.
كانت الثمانينات العصر الذهبي لشرائط الكاسيت، أتت بعد نهاية ما يعرف بالزمن الجميل المتمثل بأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، وفتحت الباب أمام أصناف جديدة، وفرق تعمل على بلورة صوتها بعد سنوات من التجارب والتخبط. كان أسهل شيء هو تسجيل شريط كاسيت يحمل صوتك وأغانيك، لذا فقد ظهر الكثير واختفى الكثير من المغنين في تلك الحقبة، منتهين إلى الاعتزال أو التديّن أو الغناء على نطاق محلي محدود، دون أن يتركوا وراءهم أعمالًا استمرت ذكراها.
في هذه القائمة عشر أغاني شعبية برزت في الثمانينات وسط غزارة الإنتاج وسيل أشرطة الكاسيت.
عدوية هو الأب الروحي للأغنية الشعبية، وأول من بدأ بتأسيس الأغنية الشعبية المعاصرة، والتي تعبر عن الشعب بلغته وموسيقاه. في الثمانينات، وقبل اختفائه عن الأضواء، قدم مجموعةً من أهم أغانيه مثل كونت دي مونت كرستو واديك تقول ما اخدتش وسيب وأنا سيب وزحمة، لكن تبقى أغنية بنت السلطان الأهم والأشهر في تاريخه. الانتقال من الموال إلى الأغنية، من الحزن إلى الفرح، ومن الوحدة إلى الغزل – كانت الأغنية شعبية من الدرجة الأولى، في الكلمات واللحن والأداء. كتبها رفيق عدوية حسن أبو عتمان ولحّنها حسن أبو السعود.
كان حسن الأسمر ملك الأغنية الشعبية من منتصف الثمانينات إلى بداية التسعينات، حين نجحت الكثير من أغانيه، وعلى رأسها موال كتاب حياتي، إحدى أشهر الأغاني لا في مسيرة حسن فقط، بل في تاريخ الأغنية الشعبية عامة. لحّن حسن الأغنية بنفسه تحت اسم حسن عبد العزيز، وكتب كلماتها شريك حسن في العديد من الأعمال، يوسف طه.
يعرف مجدي طلعت بأغنيته المصوّرة برافو عليك، والتي انتشرت على التلفاز في نهاية التسعينات أو بداية الألفينات، لكنه سجَّل في الثمانينات اثنتين من أكثر الأغاني الشعبية جماهيريةً على الإطلاق. أولاهما كانت شيال الحمول يا صغير، والتي غناها بعده الكثير من مطربي الشعبي، واشتهرت خاصةً بصوت عماد بعرورو في الألفينات، والثانية هي: اللي عاوزني يجيني يجيني أنا ما بروحش لحد، الأغنية التي تحولت إلى جملة شعبية وضاعت في الزحام. تنتمي الأغنية إلى الثمانينات بكل تفاصيلها، خاصةً الكورال النسائي المعهود في تلك الفترة. كتبها إنسان الطائر ولحنها عصام توفيق.
من عازف طبلة فى الفرقة الماسية أدى مقطع عزفٍ منفرد على الطبلة في فكروني لأم كلثوم، إلى عالم الغناء الشعبي، عاش كتكوت الأمير مسيرةً قصيرة، وبدأ بالاختفاء عن الساحة في التسعينات. قبل اختفائه، سجَّل الأمير ألبومًا كاملًا بالتعاون مع الشاعر عبد الرحيم منصور والملحن النوبي أحمد منيب، لكن تبقى أهم وأشهر أعماله، أغنية يا غزال الدرب الأحمر.
