fbpx .
أجنبي قديم

بوي إن دا كورنر | ديزي رسكال

رامي أبادير ۲۰۲۳/۰۸/۲۳

أكثر ما يلفت في موسيقى البايس البريطاني الراقصة استمراريتها على مدار التسعينات والألفينات، ما عرّفه الكاتب الإنجليزي سايمون راينولدز بالـ hardcore continuum. اقترنت الاستمرارية في التسعينات بحدوث طفرات في الموسيقى الراقصة بدءًا من الآسيد هاوس مرورًا بالهاردكور والجنغل وأفرعه المختلفة وانتهاءً بالغراج/التو ستب. لكل جنرا مما سبق خصائصها، لكن هناك عوامل مشتركة مثل البايس والإيقاع بسرعته وأنماطه المتفاوتة وثقافة النوادي الراقصة والمواد المحفّزة ومحطات الراديو المقرصنة. بعد خطفه الأضواء لفترة من الجنغل وتصدره سباق الأغاني البريطاني بسبب احتوائه معالم البوب في الغناء، بهت مشهد الغراج بفعل انفصاله عن الشارع وإفراطه في البذخ وارتباطه بالطبقات الغنية، لتظهر بوادر تحوير جديد في الجنرا. 

غلب طابع عميق ومظلم وتقليلي على الغراج وبدأ الإم سيز في تناول مواضيع متصلة بالشارع والحياة اليومية عززتها أصوات سنث معدنية وحادة ودرَمز عنيفة ولادغة، مع تركيز كبير على البايس وتشويهه وعزوف عن الألحان المتناغمة. أسفر هذا الصوت عن تكوّن مجموعات مثل تو سوليد كرو وناستي كرو ورول ديب رايف، لتظهر بوادر الجرايم (بالتوازي مع الدبستب) في شرق لندن، كما نرى في إسكيمو لـ وايلي وبالس إكس لـ يانج ستار. لعبت محطات الراديو المقرصنة مثل رينس إف وديجا فو دورًا في فتح المجال لمنتجي ورابرز الجرايم باستضافتهم، لتظهر أسماء مثل وايلي وكاينو ودي دابل إي، وأصغرهم ديلان مايلز المعروف بـ ديزي رسكال، الذي يعود إليه الفضل في إنتاج أول ألبوم جرايم كلاسيكي، بوي إن دا كورنر. 

بدأ مايلز بإنتاج ألبومه الأول في عمر الستة عشر بين تشرين الأول ٢٠٠١ وآذار ٢٠٠٣. اعتمد على برنامج كيوبايس وكل ما وقع تحت يديه من عينات صوتية محروقة على سيديهات وأصوات عشوائية وبرنامج بلايستايشن ميوزك ٢٠٠٠ وما وفرّه مديره نك كايج من سنثات وأجهزة إيقاع. ما ميّز الألبوم وأدى لاعتباره كتاب الجرايم المقدس هو أسلوب إنتاجه الخام وصوته الخشن واتصاله الشديد بالسياق الشوارعي الإنجليزي، بالأخص منطقة شرق لندن. بدايةً من الأداء، وظّف مايلز لهجته المستخدمة في حياته اليومية على عكس العديد من الرابرز الإنجليز الذين اعتمدوا من قبل على تقليد اللهجة الأمريكية ولم يكتب لهم أي نجاح. يظهر السياق المحلي في الإنتاج الموسيقي المنحدر من البايس البريطاني والذي يبعد عن الفواصل الإيقاعية المستخدمة في الراب الأمريكي والاعتماد الكلي على السمبلة، باستثناء تراك فيكس أب لوكس شارب المبني على سامبل البيج بيت لـ بيلي سكواير. يغلب على البيتات طابع خام متّسخ مثل صفقات وكيكات الـ ٩٠٩ المشبعة بالدستورشن في تراك آي لاف يو، ما بدى غريبًا لـ نك كايج. نتبيّن البايس العريض مثل ستوب دات ووت يو أون؟ والألحان الموتِّرة النابعة من أصوات قصيرة متشظية، كما في سيمز تو بي وهولد يو ماوف، وهي خصائص مؤسسة للجرايم. 

أحد الأصوات الكلاسيكية المميزة في الجرايم والذي اعتمده العديد من المنتجين هو نقرات التشيلّو التي تظهر في جيزيبل وتو فار. على عكس الجانب العنيف والمظلم تأخذ الموسيقى منحى هزلي مثل في براند نيو داي ودو ات!، لتفاجئنا الجيتارات في جاست إِ رسكال التي تكشف عن ميله للروك، فعلى حسب قوله في أكثر من مقابلة إنه كان يستمع إلى نيرفانا وجنز أن روزس وفرق روك أخرى قبل اكتشافه الجانغل. بنى مايلز عالمه الإنتاجي الخاص مستعينًا بقشور طفيفة من الغراج والجانغل وملامح من ثري سيكس مافيا على حسب قوله، وأصوات وطاقة خشنة مستمدة من الروك ومحيطه الثقافي، لا ينقل الراب الأمريكي بل يعيد تشكيله ويحوّر فيه مؤسسًا لفلوهات جديدة على وقتها يستمر تأثيرها حتى الآن.

