.
إن ألقينا نظرة على قائمة بيبلبورد للأغاني المئة الأكثر سماعًا يمكن ملاحظة ظاهرة بارزة: ليس هناك أغنية روك واحدة. بالاستماع إلى بضعة أغاني من القائمة، وباستثناء صاحبة المركز الأول أولد تاون رود – ريميكس ليل ناس إكس الذي يمزج بين الكانتري والتراب، لا نعثر على الكثير من الجيتارات أيضًا.
هذا ليس جديدًا، استولى الهيب هوب على عرش الروك كالصنف الأكثر سماعًا على أغلب المنصات في ٢٠١٧ وما زال الأمر كذلك حتى اليوم. العام الماضي، كانت الألبومات الأكثر مبيعًا تتراوح بين ساوندتراكات الأفلام وإصدارات الهيب هوب والكاي بوب (K-Pop). في هذه الألبومات، لا تُسمع الجيتارات إلا في ساوندتراك فيلم بوهيميان رابسودي، المكوّن من أغانٍ مكتوبة قبل أكثر من ثلاثين عامًا. قد يحتضر الروك، لكن هل يعني ذلك أن الجيتارات ستلفظ أنفاسها معه؟
لم يعد الروك بشكله الكلاسيكي مثيرًا للاهتمام منذ سنوات، وقد ركزت أنواعه الفرعية وعائلته الممتدة من الأنواع الأكثر صخبًا على إطالة عمر الجيتارات. كان لكل عقدٍ فائت نجومه الذين طوروا الآلة وبثوا فيها روحًا جديدة. ظهرت فرقة ذ كينكس بالجيتارات المشوّهة في الستّينات، ثم قامت فرقة بينك فلويد وروبرت فريب من فرقة كينج كريمسون بالتجريب مع الصدى والأصوات المحيطة والـ Tape Loops في السبعينات. في الثمانينات، ارتقى جلِن برانكا وفرقة سونيك يوث بالدوزنات البديلة إلى شكل فني متكامل، ونقعت فرقة ماي بلَدي فالنتاين كل شيء في تأثير الريفرب؛ بينما شهدت التسعينات استعمال فنانين مثل توم موريلو للآلة كأي شيء عدا الجيتار، كما أصبح الجيتار ذو الأوتار الإضافية أكثر مرونةً مع صعود الدجنت Djnet: أحد فروع البروجريسيف ميتال المعاصرة. ترك عدة فنانين من هؤلاء أثرهم على الثقافة الشعبية. في السبعينات، كان من الممكن أن تستوقف أيًا كان في الشارع وتسأله فيما إذا كان يعرف بينك فلويد، وغالبًا كان سيجيبك بتأكيدٍ قاطع؛ لكن اليوم، ستميّز قلة فقط فرقتَي تيم إمبّالا أو ديرهَنتر، اثنتَين من أنجح فرق الجيتارات حاليًا.
هذا ليس مفاجئًا. شغّل الراديو وقلّب بين القنوات والاحتمال الأكبر أن الأصوات والخامات التي ستسمعها لن تكون لجيتارات أو آلات هوائية، وإنما لسنثات. استمعت لعينة عشوائية من قنوات الراديو على موقع راديو جاردن لغرض البحث، وباستثناء أغنيتَي فولك في فرنسا وبعض الموسيقى الريفية في جنوبي أمريكا، كانت الغالبية العظمى من الأغاني المقدمة موسيقى إلكترونية راقصة وهاوس مع رشّة هيب هوب غريبة هنا وهناك. ينطبق الأمر ذاته على التلفزيون وإعلانات اليوتيوب وموسيقى الخلفية في مدونات الفيديو وقوائم سبوتيفاي؛ باختصار، إن لم تكن تبحث عن موسيقى الجيتارات عن قصد فعلى الأغلب أنك لن تجدها. سهّل التقدم التكنولوجي صناعة الموسيقى الإلكترونية، لدى كل إنسان لابتوب أو تابلت أو سمارت فون مع إمكانية الوصول إلى آلاف البرمجيات والتطبيقات المجانية لإنتاج الموسيقى، والتي لا تتطلب أي معرفة مسبقة – أو بعض المعرفة – بنظرية الموسيقى، ولا تتطلب حتى القدرة على عزف آلة لصنع موسيقى تبدو مقنعة واحترافية. أُزيلت جميع الحواجز أمام دخول المجال، وأي شخص يريد صناعة الموسيقى لديه الأدوات لفعل ذلك وعلى الأرجح سيفعله، عاكسًا في إنتاجه ما يسمعه بشكل يومي، أي المزيد من الموسيقى الإلكترونية؛ وكما قال إدي فِدر: “إنه التطور بايبي.“
