتوافقة مع تقنية البلوكتشين، ريزونايت. يقول لويس: “إنّ بروتوكول دات هو بمثابة بيت تورنت ٢.٠، يكمن الاختلاف الأساسي في أنّ البيانات داخل السجل قابلة للتغيير في أي وقت. يسعى بروتوكول آي بي إف إس إلى إعادة بناء الإنترنت من الصفر، بطريقة مختلفة قليلًا. الفكرة أن يكون هناك نظام ملفات واحد للإنترنت بمجمله، وبإمكان المستخدمين زيارة أي جزء يريدونه من هذا النظام.” من جانبه، يعتقد هاري لاشنماير، الذي عمل كأوّل مطوّر متفرغ مع بويلر رووم قبل أن ينتقل إلى العمل الحر مع تركيز على بروتوكولات م-م-م، إنّ بروتوكول آي بي إف إس “خلق (نظامًا) مقياسيًا جديدًا لعناوين مواقع الإنترنت، وكيف بإمكاننا العثور على ما نبحث عنه دون أن نكون متصلين مباشرةً بالسيرفرات التي تحتوي نتائج بحثنا. أما (بروتوكول) دات فيسمح لنا بالتواصل بشكلٍ حيّ دون ضرورة إنشاء حساب على أي منصّة أو الحصول على أي أذونات.”
كمُطوّرين، يبدو كل من سنتر ولاشينماير أكثر حماسًا لبروتوكول دات من آي بي إف إس. يعود ذلك جزئيًا إلى قابلية دات للتغيير، وأيضًا إلى مكتبته البرمجيّة المتاحة للاستخدام منذ الآن. يوضّح سنتر: “هل تذكرون عندما نزّل كانيه ألبوم ذ لايف أف بابلو وظهرت عدّة نسخ وتغييرات من الألبوم مع الوقت؟ بإمكاننا تمثيل هذه النسخ ضمن أرشيف ملفات بروتوكول دات. بعد أن تصدروا ألبومًا ما، يمكنكم الاستمرار بالتعديل عليه مع الوقت، وسيتم بث هذه التعديلات إلى أي مستخدم يتصفّح (الألبوم على) دات. أرشيف دات مبرمج في جوهره لاستيعاب مفهوم النسخ المتعددة، لذا يمكنكم بث التعديلات الصغيرة التي غيرتموها فقط، كما يمكنكم الاحتفاظ بأرشيف لكافة التعديلات والنسخ السابقة. في المقابل، يستطيع المستخدمون على دات الاحتفاظ بهذه التعديلات الجديدة أو رفضها. عند استخدام متصفح بيكر (الذي يستخدم بروتوكول م-م-م مفتوح المصدر)، بإمكانكم كتابة ‘+٣٠’ عند آخر الرابط وزيارة التحديث الثلاثين للموقع. بإمكانكم دائمًا تصفح أي نسخة من الموقع، الثلاثين أو الخمسين أو الأولى.”
تحدثت إلى لوك دوبوي لأعرف أكثر عن كيف بإمكان كل ذلك أن يغيّر ما نعتبره إصدارًا موسيقيًا. بينما يعمل دوبوي كمدير تسويق في ريزونايت، يعد أيضًا أحد أفراد المجموعة التي تقف خلف تسجيلات سيركاديان ريذمس، وبرنامجهم الذي يبث منذ وقتٍ طويل على راديو إن تي إس. كشركة تسجيل، تلعب سيركاديان ريذمس على تنويع الفورمات، فإلى جانب الوسائط المعتادة كأقراص الفاينل والإم بي ثري، سبق لهم أن أصدروا مجموعات ثياب وموضة (تستمد ثيمتها) من إصدارٍ ما، كما صمموا حقائبًا وأقنعة تنفس ونظّموا حفلاتٍ هادفة لزيادة الوعي حول تلوّث الهواء.
