.
خلال عامين فقط بات عايض أحد أبرز أصوات المشهد الخليجي وأكثرها حضورًا؛ ومع كل إصدار جديد يزداد سقف التوقعات لدى جمهوره، لا سيما بعد ألبومه الصادر عام ٢٠٢٢. نزّل عايض هذا العام الجزء الأول من ألبومه المنتظر عايض ٢٠٢٥، وسط تكهنات عن مدى قدرته على تلبية كل هذه التطلعات خليجيًا وعربيًا.
لازم عايض رفاقه راكان وياسر بوعلي، اللذان ضمنا له النجاح في عدة مراحل مفصلية من مسيرته. أربعة تراكات من راكان، واثنان من بوعلي، مع مشاركة مميزة من سهم في أغنية لا تعدون الليالي، والذي كان قد لحّن لعايض سابقًا أغنية حلو الكلام نهاية ٢٠٢٠. تؤكد هذه التوليفة على رغبة عايض في الاحتفاظ على الأقل بنوع الألحان التي اعتدناها منه، مفسحًا المجال للتجريب في بقية العناصر على مستوى مشهده.
ما يميز الألبوم بوضوح هو التوزيع، سواءٌ في اختيار الأصوات أو الثيمات، كما في افتتاحية الألبوم في أغنية سلام أو ختامه بـ يا للأسف. هناك تنوع لافت في بنى اللوازم والانتقالات، كما في أغنية تخيل لو، التي حملت جانبًا تجريبيًا في اختيار الآلات مثل الجيتار الكهربائي، أو حتى في المقدمات والفواصل وألحانها.
مع غنى وطزاجة التوزيع، لا يزال صوت عايض يحتل المساحة الأكبر وما زلنا نجد لمحات كلاسيكية من أغنياته، مثل إيقاع الهيب هوب في تخيل لو، أو الكمنجات الصارخة في لازمة طلعت أبيه. عمل على الجزء الأكبر من الألبوم الموزع اللبناني عمر صبّاغ، صاحب المسيرة الملفتة في مشهد البوب العربي منذ ٢٠١٠، والذي بدأ بالانخراط في المشهد الخليجي خلال آخر عامين.
يدور عايض في الألبوم بين ضرباته السابقة خلال العامين الماضيين، والأغاني السعودية التقليدية كما في لا تعدون الليالي، ليتجه بشكل مفاجئ الى صوت البوب الصريح في يا للأسف، المبنية بشكل بسيط على جيتار إسباني إلى جانب كمنجات تنسجم مع غنائه على إيقاع لف رايق. كأنها نسخة خليجية من البوب المصري في التسعينات. يلعب بذلك عايض ضمن مساحة آمنة، لتجد كل شريحة مبتغاها.
يغلب على الألبوم ثيمة الحزن التي برع فيها عايض، إذ يتحول إلى رحلة مليئة بالهواجس بعد الأغنية الثانية. يستعرض عايض تمكنه من قرار وجواب صوته، كما تتجلى قدراته بشكل أكبر حين يستعمل جزء الكورال في اللازمة. يظهر ذلك في تخيل لو، التي استعمل فيها ما يقارب ست درجات مختلفة من صوته، بانسيابية تأسر المُستمع؛ أو في أعتذر وأجيك التي ظل يدور فيها بين صعود وهبوط بشكل غير معتاد.
يتنقل عايض في الألبوم بين الكلمات البسيطة والقصائد البليغة. يتجلّى هذا التباين في الانتقال من ملامح غربتي إلى طلعت أبيه، بين: “رويان ذابحني الضما / الحزن من حزني ارتوى”، إلى: “طلعت أبيه وأدري غيبته غيبة / أنا أبكي ليه؟ دمعي يقدر يجيبه؟”. ساهمت مشاركة أسماء لامعة مثل فهد المساعد وقوس في إثراء نصوص الأغاني، بينما مال عين إلى أسلوب مباشر وأليف.
يمثل الألبوم جرعة تجديد مناسبة لطالما انتظرناها من عايض، حيث استطاع أن يظهر بصورة مختلفة، أكثر واقعية ونضجًا، وبجودة فنية ملحوظة. أصدر عايض عدة ضربات اكتسحت الانترنت العام الماضي، ليتبعها بألبوم يستعرض فيه قدرته على الخروج عمّا هو سائد، وإن كان بحذر شديد قد يفيد بالتمهيد لتجريب أكثر جرأة لاحقًا. في وسط زحام الإصدارات الخليجية يبرز هذا العمل كواحد من المحطات التي تؤكد تفوق المشهد الخليجي وتجدده.