.
ليتل سيمز جراي إريا منطقة رمادية معازف ألبوم مراجعة
مراجعات

جراي إريا | ليتل سيمز

عمار منلا حسن ۲۰۱۹/۰۵/۰۳

مرّ وقتٌ طويل منذ أن فرض الراب (وفروعه) هيمنته على الموسيقى العالمية، من النجاح التجاري إلى الزخم الإبداعي وقوّة التأثير، لكن حتّى مؤخرًا كان من الصعب اعتبار الراب كصوت جيل. بدأ ذلك بالتغير خلال السنوات الأخيرة. صار الساوندكلاود راب الصوت الرئيسي للجيل زِد (مواليد ما بعد سنة ٢٠٠٠)، فيما بدأ نجوم الراب والتراب الأكبر عمرًا بالتوسع إلى مواضيع وثيمات جديدة في أغانيهم، كالأبوّة والأمومة والأسرة والميراث. رغم ذلك، ظلّت العشرينات استثناءً. لو كنتم في هذه المرحلة العمرية ولا تعيشون في حي أقليّات أو تنتمون إلى عصابة أو تسبحون في أحواض من المال، سيظل الراب قاصرًا عن التحدث عن معظم ما تمرون به وما تعتبرونه مهمًّا. هنا تأتي ليتل سيمز.

في مقابلة إذاعية، قالت ليتل سيمز إن اسم الألبوم أتى من تجربتها مع منتصف العشرينات: “بالأساس، هذا ما يدور حوله الألبوم. منطقة رمادية كبيرة. لا شيء أبيض أو أسود. لا شيء منقوش في الحجر. أعتقد أنني كلما تحدث مع أصدقائي ومع ناس من فئتي العمرية حول ذلك، كلما أدركت أننا جميعًا نمر بذات الشيء.” على طول عشر أغانٍ، يدخلنا الألبوم إلى ذلك العالم المألوف من اللا يقين، وحالة القلق المتجذّرة التي يخلقها هذا العالم.

تبدو أغنية سلفيش كإحدى الدوّامات النفسية التي تشد الأفراد إلى الاستغراق بتحليل أنفسهم والآخرين، حتى ينتهي بهم الأمر بالغرق في حالة من تحليل الحياة بدل عيشها. هناك تراكمات من الوحدة الاختيارية والأنانية (أنا صديقة نفسي المفضلة / أنا شديدة الأنانية)، التأجيل المدفوع بنزعة للمثالية (لا تستعجل أي شيء في هذه الفترة العمرية المقدّسة)، الدفاعية المفرطة (قٌل ما تشاء، حتى اليوم لا أعتقد أنني أصبحت من النوع الأناني من البشر)، وحس بالتفوق والفخر الانعزالي، سواءً كفرد (لدي إيجو كبير جدًا) أو كمرأة (لست مستعدًا لمجاراة مرأة من مستواي / علي أن أدعك تنضج كنبيذٍ فاخر / دون أن أدعمك، دون أن أشجعك). بالإمكان رصد كل المشاعر الممكنة في هذه المرحلة العمرية في سلفيش، عدا عن شعور واحد: اليقين (أعتقد أنني أعيش في إنكار / ربما أنا مخطئة، وأنت على صواب).

كما يوحي اسمها، تدور أغنية بريشر حول الضغط النفسي الناتج عن مطالبة الذات بإنجاز الكثير، والانتهاء بلا شيء: “تعيش في سريرك، ليس لديك عمل حتى / كلنا عالقون في هذه الحياة / خطوات مايكل جوردان، تعتقد أنك ستقفز مرّة واحدة فوق اختبارات الحياة الكبيرة / كلنا عالقون في هذه الحياة.” تأخذ ليتل سيمز مقاطع الراب الطويلة المتسارعة الشبيهة بالفريستايل، وتبدّل خطاب التبجح والتكسير المعهود بآخر قائم على جلد الذات: “بعيدة عن حيثما كان يجب أن أكون في هذه الحياة / ليس هناك شيء مستحيل بالنسبة لي / كل ما أريده أن أقوم بما أحب، وأكون حرّة في هذه الحياة / لكنني أفقد بصري أحيانًا، لا أستطيع رؤية شيء في هذه الحياة.”

