.
تعود ريادة الراب الراديكاليّ إلى المغرب العربي بامتياز. فمنذ نهاية الثمانينيّات، أي غداة أحداث 5 تشرين أول/أكتوبر، وقبل بداية الحرب التي امتدّت سنوات التسعينيّات، أعلنت فرق “أنتيك“، و“أم. بي. أس“، و“حامة بويز” بداية لراب في الجزائر غداة الحرب الأهليّة هناك. وفي تونس، كانت مجاهرة “بلطي” بالعداء للنظام السابق وزعيمه بن علي حاسمة في ظهور جيل مغنيي راب واعٍ. أما في المغرب، فغربلت حركة “20 فبراير” مغنيي الراب، لتُسقِطَ أشهرهم “دون بيغ” الذي هاجم الحركة. وفي ليبيا، ساهمت الثورة هناك في إشعال مشهد راب يتيم.
الراب التونسي نضج على يد بن علي
في خضم موجة الغضب التي مهّدت للثورة التونسية، أطلق مغني راب مغمور اسمه حمادة بن عمر (ملقّب بالجنرال) أغنية “رايس البلاد“.
كانت الأغنية حادة في انتقاد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بدرجة لم يسبقه إليها أحد، هذا ما اجتذب أكثر من مليوني متصفح على “يوتيوب” في أقل من خمسة أيام. وجاء فيها: “رايس لبلاد: راني اليوم نحكي معاك باسمي وباسم الشعب الكل اللي عايش في العذاب 2011 (..) اهبط للشارع وشوف، العباد ولات وحوش. رايس لبلاد: الشعب مات، وبرشا عباد من الزبلة كلات“.
لاحقاً، كلّفت “رايس البلاد” صاحبها اعتقالاً ومساءلات ماراثونيّة في مقر الشرطة دامت ثلاثة أيام. فبعد أقل من أسبوع من رفع الأغنية على الـ“يوتيوب“، وصلت دورية شرطة في زيّ مدني إلى بيت حمادة في صفاقس (شرقي تونس) واعتقلته أمام مرأى العائلة والجيران. ولما سألهم عن السبب أجابوا: “أنت تعرف“.
“رايس لبلاد” أغنية جرّت صاحبها إلى التّحقيق وإلى المضايقات البوليسية، وحرّكت مشاعر الملايين من الشباب التونسي الذي واصل الطريق وتمكّن من إجبار الرئيس على الرحيل في 14 يناير/ كانون ثاني 2011.
عندما وصل زين العابدين بن علي إلى الحكم سنة 1987، لم يكن حمادة بن عمر يبلغ من العمر أكثر من بضعة أشهر. كبر الطفل في ظلّ نظام أحادي التفكير، معايشاً، عن قرب، سلطة التعسف المطلق وسياسة القمع والرشوة والتفرقة الاجتماعية، ما منحه نبرة مغايرة ونظرة واعية بالحالة التونسية. مثله مثل مغنيي راب جدد رافقوا تحوّلات الوضع ونهاية بقايا (سيستم) الحقد، مثل محمد الجندوبي الملقب Psyco-M (بسيكو – أم)، والذي يراهن على توظيف التاريخ في أغان يملؤها الغضب والرغبة في التّغيير، مما أكسبه تعاطف شباب كثر.
لطالما ارتبط الراب في تونس، خلال السنوات الماضية، باسم “بلطي” (Balti) الذي لم يهادن زعامات الحزب الحاكم (RCD). واليوم، مع مرور رياح التغيير، برزت أسماء أخرى تحاول فرض خطاب مشابه، أكثر تحرراً وجرأة، يقترب من هموم الطبقات الاجتماعية البسيطة، ويختلف عن ميول ما يسمى نجوم “البلاط” أمثال لطفي بوشناق.
