مراجعات

سحابة | موسى سام

عمار منلا حسن ۲۰۲۱/۰۷/۲۹

في ٢٠١٨ ظهرت ثلاثة نجوم للمرة الأولى في سماء الراب المصري. تنافس ويجز ومروان بابلو على تسيّد الاسكندريّة وأشعلت منافستهم المشهد. إلّا أنّ العديد من المتابعين، أنا من بينهم، كانوا ينظرون إلى الاسماعيليّة بانتظار تفجّر مرتقب في مسيرة رابر خطف الانتباه في ألبومه الأوّل أو في.

ظهر موسى سام خارج السياق. شعر بالوحدة والعزلة وهو يغنّي عن مصادفاته الأولى للأزمة الوجوديّة، وبدا على صوته القلق وهو ينظر إلى نفسه وأسرته ومجتمعه من منظور علم النفس بدل القيم والتقاليد. أصبحت أغنية ساقع من الألبوم إحدى كلاسيكيات الراب المصري المغمور، أتبعها بواحدة من أفضل أغانيه لليوم، مهما تكلّمت للسما. امتازت الأغنيّة التي أنتجها كليك كلاك بسنثات محيطة داكنة تنقل إلينا شعور موسى وهو يطوف لوحده في الفضاء، تتبادله أفكار باردة.

في اللحظة التي بدا فيها موسى مستعدًا للحاق بمنافسيه والانضمام إلى صراع عروش الراب المصري، بدأت أغانيه المنفردة بالتباعد، ومرّت حوالي ثلاث سنين دون أن يصدر أي ألبوم. بدا أحيانًا أن موسى سعيد في مكانه في المشهد المغمور، يفضّل مستمعين خبراء بالتراب محليًا وعالميًا ويقدّرون التجارب والإنجازات الدقيقة التي يحققها، بدلًا من الالتفات إلى جمهور واسع بدأ للتو بأخذ الراب جديّا ويحتاج أن تلاقيه في منتصف الطريق – غالبًا عبر التعاون مع المهرجانات والشعبي.

انتشرت بداية الشهر الماضي أخبار عن استعداد موسى لإطلاق ألبوم سحابة (صدر بعد أسبوعين من الإعلان) ولم يلزم المشهد وقت طويل حتّى استعاد حماسه لموسى، وأصبح صدور ألبومه الطويل الأوّل من أكبر الأحداث غير المحسوبة في الراب المصري هذا العام.

حصلنا في معازف على نسخة من الألبوم قبل صدوره، شغّلتها من لحظه ظهورها في الإنبوكس، وكوني أحد أكبر المتحمسين لعودة موسى (في معازف على الأقل) أصابتني نوبة قلق لـ ٣٢ ثانية خلال استماعي لتراك المقدمة. التراك جميل وغير متوقّع، لكن اعتماده على جيتار كهربائي مزاجي ومشوّه ذكّرني بانتقالات غير موفّقة شهدها الراب المصري من الراب والتراب إلى الروك البديل (الله يسامحك يا آر رايمز)، وخفت أن يكون ألبوم موسى ماشيًا في هذا الاتجاه.

لحسن الحظ صدف أن الأغنية التالية هي الأكثر بعثًا للاطمئنان بخصوص التوجه العام للألبوم. مع بلوغ أغنية سفينة منتصفها، تكون العيّنات الصوتيّة الأثيريّة المتماوجة بين طرفي الستيريو قد طمأنتكم بإنتاج عالي المستوى ومفعم بالأسلوب، وذكّرتكم بارات موسى الغنائيّة بأن تفوّقه في الغناء والأوتوتيون كان سببًا رئيسيّا وراء متابعتنا له لسنوات. عزّزت سفينة قناعتي بأن موسى يفضّل أن يشغل مكانة فيوتشر ويانج ثاج في المشهد، أن يمنح نفسه رفاهية التركيز على المزاج والأسلوب بغض النظر عن الرائج والمطلوب على السوق.

