.
يمتد تاريخ البايلي فانك الفانك البرازيلي أو الفانك كاريوكا.، لعقود، ويشهد تغيرات سريعة ومفاجئة، معيدًا تشكيل نفسه كنوع جديد مع كل تغيير في الإيقاع. لا تزال الإيقاعات غير المتوقعة والشظايا المعدنية للضوضاء تحمل علامات الهيب هوب المبكر والـ ميامي بايس والإلكترونيكا، إلا أن بايلي فانك تطور ليصبح نظامًا موسيقيًا معقدًا بحد ذاته مع مجموعة واسعة من المتغيرات الإقليمية والأنواع الفرعية.
وُلِد الفانك في البرازيل عام ١٩٧٠ متأثرًا بحركة بلاك باور في الولايات المتحدة، واستيراد أسطوانات موسيقى السول من قبل هواة الجمع، والتي كانت في ذلك الوقت غير متاحة لمعظم البرازيليين. كانت حفلات بايلي بلاكس، المعروفة أيضًا باسم بايلي دا بيسادا تربط هذه الأسطوانات بالجمهور الجديد المتحمس، وكانت بمثابة رمز للمقاومة الفنية والموسيقية.
روِّج المذيع بيج بوي ودي جاي أديمير ليموس لهذه الحفلات، وأصبحت خلال فترة الاستبدادية العسكرية في البرازيل (١٩٦٤-١٩٨٥) معارضة سياسية بشكل أوضح. تدخلت السلطات العسكرية حيث كانت الغالبية من الحاضرين من ذوي البشرة السوداء، وتم تصنيف هذه الحفلات كأنشطة غير قانونية، ما جعل إقامتها شبه مستحيلة.
يعد الفانك من ريو دي جانيرو وسيلة للوعي العرقي، حيث يشجع الأفرو برازيليين على احتضان تراثهم في مواجهة مجتمع يهيمن عليه الاتجار بالمخدرات، والبطالة، ونقص الرعاية الصحية. في رأيي، لا يوجد في أي نوع موسيقي آخر حتى الهيب هوب مثل هذا التأكيد القوي على القهر والفقر والتمرد الذي يتحدى القانون. يُوازن ذلك بوجود متواضع للكلمات التي تركز على الفخر بلون البشرة، والكرامة في مواجهة الظلم.
يمثل البايلي فانك الناتج الأصيل عن بلد يتكون مجتمعه من عملية تاريخية مكثفة من الاندماج الثقافي من مختلف أنحاء العالم، ومن عام إلى عام، لا يزال يفاجئنا بقدرته على إعادة الابتكار، ممثلًا حرية التعبير المطلقة لشعب يعاني من الاضطهاد الاقتصادي. من خلال عمله كمُنتج للمقاومة ضد هيمنة صناعة الموسيقى، أصبح الفانك مثالًا ملهمًا.
لا يمكن فهم الفانك دون البحث عن جذور ثقافة أخرى في البرازيل. نشأت السامبا في الفترة التي تلت إلغاء العبودية في البرازيل عام ١٨٨٨ وكانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسكان السود المهمشين. بنى آلاف من السود المحررين منازلهم خارج المدن، فيما أصبح يعرف بالفافيلا. كما هو متوقع، تعرضت السامبا سريعًا للكراهية من قبل النخبة البرازيلية المعاصرة، والتي كانت في الغالب بيضاء.
تشارك السامبا والفانك عنصرين رئيسيين؛ هناك ثورة اجتماعية، وأحيانًا مدح للجريمة. كما توجد أيضًا طموحات اجتماعية، حيث يستخدم الفنانون الموسيقى كوسيلة للترقّي والنجاح. تمثل السامبا والفانك طموحات السكان السود للاندماج في المجتمع البرازيلي الأوسع، مع نية تجاوز هذا التهميش.
بعد انتهاء الديكتاتورية في عام ١٩٨٥، بدأت الفصائل، أو كارتلات المخدرات، في السيطرة على كل شيء، حتى البايلي فانك. لذا إذا أراد شخص ما شراء المخدرات، كان يذهب إلى حفلات بايلي فانك للحصول عليها. في نفس الوقت كان للكارتلات الفضل للتغييرات السياسية والاجتماعية. في حين أن الحكومة كانت تتجاهل الفافيلا والضواحي تمامًا، كان المهربون يقومون بإنشاء مدارس وتوفير مياه أنظف للأحياء الفقيرة، وكانوا يخلقون موسيقى تحمل رسالة سياسية خفية، لغة لا يفهمها سوى أولئك الموجودين على الهامش.
مع إغلاق الشرطة للعروض وقيام الحكومة بسن قوانين تحظر الموسيقى والحفلات في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، تحولت عملية تجريم الفانك من رفض اجتماعي إلى رفض قانوني. في عام ٢٠٠٠ أصدرت قانون ١٣٩٢ الذي خلق عقبات أمام تنظيم حفلات البايلي فانك في الفافيلا. واجه المنظمون سلسلة من المهام البيروقراطية ووجدوا أنفسهم مضطرين للكشف عن كل التفاصيل للسلطات قبل حدوث الحفلة.
