دايف ريفلكس سرفيس موسيقى محيطة معازف
مراجعات

٠٢ | دايف ريفلكس سرفيس

رامي أبادير ۱٦/۰٦/۲۰۲۰

مع تقدم الزمن، فتح تراكم وإتاحة المواد الأرشيفية لدى هواة التجميع وعلى الإنترنت المجال لجمالياتٍ عديدة. بالإضافة إلى الاستخدام الشائع للعينات الصوتية في إنتاج بيتات الراب وموسيقى البوب والموسيقى الراقصة، بأشكالها المجددة والاستعاديّة، ظهرت في النصف الثاني من الألفينات موجتا الفايبر وايف والموسيقى الهونتولوجية.

بين هذه التصنيفات وخصائصها المختلفة تميل موسيقى المنتج البريطاني دايف ريفلكس سرفيس (شون لي) إلى الموسيقى الهونتولوجية. منذ ألبومه الأول ٠١، سلّط لي الضوء على جماليات هذه الموسيقى، المتمثلة في استحضار الميلانكوليا وإزالة الفارق الزمني بين الحاضر والماضي، وإظهار الشوائب الصوتية الخاصة بالوسيط الصوتي القديم والمتهالك، بالإضافة إلى توظيف الذاكرة الجمعية السمعية في سياق مختلف عن الأصل. ما ميّز إصداره الأول هو اختلاف موسيقاه عن سائر إصدارات الموسيقى الهونتولوجية، بفضل إخفائه للمصدر الأصلي للعينات الصوتية التي تعود إلى السبعينات وتلاعبه بها إلى أقصى درجة ممكنة، إلى جانب صياغته لخامات وأنسجة صوتية أكثر تعقيدًا من أعمال الألفينات، ليتحرر أكثر من أي تصنيفٍ موسيقيّ. في ٠١ استمعنا حينًا إلى تأثير الدَب والتريب هوب، والآي دي إم والموسيقى المحيطة في أحيانٍ أخرى، لكن ما يميّز لي هو احتلاله لمكانة وصوت خاصان جدًا به.

في ألبومه الجديد ٠٢ الصادر عن تسجيلات ليمبو تايبس، يتطرق لي إلى الموسيقى الراقصة في التسعينات، بحسب ما جاء في وصف الألبوم. من فرط تلاعب لي بالعينات الأصلية وإخفائه إياها وإضافته أصواتًا أخرى عليها، تظهر هذه الموسيقى التسعيناتيّة كأطيافٍ عابرة، حيث يتلاشى صوتها وتأثيرها الأصلي لينتج عنها تجربة سمعية جديدة وفريدة. كما يصبح تاريخ هذه العينات أمرًا هامشيًا، إذ ينجح لي في تفكيك استيعابنا للزمن: هناك شعورٌ بأن هذه العينات قديمة، نظرًا لجودتها شبه المتهالكة ولتلاعبه بدرجتها ومطّها، وإظهاره لعناصر تشويش وطقطقة الوسيط الأصلي (سواء كان شرائط أو فاينلز)؛ لكن في نفس الوقت نجد أن العديد من هذه الأصوات قد جرت محاكاتها إنتاجيًا بالمؤثرات الصوتية، وصوت ديلاي الشرائط المشبع بالتشويش، وإضافة نغمات وبايس مكتومَين عن طريق الفيلتر.

إن التأثير الراقص المتبقي للعينات الأصلية الراقصة ما هو إلا صدَى لنوادٍ راقصة مهجورة، يأتي صوتها من مسافة بعيدة، كى تصبح استراحة من الموسيقى الراقصة الصاخبة وتفاصيلها اللامعة عالية الجودة. تلعب تراكات الألبوم الاثنا عشر على الجودة اللو-فاي والصوت التقليلي بشكل واضح، طارحةً بنيةً شديدة التماسك، إذ تنساب التراكات بشكل سلس وتتوحد في أفكارها وجمالياتها كما لو كانت تراكًا واحدًا طويلًا. يخلق لي مساحاتٍ صوتية واسعة من خلال أسلوبه الإنتاجي، ففي تراك ثرتي فايف تايمز الافتتاحي وفي ويو آر هير وأونلاين سكام، الذي يذكرنا بصوت يان يلينك، نتبين توظيف سرعات الديلاي المختلفة وتباين أنواع الريفرب ليضيفا عمقًا للمِكس، في حين يأتي البايس في الواجهة؛ كما يضيف تشويش الشرائط والعينات الصوتية القصيرة المجردة إلى الديناميكية. 

بالإضافة إلى الأسلوب الإنتاجي، إن تصميم لي لألحانه وانتقاؤه لألحان عيناته يضيف إلى موسيقاه طابعًا جذّابًا، لتصبح متاحةً لقاعدة أوسع من الجمهور، كما في سمولِست أَليجايتور وداي تريب تو وِستون، الذي يكشف سريعًا مع اقتراب نهايته عن العينة الأصلية، مستعرضًا براعته في إخفاء مصادره، كما يبرز تأثير الدَب غير المباشر في التراك. أما في كاتربيلر إن يور إيرز وفيد مي ناو، وهما من أفضل التراكات، يظهر الطابع الرثائي المشحون عاطفيًا مؤكدًا على جاذبية الألبوم. نتبين في وِست كوست نوز دايف ومكسيكان سامِر قوة الجروف بفضل نبضات البايس المنتظمة التي تأتي بشكل خفي وتمسك بزمام الخامات الصوتية الكثيفة والمبعثرة، بينما يتحرر الإيقاع في أولد سكول بولترجايست وبريليانت كالرز، المعتمدَين على ألحان البيانو وصوتٍ محيط وأقل كثافة. 

ينجح شون لي في ألبومه الجديد في وصفته التقليلية ناسجًا من عيناته صوتًا فريدًا وحميميًا. يكشف لي في ٠٢ عن جماليات بالغة الرقة، معتمدًا على تنوعٍ في المشاهد الصوتية والخامات ودفء صوت اللو-فاي وتوظيف المؤثرات. بالإضافة إلى ذلك يُظهر الألبوم براعةً إنتاجية تجمع بين الجدية والمتعة، وتؤهل الألبوم ليكون واحدًا من الأعمال التقليلية المميزة لهذا العام مع انتصافه.

المزيـــد علــى معـــازف