.
مع حلول منتصف العام والنسخة السادسة من كبسة معازف، من الواجب مشاركة قراءة موجزة لأهم الظواهر والتغيرات منذ بدايته، بالإضافة إلى المزاج العام للمشهد من خلال توجه الإصدارات.
هناك أشياء لم تتغير منذ انتهاء فترة الكوفيد ومن الواضح مرافقتها لنا لفترة ممتدة. مثل ما أشرنا إليه من قبل بخصوص هوس المنتجين والدي جايز بالشكل الخارجي والصورة على حساب أهمية التأثير الموسيقي، ما يترتب عليه – أو يعد نتيجة لـ – اعتماد القيّمين ووكالات حجز الفنانين ووكالات الترويج نفس النهج. شيء مؤسف نأمل أن يمل منه الجميع في أقرب وقت.
أيضًا استمرارية وتشبع المشهد الراقص بالـ إديتس والدي جاي تولز واعتماد وصلات دي جايز بالكامل عليها، لتصبح مسكنات للمشهد لا محفزات له، ما تحدثنا عنه من قبل في أكثر من مقال. إضافةً إلى ذلك، لا تزال عديد من الليبلز تعاني على مستوى المبيعات أكثر من أي وقت مضى، حيث يفرض ذلك العديد من الأسئلة بخصوص كيفية استماع الجمهور للموسيقى وهل أصبح لا يعبأ أو لا يملك وقتًا لذلك، أو نزوحه عن اقتنائها من أساسه.
أسفر هذا عن إعلان شركات تسجيل هامة عن غلقها أو في أحسن الأحوال خفض وتيرة الإصدارات. يصادف هذا إحساس متصاعد بالتهديد بالغلق لمواقع الصحافة الموسيقية، ونوادٍ ليلية ومهرجانات أوقفت نشاطها بالفعل أو خفضت من ميزانيتها بجانب إجراءات تقشفية أخرى، أو باتت مهددة، آخرها لو جس هو.
في ظل هذه الأحداث نجد شبه انعدام الرؤية النقدية على مستوى الصحافة، الأمر الذي يتعلق بأن كل شيء تحوّل لجماليات على الإنستجرام للفت الانتباه وتوليد المشاهدات واللايكات، ما يدل على مدى ضبابية الرؤية المستمدة من السوشال ميديا التي لا تعكس أي واقع. من ناحية أخرى، نجد حسًا احتفائيًا في مراجعات الإصدارات والديباجات الطنانة من عينة: “ازدهار مشهد ما” أو “مدى مستقبلية فنانين ما ودفعهم للحدود”، بجانب حس عام بأن الدنيا وردية ومثالية وفي انتعاش دائم.
لا يعادل ذلك إلا بعض الفيتشرات أو مقالات الرأي المفيدة التي تطل علينا من حين لآخر، أو بقايا الحس النقدي في بعض مراجعات بيتشفورك، أو لدى سبستاك فرست فلور، للصحفي الأكثر نشاطًا ونقدًا، شون راينالدو. توجد أيضًا بعض المنصات الأكثر تخصصًا مثل ستروما+يودين وإيسترندايز ونوريانت، بالإضافة إلى مقالات جادة تصدر على موقع مهرجان سي تي إم.
على صعيد آخر أكثر إشراقًا، يمكن ملاحظة مدى زيادة الوعي السياسي وتراجع للفكرة الفردانية الليبرالية: “إبقاء السياسة خارج الموسيقى.” لا شك أن غزة تعلمنا الكثير، وتكشف عن رؤًى ومصالح وازدواجية القيم الليبرالية، ما ساعد على زيادة وعي العديد من الفنانين والجمهور ونبذهم للإبادة بشكل صريح.
أثبتت حملات المقاطعة جدواها، كما رأينا في مهرجان سونار وفيلد داي وغيرها من المهرجانات المملوكة لشركة سوبرستراكت المملوكة لشركة كاي كاي آر. تكرر الأمر ذاته مع زيادة الحديث والوعي عن الوجه المظلم لسياسات سبوتيفاي، ومؤخرًا عن استثمارات رئيسها التنفيذي في شركة هلسينج للأسلحة. تعدّ الحالتان مؤشرًا قويًا أن من يملك زمام الأمور هم الفنانين والجمهور، وأن بالفعل هذا المشهد لا يسوى دونهم.
