fbpx .
دور الفراشة | العصر الذهبي للكباريهات العربية في باريس

دور الفراشة | العصر الذهبي للكباريهات العربية في باريس

أحمد نظيف ۲۰۲۵/۰۵/۱۸

كلما مررتُ بالحي اللاتيني على الضفة اليسرى من نهر السين، أتمشى عامدًا من رصيف سان ميشيل نحو شارع القديس سيفيرين، أقدم شوارع المشاة في باريس. في ذلك الزقاق المضاء بوهج لافتات المحلات والمطاعم المتلاصقة، أشعر أني داخل رواية طويلةٍ، تتآلف فيها عشرات الروايات والحكايات والمذكرات، وتتعاضد بين صفحاتها حيواتٌ وأعمارٌ صارت وراءنا، لكن حضورها ثقيل الوطأة.

في ذلك الحيّ الذي كان يومًا في النصف الأول من القرن الماضي، مركز وجود العربّ ومدار نشاطهم، لا يمكن للمرء إلا أن يتذكرّ كل ما قرأه عن قصص الحب والسياسة والثورة والكفاح والمنفى، وفي شارع القديس سيفيرين تحديدًا – حيث كان ملاذًا للعابرين عبر أشهر المقاهي الغنائية العربية في باريس – تتآلف هذه القصص بقوةٍ وتتجاور فيها البهجة والألم على نحوٍ لم يكن للجالسين بين جنباته يومًا أن يفرقوا بينهما.

انتشرت المقاهي الغنائية العربية / المغاربية وتكاثرت في العاصمة الفرنسية خلال النصف الأول من القرن العشرين، وامتد تأثيرها حتى سنوات السبعينات، ضمن سياقاتٍ سياسية واجتماعية صنعتها العلاقة الجدلية بين فرنسا ومستعمراتها في الشمال الأفريقي، ثم طوى التاريخ صفحتها ضمن تحولاتٍ طالت هذه السياقاتٍ.

مثلت هذه المقاهي أو الكباريهات جزءًا حيويًا من تاريخٍ ثقافي واجتماعي مغاربي في فرنسا أكثر شمولًا وتنوعًا، شيده لبنةً لبنةً الوجود البشري المغاربي ضمن إطارٍ من الهيمنة الاستعمارية التي تمارسها فرنسا، والتي بدأت مع غزو الجزائر عام ١٨٣٠، واستكملت في تونس عام ١٨٨١ ثم المغرب في ١٩١٢.

بدأ هذا الوجود مع الهجرة العمالية نهاية القرن التاسع عشر، ثم أصبح واسعًا مع الحرب العالمية الأولى عندما جندت فرنسا مئات الألاف من سكان بلاد المغرب للقتال على الجبهة الألمانية. ثم جلبت الآلاف لإعادة إعمار ما دمرته الحربّ. 

شكلّ وضع العمال الكارثي في المناجم والمصانع، ووضع الجنود الأكثر كارثيةً على الجبهة، مصادر وعي أساسي لمغاربة فرنسا في ذلك الوقتّ، رغم أن الإدارة الاستعمارية كانت تنظر لهم كآلات للعمل أو القتال. أفرز هذا الوعي بعد فترة قصيرةٍ ظهور شبكات تضامن، من خلال تأسيس الجمعيات الثقافية والدينية، مثل المساجد أو الحلقات الأدبية والصحف، وحتى المنظمات السياسية والنقابية مثل منظمة نجم شمال أفريقيا. 

من أشكال المقاومة الثقافية التي طورها المغاربة في ذلك السياق هي تأسيس أماكن التجمعّ والترفيه، مثل المطاعم والمقاهي، والتي لعبتّ أدوارًا سياسية فضلًا عن دورها كصلة هوياتية ببلاد المغربّ ودورها التلطيفي لحياة قطاعات واسعة من الذين كانوا يعيشون في أوضاع اجتماعية قاسية، تجمع بين الغربة الوجودية ومصاعب الاندماج وقسوة العمل. 