درس ابن الشرقيّة، مسعد رضوان، الحقوق في جامعة الزقازيق، ليصبح لقبه “مطرب جامعة الزقازيق الأول.” ربما لم يحقق مسعود النجاح الذي كان يستحقه، لكنه يعتبر من أكثر مطربي تلك الفترة الذين تم استعادة أغانيهم من قبل نجوم التسعينات، إن لم تكن أغانيه سببًا في نجاح عددٍ منهم. إذ غنَّى محمد فؤاد يللا بينا يللا ومتغربين، وأدى حكيم من أعماله موال قبل ما يخترعو الذرة، وهشام عباس أغنية ناني. كل هذه الأغاني لمسعد رضوان، وأغلبها من كلماته وألحانه، كما لحن له بليغ حمدي أغنية الغربة صعبة يابا. اخترت أغنية أنت وأنا كونها أغنية شعبية حزينة، لا يقاطع صوت مسعد رضوان الشجي فيها لا إيقاع راقص ولا كورال نسائي.
عَرَف هذه الأغنية وسمعها كل من عاش الثمانينات، خاصة من عايش السفر للخليج، إذ لم يخلُ بيت من شخص متغرب لأجل العمل والمال. جاء علي موسى من الصعيد، وقدم عدة أغانٍ عن السفر والغربة والأم، كان شقيقه محمود صاحب الفضل في اكتشافه ومساعدته بالغناء، كما كتب معه معظم كلمات أغانيه. لعلي أغانٍ أخرى حققت نجاحًا مدويًا، مثل موال وأغنية ١٨ سنة وشهرين جراحين.
https://www.youtube.com/watch?v=dJqwPTFEvYY
لم يمهل القدر أشرف فرصة إثبات نفسه إذ رحل مبكرًا. قدم عدة ألبومات في الثمانينات، صوته شعبي بامتياز، وله عدة مواويل نجحت في تلك الحقبة، كان أشهرها وأنجحها موال الوصية، والذي يحكي فيه عن وصية والده وعن الحزن والحياة. كتب الموال توفيق درغام وأعطاه محمد إسماعيل لحنًا شديد القرب من لحن موال كتاب حياتي لحسن الأسمر.
أسامة الصغير، ابن مدينة الزقازيق، رحل مبكرًا بدوره ولم يحظ بفرصة إتمام مسيرته الفنية رغم بدايتها الناجحة. امتاز أسامة بتقديمه أغانٍ قديمة بشكلٍ شعبي، ومن الواضح أنه كان مستمعًا جيدًا إلى جانب كونه ملحنًا، فقدم أغنية فاتن فريد اللي تعبنا سنين في هواه، والتي غناها جورج وسوف فيما بعد، كما غنّى من الفلكلور الأردني ريدها ريدها كيف ماريدها، ومن لبنان غنى خطرنا على بالك لطوني حنا. من أبرز أغانيه التي لحنها وأداها بنفسه، جايلك يا مدينة، والتي غناها فيما بعد رمضان البرنس ليلاقي نجاحًا كبيرًا.
إلى جانب نجاحه الكبير في الثمانينات، يبقى المثير في تجربة مجدي أنها لخصت الحياة السياسية في مصر. كان مجدي مطربًا شعبيًا في الثمانينات، ثم في التسعينات وموجة الجماعات الإسلامية، اعتزل مجدي الغناء الشعبي واتجه إلى الغناء الديني، وقدم بالفعل ألبوماتٍ ودروسًا دينية. مع الثورة وخسارة الإسلاميين، سواءً السلفيين أو جماعة الإخوان، عاد مجدي للغناء الشعبي مرة أخرى – حلق لحيته وعاد يغني: “الظلم لا لا القسوة لا لا المر لا لا”، أغنيته التي نجحت في الثمانينات، والتي نتذكر أحمد زكي يؤدي جزءًا منها في فيلم إستاكوزا. كتب الأغنية إنسان الطائر ولحنها عصام توفيق.
“كلمني فهمني … كلمني كلم كلمني … فهمني فهم فهمني”، واحدة من أشهر أغاني الثمانينات المتأخرة. رغم محاولات حمدي لتقديم أغانٍ وألبومات أخرى، لا أحد يتذكر سوى هذه الأغنية، والتي كتب كلماتها أمل الطائر ولحنها حسن إش إش. اختفى حمدي في منتصف التسعينات، ثم عاد في السنوات الأخيرة، ومازال يعيش على نجاح إيه الحكاية.