الراب الجزائري: من بروكلين إلى وهران
من غيتوهات بروكلين بنيويورك، حيث وُلد الراب نهاية الستينيّات، إلى الأحياء الشعبية في الجزائر العاصمة ووهران وعنّابة مسيرة عشرين سنة. إذ تعود بدايات هذا النوع الموسيقي في بلد المليون ونصف المليون شهيد إلى نهاية 1988 غداة أحداث 5 أكتوبر الدمويّة التي مهدت الطريق للتعديّة الحزبية، وفتحت أبواب الحرب الأهلية التي دامت عشر سنوات. حينئذٍ، أعلنت فرق “أنتيك“، و“أم. بي. أس“، و“حامة بويز” نشأة الراب في الجزائر، قبل أن تنسحب تدريجياً في زحمة الأحداث، وتفسح المجال لظهور أسماء جديدة رافقت أهم التحولات السياسية والاجتماعية التي دارت خلال السنوات الماضية.
بلغة الأرقام يتجاوز عدد مغني الراب في الجزائر عتبة الألف مغن. ولكن القليل جداً منهم من استطاع أن يصنع لنفسه اسماً ويستقطب انتباه المتتبعين. الثنائي “دوبل كانون” الذي جمع في البداية بين وهاب ولطفي، شكّل واحدة من أهم تجارب منتصف التسعينيّات. واشتهر بأغان سياسية صادمة ومباشرة، على غرار “كاميكاز“، “اللي هلكوا البلاد” و“لاكامورا“. ولكن، لم تدم نجومية الثنائي طويلاً قبل أن يسقط في مستنقع الولاء للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، ويفقد الشعبية التي نالها في وقت سابق. ما حوّل أنظار الجمهور إلى أصوات جديدة تحاول جاهدةً الحفاظ على الخط الذي انطلقت منه: معاداة الديكتاتوريّة، ومخاطبة الفئات الاجتماعية المحرومة.
هذا ما نراه في تجربة الرابر “سولو مونتانا“، والذي عاني طويلاً من الرقابة، وتعرّض لمحاولة اغتيال في الجزائر بسبب خوضه في “الممنوع” ومغامرته في انتقاد الساسة ورئيس الجمهورية شخصياً. حيث واكب المغني نفسه مطلع السنة الجارية بداية الثورة المجهضة في الجزائر، متحدّثاً عنها في أغنية “اتهم“، حيث عبّر عن قلقه بالقول: “اتهم الجنرالات التي سرقت الملايير. اتهم النظام سبب الفقر والانتحار. اتهم البوليس اللي تحقر الشعب. اتهم الوزراء واتهم القضاة“.
أغنية حملت تغييراً مهماً في مسار الراب الجزائري من منطلق مواجهتها لرموز السلطة بالأسماء، واتهامهم صراحة بالفساد. لحسن حظ المغني أنه يقيم حالياً في كندا، ما جنبه السجن والغرامات المالية، على غرار ما حدث مع الأخوين عبد الرحمن (23 سنة) وحسين تونسي (24 سنة) اللذين حكم عليهما السنة الماضية بعشر سنوات سجناً بتهمة: تسجيل والترويج لأغنية راب “تمسّ رموز الدّولة“.
موسيقى الراب هي جزء من ثقافة الهيب هوب التي تضم أيضاً فني رقص بريك دانس والغرافيتي. ونوع الراب المتداول بكثرة بين شباب الثورات العربية يطلق عليه “هارد كور“، والذي اشتهر على يد الأميركي “توباك“، أو توبام عمارو شاكور (1971 – 1996)، والذي لقي مصرعه بثلاث رصاصات في أحد شوارع لاس فيغاس. تاركاً خلفه جيلاً من الشباب يسير على نهجه في الدفاع عن الشرائح المظلومة، والمجاهرة في رفض السياسات السائدة، خصوصاً بين زنوج أميركا. وهو النوع الذي تتبناه أيضاً فرقة “Soldats de l`Est” (جنود الشرق) التي أعلنت منذ بداياتها الفعلية السنة الماضية نواياها في متابعة فضائح النظام الجزائري، وهو ما نلتمسه مثلاً في أغنية “الله غالب“: “مسؤولين كسروا لبلاد. إحنا نكسروا اﻟ silence (الصمت).. les responsables pas de chance.. أولاد اﻟ(..) على ظهرنا دارو تاويل. ما نحك غير الصح واللي حاب يربح. العام طويل. génération جديدة. ماهي تاع قوادة ولا تاع شيته“.