شكلت هذه الفترة مرحلة حاسمة في تشكيل الهوية الفرنسية المغاربية التي نعرفها اليوم، بكل التناقضات العميقة التي تحيط بها. حيث وضعت أسس ديناميكيات مسألة الهجرة والاندماج، التي تستمر في تشكيل لا فقط علاقة فرنسا بمستعمراتها القديمة، بل في تشكيل فرنسا نفسها من الداخل. ربما لعبت في ذلك المقاهي الغنائية دور الفراشة الذي لا يُرى، ومع ذلك فإنه لا يزول.

الشتات الموسيقي المغاربي

شكلت الرواية الفرنسية عن الهجرة المغاربية إلى فرنسا منذ نهاية القرن التاسع عشر الرواية الأساسية لتاريخ هذه الهجرة، والتي دائمًا ما كان مركز النظر فيها سياسيًا واقتصاديًا، حيث كان المهاجرون إما عمالاً أو مقاتلين. في المقابل لم تحظ مشاغل هؤلاء الاجتماعية والثقافية بأي دراسةٍ إلا في أزمنة متأخرة، بفعل تأثير موجة الدراسات ما بعد الاستعمارية في الجامعات الفرنسية.

يذهب الباحث الثقافي الجزائري الحاج ملياني، في دراسته عن الشتات الموسيقي والهجرات المغاربية في ظل الاستعمار Hadj Miliani, Diasporas musiciennes et migrations maghrébines en situation coloniale, Volume 1, 12 :1 | 2015, 155-169.، إلى أنه، منذ بداية الاستعمار، حاولت مجموعات قليلة من الموسيقيين المحترفين نشر موسيقاهم خارج أماكن أدائهم التقليدية في الجزائر مثلًا. لم يقتصر الأمر على الرجال، حيث ينقل ملياني القصة المدهشة للفنانة خدوجة.

غادرت خدوجة باكرًا موطنها الجزائر نحو فرنسا للغناء في المقاهي والنوادي الفرنسية، وربطتها صداقة مع المغني الفرنسي جان بول هابانز. بلغت شهرة خدوجة آفاق العاصمة الفرنسية عام ١٨٨٥، حيث كانت تعتبر واحدة من نجوم نوادي الغناء في ذلك الوقت، بفضل عروضها الصاخبة في أحد أشهر الكباريهات، السفينة الدوارة Les Montagnes Russes، الذي أصبح فيما بعد يسمى الأولمبيا L'Olympia، والذي كانت تديره في باريس امرأة جزائرية أخرى تلقب بـ الجميلة زهرة.

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى وتجنيد فرنسا لحوالي ٢٩٠ ألف جندي من شمال أفريقيا بين عامي ١٩١٤ و١٩١٨، قتل منهم حوالي ٣٠ ألف وفقدَ أكثر من ثمانية ألاف، أصبح الوجود المغاربي كبيرًا وضروريًا في السنوات التي أعقبت الحرب، بسبب حاجة فرنسا للكثير من العمال في سوق إعادة الإعمار. 

خلال فترة الحرب، أقيمت حفلات موسيقية للجنود المغاربيين من قبل موسيقيين من بلدانهم الأصلية، بينهم المغني الجزائري، عيسى الجرموني. ثم أصبح المغنون والموسيقيون المحترفون يذهبون إلى فرنسا في فترة ما بين الحربين لأسباب تقنية لتسجيل أغانيهم Hadj Miliani, Présence des musiques arabes en France. Immigrations, diasporas et musiques du monde, Migrance, no 32 (2008).، ويستغلون فترة وجودهم لإقامة حفلاتٍ كان جمهورها الأساسي من الشتات المغاربي. 

خلال هذه الفترة يوثق الحاج ملياني ظهور العديد من الفنانين المغاربة على المسارح الفرنسية لأول مرة، مثل ليلى بن سديرة وحبيب بنجلية – الراقص والممثل – وكذلك الملحن الذي أصبح لاحقًا ذا شأنٍ كبير محمد إيجربوشان. فضلًا عن الدور المحوري الذي لعبه الموسيقار الجزائري محيي الدين بشطارزي، الذي أصبح منذ عام ١٩٣٠ العضو المغاربي الثالث في جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى، بعد اليهودي إدمون يافيل والتونسي محمد قدري، والملحن محمد والمغني الكمال. 