تقدّمنا سفينة أيضًا إلى فريق فنّي منح الألبوم صوته المرصوص والمتقن. تولّى خالد برجونا الإدارة الفنّية للمشروع، بعد أن تدرج في مشهد الراب المصري عبر السنوات انطلاقًا من إنتاج الأغاني المصوّرة. للألبوم منتج واحد هو مهيمن، وفريق هندسة صوت واحد هو استوديو زلزال ٩٢ ريختر، بشكّل ينسجم مع تفضيل موسى لتعاونات ضيّقة مع المنتجين، كعمله شبه الحصري سابقًا مع كليك كلاك ورع و١١٢٧.

في أغنية خمسة في هدوء، تبرز تأثيرات الريفرب والصدى على حساب البانينج (panning التلاعب بالمكان الأفقي للصوت)، ويذكّرنا موسى بإصدارات فيوتشر المبكّرة التي بدا فيها صوته بعيدًا ومترددًا كما لو كان آتيًا من الفضاء. تعيدنا الأغنية إلى سماعها مرةً تلو الأخرى، أحيانًا لنتابع بارات موسى، وأحيانًا أخرى لنستمتع بإنتاج مهيمن، خاصةً استخدامه لسنثات لحنيّة دافئة ذات نسيج خشن ودقيق مثل ورق الزجاج، تباغتنا وتخطف انتباهنا في لحظات مبعثرة على مدى الأغنية.

هناك أغاني في الألبوم يلعب فيها موسى دور البطولة منفردًا، مثل سحابة. يأتي صوته المسحول بالأوتوتيون كطلقات ليزر مصوّبة نحو أذني المستمعين في الكلمات الأخيرة من بارات اللازمة: “هنا دماغك هاتسيييح / جوا دماغي في سنييين / لو سقطناها بنعيييش / خضرة مفيييش / بُنّي حشيييش / صفرة هتخيييب / لو ضخمة بتسيييح / متعمرة على التقفيييل / موسي يعلى في الكمييين.” مع الوصول إلى سحابة أصابني بعض اليأس من انتظار كلمات مباغتة وهشّة مثل أغاني موسى المبكّرة، إلّا أن أسلوبه الجديد في الكتابة، والقائم على ثيمات هلوسيّة وبارات غامضة المعاني، لا يخلو من عفويّة جذّابة تساعدنا على رؤية موسى تحت ضوءٍ جديد.

لو أردتم التعرّف على أسلوب موسى الهلوسي بإمكانكم مشاهدة الفيديو الصادر مؤخرًا لأغنية غيوم. قد تكون مجازات موسى واضحة، إلّا أن بعض الأمور لا تحتاج تعقيد. يصطحبنا في جولة حول حياته من منظور كميرا تطوف حوله وتتبعه إلى مشاهد طبيعيّة عشوائيّة، ويقدّم لنا سردية بصريّة تبدو منطقية لكن تتحرّك بطريقة عبثيّة من مشهد لآخر.

يضم الألبوم بعض الزيارات الطموحة للساوندكلاود راب، كما في أغاني استاكوزا وخبصة. هي أغاني ساوندكلاود راب قويّة، ما خلاف، لكن موضة ساوندكلاود راب بالعموم انطفأت، وفقد الكثير منّا حماسنا للجنرا. هناك أغانٍ أخرى ترسل إشارات ملاطفة وتودد للجنرات الراقصة، من بعيد لبعيد، مثل تاروت التي تبدو كخطوة موفّقة لكن تفتقر الثقة نحو الـ كلُب راب (club rap).

هل سيحوّل هذا الألبوم موسى من رابر مغمور إلى نجم؟ لا أعتقد ذلك، ولا أعتقد أنّ ذلك في نيّته حتى. موسى سام لا ينتظر الكثير من مستمعيه، اللي حابب يسمع يسمع، واللي مش حابب الباب بيفوّت جمل، صح؟ هذه نقطة قوّته، لا تفرق معاه المشاهدات المليونيّة المألوفة في الراب المصري اليوم، لا يفرق معه الجمهور الذي يتعرف للراب الآن ولا يزال غير مستعدًا لبذل الكثير من الجهد لاستكشافه. لا يزال يغنّي على موّاله، ولا يزال هذا الموّال مطربًا.

المزيـــد علــى معـــازف