.
مع صعود إن دابليو إيه نهاية الثمانينات، صعد معها اسم المنتج الموهوب دكتور دري الذي كان خلف أهم بيتات تراكاتهم. بعد حالة التفكك التي أصابتهم، وخلاف أهم أعضاء الفريق مع إيزي إيه ومدير الأعمال جيري هيلر، خرج دري من روثليس ريكوردز ليلتحق بشركة الإنتاج الصاعدة حينها ديث رو، والتي كان قد أسسها للتو صديقه حارس الأمن شوج نايت. حاول شوج نايت من خلال ديث رو العمل على عدم تكرار أخطاء روثليس، تحديدًا في الجوانب المالية، مع التركيز على بناء الأصوات الجديدة.
مع ديث رو، بدأ دري بالعمل على ألبومه ذا كرونيك، حاول من خلاله البناء لصوت ومحتوى يختلف عن ما سمعناه مع إن دابليو إيه، مع أسلوب بنى من خلاله لحقبة جديدة في الهيب الهوب. ظهرت لأول مرة خلال ذا كرونيك ثنائية دكتور دري وسنوب دوج، حيث سيطرت على جزء كبير من الألبوم. أظهرت ثنائيتهم من اللحظة الأولى تناغمًا غير معتاد، سواء في اختيارات الألحان، أو الأداء المتبادل بينهما.
اختار دري التعاونات في الألبوم بشكل يناسب بنيته، حيث ركز على بعض الأسماء في مواضع واستغنى عنها في أخرى، مثل داز ديلينجر وآر بي إكس، والظهور النسائي الفريد لـ ذا لايدي أوف رايج. لم يترك هذا التنوع مساحة للملل، وهو ما نحتاجه في ألبوم من ١٦ تراك يمتد لأكثر من ساعة.
اتجه دري في ذا كرونيك إلى رمي حقبة الثمانينات خلفه نسبيًا، تحديدًا بعد انتشار صوت إن دابليو إيه في الساحل الغربي. اتجه دري إلى صوت أقل حدة في الألحان مع سرعات أقل، وتخلى عن فوضى العينات الصاخبة مع التقليل من سكراتشات الدي جايز المتناثرة من الثمانينات. ركز الحدة في أصوات الإيقاعات وقوة ضربها مع البايس، وتخلى تمامًا عن الدرام ماشينز والإيقاعات الناعمة.
بنى دري ألحانه على صوت كان موجودًا في الثمانينات متناولًا إياه بنظرة أخرى ليصنع ثورة في صوت الهيب هوب حينها. اعتمد دري في الغالب على صوت الفانك لكن بشكل لحني مسترخٍ، واتجه به في بعض الأحيان إلى معزوفات معقدة بين السنثات الفانكية الحادة والصافرات ليدمجها مع خطوط البايس السريعة، المركزة بأغلبها على عينات من فريق بارلمنت فانكاديليك.
أظهر دري بوادر حبه للفانك منذ فترة إن دابليو إيه، بتراكات مثل جانجستا جانجستا، ودوب مان، لكن مع طبيعة إن دابليو إيه العنيفة كان من الصعب على دري التجريب في تلك المساحات غير المتناسبة مع حدة موسيقى العصابات.
ركز الألبوم بشكل كبير على الجانب الاحتفالي من راب العصابات، عائدًا إليه بقوة، بعد أن ألغت إن دابليو إيه وجوده نسبيًا في فترتها. كانت الموازنة بين الجانب الراقص وجانب العصابات أبرز ما في الألبوم، فبين الحديث عن حياة رجل العصابة، وبين التشجيع على الرقص، مع خلطة البيتات بين الروقان والحدة، وتأثير واضح من أحداث انتفاضة لوس أنجلوسأحداث شغب اندلعت في لوس أنجلوس بعد ظهور فيديو لرجال الشرطة يضربون مواطنَا يدعى رودني كينج بعنف.، التي اشتعلت أثناء فترة العمل على الألبوم.
