فولسكرين فاوستو مرسييه fullscreen FAUSTO MERCIER ma3azef معازف
أجنبي جديد

فاوستو مرسييه | فولسكرين

رامي أبادير ۱۷/۱۰/۲۰۱۹

منذ ألبومه الأول الصادر عام ٢٠١٦ كشف المنتج الإلكتروني ومهندس الإتقان المجري فاوستو مرسييه ميرسييه (رولاند ناجي) عن مهارته في التصميم الصوتي، وتركيزه على جماليات الجليتش والتفاصيل الدقيقة في أعماله، وهما العنصران اللذان استمرا معه في مسيرته حتى الآن. جاءت إصداراته التالية على تسجيلات إكزايلز وكروكس باتجاه الآي دي إم، مطعمةً بالضجيج وخارجةً تدريجيًا عن المنطقة التقليلية. تميز بإنتاجه الغزير، ليتبلور صوته الخاص ويصبح أكثر حدة مع إصداره الرابع على تسجيلات بوينتلس جيومتري مع نهاية العام الماضي، والذي يعتمد على الموسيقى الراقصة المفككة مع الطابع الصناعي الذي صار أكثر وضوحًا مع ألبومه فو الصادر منذ شهرين.

يصف فاوستو مرسييه ألبومه الجديد فولسكرين، والصادر عن تسجيلات جينوت سنتر التشيكية، بأنّه تكثف أكثر من عام ونصف من مسودات تصميم الصوت، وأجسام صوتية، وشذرات أخرى”، حيث يصهر جميع الأنواع الفرعية التي وظفها في ألبوماته السابقة مخرجًا منها صوته المستقبلي الخاص. يبدأ ناجي الألبوم بـ فيرمست فاين، معاندًا حلبات الرقص ولحظات الذروة المتوقعة التي يليها الدروب الممل، ليجذب انتباه جمهور موسيقى الكلَبز المفككة المتشوق لأصوات الطقطقات والتكسير والنبضات السائلة والجليتشات المقشعرة التي تخترقها الكيك السمينة والبايس. نلاحظ تحلل الأنماط الإيقاعية وإعادة صياغة لخامات الإي دي إم والبوب الشائعة في سياقٍ آخر، بشكلٍ مستفز مثير للفضول، منافسًا صوت سوفي بفضل حدته وعنفه وتجريده للأنماط الإيقاعية الثابتة.

في جلات، يتلاعب بالمدى الستريو والمونو، وتوزيع الصوت بشكلٍ مجسم، ليأخذنا في دوامة من الأصوات نتبين من خلالها أجواء أفلام الخيال العلمي وروح السايبر بانك. تتصارع العينات الصناعيّة المتناثرة والأصوات السائلة متخطيةً أي بناء تقليدي، ولا تعطي المستمع الفرصة للتنفس أو توقع الأجزاء التالية، إلى أن يأتي توظيف الصمت أكثر من مرة في توقيته الأمثل، وهو السمة التي تظهر في أكثر من مكان في الألبوم. يسير تراك ريفين على نفس النهج، ويضاف إليه خامات جرانيولر من طيف صوت بشري متشظي، كما يأتي السب بايس ليجعل الأصوات الحادة ككتلة واحدة أكثر تماسكًا. يعكس هذا التراك بصوته المتحوِّل باستمرار الهوية البصرية البلاستيكية / المطاطية ثلاثية الأبعاد لغلاف الألبوم بألوانه الزرقاء الشفافة، والذي صممه ماريك روى.

يمتلئ تراك ليزرزم بطاقة غاضبة آتية من خامات سنث فضائية مطعمة بكيكّات وصدمات إيقاعية قادرة على إحداث انفجارات في حلبات الرقص. يوظف فاوستو مرسييه التكرار بشكلٍ ذكي ليصبح التراك الأكثر انتظامًا في الألبوم، إذ تتوالى وتنسحب الأصوات وتتبادل أدوارها واحدة تلو الأخرى، فلا يُمَل من التراك. يظهر التراك مرة أخرى في الألبوم عبر ريميكس لـ آر هُنتر، الذي يقوم بتفكيكه ويضيف إليه أجواء غامضة في الخلفية تجعله أكثر ملائمة للسمع.

يضم الألبوم ريمكسين آخرين، واحد من الثنائي اليوناني أَيس آيز لتراك مايند بزنس، بطابع راقص عنيف وأسهل على الأذن من بقية الألبوم، من خلال توفيقهما بين ذائقة التراك الأصلي الغامضة وذائقتهم الشخصية الراقصة التي ظهرت العام الماضي في ألبوم كالتشر أُف باين الصادر عن تسجيلات سيجرايف. إلى جانب ريميكس ضعيف نسبيًا من فورسز لتراك فيرمست فاين.

يأتي تراكين هايبر وسورو كفقاعات تخرج من بركان يعتمد فيهما على جماليات متشظية تبرز كعملية جراحية شديدة الدقة. يأخذنا فاوستو مرسييه إلى عالم مظلم وخامات معدنية تحاول التنفس، مقيدًا إياها ليزيد من رغبة المستمع فيها. الأجواء في الخلفية تضيف حلم يسوده الضياع وسرعان ما يتحول إلى كابوس بفضل النغمات النافرة.

في جراي جاب ونو هاو تو نو تزداد كثافة الفوضى والضجيج، حيث يعتمد على نسيج من الحشرجة والتشويش والأصوات المسرّعة، بالإضافة إلى الاعتناء بالمساحة التي يشغلها وينبع منها ويسير إليها الصوت. يصل الألبوم أفضل لحظاته في تراك مايند بيزنس، بطبيعته العريضة المجسمة، والذي قد يعد كجزء ثاني من فيرمست فاين. يتألق التراك بالأصوات الإيقاعية والسنث والكيك الحافلة بالبايس، التي تأتي مثل طعنات الموس السريعة. يلعب الصمت دورًا قويًا وأساسيًا في التراك، فيزيد من الفضول للبارات التي تتوالى بشكلٍ مفاجئ. يصاحب التراك الفيديو الأساسي للألبوم، إذ يتطابق مع شكل الغلاف بأبعاده الثلاثية واللون الأزرق الطاغي، كما تكتمل جماليات الفيديو بحركة الكاميرا المفاجأة والألوان الفاقعة، كي يخلقا معًا نوعًا من التناغم مع الطابع الصدامي واللحظات غير المتوقعة للتراك. يوقف فاوستو مرسييه المستمع في تشِك رياليتِه لمرّة أخيرة، في حلمٍ مظلم جديد ورحلة سوداوية، ويترك مساحة للتنفيس عن حدِّة وعنف الألبوم بشكلٍ موفق.

في فولسكرين، تتعدد الأساليب والذائقة الصوتية لـ فاوستو مرسييه، لتتراوح بين الكلَب (Club) المفكك والضجيج والجليتش والمحيط والصناعي، ليصل إلى أقوى مستوىً تقني له. فولسكرين هو ألبوم ناري  وتجربة سمعية مكثفة وعنيفة وممتعة وصادمة في الوقت ذاته، يبلغ فاوستو مرسييه من خلالها أكثر لحظاته صياعة في تصميمه الصوتي وانغماسه في الأنسجة. إذا كان هناك من يدعي أن الموسيقى في زماننا هذا قد وصلت لحالة من التكرار والتشبع أو استحضار أشباح الماضي، فإن فولسكرين من الألبومات التي تحبط تلك النظرية لتشق طريقًا وصوتًا طازجًا، محفزًا جميع المنتجين التجريبيين والمستمعين.

المزيـــد علــى معـــازف