في فلاورز، توحي ليتل سيمز أن مشاكل العشرينات هذه ليست حديثة، وتستعيد سير عدة أشخاص من نادي الـ ٢٧ (موسيقيون ماتوا في عمر الـ ٢٧) مثل آيمي واينهاوس وجيمي هندريكس وكيرت كوباين، مشيرةً إلى أنهم جميعًا مرّوا بالمثل، وطارحةً أسئلة من قبيل: “ما الحياة من دون انتصار؟”

يحتوي الألبوم بالعموم على عدة تحيّات لفنانين تنظر ليتل سيمز إليهم كقدوة، مثل جاي زي، وكانيه وِست الذي تشير إليه في أغنية بوس صدرت بوس للمرة الأولى كجزء من الموسيقى التصويرية لمسلسل إنسكيور على شبكة إتش بي أو: “تعلمت من يِه وحاولت لمس السماء.” تنسجم هذه التحيات مع تكريس ليتل سيمز لانتمائها للثقافة السوداء Black Culture، سواءً على المستوى الفني أو السياسي. تشير في بريشر إلى أن كل شاب/ة أسود يواجهون نفس المشاكل: “ضع نفسك في مكاني / أو في مكان أي شخص أسود من هذا العمر / كل ما نعرفه هو هذا الألم / كل ما نعرفه هو هذا الغضب / أن الكتب تبدأ بهذه الصفحة / لا تحاول أن تدعي أنك تفهمنا” بالتوازي، هناك خطاب نسوي حيوي على طول الألبوم، تعبّر عنه ليتل سيمز بمفردات مواجهاتية وغير اعتذارية، كما في أغنية فِنوم التي تتحدث عن التقليل من شأن المرأة في المجالات المهنية والإبداعية: “أوه، زعجتك؟ إذًا اهجم علي، يا عرص / اتخذ حركتك، واتخذها بسرعة / أنا افترضت أنك آتٍ لإراقة الدم / أنا هنا لإراقة الدم أيضًا.”

لكن سنظلم الألبوم كثيرًا لو اختزلناه في مواضيعه. يقع الألبوم في منطقة رمادية شهيّة على مستوى التوزيع والتأليف، إذ قرّرت ليتل سيمز الاعتماد على موسيقيين وآلات حيّة بشكلٍ شبه كامل بدل العينات الصوتية، كما تجنبت معظم التقاليد الشائعة في تأليف وتوزيع الراب اليوم، مثل إيقاعات التراب السريعة المبنية على الـ ٨٠٨ أو الاستخدام النابض للبايس أو الموجة الاستعادية لإيقاعات البوم باب الثمانيناتية. أفسحت هذه القرارات مجالًا للتركيز على الجانب اللحني بشكلٍ منح الألبوم روحه الخاصّة، بإمكاننا سماع ذلك في سلفيش التي يحمل البيانو لحنها الرئيسي، وفي ووندز التي تحمل لحنها الجيتارات.

هذا لا يعني أن استخدام الآلات الحيّة انحصر في أدوار لحنية فقط. تبدأ أولى أغاني الألبوم، أوفِّنس، بطبول حيّة وبايس جيتار، تلحقها جيتارات متقطعة، ثم جوقة وتريات تعزف سطرًا إيقاعيًا ضخمًا وجارفًا، يمنح الأغنية حيويتها وصوتها المستقل عن معظم الموسيقى الراقصة التي قد نسمعها على الراديو اليوم. في فِنوم، تعتمد ليتل سيمز بشكلٍ كبير على الوتريات في دورٍ إيقاعي، لتخلق الصوت القلق للأغنية، ثم تستخدم شلالات غزيرة من البايس وطبول الهاي هات لتدعم مقاطعها الهجوميّة في الأغنية.

تبدأ ليتل سيمز الألبوم بجملة: “هذه أنا مجددًا، أتيت لأتابع من حيثما توقفت.” مشيرةً إلى أن ألبومها الجديد يبني على تسجيلاتها المغمورة التي أصدرتها خلال السنوات السابقة، حيث كانت تصقل صوتها الخاص تحت الرادار. اليوم، وصلت ليتل سيمز مرحلة من النضج والاستقلال أن ألبوم جراي إريا يمتلك كل ما يلزم لإطلاق حركة فرعية كاملة ضمن الراب؛ أن يفتح الراب على مواضيع غير مطروقة سابقًا فيه، وأحيانًا غير مطروقة سابقًا بهذا الشاكل على الإطلاق، كما يفتح الراب على عقلية توزيع وتأليف تكسر الصوت الأحادي الرتيب لإيقاعات التراب والعينات، وتكشف عن الإمكانيات المغرية لدمج الراب مع الموسيقى الآلاتية اللحنية.

المزيـــد علــى معـــازف