سيتكوّن إصدارهم المقبل من تسجيل قصير من ثلاثة تراكات لـ بلاتا، يتضمن ملفًا خاصًا من لاحقة (فورمات) .بلاتا (.plata) وبرنامج لفك تشفير هذا الملف، بالإضافة إلى كمية بيانات مخفية في كل مكان ممكن: في تغليف الألبوم الذي سيتم توزيعه عبر غرف شات مرافقة لبرنامج راديو، على منصّة دات، في ملفات تورنت وملفات م-م-م.
عندما يتعلق الأمر باستخدام مشروع مثل دات للإصدارات الفنيّة على وجه التحديد، لدى دوبوي فكرة بدأت تختمر في رأسه: “(يمكن شرح عملية) اشتقاق (Forking) المواقع على أنّها تنزيل محتوى موقع ما وخلق نسخة قابلة للتعديل منه. ما أفكر به هو مشاريع تعاونيّة تبدأ كملفات بصرية أو نصيّة أو صوتيّة على شبكة م-م-م، ثم تستخدم هذه الملفات كمصدر للمواد التي بإمكان كل فنان الإضافة والمشاركة فيها. بإمكان الفنانين إضافة محتواهم الخاص على هذه الأصول ثم تمريرها للفنان التالي، الذي بإمكانه اشتقاق المشروع بدوره. سننتهي بعمل ضخم وعالي التشبيك. أعتقد أن هناك إمكانيّة ضخمة لثقافة الريمكس وللعب بالمحتوى بالعموم. من المثير حقًا أن نمتلك القدرة على تتبع مراحل تطوّر (العمل) الفني.” قد يكون بإمكان الفنانين العمل على إصدار تجميعي بأسلوب مشابه منذ اليوم، إلّا أنهم سينتهون إلى منتج نهائي في الآخر. بفضل دات، بإمكان الإصدار أن يكون ممتدًا زمنيًا، يتشكّل باستمرار عبر الوقت، ويمتلك إمكانيّات اشتقاق غير متناهية.
يشير دوبوي إلى أنّ مشروع دات يساهم بتبسيط النشر على الإنترنت أيضًا، ذلك عبر متصفح بيكر. أخبرني سنتر أنّ “فكرة بيكر قائمة على قدرة المستخدمين على إنشاء مواقع جديدة داخل المتصفح ونشر هذه المواقع مباشرةً على الشبكة، حيث بإمكان المستخدمين تصفحها مباشرةً من حاسوب الشخص الذي أنشأ الموقع. ثم يقوم المستخدمون على الشبكة بتبادل ملفات الموقع الجديد، فمثلًا لو كان هناك مائة مستخدم أونلاين على بيكر في أي لحظة، سيتبادل هؤلاء المستخدمين الملفات والمواقع بين بعضهم باستمرار وبشكلٍ مباشر، بدلًا من الاعتماد على خدمات استضافة مركزيّة – خلافًا لكيف يتم تخزين وإتاحة معظم مواقع الإنترنت اليوم.”
بينما توجد اليوم منصّات تتيح نشر المحتوى بسهولة على الإنترنت، مثل تمبلر ووردبرس، يبقى البعد السياسي واحدًا من أهم جوانب فك المركزية. يقول سنتر “إنّ المشكلة التي واجهناها مع النسخة الثانية من الإنترنت (web 2.0) تجلّت في قرار كافة المستخدمين الانتقال إلى منصّات مركزيّة منحتهم مساحة على الإنترنت لنشر أفكارهم على حساب حقّهم بحوكمة هذه الأفكار (بإمكانكم النشر على خدمة الاستضافة الخاصة بنا، وسنحمل عنكم كل التعقيدات التقنية، حتى تتمكنوا من إصدار تسجيلكم أو مقالكم الجديد. لكن على هذه العملية أن تجري وفق شروطنا. فنحن في المبدأ نمتلك المساحة التي تستأجرونها). قد تتجلى هذه المشكلة على شكل إعلانات تنشرها المنصّة فوق محتوانا أو مطالبتنا بدفع مبلغ دوري ما (إضافة من المترجمين: أو الرقابة). تسعى أدوات مثل متصفح بايكر إلى تغيير ديناميكيّة السلطة هذه، إذ سيصبح بإمكاننا نشر المحتوى على الشبكة بسرعة أكبر من النشر على تمبلر أو ميديم، مع احتفاظنا بسلطة كاملةً على محتوانا. كما سنقوم بتوزيع موقعنا مباشرةً لباقِ المستخدمين، ما يضمن لنا حوكمةً كاملة. كان على الإنترنت أن يتحلّى بديناميكيّة سلطة كهذه منذ البداية.”