سمحت هذه النوعية من المراقبة للشرطة والجيش بالسيطرة على الحفلات. لم تبدأ الحكومة بحماية حركة بايلي فانك إلا عام ٢٠٠٩ عندما تم تمرير قانون ٥٥٤٣ الذي يحظر أي تمييز أو تحيز ضد هذا النوع من الموسيقى وحفلاتها.
يعتمد إيقاع الفانك البرازيلي الأساسي على إيقاع تومبارزاو المستوحى من الإيقاعات الأفرو-برازيلية، ويقوم على نمط من الكيك والسنير. تبدأ بإعداد كيك بسيط على الإيقاعين الأول والثالث من كل مقياس، ثم تضيف صوت السنير أو التصفيق على الإيقاعين الثاني والرابع. يضيف المنتجون أي صوت تقريبًا لصنع هذا الإيقاع، سواء كان أبواق، قطرات ماء، فقاعات حمضية، أو حتى أصوات الطيور.
في عام ١٩٩٨ أطلق دي جاي لوسيانو أوليفيرا عصرًا جديدًا من الفانك من خلال إيقاعاته على آلة الطبل التي كانت تُعزف عادة على طبل الأتاباكي. دمج أوليفيرا الإيقاعات التقليدية للكبويرا فن قتال أفرو-برازيلي.، ورقصات الطقوس الدينية في كاندومبل ورقص الماكوليه رقصة العصا الأفرو-برازيليّة. مع الهيب هوب والميامي بايس، مؤسسًا بذلك إيقاع تومبارزاو.
اكتسب الفانك في هذه المرحلة شعبية خارج الفافيلا عن طريق الأسطوانات المهربة والراديو. بدأت شركات التسجيل المستقلة المخصصة للبايلي في الظهور، وأصدر فنانون مثل إم سي باتاتا، وسيدينيو ودوكا، و إم سي مارسينيو تراكات حققت نجاحًا وطنيًا، ما دفع الصوت المغمور إلى الانتشار على مجال أوسع. مع اكتساب الفانك زخمًا، استمر المشرّعون البرازيليون في تجريم حفلاته وحظرها في جميع المناطق التي يمكن للشرطة الوصول إليها، ما جعل الحفلات تُقام فقط في أبعد نقاط الفافيلا.
لاحظ دي جاي مارلبورو الضجة وبدأ في مزج هذه الأصوات الجديدة مع تسجيلات الفانك والسول الشعبية التي تحتوي على إيقاعات أفرو-برازيليّة. كما لا يغفل دي جاي مارلبورو تأثير أغنية بلانيت روك لأفريكا بامباتا وسول سونيك فورس كأحد مصادر إلهامه الرئيسية للبايلي فانك.
يُعتبر ألبومه فانك برازيل الصادر في عام ١٩٩٨ بداية البايلي فانك. استخدم بعض الدي جايز في الأيام الأولى إيقاعات من موسيقى ميامي بايس، بينما اختار آخرون أداء إيقاعاتهم مباشرة على آلات حيّة وطبول. كانت الألحان قليلة جدًا أو منعدمة.
غالبًا ما كان الدي جايز ومقدمو العروض (الإمسيز) يتشاركون المسرح، حيث كان الإم سي يشجع الحشود على الرقص، بالإضافة إلى تجريب وارتجال الدي جايز، حيث كانوا يختبرون أنواعًا جديدة وتسجيلات وعينات وإيقاعات بشكل حي.
لا يلتزم البايلي بقواعد معينة، حيث نتبيّن جودة متمردة وفوضوية. سواء من خلال البحث في الإنترنت عن عينات أو من خلال تراكات بمستوى أصوات مرتفع جدًا، هناك دائمًا حماس لدفع الأمور إلى أقصى الحدود. نظرًا للتنوع الجغرافي والثقافي الهائل في البرازيل، لكل منطقة صوتها الخاص.
رغم اشتراك عدة أنواع من البايلي فانك في عناصر أو إيقاعات معينة، إلا أنه من الصعب تصنيفها ضمن نوع واحد. يشمل مصطلح بايلي فانك العديد من الأنواع الموسيقية، تمامًا مثل الهيب هوب أو الموسيقى الإلكترونية الراقصة. بعض الفنانين في هذا النوع أقرب إلى الراب، في حين أن آخرين أقرب إلى موسيقي الرقص، بعضهم يستخدم العينات الموسيقية إلى حد كبير، بينما يعتمد آخرون على الآلات الحية. هناك عديد من الأنواع الفرعية، والتي تتطلّب مقالًا منفصلًا لتنوعها، لكنني سأذكر بعضها.
في عام ١٩٩٩ بدأ ظهور نوع جديد، فانك برويبيداو، يتضمن كلمات تعكس الواقع العنيف في الفافيلا والأحياء الفقيرة، وترتبط مباشرة بتجار المخدرات وأعضاء العصابات الذين يمدحون ويدعمون عصاباتهم. هناك أيضًا مشهد أو نوع آخر يُصنف أحيانًا تحت اسم الفانك المحظور، يركز على كلمات جنسية صريحة ويُطلق عليه أيضًا فانك أوزاديا.
