.
في مقالٍ كتبته العام الماضي عن تطور الجيتارات بعد الروك، ذكرتُ أن فنانين مثل فينيز وماركوس فيشر ونوفلر قد قدموا لمحاتٍ من الأمل في دفع الآلة إلى الأمام؛ إذ نحتوا من الخامة الصوتيّة الفريدة للآلة دروناتٍ طويلة ومشاهد صوتية، بتلاعبٍ رقميّ وتناظريّ. منذ انطلاقته عام ٢٠١٣، تعامل المنتج اللبناني فادي طبال مع الجيتار كمرجعٍ صوتيّ لاستكشافاته المحيطة، معتمدًا على تجارب الفنانين المذكورين آنفًا وغيرهم، مثل لابرادفورد وسيكس بارتس سِفِن وستارز أُف ذَ ليد، لبناء أرشيف من مقطوعات الجيتار الحالمة والدرونات المطوّلة. في إصداره الأخير (سبجكت تو بوتنشال إرورز أَند ديستورشنز)، يوسّع فادي ذائقته لتشمل آلاتٍ أكثر، منتجًا أكثر أعماله جاذبية وإتقانًا حتى اليوم.
يبدأ الألبوم بـ لوب غنائي نسائي لاهث ومتكرِّر، مؤسسًا للإيقاع الأساسي للتراك، قبل أن تعارضه سينثات متموّجة وباعثة على الدوار. مع تصاعد التوتّر، تدخل أصوات بادز وجوقة لتغلف كل شيء وتدفع بالتراك إلى الأمام، مزودةً إياه بطبقة أخرى من التعارض مع الأصوات الغنائية المتقطّعة والسنثات، ومقدمةً إيقاعًا أكثر بروزًا للموسيقى، تصاحبه أنغام سنث دسمة هارمونيًا تُغني الموسيقى. يستدعي التراك التالي، أون ذَ إسكايب بوت، أعمال فادي السابقة، بأسلوب السرف جيتار والتأخيرات الموقوتة المتعرجة؛ لكن البادز تظهر أيضًا لتُمسك بكلّ شيء وتخلق إحساسًا بالاستمرارية عبر الألبوم.
يجري الألبوم وفق تدفقٍ بديع، نتبيّنه في ثلاثية تراكات The New and Improved Guide to Birdwatching. التراكات الثلاثة مبنية حول عينات غنائية لـ جوليا سابرا، تشكّل أساس كل الطبقات الصوتيّة التي تتركّب فوقها، بطريقة لا تختلف كثيرًا عن طريقة توظيف جوليانا بارويك لصوتها. يبلغ توتر الألبوم ذروته في هذه التراكات، حيث يبنى الجزء الأول حول اندفاع وانسحاب المقاطع الغنائية والسنثات، بينما يستمر الجزء الثاني في التصعيد حتى الوصول إلى مشهد صوتي شبه مشوّه، يُذكّر بأعمال رافاييل آنتون إيريساري (الذي أتقن هذا الألبوم). تتسلّل في الجزء الثالث أربيجات السنث الحادّة السريعة تحت طبقتَين من العيّنات الغنائيّة ونغمة البايس العريضة، لخلق مشهد صوتي ديناميكي ومتقلّب باستمرار. توزّعت هذه التراكات ضمن الألبوم بحيث تتعارض دومًا مع التراكات الأهدأ والأكثر تأمليّة، لينتج ألبوم بديع التدفق من البداية إلى النهاية.
في التراكات الأهدأ يمكننا سماع دفء وتهدّج (warbling) تجارب لوبات الشرائط. تراك سِرِموني باي ذَ سي أبرز مثال على ذلك. يعتمد التراك على الدرونات الغليظة، وينعكس عنوانه بأفضل صورة في السنث النحاسي والبادز الشاحبة. لا يفرض التراك الختامي، ذَ سايدووك أت نايت، نفسه على المستمع، وإنما يُقدّم خلفيّة يمكن الهروب إلى داخلها، وتزيد جاذبيته الخشخشات وشوائب الشرائط المسموعة بالكاد.
ربما يُقدّم الألبوم إحالةً إلى لوبات الشرائط المتهالكة، أو ربما هو عن الحقبة الحالية بشكل عام، وكيف أصبح كل شيء مشوهًا، وقد أنتج فادي الألبوم فعلًا كردة فعل على الحظر والاضطرابات المستمرة في لبنان. بغض النظر عن كل ذلك، يعكس الألبوم ببراعة ذلك الإحساس بأن كل شيء على حافة التشوّه، ويضيف إلى أرشيف فادي طبال عملًا يدفع بأسلوبه خطوةً إلى الأمام.