كما جاء إلى باريس في الفترة نفسها اليهودي السوري التونسي آشر مزراحي، الفنان وكاتب الأغاني، لتسجيل أسطوانات مع الشيخ العفريت وشافية رشدي ودليلة، وعازف البيانو مسعود حبيب. 

يشير ملياني إلى أنه إلى حدود عام ١٩٣٧، لم يكن هناك أي مغنين أو موسيقيين من أصل مغاربي يمارسون فنهم بشكل منتظم ومهني. حيث لم يتم تأسيس أول الفرق الموسيقية الحديثة إلا نهاية الثلاثينات، على يد الشيخ عمار، وهو عامل في شركة رينو لصناعة السيارات؛ الفترة التي شهدت بروز مغنين محترفين يقدمون عروضُا في المقاهي، مثل الشيخ المهدي الذي كانت أغانيه ذات طابعٍ وطني، وكذلك الشيخ حسناوي وسليم الهلالي، ومن النساء فضيلة مداني المعروفة بفضيلة الجزائرية ولويزا سعدون المعروفة بلويزا التونسية Bouziane Daoudi et Hadj Miliani, Beurs’ mélodies : cent ans de chansons immigrées maghrébines en France, Paris, Séguier, 2003, 152 p, p. 29.

في نفس الفترة وصل إلى باريس الفنان المغربي الأمازيغي، الرايس الحاج بلعيد، ويعني لقب الرايس مرتبةً عليا في الغناء. سجل حينذاك أغنيته أمايدو باريس باللهجة الشلحية، بحضور المغني والملحن المصري محمد عبد الوهاب. 

شكلت مقاهٍ مثل تلمسان وبجاية لا فافوريت سي موكران في سان دوني، ومقهى رابح العبيدي في ليون، ومقهى سي رزقي في مارسيليا Hadj Miliani, De la nostalgie du local aux mythologies de l’exil : chanteurs et chansons dans l’émigration algérienne en France (des années 1920 au début des années 80), Insaniyat / إنسانيات, 16 | 2002, 209-228.، أبرز الأماكن التي شكلت فضاء التلاقي بين الشتات المغاربي العمالي والموسيقي.

في الوقت نفسه ساهمت فترة الكساد الاقتصادي بين الحربين في زيادة تدفقات الهجرة نحو فرنسا، رغم القيود التي فرضتها السلطات الفرنسية، ثم دفعت الحرب العالمية الثانية مستوى الوجود المغاربي إلى درجة تشكل مجتمع متنوع داخل المجتمع الفرنسي؛ فبين عامي ١٩٣٩ و١٩٤٥، قاتل أكثر من ٢٣٩ ألف جندي من شمال إفريقيا في صفوف الجيش الفرنسي Christophe Giudice, Les anciens combattants marocains et tunisiens de l’armée française: Enjeux d’histoire et de mémoire, Dans Autour des morts de guerre - Maghreb - Moyen-Orient, Sous la direction de Raphaëlle Branche, Nadine Picaudou et Pierre Vermeren - Éditions de la Sorbonne 2013 p. 119-145..

في مفارقةٍ عجيبةٍ تحولت فرنسا إلى معقلٍ لحركات التحرر الوطني المغاربية ضد الاستعمار، بوصفها تضم مجتمعًا مغاربيًا يتشكل من فئات تحمل استعدادات ثورية كالعمال والطلبة والمثقفين. مع نهاية الحربّ العالمية، وتطور الهجرة العمالية المغاربية إلى فرنسا للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار، وهجرة قطاعات من المثقفين والسياسيين، تطورت حركة الغناء والموسيقى وصارت أكثر تنظيمًا واحترافًا، وبدأت ترتبط مع شخصيات وفرق من المشرق العربي ومصر. 

