fbpx .

تدوّر وترجع لدينا الوديدي | موسيقى البحث الأول

وسيم الشرقي ۲۰۱۵/۰۲/۲٦

قبل أشهر قليلة، أطلقت المغنية والموسيقية المصرية الشابة دينا الوديدي (1987) اسطوانتها الأولى بعنوان تدور وترجع بعد اشتغالات موسيقية وفنية غزيرة كانت قد ابتدأتها في فرقة الورشة المسرحية، لتتفرغ لاحقاً للعمل الموسيقي، حيث عرفها الجمهور العربي عبر شبكات التواصل الاجتماعي في أغان لعلّ أشهرها أداؤها لمقاطع منالسيرة الهلالية.

حاولت الوديدي أن تضمن عملها الأول مروحة واسعة من أعمالها الموسيقية الشخصية، أو تلك التي أنجزتها مع موسيقيين آخرين من مصر وخارجها، كان أبرزهم الموسيقي ووزير الثقافة البرازيلي السابق جيلبيرتو جيلالذي شارك الوديدي عزفاً وغناءً في أغنية الليل. وعازف الكونترباس الأمريكي مايلز جاي ومن مصر فرقة مزاهر المتخصصة في فنون الزار.

يبدو العمل الذي لحّنته الوديدي، ووزّعت معظم أغنياته عازفة الكمان المصرية نانسي منير، كنتيجة لصيرورة بحث وتجريب موسيقي مستمرة، أنجزتها الوديدي في السنوات القليلة الماضية التي شهدت تحولات دراماتيكية في المشهد السياسي المصري. على هذا المستوى يحسب للوديدي أنها لم تولّد قيصرياً عملاً غير مكتمل لتواكب الأحداث المتسارعة. بل على العكس من ذلك، أخذ العمل كامل الوقت المطلوب لإنجازه وجاء (بحسب الوديدي) بعد إلحاح من جمهورها الذي أراد أن يسمع أعمالها بدقة جيدة بعيداً عن فيديوهات اليوتيوب.

ضم العمل الجديد بانوراما من اشتغالات الوديدي السابقة مثل (الحرام، والسيرة) وأغنيات أخرى جديدة. وقد استطاعت الوديدي في فترة زمنية قصيرة نسبيا،ً أن تطوّر تجربتها بصورة ملفتة، وأن تلوّن في المصادر التي تستقي منها شكل أعمالها. وهذا ما انعكس بشكل جلي في الاسطوانة. لذلك فسنتوقف عند عدد من الأغنيات لمطالعة النتيجة التي توصل إليها هذا البحث والتلوين.

تدوّر وترجع

بحسب الوديدي فإن عنوان الأغنية يخلق علاقة جدلية مع الاسطوانة ككل، بما هو حالة بحث فني كما ذكرنا. أما في متن الأغنية فإن الكلمات التي كتبها ميدو زهير تحيل إلى البحث الوجداني تدوّر وترجع وجع واعتكاف.. وتطبع عليك السنين العجاف“. صوت الوديدي الذي يدخل متن الأغنية حذراً، يندمج بهدوء مع صوت أكورديون وائل السيد. تنزل الوديدي بصوتها إلى طبقة منخفضة غير تلك التي اشتهرت بها في أعمالها الأشهر مثل السيرة. عبر تلك الطبقة المنخفضة تمكنت الوديدي من تطويع بعض المفردات الفصيحة في نسيج الكلمات العامية المصرية صنعت سجنك من الهوىوبنيته بإرادتكفي متوالية جمل شعرية تتحدث بضمير المخاطب.

تشعرنا الموسيقى المستخدمة، بعقلانية واقتصاد عاليين، بإشباع على مستوى الإحساس الذي تنقله الكلمات القليلة المغناة، إلا أن الكلمات نفسها تفشل في الوصول إلى هذا الإشباع. فنشعر وكأن صوت الوديدي قد أوصلنا لنقطة معينة، ثم انسحب تاركاً مساحة لم تتمكن الموسيقى لوحدها من ملئها. سواءً من جهة معنى الكلمات المغناة، أو الصوت البشري من خلال سيره بجوار الموسيقى. في المحصلة تبدو الوديدي في تدوّر وترجعوكأنها ترفع لنا طرف ستارة عن إمكانيات الموسيقية الشابة التي مازالت في طور البحث، غناءً وألحاناً، دون أن نصل في إلى مرحلة الاشباع.