أخيرًا نصل إلى المزاج العام للمشهد والذي نرصده من خلال توجهات الفنانين وإصداراتهم. بجانب تشبع المشهد بالإديتس والموسيقى الراقصة التي أنتجت للاستهلاك السريع، لا زلنا قادرين على رصد أفضل ما هو راقص من خلال سلسلة الكبسة. لا شك أن الموسيقى الراقصة في استمرار بوجهها السيء والحسن، لكن هناك ظواهر أخرى يمكن رصدها. أولها وقوع معظم الإصدارات المحيطة في فخ التكرار، ما كان متوقعًا بعد فترة إزدهارها من بداية الكوفيد حتى العام الماضي، وتعد الدورة قصيرة مع الأسف لكن هذا حال كل شيء الآن في ظل ثقافة عامة قائمة على السرعة.
كما ذكرنا في العدد الرابع من الكبسة، توجد عودة للتريب هوب بشكل جديد تتجنب الصيحة الاستعادية. أهم ما نلاحظه تزايد الأعمال التي ترتكز على عنصر الضجيج وتستمد جماليتها من الإندستريال والنويز وجنرات فرعية من الميتال بطابع سوداوي. إذا كان الطابع السوداوي من قبل يأتي بغرض جمالي ودافع مراهق على غرار “أنا تعبان أنا غضبان أنا طهقان” وما يرافقه من صيغة فردية وعدمية، فإن الأمر تغيّر كثيرًا مؤخرًا ليأخذ منحنى جماعيًا يلمّس مع العديد منا وينفس عن شحنة غضب تجاه الواقع السياسي الحالي وما يرافقه من أزمات عالمية، لنجد تواجد الحاضر دون الهروب إلى الماضي أو المستقبل.
يأتي على رأس هذه الأعمال، ألبومات إستوك ويوز نايف وألكس وانج وإصدارات فراس شحادة منذ بداية الإبادة، بالإضافة إلى أونلي ناو وساينت عبد الله وعديد من إصدارات تسجيلات دراوند باي لوكالز خلال العامين الماضيين. نتوقع أيضًا مزيدًا من هذا الصوت، حتى وإن لم يتعاطَ بشكل صريح مع اللحظة الحالية، فإن آذاننا وحواسنا في حاجة إلى ذلك الضجيج، مثل إصدارات قادمة لـ أهو سان وشيبدنويز، ودي جاي داي سون.
أكثر المنتجين إثارة للاهتمام في رأيي، من يقلبون توقعات الجمهور ولا يسيرون في الطريق الذي فرضه عليهم الجمهور والقيمون. بين هؤلاء يأتي ألبوم دي جاي رام، إذ يبتعد تمامًا عن ما هو راقص ويكسر الألبوم حاجز الساعة، ما نسينا أنه من الممكن تواجده، كما يطغى الطابع والآلات الحية بشكل كبير على الألبوم. يتّبع نهاش وإيوا طريقًا مشابهًا في آخر إصداراتهما بتخليهم جزئيًا عن الطابع الراقص، متجهين إلى منطقة مخصصة أكثر للاستماع.
يسير كلٍ من زولي وأيا على نهج إصداراتهما السابقة مبتعدين أيضًا عن حلبة الرقص. كذلك مون سينج، حيث ابتكر شخصية خيالية لتأخذ دور البطل على الصعيد البصري، تاركًا معادلة ثنائي جاينت سوان، الذي نفتقده أيضًا، جامعًا بين ما هو بوب وتجريبي وراقص. كما تلفت إستوك الأنظار بألبومها الجديد على تسجيلات سبكالت، الذي يترك حلبة الرقص لصالح الإندستريال والنويز.
لعدة سنوات ظلت تسجيلات بان تغازل البوب لتصل إلى المعادلة المثالية مع ألبوم الفنان السنغالي الفرنسي لو ديوك. المثير في ألبوم جرايس جوك تحليه بحسٍ مغامر مع احتفاظه باستساغة البوب، بالإضافة إلى عدم سعيه بشكل واعي لإنتاج تراكات ضاربة مؤقتة أو أداء مبالغ فيه كعادة البوب الحالي. لكن أتت النتيجة تلقائيًا بألبوم ضارب يتخطى حاجز الزمن، يحتوي إشارات للأفروبيت والدانسهول والبايلي فانك والآر أند بي وغيرها، وتعاونات تكسب الألبوم قوة إضافية، على رأسها إيف تيومر ولو جاك.