العصر الذهبي للكباريهات

صنع الوجود المغاربي، والذي أصبح ذا طابعٍ عربي أوسع مع تدفق الطلاب من المشرق العربي إلى باريس، فضاءاته الغنائية الجديدة. فبالإضافة إلى المغنين الذين يقيمون عروضًا محدودةً وموسمية تتعلق بالأعياد ونهايات الأسبوع في المقاهي العامة،  أصبح الأمر يتعلق بظهور مقاهٍ غنائية ليلية حصرًا تقدم عروضًا متنوعة بين الغناء والرقص، وتشكيلةً متنوعةً من الأنواع الغنائية والموسيقية الشرقية والمغربية والشعبية والطربية وحتى الدينية، فضلًا عن الشراب والطعام، سميت في البيئة الفرنسية بالكباريهات. 

يذهب أحمد عمري إلى أن تسمية كباريه ذات جذور عربية أصلية – وليس كما يُزعَم بكونها مشتقة من اللغة الهولندية – مشيرًا إلى أنها اشتقاق محرف للترجمة الحرفية لكلمة خرابات وهي جمع خرابة، المكان الذي كانت تنسب إليه أجواء الحياة الليلية الماجنة في كتب التاريخ والأدب التراثية العربية. 

انتشرت الكباريهات على نحو عامٍ في باريس في نهاية القرن التاسع عشر، في مونبارناس والحي اللاتيني وبيغال ومونمارتر. في هذه البيئة الحافلة بالصخبّ الليلي، ازدهرت الكباريهات بعد الحرب العالمية الثانية. خلال الحرب ظهر أول ملهى مغاربي في شارع لوشيت، بالدائرة الخامسة، تحت اسم كباريه الجزائر، والذي كان من بين رموزه الغنائية الملحن والمغني محمد الكرد ورشيد قسنطيني، المغني الساخر وأحد الرواد  المسرح الجزائري.  

كان محمد الكرد، الذي يستمد كنيته من مقام الكرد الذي برع في عزفه، عاملًا في مصنع رينو للسيارات، وليلًا كان يُحيي ليالي الكباريه من خلال العزف على البيانو. يروي الفنان الجزائري سيد علي تمّام، الذي كان طالبًا في ذلك الوقت في مدرسة الفنون، والذي زين الكباريه بنقوش الجبس المغربي أنه شاهد  في إحدى الليالي، وبعد انتهاء عرض محمد الكرد، الممثلة والمغنية فرنسية الأعلى أجرًا في العالم آنذاك، ميستانجيت، تطلب منه توقيع إهداء على جلد الطبل الخاص بالعازف الإيقاعي.  في الحفلة نفسها التقى الكرد في ذلك المكان الساحر بزوجته المستقبلية، المغنية الأمازيغية بهية فرح (فاطمة الزهراء بونوار) Nidam Abdi - Warda, Paris et les maîtres de la musique - le Soir d’Algérie - 23 mai 2012.

في كباريه الكتبية برز محمد الجموسي، وجمال بدرى، وحبيبة التومي، وديدوش سيّاح. فضلَا عن ظهور كباريهات الأوزيس وبغداد وليالي لبنان والقصبة وشمس الجزائر.

في نهاية الأربعينات أسس الفنان اليهودي الجزائري، سليم الهلالي، الكباريه الخاص به، عندما حوّل القصر الخاص لفرديناند دي ليسبس، المهندس الفرنسي الأشهر وصاحب فكرة حفر قناة السويس، في شارع مونتين، إلى ملهى يحمل اسم إسماعيلية فوليز؛ ثم نقله في عام ١٩٤٨ إلى موقع آخر، في شارع كوليزيه، تحت اسم جديد هو لو سيراي. 

استفاد الهلالي حينذاك من تنامي حركة الهجرة المغاربية إلى فرنسا في أعقاب الحرب وبدايات مشاريع إعادة الإعمار ومشروع مارشال، وكذلك تنامي هجرة يهود شمال إفريقيا بعد حرب فلسطين. شكل هذان العاملان أساس توسع قاعدة زبائن الملاهي العربية والمغاربية في باريس. يبقى الكباريه الذي ترك الأثر الأكبر في الساحة الباريسية هو تام تام، الذي أسسه محمد فتوكي والد الفنانة وردة الجزائرية، في عام ١٩٤٩. 

