.
شب جديد سندباد الورد الناظر بلاتنم زغموري معازف مراجعة ألبوم
بحث | نقد | رأي

سندباد الورد | شب جديد

رامي أبادير ۲۰۱۹/۰۸/۲۸

خلق شب جديد لنفسه مكانًا خاصًا خلال العام الماضي كرابر ومغني من خلال القوافي اللعوبة والفلوهات العربية الجديدة التي استنبطها من حديثنا كعرب وكيفية تقسيمنا للكلمات والجمل في حياتنا اليومية. يتضح هذا الأمر جليًا في أغنية سندباد التي تتشبع بالذاتية والتي نسمع فيها إحدى أفضل لحظات الألبوم وأكثرها تعقيدًا:

“فارغ من الجوف
أنا ناقص مني جوا
كلكو بتلعبوا فيها حداقة
أنا بلعبها قوة
هيا هرم من الوزن يزن
يوم اتعرص كون متّزن
يوم بزعل بتزعزع من جوا
ليش؟ لأني أنا فارغ من الجوف.”

يتنقل شب جديد في نفس التراك من موضوع إلى آخر بسلاسة شديدة بفضل مهاراته السردية العالية، إذ يتراوح بين العتاب والاعتداد بالنفس والشدة تجاه الخصم وعلاقته بالجمهور ثم الشرطة وتجاربه معها، حتى يلخص في بضعة سطور مدهشة مشهدًا يتم فيه أسره وإطلاق سراحه ووصف ظروف أسره التي لا تهز له شعرة واحدة.

رغم وجود عدة لحظات جادة يتراوح بعضها من الصادم إلى الصدامي إلى الاعترافي، يزخر الألبوم بالفكاهة، أحد أهم عناصر الراب بالنسبة لي، وهو ما جذبني منذ وقتً طويل لأبيوسف والعام الماضي للصاعد هشام رابتور. لكن الحس الفكاهي لشب جديد الذي نسمعه في أغنية مدرسة ومن قبلها أغنية فيلم، مقرون بطابع سوداوي، الأمر الذي يزيده عمقًا وغموضًا، ويجعلني أبحث عن المزيد من التفاصيل والمعاني الخفية المصحوبة بعناصر ثقافية اكتشفها مع الاستماع المتكرر. هذا الجانب المركب يمتد إلى سرد الوضع السياسي في متكتك وعرب ستايل وولاد قدس التي يزيد كورس الناظر من قوتها. في متكتك تكتمل الكلمات بفلوهات مركزة وسريعة تزيد من التوتر الذي يكتمل بـ بيت حماسي للناظر، عاكسة واقعًا يوميًا حافلًا بالتوتر والصراع، وراسمة صورة حيّة للمستمعين عن تجربة الحياة في القدس. أما في عرب ستايل فنجده يبلور مشاعر جيل جديد من الفلسطينيين وعلاقته بالاحتلال، علاقة واقعية تخلو من التنديد الأخلاقي والمظلومية والهتافات. يسيطر على عرب ستايل غضب لعوب هادئ في “don’t trust any blonde white guy” و”ويجعلنا نعمر أمة، يجعلها تقوم تكبر تتوسع تعمل حرب عأوروبا، وتلطها” ويتخللها مرة أخرى الواقع الذاتي لشب جديد وعلاقته بمحيطه وجمهوره.

هذا سرد جديد للواقع بمشاعر صادقة غير منقولة من الأجيال السابقة، يدشن مرحلة جديدة لما هو فني وعلاقته بالسياسي، الذي ظل لمدة طويلة، منذ أن وعيت على القضية، إعادة لنفس الخطاب القومي / اليساري / الإسلامي إلى أن باتت كلمات أي أغنية مشحونة سياسيًا متوقعة ومملة. بذلك لم يقف ما هو سياسي عقبة أمام ما هو فنّي، بل ساعد في بلورة جماليات جديدة. في مواقع أخرى من الألبوم، توفر لقطات رثائية شخصية لحظات مؤثرة وبالغة في القوة. تعود شب جديد ٢  مرة أخرى إلى مقاطع ذاتية، قبل أن الختام بالتعاون مع شب موري في أغنية بومب أكشن بطابعها الحالم الذي يؤكد عليه الناظر بالسنث بادز المحلّقة على البيت. 

