.
خير الشغب- بو ناصر الطفّار والسيد درويشحفلة ‘شد عصب’ بميترو المدينة-بيروت ٢٠١٥
Posted by Makram Al Halabi on Sunday, 30 August 2015
في الثامن من شهر آب/ أغسطس الماضي، أُقيمت حفلة شد عصب على خشبة مسرح مترو المدينة. قصدتُ الحفلة تلك الليلة مدفوعاً بفضول حول اختيار عنوان الحفل، ومتسائلاً عن الفكرة التي جمعت الرابرجية السبعة: من لبنان الراس (طرابلس)، وناصر الدين الطفار (بعلبك). من سوريا السيّد درويش (حمص)، ووتر من (دمشق)، والأصلي (دير الزور). ومن مخيم اليرموك فتحي رحمة الملقّب بـ ال محراك، ورائد غنيم ، الأصغر سناً بينهم. في حديثي معهم عبّر الرابرجية عن حاجة لشدّ عصب الروح الجماعيّة، في وقت تخيّم فيه الخيبة والشعور باليأس على الشباب العربي. انتقلت لطرح الأسئلة على جمهور الحفلة الذي تجمّع خارج صالة مسرح المترو. أجابت فتاة في مطلع العشرينيّات: “أنا نصف سوريّة ونصف يمنيّة، وكان مفهوم الهويّة والانتماء مُعضلة بالنسبة لي، لمْ أستطعْ تقديم إجابة واضحة لأحد. لكن، حين دخل الراب العربي إلى عالمي، تكلّم عن ذات الأفكار التي كانت تدور في رأسي، وعجزت عن صياغتها. الراب العربي منحني مفهوماً واضحاً لهويتي”. ثمّ أضاف شاب، كان في جوارنا، يشف البيرة ويسترِق السمع إلى ما قالته الفتاة “بسمع راب لأنّه كلمتين نضاف أحسن من ميّة جريدة وسخة”.
بدأ الحفل ولساعتين متواصلتين، كانت الصالة ممتلئة، تهتزّ وتتموّج مع كلّ أغنية. في نهاية الحفل وصل الجمهور إلى قمّة اندماجه، لتتحوّل الأمسية إلى مظاهرة صغيرة. وفعلاً، في اليوم التالي انطلقت مظاهرة في بيروت تنادي بفساد الطبقة الحاكمة، وفشلها بالتعامل مع أزمة القمامة التي اجتاحت شوارع لبنان. لا شك أن جمهور حفل “شد عصب” أكملَ مظاهرته الصغيرة مع حشد اليوم التالي.
تتابعت الأحداث في بيروت، واشتدت أزمة النفايات؛ لتكون سبباً في ارتفاع وتيرة التظاهر والاحتجاج، حتّى وصلت إلى المطالبة بإسقاط النظام السياسي_المالي_الطائفي. وحينما توسعت شرارة الامتداد الثوري في الثاني والعشرين من شهر آب/ أغسطس، قامتْ السلطات بإفلات قوى مكافحة الشغب، المدربة على يد الأمريكيّين – كبرنامج ضمن برامج المساعدات التي تمنحها الولايات المتحدة للبنان – لقمع التّظاهرة في وسط البلد ساحة رياض الصلح بوحشيّة. كانت النتيجة أن توافدت أعداد كبيرة من المتظاهرين في اليوم التالي، متحديّة السلطة، رافعة شعارات الاستنكار، لقمع المتظاهرين.
في ذلك اليوم، كان الراب حاضراً بقوة. أمّا ذلك الجدار الإسمنتيّ، الذي أقامته قوات الأمن، للفصل بين المتظاهرين ومقر الحكومة، فلم يكن سوى جداريّة فنيّة للمتظاهرين، حيث كُتبت أيضاً عليه عبارة “حي على خير الشغب” المقتبسة من أغنية الدرويش وناصر الدين الطفار وهلوسايكليبو.
وعلى حائط في وسط البلد ذو الطابع البورجوازي، تم رش غرافيتي “الأرزة بلها وشراب ميتها دم” من أغنية الراس وناصر الدين الطفار لبنان ٢.
أما المشهد الذي عبّر عن ثِقل وأهميّة تأثير الراب العربي على وعي الشباب، وتقاطعه بشكل جذري مع صوت الشارع، كان برأيي مجموعة مؤلفة من أربعة شبان مراهقين، بعد احتداد وتيرة المواجهة بين المتظاهرين العزل وقوى مكافحة الشغب. إذ التفتوا، وسط انهمار قنابل الغاز المسيل للدموع، نحو مجموعة من شرطة حماية مجلس النواب، وصرخوا بكلمات ناصر الدين الطفار: “لما بدك تحكي بالناس الجوعانة جوع مرّة، قاتل إسرائيل لنصدق بدك رجوع، في حراميّة بتسترزق من الثورة وحراميّة عالمعس تنطر دورها”.
يمكن لهذا المشهد أن يلخّص مشهد الراب العربي، كطريقة تدفع الشباب العربي إلى الثورة ضد الأنماط المتوارثة من جيل أهالينا. خصوصاً إذا وضعناه بالتّباين مع الأغاني الثوريّة من حقبة الثمانينيّات، والتي لم يكن مرحّباً بها في تظاهرات بيروت الأخيرة. طريقة تعبير هؤلاء الشبان عن أنفسهم في وجه السلطة أكّد لي، وبعيداً عن انحيازي للراب، أنّه ثمّة طريقة لتبديل المستهلك، خاصة من خلال استعادة أهميّة اللغة العربيّة عبر استنباط التقليد الشعريّ ووضعه بتصرف الجميع.