الليل

تشكل أغنية الليل التي أدتها الوديدي غناءً برفقة الموسيقي البرازيلي جيلبيرتو جيل نقطة قوة لصالح الاسطوانة. فمن جهة هناك كلمات الأغنية التي كتبها مايكل عادل بالعامية المصرية الليل بيسبق رجفة البردانوالدنيا تشتي فوق جبينه ورودوالتي جاءت منسجمة مع صوت جيل الذي كان يغني بالبرتغالية على طبقة منخفضة انجدلت مع صوت الوديدي الذي أراحته عند هذه الطبقة كما فعلت في أماكن أخرى في الاسطوانة.

عزف دييغو فيغوريدر على الغيتار جاء أيضاً منسجماً مع تلك الطبقة التي أفسحت المجال لسماع كلمات الأغنية بتأمل أكبر. فعلى الرغم من كون الكلمات مجردة من سياق واضح أو مباشر، إلا أن قصيدة مايكل عادل، والطريقة التي أديت بها تدعونا إلى الانصات بهدوء وترو أكبر من ذلك الذي نفعله مع أغنيات أخرى في الاسطوانة. حيث يغلب شكل الأداء على معنى الكلمات المؤداة.

الحرام

يمهّد الغيتار الكهربائي لبداية صاخبة لأغنية الحرام الذي كانت الوديدي قد لحنته عام 2007، ولم يكن من الأعمال التي أنجزت خصيصاً للاسطوانة. تحمل الأغنية روح مواجهة صريحة على مستوى الكلمة التقريرية الحرام مش أني اغنّي..الحرام مش أني أحب.. الحرام هو الكلام اللي نصه يا عمي كذبلا تقتصر التقريرية على الكلمة المغناة، بل أيضاً على التوزيع الموسيقي الذي يفسح مساحات كبيرة لصوت الوديدي لتقول جملها التقريرية.

هذه التقريرية بالذات هي ما يضيع الجهد الذي تبذله الوديدي في طبقة الصوت التي تطوعها بمهارة لا بأس بها، وفي التوالف النغمي بين الكمان والغيتار الكهربائي، فالصوت البشري –على جودته يأخذ مساحة زائدة على حساب الاشتغال الموسيقي الذي لم تكفيه المساحة التي تفردها الوديدي له في النصف الثاني من الأغنية لأقل من دقيقة، قبل أن تعود وتتدخل بصوتها لتصل نهاية مبتورة، كان من السهل التنبؤ بها من البداية. لذلك لم تأتي النهاية على مستوى المتعة المرجوة.

في بلاد العجايب

على العكس من الحرامفإن الصوت البشري هنا يسير ضمن ممرات واضحة، وسلسلة، تشقها الموسيقى التي تبدأ بمقام موسيقي أثيوبي حاولت الوديدي تطويعه مع مقام الحجاز الشرقي، وأيضاً موسيقى الغيتار الكهربائي المتواشجة مع النسيج العام للموسيقى.

ومن المهم أيضاً أن الوديدي في هذا التراك تتجاوز النهاية الضعيفة التي وسمت الحرام وتدوّر وترجعلنصل إلى نهاية قوية، يراكم صوت الوديدي مع الآلات للحظة الوصول إليها.

ليست النهاية هنا مهمة فقط لأن العزف يتصاعد لبلوغ لحظة النهاية فقط، بل لأن الإيقاعات الإفريقية التي انسحبت في مقطع الموّال قبيل النهاية، تعود لتأخذ مساحتها بسلاسة ودقة، فتفضي إلى ذروة يستحقها الجهد المبذول في هذا التراك.

تكلل الوديدي في اسطوانتها الأولى سيرورة بحث موسيقي متنوع تمكنت من اجرائه في السنوات القليلة الماضية.تراهن الوديدي في هذه الصيغة على البحث الفني، والعمل القابل للتطور، وتبتعد عن الطرح السياسي أو الاجتماعي الجريء أو المباشر. وهي مراهنة لا يحسم نتيجتها إلا المزاج العام والاستعداد الفردي عند المستمع المصري، أو العربي، لتلقي هذا النوع من البحث الموسيقي المتنوع. وبما أنها مراهنة فهي تحتمل التعثّر، كما تحتمل الاستمرارية التي يبدو أنها سترافق سيرة الموسيقية الشابة، والتي تسير بخطوات الواثق من امتلاكه خريطة الطريق الذي يسلكه.

المزيـــد علــى معـــازف