لو ذكرتكم هذه الآراء بكتاب رأسماليّة المنصّات لـ نِك شرينشك، فستجدون أصداءها أيضًا لدى الفنان الرقمي والباحث والمدرّس مات درايهرست، أحد مناصري فك المركزيّة وزيادة الوعي بـ (سياسات) المنصّات. يقول مات موضحًا: “ما يجعل بعض مشاريع الكريبتو محمسةً هو فكرة مقاومة الرقابة، وهي إحدى ميزات فك المركزية. بالنسبة للصحفيين، ستتمثل الفكرة بوجود منصّة على الإنترنت من المستحيل حذف أي مواد منها – بإمكاني منذ الآن التنبؤ بوجود معارضين لهذه الفكرة بين أوساط اليسار بقدر ما سيوجد مناصرين لها. بإمكاننا توسيع هذه العقلية لتشمل حماية البيانات. أكبر آمالي من الكريبتو هو تمكيننا من الاستقلال عن صناعة الإعلانات. بالنسبة لي، تمثّل هذه الاتكالية التهديد الأكبر. هذه مشكلة تدفعني للتفكير أبعد من الإعلانات، إذ أن الناس (بدأت) تفقد قدرتها على التمييز بين المحتوى الحقيقي والترويجي، وهذا أمر يهدد وجود الثقافة بحد ذاتها.”
المكوّن السياسي موجود في وصفة (الكريبتو) – بإمكانكم مراجعة خطاب كاريسا مكلفي الافتتاحي في ملتقى فول ستاك فِست من عام ٢٠١٧ للمزيد عن بدايات مشروع دات – أكّد لي ذلك كافة الأشخاص الأربعة الذين تحدثت إليهم حول تقنيات الـ م-م-م، حيث تشاركوا آمالًا تتخطى حدود الإنترنت. سواءً وجهنا اهتمامنا إلى نموذج الإدارة التعاونيّة التقليدي كالذي تتبناه شركة ريزونايت، أو فكرة الـ داو (منظمات غير مركزية ذاتيّة الحوكمة، حيث يساهم كافة حملة الأسهم بعملية تصويت مكتومة الهويّة عوضًا عن الاتكال على مجلس إدارة)، فإنّ فك المركزيّة السياسية ودمقرطة المنظمات، التي باتت أسهل بفضل تكنولوجيا (البلوكتشين)، صارت ذات أهميّة معادلة لأهمية فك المركزيّة الهيكليّة.