ألبوم متنوع الذائقة ومنتَج بعناية، يتصدره أداء جذاب وواثق لـ لو ديوك ويروي عطشنا الذي دام طويلًا لألبوم بوب متماسك.
إصدار قصير مفاجئ لـ زولي على تسجيلات سبتكست يجدد به دماء ألبومه الناجح السابق لامبدا، مثبتًا أقدامه بثقة في عالم صوتي ثري ومتنوع يبعد عن الموسيقى الراقصة. نتبين في تراكي إليجان بلو وكاير ألحانًا جميلة ومعالم من الترانس والنويز وتلاعبًا بالصوت البشري، تكشف عن خيال زولي الواسع وصوت ينبض بالديناميكية بات يميّزه. بينما يأخذ لودفيج فاندينجر صوت كوبي ساي من ألبوم لامبدا في ريمكس مثير للاهتمام يبعد كليًا عن التراك الأصلي.
يلتقي قاو (عمر الصادق) مع تيو ألكسندر في إصدار ينبض بالحياة على تسجيلات دانس نوار. على مدار نصف ساعة أشبه بوصلة حيّة واحدة، تتدفق السنثات والتسجيلات الميدانية والكونترباص والأورغن لتشكيل جسم رخو من المشاهد الصوتية والألحان العذبة. يدمج الأداء الحي في الألبوم بين الارتجال والكولاج الصوتي من مصادر متعددة مع تركيز على العنصر البشري من خلال إسهام كلارا بودلاكوفا وقط أسود، اللذان يعلنان عن أفضل لحظات الألبوم في تراكي دنيا تجيبك تحت وأديكتيف.
تعاون ناجح يحمسنا لمشاهدته في مزيد من العروض الحية، يربط بين الجودة السينمائية اللامعة واللو-فاي المتهالكة، عالم صوتي متباين وغني لا يمل منه.
ارتبط اسم كويدو بالمشهد الراقص في السنوات الثلاث الماضية، كواحد من المنتجين الذين يقفزون من جنرا فرعية لأخرى مع إضافة لمستهم الخاصة في كل تراك. بعيدًا عن كليشيهات وصف الألبوم الخاصة بتخيل مستقبل جديد وفكرة البوست-جنرا، يسفر الإصدار عن خمسة تراكات عالية الجودة في إنتاجها، ذات طاقة راقصة حماسية، ترتكز بالأساس على التلاعب بالبايس وهوكات السنث المجرّدة. لسنا في حاجة للحديث عن أي مستقبل في ظل استمتاعنا في الحاضر بقوالب إيقاعية راقصة كتلك.
في إيرّيفيرسيبل لا يخطئ كويدو كعادته بفضل حسه الإيقاعي الملتوي وصوت تراكاته الممتلئ الذي يتميز به عن غيره.
يعود الثنائي ماتموس بألبوم جديد، ميتاليك لايف ريفيو. كعادة ماتموس في سمبلة أشياء من حياتنا اليومية، وعلى نفس نهج بناء ألبومات بأكملها معتمدين على البلاستيك في بلاستيك يونيفرس وعلى الغسالة في ألتيمايت كاير، يتبحران هذه المرة في عالم من المعادن.
يستخرج ماتموس كل الخامات الصوتية المتاحة من توليفة معادن متنوعة ليسفر الألبوم عن تراكات ذات ألحان وإيقاعات غنية تشطح عن نطاق الإلكترو أكوستيك وأعمال تجريبية مشابهة كـ ثروبينج جريسل. يعلن الألبوم عن استمرارية ماتموس من خلال إشارات لأعمالهم الأولى وتعاونهم مع بيورك في بداية الألفية حتى أعمالهم المفاهيمية اللاحقة التي تركّز على عينات صوتية نتغافل عن تأثيرها كأمر مسلّم به.