يجيد الناظر التلاعب بالبايس صائغًا منه ألحانًا تتكامل بأصوات السنث المتعددة التي تتميز بكثافة أنسجتها وطبقاتها المركبة، وإن سيطر عليها نهج تقليلي فإنها تتيح مساحات واسعة ليلهو شب جديد عليها بفلوهاته الصايعة وأسلوبه شديد الفلسطينية والمنقوع بلغة الشارع. البايس والألحان التي تعلق بالأذن تبث طاقة راقصة لبيتات التراب متوسطة السرعة التي يتمركز عليها معظم الألبوم، في حين تتضاعف سرعة الإيقاع في متكتك وفي شب جديد ٢، كاشفة عن التأثير البريطاني من خلال بيت الدريل – وهو ما يكسر روتين التراب الذي اعتمدت عليه المنطقة في السنوات الأخيرة بالإضافة إلى القليل مما تبقى من بيتات الـ لو-فاي. كما يمتد التأثير البريطاني عبر أصوات السنثات وتوظيفها في ولاد قدس وباشا.

في مقابلتي معه تحدث الناظر عن تأثره بعالمٍ وزمنٍ آخر: “فولكلورنا إحنا اللي مولودين بالتسعينات هو من مصر وسوريا ولبنان، اللي هم حميد الشاعري وسميرة سعيد ومحمد فؤاد وإيهاب توفيق، يعني هذا الجو. باحس إنه أنا لما أعمل ميلوديز كمان بحاول أعملها من هناك” ما أتبينه من سندباد أن الناظر تحرر من هذا التأثير، الذي لا أجده إلا في أغنية فيلم على سبيل المثال، والذي يتضح في العديد من أعمال العام الماضي وصولًا إلى إصدار غرق لماكي مكوك. ألحان الناظر في سندباد جذابة، تدعمها أجواء صوتية وبادز وأصوات سنث مختلفة عن أعماله السابقة. بالإضاف إلى تدفق التراكات السلس والصوت الموحّد لسندباد، يأتي الألبوم بصوت ممتلئ وعريض وممزوج بشكلٍ متقن، يعد إنتاجيًا من أفضل وأنضج أعمال الناظر.

شهد مشهد أطلنطا حالة من التشبع هذا العام أسفرت عن ركود وإعادة إنتاج قوالب ثابتة لنفس الثيمات والبيتات والفلوهات، إلى أن أصبحت الموسيقى متوقعة بشكل مبالغ فيه. يمتد هذا الركود ليشمل العديد من مشاهد المنطقة العربية التي غرق العديد منها في نسخ القالب الأطلنطي موسيقيًا وكلماتيًا وأدائيًا، حتى تحول الأمر إلى ظاهرة تايوانية. ما يميز سندباد هو إحداثه صحوة جديدة تعادل الروح الحماسية التي أضافتها المهرجانات منذ ما يقرب العشر سنوات في مصر. يحمل سندباد صوت هيب هوب صايع وجديد واحترافي، كما ينقل تجربة ذاتية وثقافية وشوارعية حقيقية تتميز بالخصوصية وتخلو من أي تصنّع أو مزايدة أو قوالب ومواضيع جاهزة، وتواكب واقعية الحاضر. سندباد الورد هو أحد أفضل الأعمال التي خرجت هذا العام وذلك ليس قياسًا بالمشهد المحلي. سندباد الورد ألبوم متماسك وصاخب قادر على انتشالنا من حالة الركود التي تسيطر على مشاهد الراب المحلية والعالمية.

الألبوم متاح على هذه المواقع.

المزيـــد علــى معـــازف