“20 فبراير” تُسقِط رمز الراب المغربي
الراب ليس جديداً على الشباب العربي. فهو معروف ومتداول لديهم منذ ما لا يقل عن عشرين سنة. ولكن الفارق الذي ساهم في انتشاره بشكل أوسع في الفترة الأخيرة يتمثّل في تطور علاقة الشباب مع الإنترنت والشبكات الاجتماعية، متحدين التعتيم الممارس من طرف الجهات الإعلامية الرسمية. إضافة إلى تسارع الأحداث واستعجالية الواقع، ما دفعهم إلى التعبير عن صوتهم وفق الأشكال الأكثر سهولة والأكثر فعالية. مع العلم أن أغنية راب لا تفرض على صاحبها معرفة أكاديمية بالموسيقى، بقدر ما تفرض عليه ليونة ووعياً في طريقة انتقاء الكلمات وتوظيف العامية للاقتراب أكثر من فئات المجتمع البسيطة. هذه العناصر اختمرت في تشكيل تحالف مغنين جدد واكبوا حركة 20 فبراير في المغرب.
بعدما خيّب المغني المعروف “دون بيغ” (توفيق حازب) الظنون وانسحب بسرعة إلى خيارات القصر و“المخزن“، واصفاً حركة 20 فبراير بعبارة “رباعة ديال لبراهش ووكلين رمضان” حاطّاً من قيمتها، برزت، بسرعة، أصوات دافعت عن مطالب الشعب في التّغيير، على غرار “مسلم” في أغنية “رسالة إلى حكومة المغرب“، والذي يقول فيها: “جينا نديروا رد على حقنا اللي راح. لابد نفيقوا الشعب اللي ضاع. بلد فلاحية والأرض عندنا خاوية. ناس راهي. والحرب اليوم بدات. ما نخاف من حد. نخاف من اللي خلقنا. بالروح، بالدم، ثورة. جينا نبدلوا كان الوجوه المزورة“.
أو “خالد” في “كايضرني خاطري” وهو يصرخ: “حركة 20 فبراير خلات بني آدم حاير. شلا ما قالوا عليها هي حركة شعبيّة، يساريّة، عدليّة، سلفيّة، حقوقيّة. حركة 20 فبراير كا تمثل كل شي هاذو. أصلاً الشعب مكون من كل شي هاذو. فيها شباب ضد الفساد. صنعوا حياة. حق وقانون“.
كتائب عمر المختار VS الكتاب الأخضر
في ليبيا ارتفع صوت فرقة “17 فيفري” أو (17 FB) التي تغني بالعربية وبالانجليزيّة عاليّاً. ورافقت الثوار من بنغازي إلى مصراتة ثم طرابلس، خصوصاً مع أغنية “ثوار ليبيا” التي يدعون فيها: “ليبيا أنت أرض الجهاد، أنت أرض الكفاح. ولدك عمر المختار هو شيخ الأبطال. ثوارنا. أوطاننا أنتم فخر أجدادنا. صغارنا. رجالنا ونساءنا يدعو لكم يا ثوار. ثوار ليبيا الشجعان. لا للذل لا للعار. لازم نقضوا عالجبان..”. ثم “بلادي“، حيث غنوا للوطن والعيش المشترك. وأصدرت الفرقة نفسها في عزّ الثورة الليبية شهر أبريل/ نيسان الماضي اسطوانتها الأولى بعنوان “بدون أكاذيب“. كما رافقتها في نضالها الفني ومواجهة كتائب القذافي مجموعة أخرى من الشباب رفضت الانصياع لسياسة الكتاب الأخضر، أمثال حمزة صاس وعماد عبار.
الربيع العربي يبقى مستمراً. الثورة لم تنته والشباب في شمال إفريقيا، في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب لم يقل كلمته الأخيرة. المسيرة ما تزال طويلة والحق في التعبير سيظل قائماً.