لحسن حظ الجيتار وعشاقه، هناك بعض الفنانين الذين ما زالوا يدفعون به إلى الأمام ويطورون من استخداماته. مهندسَي الصوت والموسيقيَّين التجريبيَّين فينيز وبِن فروست هما اثنَين من أشهر فناني الموسيقى الإلكترونية التجريبية والموسيقى المحيطة وأكثرهم تأثيرًا، ولطالما كان الجيتار جوهريًا في موسيقاهما. عُرف عن فينيز استخدام الجيتار كمصدر الصوت الرئيسي في أعماله، والذي يمرره عبر أكواد الـ ماكس/إم-إس-بي خاصته لخلق موجات طنين متلعثمة وجليتشية؛ بينما يقبل فروست – الذي ألف مؤخرًا الموسيقى التصويرية لمسلسل نتفليكس الممدوح دارك – على منفذ الضجيج والتشويه اللذين يمكن التلاعب بهما لخلق وحدات صوتيّة أساسيّة. بمناسبة الحديث عن الوحدات الصوتية، استعملت الفرقة الرائدة في الدرون ميتال، سَن أو)))، التركيبة البسيطة ظاهريًا من بدّالات التشويه والفيدباك من الأمبليفاير لخلق عدة مقطوعات آسرة من أفضل ما سجّلوه على الإطلاق. أثرت موسيقى سَن أو))) في العديد من الفنانين مثل بورتيسهِد وستيفن ويلسن، ومؤخرًا، الرائع سكوت ووكر الذي شارك الفرقة في تسجيل ألبومٍ كامل. في الموسيقى الأقل تجريبيةً، هناك الجيتار القوسيّ المثقل بالريفرب للعازف في فرقة سيجور روس، جونسي بِرجيسن، الذي استطاع ملء استادات ومدرجات كاملة مؤديًا أغانٍ عاطفية تنمو على مدى دقائق طويلة إلى جانب فرقته. قامت سيجور روس، إلى جانب فرق البوست روك الرئيسية الثلاثة الأخرى، موجواي وإكسبلوجنز إن ذ سكاي وجَد سبيد يو! بلاك إمبرُر، باستعمال الجيتار لمقاربة صوت الآلات الكلاسيكية مثل الكمان والتشيلو، ويمكن سماع أعمالهم في موسيقى عدة أفلام روائية ووثائقية مهمة.
أدت التكنولوجيا وخاصةً التطورات الكبيرة في معالجة الإشارات الرقمية إلى ولادة فنانين ما كان لموسيقاهم أن توجد اليوم دونها. تمر بدّالات الجيتار تحديدًا اليوم بما يسميه البعض العصر الذهبي للبدّالات، ويستغل عازفو الجيتار ذلك لمصلحتهم. تعد سارة ليبستايت (نوفلر) مثالاً ممتازًا عن الموسيقيين الذين يتعاملون مع التأثيرات المختلفة باعتبارها أصواتًا قائمة بحد ذاتها بدل التعامل معها على أنها مجرد زخرفة، وقد أوصلها أسلوبها الفريد إلى قاعة ألبرت الملكية لتعزف إلى جانب إيجي بوب. قد يكون عازف فرقة تيرا ميلوس، نيك راينهارت، معروفًا لمشروعه: تجربة المئة بدّال، لكن استخدامه وعزفه الفريد للجيتار وإقباله على الغرائبية هما اللذان حضرا في تعاونه مع فرقة دِث جريبس في ألبومي بوتملِس بيت وذ باورز ذات بي. لختامٍ لطيفٍ وهادئ، هناك ماركوس فيشر الذي دفع ببدالاته إلى حدودٍ أبعد عبر تدعيمهم بسنث موديولَر لخلق مقطوعات من أجمل أعمال الموسيقى المحيطة اليوم.
يخبرنا التاريخ أنه بينما قد يخبو بريق بعض الآلات مع تغير الأذواق، تتكيف تلك الآلات وتتطور لتناسب المشهد الموسيقي الحالي. انتقلت الآلات الكلاسيكية مثلًا من السيمفونيات إلى الاندماج في الجاز ثم الروك وحتى الموسيقى الإلكترونية. تتميز الجيتارات بأنها غير مرتبطة بأي تقليد موسيقي جامد، كما ستساهم فرادة رنينها وقابليتها للتلاعب والتكيّف في بقائها ابنة كل زمن. ربما ستستمر ندرة ظهور موسيقى الجيتارات في الأعمال الرائجة، لكننا محظوظون أننا في زمنٍ لا تملك فيه الموسيقى الرائجة السطوة التي كانت لها من قبل. ثم، لنكن صريحين، هل هناك ما هو أمتع من صوت جيتار مشوّه؟ جوابي ببساطة هو لا.