.
منذ ظهوره في المشهد كان بوكلثوم أحد أكثر الرابرز قدرة على تغيير جلده، بالتحول من الكونشس راب إلى الآر آند بي المفعم بالعاطفة، ثم العودة إلى الراب لكن بمحتوًى شخصي أكثر، ثم التأرجح بين الاثنين. منذ ألبومه الأخير طالب، كان لدى بوكلثوم القدرة على التنويع بين الغناء والراب؛ ورغم قدرته على تغيير أسلوبه الأدائي، حافظ على أسلوبه الإنتاجي، معتمدًا على صوت الإم بي سي التجريبي الذي يغطيه بأصوات اللو فاي والفانك.
بعد غيابه ثلاث سنوات عن الإصدارات الطويلة أصدر بوكلثوم ألبوم دمية بلا خيطان، والذي استطاع من خلاله أن يغني وأن يرضي جانب الهيب هوب في نفس الوقت. لا يقول بوكلثوم لجمهوره بأنه تغيّر، بل على العكس هو يؤكد بكلماته بأنه ذات الفتى الذي تنقل عبر الموسيقى طوال السنوات العشرة الماضية.
مع بداية الألبوم في إنترو سلام يقدّم بوكلثوم افتتاحية غنائية لقصيدة مُغناة، تعود كلماتها لابن علوي الحداد عالم الفقه الإسلامي في القرن السادس عشر، ما يخلق أرضية شاعرية ننطلق منها. من الواضح أن الإنترو صُنع ليبني للتراك الذي يليه وهو تراك الألبوم الرئيسي.
في دمية بلا خيطان يُظهر بوكلثوم جانبًا غاضبًا قد تحرر من قيوده الفنيّة. لم يوضح بوكلثوم هذه القيود بشكل واضح، لكنها على الأرجح مرتبطة برغبات الجمهور المتركزة حول الأغاني العاطفية، فكما يقول في التراك: “في ملايين براسي / ما حضل أفطر عفولة.”
في إنساني يخرج بوكلثوم على إيقاع تراب، وهذه من النوادر؛ إذ لطالما أظهر بو كلثوم انتماءه إلى المدرسة القديمة والبيتات العتيقة. في هذا التراك يستعمل بوكلثوم أسلوبه الغنائي لتعزيز عدد من القوافي السمعية، فيفتتح التراك بـ: “إنساني فعطاني بشفترة / إنساني لما سبّبلك ضرر / إنساني من كل هالأكل خرا / قايس حالي خال بمية مسطرة.”
غلبت على الألبوم المهارات الكتابية كعادة بوكلثوم، ففي أقمار يستعمل بو كلثوم القوافي الداخلية مع المتطابقة بشكل ذكي: “أقمار أقمار بيني وبينك أقمار / قمار قمار إلعب ورصيدك صفار“. وفي سي لا في مع كوست، يستعمل بو كلثوم ثلاثة أنواع من القوافي في سطرين: “وأتاري الطارة قطّارة واشتدّ البأس والروح مطّاطة / بعين الله مو بعين بصّارة تقول جَاي أخوكم ياكل الكار.“
قدّم التعاون مع التونسي كوست إضافة متناغمة للألبوم، يعود ذلك لأسلوب الاثنين المتقارب، والذي يعتمد على توظيف العُرب. سيطرت على الألبوم تعاونات المغرب العربي، ورغم قلتها، كانت كل التعاونات في مكانها ومعززة لبُنية الألبوم. يتعاون بو كلثوم في خَي مع سمول إكس، حيث تعطي قُصاصات البيانو العشوائية عمقًا للإيقاع السريع، مع تنقلات سمول إكس السريعة بين الإلقاء والغناء. أعطى الجانب الغنائي تماسكًا أكبر للألبوم عن سابقه، وإن لم يخل دمية بلا خيطان من بعض الارتباكات في الفلو الغنائي، مثل في والليلة وصلّي.
تظهر قوة إنتاج بو كلثوم بشكل واضح على مدى الألبوم، رغم ثبات صوته المعروف. في تراك أخضر يستعمل بو كلثوم عينة فوكالز من شيلة يا شاكي الحال، يدعمها بإيقاع هجين بين البوم باب والأفرو، مع حس عالٍ في البايس. في خاتمة الألبوم في تراك صلّي يستعمل عينة فوكالز أخرى يبنيها بالكوردات والوتريات حتى يصل للإيقاع الخشن.
في تراك وئدلي يُخرج بو كلثوم جانبًا غاضبًا حزينًا، إذ يبدأ التراك بـ “غزة دفعت الفاتورة”، ويذكرنا أيضًا بجرح سوريا الذي لم يتوقف، مخاطبًا بذلك لسان حال الشارع العربي الذي يتخبط منذ سنوات ما بين الغضب واليأس. يبرز هذا الغضب على إيقاع اللو فاي التجريبي مع عينات البيانو المتهالكة. بنى بو كلثوم اللازمة بجسر قصير يضرب المستمع بعنف، حيث يصمت في منتصف فيرسه ليسترسل قائلًا: “لو كل عمري لحظة صمت / ما يكفي كس أم القهر”، ليدخل في اللازمة بأسلوبه المعتاد.
أيضًا، يبروز بوكلثوم في وئدلي مهاراته الكتابية مع سلطنة في المعاني الداخلية كما في الفيرس الأول: “بتذكّر ابن الخال وابن الخان سوا سنّوا ساطورها / لو احكي البقلبي ناس تتحبس تحت قبورها”، أو كما في الفيرس الثاني: “كل ما فصلنا القاطع نتذكر موصول الفيش / حتّى نقاط حروفي صارت كنقاط التفتيش.”
أكّد ألبوم دمية بلا خيطان أن بو كلثوم وجد خلطة جيدة بين الإلقاء والغناء، حيث ابتعد عن الآر آند بي الخام، واتجه إلى جانب غنائي أقرب إلى راب المدرسة الجديدة مع إيقاعات كلاسيكية. هذا الألبوم هو أفضل إصدارات بو كلثوم الطويلة، بجانب ألبوم بعبع.