كلمات أشهر أغاني الراب التي رافقت الثورات العربية
رايس لبلاد – حمادة بن عمر (تونس):
رايس لبلاد.. راني اليوم نحكي معاك
باسمي وباسم الشعب الكلّ اللي عايش في العذاب
2011.. مازال ثمة شكون يموت بالجوع
حاب يخدم باش يعيش لكن صوته مش مسموع
اهبط للشارع وشوف.. العباد ولات وحوش
شوف الحاكم بالمطراك.. طاك! طاك! ما علابالوش
مادام ما كاين حد يقول له كلمة «لا»
حتى القانون اللي في الدستور انفخه واشرب ماءه
كل نهار نسمع قضية ركبوها له بالسيف
بالرغم من أن الحاكم يعرف بأنه عبد نظيف
نشوف فالبوليس تضرب فالنساء المتحجبين
زعما ترضاها لبنتك.. عارف كلامي يبكي العين
عارف مادامك بو (أب).. ما ترضاش الشر لصغارك
فإليك رسالة من واحد من أبنائك.. يحكي ليك من الشقاء
اللي عايشين فيها كالكلاب
نص الشعب عايشين في الذل وذاقوا من كأس العذاب
رايس لبلاد.. شعبك مات.. برشا عباد من الزبلة كلات
رايس لبلاد.. راني نحكي بلا خوف..
حكيتلك.. وراني عارف بلي نهايتك بالكفوف
راني نشوف برشا ظلم.. علابيها اخترت نهدر معاك
لكن إلى متى التونسي عايش في الأوهام؟..
وين هي حرية التعبير؟ ريت منها غير الكلام
سميتوا تونس بالخضراء.. رايس لبلاد راك تشوف
اليوم البلاد صارت صحراء مقسومة على زوج طروف
السرقات على المكشوف.. في القرى وفي كل بلاد
بلا ما نسمي راك تعرف شكون هذو لعباد
برشا فلوس كانت ماشية.. مشاريع وانجازات
مدارس ومصحات.. بناءات وتعديلات
ولكن ولاد الكلاب بالفلوس عباو الكروش
نصبوا.. نهبوا وخطفوا وفي الكراسي ما سيبوش
نعرف باللي برشا كلام في قلب الشعب ما يوصلش
لو كان جا الوضع من غير ظلم راني اليوم ما نتكلمش
J’accuse (اتهم) – سولو مونتانا (الجزائر)
J’accuse les généraux qui ont volé des milliards
J’accuse le pouvoir
سبب الفقر والانتحار
اتهم الأحزاب التي استغلت الشعب
اتهم النظام اللي صنع la corruption
J’accuse la police
اللي تحفر الشعب
J’accuse les ministres
J’accuse les juges.. j’accuse les procureurs
خلاص.. لحق الخذمي للعظم
الشعب ما ولاش يفهم..
كثرت la misère.. كثرت الحفرة كثر الهم
إلى متى بغيتو الشعب يبقى ساكت؟
إلى متى بغيتو تبقاو تكذبوا.. ؟
بركات.. بركات.. المعيشة راهي غلات
بركات.. بركات.. مارانش marionnettes
شعب دمرتوه بالإرهاب وles conflits politiques
الشباب هربتموهم من البلاد.. قتلتوهم في البوطيات (قوارب الهجرة)
شعب المليون ونص مليون شهيد… 150مليار احتياط
والنظام يواصل قمع الأحلام
الشعب خرج يعبر في 5 جانفي 2011
كاين اللي قالوا «ماتكسرش» وكاين اللي قالوا «ماتخسرش»
كيف بغيت réaction تاع شعب تربى في الدم وفي la violence
كيف بغيت réaction تاع شعب كبر في الظلم وفي la souffrance
قل لي كيفاش تكون réaction تاع أب
ابنه مات في البحر هارب من الفقر
قل لي وش تحس لما تشوف أب عائلة من الفقر ينتحر
قل لي عالشباب اللي راحوا للسجن لخاطر خرجت تعبر
إذا أراد شعباً يوماً الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.