fbpx .
أجنبي جديد

تيرلس | أمنيجيا سكانر

رامي أبادير ۲۰۲۰/۰۷/۰۲

منذ إصدارهما القصير الأول إيه إس لايف، اقترن اسم الثنائي الفنلندي أَمنيجيا سكانر بتفكيك الموسيقى الراقصة وبنيتها المتوقعة. سار الثنائي على نفس النهج في ألبومهما القصيرين آينجلز ريج هوك وإيه إس، والميكستايب المميز تروث، حيث ساهما في إضافة عناصر غير مألوفة إلى المشهد الراقص. ظهر تجديد الثنائي من خلال صوت ستريو عريض وواسع المدى، وكيكّات غليظة وبايس عنيف، بالإضافة إلى الأصوات الغنية والصارخة والمكسّرة والخامات المعدنية والممطوطة. باتت موسيقاهم قبل ألبومهم الطويل الأول: أَنذر لايف مفاجأة لكل مستمعٍ وراقص، وجرعة مكثفة لكل من يتطلع إلى صوتٍ جديد. استمتعت كثيرًا وصُدمت في نفس الوقت حين شاهدت أداءً لـ أمنيجيا سكانر أول مرة، في عرضهم الحي الذي صاحبته بصرياتٌ مبهرة في مهرجان مسافات الذي أقامه فنت (القاهرة، ٢٠١٦).

تغيَّر كل ذلك بشكلٍ واضح بدايةً من أَنذر لايف، كما لو كان الثنائي يحاول إعادة تجميع ما قام بتفكيكه في السنوات الماضية. جاء الألبوم ببنية صريحة وأصوات محدودة وإيقاعات مستقرة ومنتظمة وإنتاج لا يتمتع بالحرية السابقة، إذ أن ميل الثنائي إلى البوب وبعض عناصر الريجيتون، والصوت العام المبالغ في إنتاجه، لم يكن موفّقًا. من ناحية أخرى، بات من الواضح تركيز الثنائي على الجانب المفاهيمي محاولين إيجاد منطقة خاصة بين النوادي الراقصة والمعارض الفنية، ومكتسبين طابعًا نخبويًا جديدًا عليهم. حاولا صبغ الألبوم بسردية أكاديمية ملحة حول التكنولوجيا، زاعمين أن الألبوم يرصد “الواقع الشيزوفريني المنقسم بين الأبوكاليبس أو الخلاص بفضل التكنولوجيا.”

في ألبومهما الطويل الجديد، والصادر عبر تسجيلات بان الألمانية تحت عنوان تِيرلس، يغوص أمنيجيا سكانر في هذه السردية بشكلٍ أوسع، هذه المرة على حساب الموسيقى بشكلٍ ما. بحسب ما جاء في وصف الألبوم، سعى الثنائي إلى عكس شعورهما بانهيار الكرة الأرضية، بالإضافة إلى الحديث عن واحدة من أكثر القضايا الملحة وقت الإعلان عن إطلاق الألبوم منذ عدة أشهر، التغيُّر المناخي. لسوء الحظ، إن تلك القضية المتداولة في الأوساط الأكاديمية ومهرجانات الموسيقى، والتي يعتمد عليها العديد من الفنانين والمنتجين كسردية تكسب أعمالهم طابعًا مفاهيميًا جادًا، لا تلقى نفس التركيز الآن مثل قضايا أخرى تلقى اهتمامًا أكبر حاليًا في أوروبا وبريطانيا وأمريكا، مثل فيروس كورونا وقضية العنصرية ضد السود. أصبحت سردية “العالم ينهار” مغريةً على المستوى المفاهيمي في الآونة الأخيرة، سردية قائمة على الندب والاستسلام أكثر من محاولة السعي إلى التغيير والمناورة لإيجاد حلول مبدعة، والإبداع بشكل عام. يعلن الثنائي “إن الألبوم هو قطع علاقتهم بالكوكب”، الإفادة التي يشوبها قدر كبير من المبالغة والدراما والتمحور حول الذات. في نفس الوقت، يعلن الثنائي فضوله إزاء عالمٍ جديدٍ قادم، حيث “يحوم حسٌّ بتغييرٍ جذري.”

