طه الفشني فاقداً لصوته

معازف ۰۸/۰۳/۲۰۱۳

يروى عن طه الفشني أنه عندما نضج صوته، انحبس. فانشغل الناس بقصة انحباس صوته وانقطاعه عن المسجد الحسيني، حيث كان يقرأ القرآن ويؤذّن وينشد التواشيح. أسطورة انحباس الصوت هذه انتقلت بين الناس بروايات مختلفة: فمنهم من رآه ساهماً في الشارع، وآخر رآه يبتهل في المسجد بدون صوت. إلا أن الرواية الأشهر نقلها ركّاب سفينة انطلقت من مصر إلى السعوديّة للحج. يصف أحد الركاب أنه شاهد رجل ملتحٍ يجلس بين عدد كبير من أقاربه صامتاً ومتجهّماً، حتى سأل عنه وتبيّن أنه طه الفشني فاقداً لصوته. لاحقاً، يروى الراكب نفسه أن كان يستعد لصلاة العصر من على جبل عرفات، حتى سمع صوتاً جميلاً يؤذّن.

كان الصوت بالطبع صوت الفشني.

كان يمكن أن يكون الفشني مغنيّاً ينافس عبد الوهاب في زمنه. لكن ثمّة فجوة تتشكّل عند الحديث عن نشأة الصوت الدينيّ لدى معظم الأصوات المصريّة في النصف الأول من القرن الماضي، ومن ثم النضج الديني، أو الغنائي. فكما كان صوت أم كلثوم ينضج بعيداً عن أبو العلا محمد وزكريا أحمد، نضجت أصوات الفشني، وسيّد النقشبندي، ونصر الدين طوبار بعيداً عن القراءات القرآنيّة. وتهرّباً من انحباس الصوت في الأداء المتزمّتأو المتحرّر، قرأت أم كلثوم القرآن وسجّلته، وغنى الشيخ محمد عمران موّاليا من هواه أعزه وأذلنيبرفقة عبده داغر وعبد الوهاب، وتسرّبت تسجيلات للشيخ إمام وهو يؤذّن ويقرأ القرآن.

في هذا التسجيل، يؤدّي الفشني عدة توشيحات، على مدى أكثر من 34 دقيقة في جلسة واحدة، كصوت رئيسيّ وسط مردّدين للتواشيح، بنفس الشغف الذي لا يتصاعد أو يخفّ، وعلى نفس المقام غالباً.

الصوت المنحبس هنا في هيكل المقام والجلسة يدوّخنا. ربّما يدوّخنا بنفس الدرجة التي ينحبس فيها صوته عن الإنشاد

الفشني، بذلك، يحقّق الصوت المطلق: حيث يتساوى الوجود مع العدم في الأبديّة.

المزيـــد علــى معـــازف