بعد نجاح ألبومه السابق باث هاوس بلوز، يستكمل جايك موير أعماله المستمدة من الأماكن التي تجذب فضوله. هذه المرة تأسر أجراس الكنائس المنتج وفنان الصوت الأمريكي، ليأسرنا بدوره وسط هالة من التسجيلات الميدانية المبنية بالأساس من أجراس كنائس ألمانيا وإنجلترا وأجوائها المحيطة. واحد من الأعمال الصوتية البارزة لهذا العام، حافل بالتفاصيل ويرتقي بموسيقى الإلكترو أكوستيك إلى منطقة معاصرة.
أربعون دقيقة لتدليك الأذن، تمضي كأنها بضعة دقائق، ما يؤكد على مهارة جايك في السرد الصوتي المتماسك لكم كبير من التسجيلات الميدانية لأماكن شتى، وقدرته على التلاعب بها. يفتح الألبوم المجال للعديد من الأسئلة المتعلقة بثقافة وتاريخ بلدين. المثير أيضًا هو لفت انتباهنا لطبيعة البلدين الصوتية بعيدًا عن الكليشيهات المتمثلة في ضجيج المدينة وصخب النوادي الليلية.
بعد سنوات من الانقطاع يعود فيلونيزي بألبوم جديد يتطرق فيه لأول مرة إلى الموسيقى المحيطة بشكل صريح. لازالت معالم الدب التي ظهرت في أكسيس تو أكسيس ظاهرة ولكن يأخذ الإصدار على مدار عشرين دقيقة طريقًا مسترخيًا ساحرًا تسوده السنث بادز التي تطفو فوق تسجيلات ميدانية وألحان بالغة الرقة.
يكشف المنتج الصربي عن وجه جديد له وينجح تمامًا بحثه اللحني المفعم بالمشاعر وبتصميمه الصوتي في وضع قدميه وسط مشهد الموسيقى المحيطة. أنليميتد بيس ألبوم هادئ يغمر المستمع بطابعه المتحول البطيء وسط أجواء ضبابية محملة بأملٍ ما.
في سوبر وايف، يتبع لو إند أكتيفيست وصفته التقليلية في إصداريه السابقين في العام الماضي. في حين طغى فيهما طابع تفكيكي لموسيقى الرايف البريطاني، يعيد المنتج الإنجليزي تجميع ما فككه في إصداره الجديد. ينطلق لو إند أكتيفيست تجاه نهاية التسعينات وأوائل الألفية موظفًا عناصر الدَب، ليجد مكانًا له في الوصلات التسخينية مع احتفاظه بمساحة الاستماع المنزلي.
لا يزال بإمكاننا استحضار صورة النوادي الليلية المهجورة عند الاستماع للإصدار. ثيمة تثير قدرًا من الرهبة والفضول منذ إصدارات بريال الأولى ويعالجها لو إند أكتيفيست بحرفية وكأنه وجد ضالته، بالأخص في سوبر وايف ومعالجته للدبستب والتو ستب والجرايم.
بصوت ثقيل ومُحكَم منذ اللحظة الأولى، يُمثّل الألبوم تحوّلًا عن الموسيقى الراقصة السريعة في ألبوم العام الماضي تايم باسز، أنتيل إت دزنت، وكذلك عن التكنو في ألبومها الطويل السابق، سيرينيتي. ألبوم أكثر قتامة، أبطأ إيقاعًا، ومغمور بطبقة كثيفة من الديستورشن، ويحافظ على تماسكه ووحدته دون أن يصبح رتيبًا أو متكررًا. في ألبومها الأول على سبكالت، تركّز إستوك على معرفتها الواسعة بالنويز والإندستريال وتغلفهما بتعاونات غنائية وإلقائية لـ دي جاي حرام وميا كاروتشي وفايلنس وأزادي.
يحمل الألبوم رسالة مقاومة صادقة، متجذّرة في واقع قاتم. هو موسيقى تصويرية شديدة التعلق بالحاضر وتعكس واقعه السياسي التالف، لا تهرب منه أو تسعى لاستخراج جماليات ليبرالية منه، بل تواجهه.
بعد إصداري بلاكهين وريني ميلر، نزّلت تسجيلات هد تو ألبومًا جديدًا للفنان النيجيري لينتد. برغم من مشاركة موسيقيين ذوي وزن مثل سبيس أفريكا وبورتر بروك وفين دوبسون ودي جاي شاندي، يخطف لينتد الأضواء بالكامل بأدائه الفريد وتوظيف صوته بأساليب متعددة. تخيّم سمة غريبة ومتسللة على دوجتوث، موسيقى من يراقب ويتربص في صمت.