يعتمد الألبوم الجديد على نفس معادلة إصدارهم السابق، من حيث الميل إلى البوب والبنية المستقرة وحصر الأصوات المستخدمة، بالإضافة إلى تأثير الميتال في العديد من التراكات. في حين أن البوب والميتال يحتويان عادةً عنصر الجاذبية، فإن الجاذبية على مستوى الألحان والأصوات والعينات والغناء تكاد تكون معدومة، باستثناء تراك أكا بالتعاون مع المغنية البيروفية لاليتا، التي تغني بصوت متعدد الطبقات وأداءٍ تعبيري يذكراننا بأسلوب آركا. بالإضافة إلى ارتكاز التراك على إيقاع صلب ومؤثرات صناعية، تكمن قوته في الفيديو المرعب الذي يتميز بتصميم الأزياء والمكياج الصارخين، بالإضافة إلى التلاعب بالإضاءة. على النقيض، يفتقد تراك لاليتا الثاني، تيرلس، إلى القوة الصادمة لإيقاعات أمنيجيا سكانر، ويقوم على صوت جيتار مشوّه (distorted) شديد الحدة يطغى على المِكس بأكمله. بالإضافة إلى أحادية طبقاته وافتقاره للبايس، يذكرنا تراك ترابل بالألحان الممطوطة الحزينة لفرق النيو ميتال منتهية الصالحية. يمكن إلحاق فلات بالتراكين السابقين، ليظهر الثلاثة بشكل متشابه، وإن كان فلات يزيد في جماليات النيو ميتال بإضافة سولو جيتار قادم من الماضي مع اقتراب نهاية التراك ليصبح أكثر إثارةً للنفور.

في النصف الثاني للألبوم، يأتي تراكا لايت وجووينج ليبثّا أملًا بالجاذبية، سواءٌ عن طريق لحن غناء الكورس وطعنات السنث السريعة، أو من خلال غناء ليزا والفواصل الإيقاعية المصممة بعناية، بالإضافة إلى فيديو آخر مميز يترابط في هويته البصرية مع فيديو أكا. ينخفض مستوى الألبوم مرة أخرى في آخر تراكين في الألبوم: لابرنث ويو ويل بي فاين. يسود لابرنث طابعٌ جنائزي يجتاحه إيقاع بلاك ميتال سريع وجيتارات صاخبة يعلو صوتها على الدرَمز، في محاولة غير موفقة لتفكيك الجنرا، حيث يفتقد التراك إلى المدى المنخفض والحيوية بشكل واضح. بينما يختتم يو ويل بي فاين الألبوم بأربجيوز الجيتار لمحاكاة أسلوب الدووم ميتال بطابعه الرثائي الحزين.

بعد أن ساهم الثنائي بإضافات ملحوظة إلى مشهد الموسيقى الإلكترونية، يأتي تيرلس كأحد خيبات هذا العام المفتقرة للجاذبية، يمكن الاستماع إليه مرة واحدة بشكلٍ عابر، دون أن يترك أثرًا. يظهر الألبوم كجسم هزيل، يحاول جاهدًا الإعلان عن نفسه من خلال معالم نوعين موسيقيين من المفترض أن يجعلا الموسيقى جذابة، ومن خلال الجزأين المفاهيمي والبصري. لكن فيما يخلو الألبوم على مستوى الإنتاج من الصوت الممتلئ والخامات المتعددة وأفكار الإيقاع المبدعة، يثبت لنا مجددًا أن الجانب المفاهيمي لن يستطيع إنقاذ ألبوم طالما كانت الموسيقى ضعيفة.

المزيـــد علــى معـــازف