كان فتوكي يريد أن يسميه المغرب الكبير لكن السلطات رفضت ذلك، فسماه تام تام وهو اختصار لتونس والمغرب والجزائر، ليتحولّ إلى مركز رئيسي لليالي الباريسية العربية، فقد استقطب بين ١٩٤٩ و١٩٥٨ أشهر فناني المغرب والمشرق، مثل محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وصفية الشامية وشافية رشدي وفتحية خيري ومحمد الكمال وسليم الهلالي وأنور وجدي وليلى مراد، ومحمد الجموسي والصادق ثريا اللذان قدما دروسًا خاصة للفنانة وردة وهي بالكاد طفلةً في الموسيقى الكلاسيكية والموشحات الأندلسية والمألوف المغاربي؛ إلى جانب العشرات من الراقصات اللاتي مررن بتام تام أو غيره من الملاهي في تلك الفترة، مثل سامية جمال وتحية كاريوكا وزيزي مصطفى ونعيمة عاكف وبديعة مصابني. 

انتهت تجربة تام تام على نحو درامي، عندما داهمت الشرطة الفرنسية الكباريه عام ١٩٨٥، بينما كانت حرب التحرير الجزائرية في أوجها، وصادرت كميات من السلاح مخبأة في قبو الملهى في انتظار أن تجد طريقها إلى جيش التحرير الوطني؛ ليجد محمد فتوكي نفسه في لبنان بعد طرده من فرنسا، ويموت كمدًا بعد ثلاث سنواتٍ قبل عامٍ واحدٍ من استقلال الجزائر. 

تكشف هذه النهاية عن أن هذه الأماكن لم تكن مجرد فضاءٍ يستقطب العمال المغاربة بحثًا عن صلات الهوية، أو مكانٍ للترفيه، بل بيئةً مواتية لانتشار أجهزة المخابرات التي تتصيّد نشطاء حركات التحرير، وفي المقابل مكانًا ملائمًا لهؤلاء النشطاء للقاء دون أن يثيروا ريبةً.

بعد موجة الاستقلال ونهاية الحقبة الاستعمارية، تطورت الهجرة العمالية المغاربية من مجرد عمال عزابٍ أو بدون عائلاتٍ يبحثون عن قليل من الترفيه في ظل أوضاعٍ قاسيةٍ من الغربة والعنصرية، إلى هجرة عائلية تصاعدت بقوة منذ عقد السبعينيات. 

أدت هذه الهجرة العائلية إلى تراجع قاعدة زبائن الكباريهات، التي أصبحت تغلق أبوابها الواحد تلو الثاني حتى اختفت كليًا مع بداية الثمانينات. فضلًا عن ظهور الإذاعات العربية وانتشار أجهزة التسجيل ثم القنوات التلفزيونية لاحقًا.

كما ساهمت موجة الصحوة الإسلامية التي وصلت فرنسا في الفترة نفسها، مع لجوء المئات من قادة وأعضاء الجماعة الإسلامية المغاربية إلى فرنسا هربًا من الملاحقة، في خفوت أشكال النشاط الثقافي الترفيهي المغاربي وصعود أشكال ثقافية جديدة ترتبط بالجمعيات الدينية والمساجد مثل الأناشيد، فضلًا عن تراجع قوي للذائقة الغنائية العربية لدى الجيل الثاني من المهاجرين، الذي بات يفضلّ الراي ثم الراب في مراحل متأخرةً.

صارت الكباريهات العربية مثل تام تام وغيره اليوم مجرد ذكرى، وخيال حنين بالنسبة للذين لم يدركوها في سنوات مجدها، لكنها بين الذكرى والحنين تظل علامةً ثقافيةً واجتماعية دالةً على مجتمعٍ عربي، يغلب عليه الطابع المغاربي، كان متعدد الحضور في مجتمع فرنسي أكبر، متصلًا معه بروابط خلقها الاستعمار، ومنفصلًا عنه بحواجز صنعها الاستعمار نفسه.

المزيـــد علــى معـــازف