أعلن المدير التنفيذي لـ ريزونايت، بيتر هاريس، أنه يريد أن يكون أوّل وآخر مدير تنفيذي تشهده الشركة عبر الانتقال إلى نموذج إدارة لا مركزي مبني على تفتيت الملكيّة والمحفّزات (tokenized). يوضّح دوبوي الفكرة: “إعادة توزيع الملكية هو المستقبل. ماذا سيحدث عندما تتوغّل الرأسمالية في المساحات الثقافية وتبني منصات على تعب الأشخاص المبدعين، ثم لا تعطيهم أي جزء من ملكية هذه المنصّات؟ ما نراه هنا، في نمط ثقافي أوسع، هو توقف مخيّلات الأفراد عن التشبيك وبناء (ما هو جديد). بُنيت ثقافة الراديوهات المقرصنة على تضفير جهود الأفراد، حيث دفع الناس اشتراكات كي يكونوا على الراديو”، مشيرًا إلى الرسوم التي يدفعها الدي جايز على الراديوهات المقرصنة. “أنا دفعت اشتراكًا لألعب على راديو NTS. بنيتُ هذه المحطة بمساهمات شهرية كي أحصل على العرض الخاص بي، (كثير من) محطات الراديو تبدأ بهذه الطريقة. وبالتالي يجب أن يكون امتلاك المنصات وتشغيلها من نصيب أي شخص يشارك فيها. أعطتنا إن تي إس، أنا وكل الدي جايز، أسهمًا في الشركة، وتقنيًا، أصبحنا جميعًا مُلّاكًا مشتركين في المحطة. العديد من المحطات الأخرى لا تتبنى هذا النموذج. هذا جزء من السبب الذي دفعني للتعلم أكثر حول الاقتصادات التعاونيّة، وحول الاستثمار في مشروعٍ نحصل على حق الملكيّة فيه. هذه الأفكار تحتضر. أصبحنا عالقين في دائرة مفرغة فاسدة من قيام الرأسماليّة بتأسيس منصّات تستغل نتاجنا الإبداعي ولا تعطينا أي شيء بالمقابل. ليس في صالحهم أن يتحولوا إلى مؤسسات مستدامة لأن غايتهم تحقيق الربح من قيام شركات أكبر باستحواذهم. تفشل هذه الشركات في نهاية المطاف وننتقل إلى شركة أخرى معتمدة على اقتصاد حاملي الأسهم. على هذه الدائرة أن تنتهي!”
يفكّر درايهرست بشكل مماثل حول الملكية الجماعية: “فكرة الملكية الجماعية والتساوي الجمعي مُحمّسة، فعندما ننشئ مساحة ما سينضم عدد من الأفراد إلينا لمشاركتنا بتشغيلها وملكها، وسنتمكن بالتالي من جعل المشروع مستدامًا للثلاثين سنة المقبلة. هناك فرص كثيرة لذلك، كما تظهر عدّة تقنيّات تسهّل هذا الأمر، مثل نظم تفتيت وتحفيز الملكيّة (tokenization) عندما تصبح قانونية بشكل كامل، ولن يمر وقت طويل حتى تصبح كذلك. إذا اهتممنا بشيءٍ ما بشدة وأردنا الحفاظ عليه، علينا أن نتملكه. تقليديًا، قيل لنا إننا إن أردنا دعم الثقافة عبر الملكية علينا أن نشتري تسجيلًا ما، لكن هذا غير واقعي لأن التسجيلات لا تحتفظ بقيمتها المادية في الثقافة. إذا أردنا دعم الثقافة على المدى الطويل، علينا أن نشتري المبنى (الذي ينتج التسجيلات).”
أحد دوافع الابتكار الأخرى، وفقًا لفهم دريهرست، هو توفير مساحات حقيقية لتمكين مجتمعات المبدعين من التفاعل وتبادل الأفكار. في برلين، يحوم مجتمع الويب اللامركزي حول ترست، مشروع ومساحة عمل تعاونيّة. تتجاوز ترست استضافة فعاليات م-م-م وورشات عمل وندوات (بعضها من تنظيم لويس سنتر)، لتلعب دورها كمرتع وحلقة وصل لجماعتي دات وإس إس بي. بإمكاننا أن نتوقع أنّ لجماعة الويب اللامركزي شبكة اجتماعية خاصة بهم. كما يصف سِنتر: “إس إس بي أو سكاتِلبَت هي البروتوكول الرئيسي، الذي بني عليه برنامج باتشوورك الذي يستخدمه الجميع على الشبكة – باتشوورك هو برنامج محادثة وشبكة اجتماعية لنشر التحديثات والرد على الأشخاص ومشاركة الأشياء، كما نفعل على فايسبوك.”