قيادة سنوب دوج لطاولة الكتابة من العوامل الفارقة بالنسبة للألبوم، عاكسًا حياة الأحياء الفقيرة والعصابات بشكل حقيقي، العامل الأهم في الهيب هوب حينها.
أظهر الألبوم جوانب العداوة بين دكتور دري وإيزي إيه، ما أكد واقعية الكلمات التي تتمحور حول العصابات، في تراكات مثل فاك ويث دري داي، بيتشز إينت شيت، وناثنج بت أ جي ثانج، حيث حملت جوانب البيف الكبير مع مشاركة آيس كيوب بتراك نو فازلاين.
تعتبر ناثينج بت أ جي ثانج أحد أهم تراكات الهيب هوب في التاريخ وأكثرها استماعًا، ومن خلالها تأسست جنرا جي فانك الفرعية، التي تفرد بها سنوب دوج في هذا الألبوم وفي ألبوماته التالية مثل دوجي ستايل وذا لاست ميل؛ ولا شك بأنها كانت أحد أهم أسباب نجاح الألبوم.
اتجه الألبوم إلى جوانب أخرى في تراكات مثل ذا داي ذات نيجاز توك أوفر، ورات تات تات، حيث أسس دري أسلوبًا آخر عرف به الساحل الغربي، معتمدًا على سحب عينات الفانك والسول وتبطيئها أو تسريعها لتتخذ طابعًا سوداويًا أو عنيفًا، مثل فيجتبل واجن لدوني هاثاوي في رات تات تات، و مستر دريم ميرتشَنت لفريق ذا آيس مان في ذا داي ذات نيجاز توك أوفر. مع هذا الأسلوب، بُنيت ألحان نقرات البيانو السريعة بين اللعب واستعمال العينات، والتي تطورت بشكل واضح في ألبوم دري اللاحق ٢٠٠١، أحد أهم الأصوات التي عُرف بها الساحل الغربي.
تلى ذا كرونيك ثورة في إنتاج بيتات الراب، تخلى الجميع عن التكلف في العينات وسكراتشات الدي جايز. أصبحت البيتات أقل وطأة على الأذن، وبدأ حينها عصر التفنن في القوافي والفلوهات. أسس ذا كرونيك أحد أهم شركات الإنتاج في تاريخ الهيب هوب بعيدًا عن الجدل الذي يدور حولها، ومهد لاكتشاف توباك، أحد أهم الرابرز في التاريخ.
رغم استلهام دري لعدد من العناصر من الثمانينات، إلا أنه شكّل المسار الذي سار عليه هيب هوب التسعينات بشكل عام، وهيب هوب الساحل الغربي منذ حينها حتى اليوم، بالإضافة إلى مساهمته في إظهار أهم الأسماء التي تزعمت التسعينات مثل نايت دوج ووارن جي.
بتصدره الألبوم كمنتج منفرد، عكس ألبومه السابق مع إن دابليو إيه الذي شارك في إنتاجه كل من دي جاي ييلا وأرابيان برينس، وعكس ألبومه التالي الذي شاركه فيه عدد من المنتجن أبرزهم سكوت ستروتش، أظهر ذا كرونيك عبقرية دري الحقيقية في الإنتاج، بين صناعته جنرا من العدم، وبنائه صوتًا قوميًا خالدًا لأجيال، مع إلهامه لفنانين أثروا في تاريخ الهيب هوب مثل نيبسي هاسل وواي جي.
المثال الأكبر على تأثير ذا كرونيك الممتد هو ألبوم كيندريك لامار الأخير جي إن إكس هو، الذي تزعم بأرقامه مشهد الراب العام الماضي بنفس الصوت الذي بناه دكتور دري قبل أكثر من ثلاثين عامًا. بالإضافة إلى ألبوم إمينم الأخير ذا ديث أوف سليم شايدي، والذي شارك دري بنفسه في إنتاجه التنفيذي. لا يوجد شك في قيمة ذا كرونيك في تاريخ الهيب هوب، رغم رؤيتي الشخصية بأنه أحد أكثر الألبومات التي ظُلمت بسبب قوة الألبوم الذي تبعه.