على مستوى الإلقاء، نتبين أسلوبًا حرًا لا يلتزم بالقوافي في عديد من مقاطع الألبوم، وفي بعض الأحيان يميل إلى الحكي فتختلف أطوال الأبيات، وهو ما يميّز الجرايم عن الهيب هوب الأمريكي. أما ثيمات الألبوم فتبعد عن الخط الأمريكي الخاص بالتباهي بالثروة والنساء والسيارات، والذي بات طاغيًا في بداية الألفية في مشهد الكرانك راب، ليركز على حياته اليومية وصعوبات الحياة والفقر. في سيتينج هير ودو ات! يظهر مايلز متحفزًا لكل ما حوله غير شاعرٍٍ بالأمان، لينتقل في براند نيو داي إلى العنف الذي يحاصره وفقدانه الأمل في سن مبكر. بينما يتطرق في آي لاف يو وجيزيبل إلى الحمل غير المقصود ومعاناة المراهقات في الأحياء الفقيرة. لا يخلو الألبوم من حث مايلز الساخر متباهيًا بذاته كما في فيكس أب لوكس شارب وجاست إٍ رسكال. 

فتح بوي إن دا كورنر الباب للعديد من الألبومات الضاربة لكل من وايلي وكانو وليثال بيزل، يليهم جاي إم إي وسكيبتا. أنتج مايلز الألبوم في معزل عن أي مشهد راب وضوضاء الإنترنت، مكتفيًا ببيئته الاجتماعية وميراثه الموسيقي المحلي ليبدع من خلال صوت راب جديد، مختتمًا بالجرايم آخر مرحلة من الـ hardcore continuum. عندما سئل في مقابلة رد بول أكاديمي عن توقعات الجمهور لألبوم كلاسيكي آخر في قوة بوي إن دا كورنر، تهكم مايلز قائلًا “سيبوني فحالي” وألقى اللوم على السوشال ميديا وما تشكله من ضغوطات عليه، في حين كانت طريقة عمله أكثر تلقائية في الماضي. كلام مايلز مثير للتأمل ويعبر عن ما يواجه الفنانين من ضغوطات وتوقعات الجمهور وحصر الفنان في عمل واحد، ما أوصفه بأعراض لعنة الألبوم الضارب. رغم ذلك لم يعبأ مايلز بتوقعات الجمهور، ورسم طريقه لنفسه. بعد حصول بوي إن دا كورنر على جائزة ميركوري وإلحاقه بألبوم شوتايم، جاء ألبوم ماث + إينجليش برسالة قوية في التراك الأول، وورلد آوتسايد “there’s a world outside of the ends and I want you to see it/I can see it” مؤكدًا على رغبته في عمل ما يحلو له وطموحه الواسع لاكتشاف عوالم أخرى خارجًا عن الإطار المحلي. بالفعل اختلف صوت الألبوم عن ما سبقه، وتنوعت توجهاته الموسيقية في ما بعد متعاونًا مع العديد من المنتجين والمغنيين مثل أرمند فان هلدن وأركتيك مونكيز وبك وروبي ويلياميز وشاكيرا وكالفن هاريس وشيرلي باسي. 

ظل صدى بوي إن دا كورنر وتوجه مايلز بشكل عام مؤثرًا في العقد الماضي ليشهد الجرايم موجة ثانية قوية على الصعيد الجماهيري، احتفظ بعضها بصوت الجرايم الخام واختلطت أخرى بعناصر من البوب، لتظهر ألبومات ضاربة لـ سكيبتا وستورمزي وإِ جاي ترايسي ونوفليست، ويسلّم الجرايم الأضواء تدريجيًا للـ يو كاي دريل الذي لا يزال محتفظًا بتأثير الجرايم. في وثائقي بوو سلكتور يؤكد مايلز على عدم التزامه بجنرا واحدة غير مبالٍ بأن يصبح رابر العصابات رقم واحد، مشبهًا نفسه بـ بروس لي الذي أتقن جميع الفنون القتالية. تجربة مايلز كرة ثلج ذات أثر واسع وتراكمي، ملهمة لأي فنان يريد الحفاظ على مسيرته. بجانب صوته المؤسس للجنرا، يبقى تلوّن مايلز ومرونته وصوته العابر للجنرات هو ما ضمن له استمراريته، بالإضافة إلى عدم استسلامه لتوقعات الجمهور.

المزيـــد علــى معـــازف