يرى لاشينماير أن شبكة سكاتِلبَت تجذب المستخدمين لعدم الحاجة إلى “إذن من أي أحد لإنشاء تطبيقات وأدوات جديدة يمكنها التفاعل مع الشبكة.” أما بالنسبة لـ سِنتر، فإنّ :”أكثر ما يثير الاهتمام في إس إس بي هي تمكين المستخدمين من التشبيك ومشاركة البيانات مباشرة بين بعضهم البعض، أي من جهاز إلى أي جهاز. أكثر الطرق شيوعًا لإيجاد مستخدم أخر على شبكة دات هو اللجوء إلى طيف من السيرفرات غير المركزية المنتشرة على مدى الشبكة والتي تتبع عناوين كافة المستخدمين. أمّا سكاتِلبَت فليس لديه إطار مخصص لربط شخصين عبر الانترنت، إلا إذا كانا في ذات المساحة أو المنطقة، إذا كانا متصلين بشبكة الوايفاي أو البلوتوث ذاتها، عندها سيظهر المستخدمان لدى بعضهما وللآخرين، وتصبح الشبكة فعّالة. أجد هذا الحل مثيرًا للاهتمام في سياق التصدي لمشاكل توسيع نطاق التكنولوجيا (scaling) وقابلية الاكتشاف على الإنترنت، كما تحوّل تركيز تكنولوجيا الـ م-م-م نحو شبكات أوفلاين غير متكلة على الإنترنت إطلاقًا. تعمل هذه الشبكات ويتفاعل الناس داخلها بطريقة تحاكي طريقة تفاعل المجتمعات الإبداعيّة في الحياة الحقيقية.”
بينما يرجع تداخل ثقافتي التكنولوجيا والموسيقى إلى ظهور الموسيقى الإلكترونيّة، على الأقل في برلين، يشعر مجتمع اللامركزية ولو جزئيًا بالتقارب مع مجتمع موسيقى الأندرجراوند – لأسباب ليس أقلّها وجود العديد من الأشخاص النشطين في كلا المجتمعين. بطريقته الخاصة، يشكّل مجتمع اللامركزية أحد أكثر الثقافات الفرعية المثيرة للاهتمام حاليًا، السمعة التي كانت عادةً ما تقتصر على أحدث ترندات الحياة الليلية.
في حالة دات على الأقل، تغدو الأفكار السابقة صحيحة لأنّ دات يشكّل مجتمعًا حقيقيًا بالفعل. كما يقول لاشينماير: “مجتمع دات هو ما يفصله عن باقِ المشاريع التقنيّة في هذه المساحة. معظم مشاريع فك المركزية والبلوكتشين مغلّفة بلغة تحتاج شهادة في علم الحاسب لتفسيرها، وحتى عند امتلاك خلفية مماثلة لا تزال هذه المشاريع عصيّة على الفهم. هذا (التعقيد) مثالي لاستقطاب الممولين، لكنّه لا يحدث تغيرات حقيقية في نهاية المطاف.”
تضم مجتمعات دات وسكاتِلبَت أشخاصًا يهتمّون بجعل مشاريعهم “سهلة الوصول ومتاحة للجميع” يُكمل لاشينماير، “جعل هذه المشاريع تحل مشاكل الناس الذين لا يحصلون على ما يحتاجونه من الأنظمة والأدوات الحالية، هو المفتاح الذي سيقود الابتكار.” إذا نجحت هذه المجتمعات بتحقيق أهدافها – استقلالية وحوكمة ذاتية للشبكة، وإعادة توزيع الملكية / السلطة وتشاركية المعرفة – ستقدم لنا حيناها مجتماعاتٍ تستحق أن نقف وراءها.
حتى تُجرّبوا الانترنت اللامركزي بنفسك، ندعوكم إلى تنزيل متصفّح بيكر.