رغم أن الموسيقى تميل إلى التفكيك، يستطيع لينتد السيطرة على زمام الأمور بكل مرونة وحرفية وجذب فضولنا. ألبوم خاص، يملك قدرًا كبيرًا من الغموض، لا نتذكر أننا استمعنا إلى شيء قريبًا منه على مدار السنوات الماضية؛ هنا يكمن سر قوته.
بعد ست سنوات من ألبومه الأخير، يعود أندرو بيكلر بألبوم جديد على تسجيلات فيتيش. كعادته يتقن أندرو معادلة صوت اللا مكان وزمن خاص بحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث صوت الشرائط والتلاعب بها والأصوات المعالجة بصدى الصوت والسنثات الكلاسيكية والتسجيلات الميدانية مجهولة المصدر. يدمج الألبوم بين معالم الإلكترو أكوستيك والدب والاعتماد على أرشيف موسيقى الإكزوتيكا لإنتاج موسيقى تجمع بين الألفة والغرابة.
ما يجذبنا دائمًا في أعمال أندرو بيكلر، تمييز صوته بين فناني المشهد الإلكتروني حتى عند اعتماد بعضهم نفس الأسلوب. ألبوم ذو طابع مخدّر وغامض يضع المستمع في مساحة بينية بين اليقظة والنوم وبين مكان ما مألوف وخالٍ وغريب في نفس الوقت.
ليس هناك أبلغ من كلمات فراس شحادة لوصف ألبومه الجديد: “هذا الإصدار هو طقس موت لعالم سمح بحدوث الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. في وقت يكشف فيه ’المجتمع الدولي’ عن نفسه كمجتمع من مصاصي الدماء، و’النظام العالمي’ كآلة إبادة، يرد هذا الألبوم بالتشويه والتفكك – صرخة في غياب القانون، والمنطق، والزمن.”
ألبوم ذو طبيعة صوتية موترة ومظلمة وعميقة، محمل بالغضب والقهر والرثاء، مشاعر ثقيلة تغلب كفتها حجم الضوضاء والأنسجة الصوتية العنيفة مهما غمرنا بها فراس على مدار ما يقرب من ساعة. بقدر ما يعد الألبوم، بحسب فراس، وثيقة صوتية لإنهيار المعنى، ينجح من خلال معالجته الصوتية لأحداث الإبادة في استنباط معانٍ كثيرة من خلال الضوضاء، لتصبح بدورها مبررة بشكل قوي وفعّالة أكثر من أعمال كثيرة اعتمدت على ضوضاء فقط من أجل الضوضاء أو بشكل جمالي ساذج.
من التراك الأول يمكن تبين الطابع الحي لألبوم تراسندنسي أرتيفيتشالي للثنائي سانتا تشيتشيليا وسيميونوتا. يكشف الألبوم عن أسلوب خام يدمج بين النويز والدووم والإندستريال، جرت صياغته بأسلوب حر لا يلتزم بأي قواعد أو جنرا بعينها.
الجميل في الألبوم هو قلبه للتوقعات، فكل لحظة تكشف عن صوت وأداء متجدد حتى على مستوى الغناء، سواءٌ من ناحية البنية أو الخامات الصوتية المولّفة أو بالآلات الحية أو بالضجيج حتى بلوغ الألبوم لمقاطع ملحمية تخطف المستمع وتسيطر عليه.
توقيت مناسب مع قدوم فصل الصيف لتنزيل ماتيك ألبومًا كهذا. يجمّع المنتج الإنجليزي تراكات قديمة منسية وأخرى أنتجها حديثًا وقت الكوفيد للحفاظ على أدائه وسط حلبات الرقص. يحفل الألبوم بكل وصفات البايس البريطاني التي أثبت الزمن أنها لن تشيخ أبدًا، بالأخص البايس المرتعش وهوكات الفوكالز والدرامز المتشابكة بصوتها البرّاق.
ألبوم مثالي للوصلات التسخينية والاستماع المنزلي أو المساحات المفتوحة في يومٍ حار، وبمثابة كبسولة تجمع الغراج والتو ستب والجانغل في سبعة تراكات.