عيش بشوقك | تامر حسني

كتابةمعازف - September 6, 2018

كتب المراجعة شريف حسن وعمار منلا حسن.


بعد مسيرة ١٦ عامًا، قرر تامر حسني للمرة الأولى أن يكتب بنفسه نصًا تسويقيًا يبدو كمراجعة مستبقة لألبومه الخاص: “أنا بحضر الأفكار دي من سنتين وبجد عمري ماتعبت في حياتي في شغلي قد ما تعبت السنتين دول، التصوير هيكون عدة أفكار، منهم فكرة عيش بشوقك الخالية من البنت الموديل وإطار الحب التقليدي إنما ملتصقة تمامًا بالواقع اللي عايشينه (…) إطار عام لنوع الموسيقى بعيدًا عن التمثيل الدرامي (…) أما عن ظهوري في بعض الأغاني، هيكون بشكل جديد تمامًا وجريء وأنا أعتقد، بل متأكد، أن المحطة دي هتساهم في رفع مستوى الصناعه لمستوى آخر تمامًا، سيُتبع الفترة القادمة لقوة تأثيره ومواكبته عالميًا، ابتداءً من إصدار الألبوم من خلال فلاش ميموري إلى تصويره وتجسيده كاملًا.”

هناك قدر كبير من التهور في النص، إذ يعترف تامر فيه بأنه يجد قضاء سنتين للعمل على ألبوم أمرًا استثنائيًا وصادمًا، يعترف بأن مسيرته حتى اللحظة كانت مرتكزة على كليشيهات مكررة ومضمونة، وأنه كان واعيًا بذلك (البنت الموديل وإطار الحب التقليدي والتمثيل الدرامي)، وأنه، وجزء كبير من جيله من الفنانين التجاريين، متخلفين عن صرعات البوب العالمية (فلاش ميموري، فيديو آلبوم)، وأخيرًا أن خطَّته لمواكبة هذه الصرعات هو استنساخها. لذا لن نحاسب الألبوم على ما إذا كان جيدًا أم لا كمجرد ألبوم بوب عربي آخر من ذلك الجيل، بل سنستمع إلى طلبات تامر حسني وننظر إليه كالعمل المفروض أن يقطع مع ما سبق من مسيرته ويقدم قفزة منعشة طال انتظارها.

في أغنية عيش بشوقك التي تحدثنا عنها في مراجعة منفصلة عند صدورها، اقترب تامر حسني من المونولوج الفكاهي وكلمات فرق الأندرجراوند، معتزلًا – كما وعدَنا – أغاني الحب التقليدي. هو قام بما عليه وكان مختلفًا و”ملتصقًا تمامًا بالواقع اللي عايشينه”، والآن – دورنا أن تقوم بما علينا ونحبه (لو كانت الحياة بهذه البساطة يا تامر). المشكلة هنا في فهم تامر الاختزالي لما هو “جديد” و”بديل”، إذ يفترض أن كل جديد أفضل من القديم، وكل بديل أفضل من الرائج، وأن التجديد الأسلوبي بالتالي يأتي من قرار بسيط لا من موهبة وعمل شاق. في ١٠٠ وش، يتورط تامر حسني في مقارنة تظهر ضعفه في الغناء الشعبي ومحدودية صوته، عندما يضع نفسه وسط ثلاثة أصوات ناجحة في المجال، أحمد شيبا ودياب ومصطفى حجّاج. لو وضعنا عيش بشوقك إلى جانب ١٠٠ وش، لبات بين يدينا إهانة مباشرة إلى من يعتبرهم تامر حسني أبناء “الواقع اللي عايشينه”، حيث يتخيل المستمعين أناسًا يدعون الله أن يحفظهم “من القريب قبل الغريب”، وينتظرون الخطاب التحفيزي الملائم لينقذهم من عالم “سواد سواد مفيش رحمة / والطيبة ضاعت في الزحمة.”

في دويتو إنت معايا، يضع تامر حسني مسدسًا في رؤوسنا، وهذا المسدس هو الشاب خالد، فنرفع أيدينا مستسلمين للأغنية (ولّا هنعترض على الشاب خالد برده؟). الجديد الوحيد هنا هو الدرجة التي وصلها تامر في ابتزاز المستمعين عبر استخدام وجه محبب وصوت مألوف. أما في ناسيني ليه (ومعظم بقية أغاني الألبوم)، يعود تامر إلى ذات الأغنية التي استهجنها في كلامه السابق ووعدنا بقطع صلاته معها: “تعالى لومني ريح قلبي وارتاح / تعالى اللي نفسي في حضنك أرتاح”، وكأنه يقر: من ليس له ماضي ليس له حاضر.

قد لا يكون عيش بشوقك ذلك الألبوم الواقع على وجهه، ففيه تعاونات تنقذه، كثلاثي الشعبي الذين انتشلوا بحضورهم الأغنية الطويلة من الملل، وجلال الحمداوي في إنت معايا الذي لا يعرف سوى تقديم أفضل ما لديه. هناك أيضًا بعض اللحظات التوزيعية والإنتاجية الملفتة، ولو كان أثرها يبهت على طول الألبوم الممتد على ثلاث عشرة أغنية. المشكلة، بل المصيبة، كما هي الحال في العديد من أعمال هذا الجيل من البوب العربي، هو الخطاب الذي يقدَّم به والسياق الذي يوضع فيه الألبوم. أعدّنا تامر حسني لعمل سيكون له أثر طويل الأمد على صناعة البوب في المنطقة، ذكَّرنا بالوعود التي قطعتها أعماله الأولى بأن يصبح عمرو دياب ثانيًا، نجم بوب نكبر معه ونتذكر لحظات صدور أعماله الهامّة كأحداث رنّانة، لكن الألبوم يأتي كما سبقه، باهت رغم بهرجته، بل مستفز باستغفاله الجمهور عبر التقديم له بما يشبه دليل مستخدم يحرص على ألّا نضيّع الثورات الناعمة التي هي ألبوم عيش بشوقك، وكتابة 4K في عناوين الفيديوهات التي تم تصويرها بهذه الدقة وكأننا خارجون من كهف. يريد تامر أن “يتلصق تمامًا بالواقع اللي عايشينه”، ولا يدري أنه كظاهرة مهيمنة في صناعة البوب في المنطقة هو ملتصق بالفعل بواقعنا، وكل ما نريده أن يفكّ عنا قليلًا.