في عام ٢٠٠٠ ظهر الفانك ميلودي كبديل رومانسي وأكثر نعومة وحزنًا. بعد أن أصبح إيقاع التومبرزاو الصوت المميز للبايلي فانك، اعتُمد أيضًا في الفانك ميلودي. تأثر لاحقًا الفانك ميلودي بأسلوب البوب الراقص الذي هيمن على آواخر الألفينات وأوائل العقد الماضي. بات الفانك ميلودي أكثر شعبية وإثارة، ما جعله يخترق المحطات الإذاعية السائدة ويطلق بعضًا من أكبر نجوم البوب في البرازيل مثل أنيتا ولودميلا.
بدأت نسخة أخرى من الفانك في ساو باولو في ٢٠٠٨ كمشهد يركز على كلمات تتحدث عن التفاخر، مشابهة لعصر البلينج في الهيب هوب. كانت إيقاعات الفانك أوستنتاتشاو في البداية مشابهة للبايلي فانك، لكن سرعان ما أصبح لها صوت خاص بها.
في ٢٠١٧ ظهر فانك ١٥٠ بي بي إم بريادة دي جاي بوليفوكس، حيث سرّع البايلي فانك أسرع بمقدار عشرين بي بي إم. أعادت هذه التغيرات الصغيرة تجديد المشهد في ريو وانتشرت في جميع أنحاء البرازيل.
ظهر في ذلك الوقت أيضًا نوع آخر، فانك ماندلاو، والذي سُمِّي نسبةً لأكبر حفلة فانك في ساو باولو، بايلي دو مانديلا. يتميز الفانك مانديلاو بدروبّات أصوات معدنية ويمكن أن يكون ثقيلًا وداكنًا وكثيفًا، مصممًا لـ “تفجير السماعات”. كما يتميز بصوت أكثر نظافةً ولمعانًا ومناسبًا للموسيقى الإلكترونية السائدة وحلبات الرقص.
أخيرًا، في بداية هذا العقد، أسس دي جاي كاي أحد المبتكرين البارزين في ساو باولو. البروجاريا بيت؛ نوع فرعي يحتوي أصواتًا مشوّقة مثل أبواق الإنذار وصرخات السحرة وطلقات الليزر.
خلال التسعينيات، أنتج الفانك البرازيلي العديد من الأغاني الناجحة، لكنه تراجع بعد ذلك إلى أحياء الفافيلا، حيث ظل شائعًا بين ملايين الناس. منذ عام ٢٠٠٠، تحوّل البايلي فانك إلى مزيج فوضوي من الأصوات، حيث أصبح ملاصقًا لأنواع موسيقية أخرى مثل الريجيتون والأفروبيتس والتكنو. شهد البايلي فانك نجاحًا عالميًا واسعًا وعُزف في الحفلات والملاهي من الأمريكتين إلى اليابان، وظهر في التعاونات الموسيقية مع نجوم مثل دي جاي ديبلو وماجور لازر.
في اعتقادي، الفانك يشبه ثقافة الميمز نفسها وهو أحد أسباب شهرته و تداوله؛ تنسيق فضفاض يستمر لفترة حتى يأتي شخص ما يقلب الأمور رأسًا على عقب. الفانك جاد لكنه لا يأخذ نفسه على محمل الجد، ولا يزال يدور في الأساس حول الاستمتاع والسعي لأصوات جديدة. لذا، فإن الفانك البرازيلي مناسب بشكل فريد لعصرنا هذا من الميمز وتيك توك. يبقيه عنصر المفاجأة طازجًا.
في السنوات الأخيرة صار البايلي فانك واحدًا من الجنرات الأكثر شيوعًا في أوروبا وفي المنطقة العربية أيضًا، حيث لا تخلو وصلات الدي جايز في المهرجانات والنوادي الليلية من البايلي ودمجه بجنرات أخرى.
اليوم، يُعتبر البايلي فانك في أغنى مراحل التجريب الصوتي، على يد دي جايز مثل جاي إل زي، وتونياز، وكارلوس ولوكنياس وويرد بايلي، وصولًا إلى دي جاي أندرسون دو باراييسو الذي يذهب بالبايلي إلى منطقة مظلمة وموتّرة. بالإضافة إلى الفنانين التجريبيين الذين يوسّعون منه ويدفعون حدوده بشكل غير متوقع من خلال دمج أصوات أخرى وأفكار جديدة.
أرى أن البايلي فانك قد حقق شهرة واسعة في الماينستريم، ومع ذلك لا يزال مخلصًا لأصوله، وفقط حينما يجري انتهازه واستخدامه كمادة موسيقية للشهرة وكسب المال، يخسر طعمه ورونقه. بغض النظر عن مدى شعبية الموسيقى وقدرتها على جذب المستمعين بسهولة، يبقى جوهرها الحقيقي وطعمها الأصيل مستمدين من المنتجين الأصليين الذين قد لا يحصلون على التقدير المناسب، لكنهم يستمرون في دفع الحدود مع كل إصدار وتجربة جديدة. لا يزال لدى البايلي فانك الكثير ليقدمه.