لي جامبل معازف
أجنبي جديد

لي جامبل يبني ملجأً في القاهرة

معن أبو طالب ۲۲/۰۹/۲۰۱٦

منذ صغره، يعاني لي جامبل من متلازمة أليس في بلاد العجائب. تسبب هذه الحالة فشل الحواس في تقدير المسافات بصرياً وسمعياً. “فجأة، لا يمكنك أن تعرف كم يبعد عنك شيء ما. ذلك الحائط [يشير إلى الحائط] قد يبدو وكأنه على بعد محطة وود جرين، أو كأنه هنا [يضع يده أمام عينيه ].” [Mtooltip description=” ذ واير – عدد ٣٦٦ – أغسطس ٢٠١٤” /]

قد يفسر ذلك بعضاً من غموض موسيقى لي جامبل، فهو يلجأ إلى الكمبيوتر وتجريديته التامة ليؤلف ترسانة أعماله التي يخوض بها معركته مع العالم المحسوس. جامبل ليس مهتماً بالآلات الموسيقية ولا التأليف بشكله التقليدي[Mtooltip description=” ‘I don’t give a fuck about Beethoven” يقول في ختام مقابلته مع فاكت تي في” /]، هاجسه هو خلق عالم لا تحكمه قوانين الفيزياء. عالم يبنيه في فضاء تتباعد فيه الأشياء وتتقارب، تتداخل وتنفك دون جاذبية أو كتل. هو عالم يتسع للعقل، لكن لا مكان فيه للجسد.

لكن الجسد هو سيد الموسيقى التي نشأ عليها جامبل، موجة التسعينات من الجنغل وأصواتها الترددية الموجية، وإيقاعاتها الحادة السريعة التي تخلّت بجرأة عن الكِك وعمقه. ألبومه الأول دايفيرجنز ١٩٩٤١٩٩٦[Mtooltip description=” Diversions 1994-1996″ /] الذي احتفى به النقاد والذي يعتبر اليوم علامة فارقة في الموسيقى الإلكترونية، يتكون من عناصر متفرقة من أغاني جنغل وهاوس، أخذها جامبل وعزلها، فككها وتفحصها وتمعن فيها عن كثب، ثم شوّهها وأعاد بناءها لتصبح أصواتاً جديدة. هذه البقايا من الجنغل والهاوس في موسيقى جامبل هي كبقايا المتعة بعد ليلة صاخبة وقودها الإيقاعات والكحول والمخدرات. تخبو المخدرات والكحول، ويبقى شيء من الإيقاعات يطن في الرأس، بينما النظر والسمع يتموج ويتقعر ويتفتت.

في ألبوم كوتش الذي صدر في ٢٠١٤، تتسع المساحات وتضيق بسرعة كبيرة في عالم أبعد عن الجنغل والهاوس من دايفيرجنز، ولكنه في نفس الوقت أكثر انتظاماً وجسدية. تذكرنا الإيقاعات الرفيعة بأن عناصر الجنغل ما زالت موجودة، إضافة إلى أخرى من موسيقات دارجة أكثر كالهاوس والدانس هول، لكن معاملة جامبل لها تختلف عن معاملة أوتكر مثلاً أو آخرين استخدموا الموسيقى الراقصة لخلق موسيقات تجريدية. مع جامبل، لا تتوقع أن ترقص ولا أن تسمع ألحاناً تهز رأسك إليها، قد يحدث ذلك لوهلة، لكن لا تستبقها ولا تثق بحواسك. إذا انتظمت الإيقاعات والأصوات تأكد أن جامبل سيبعثرها مرة أخرى، تاركاً رأسك يتحرك بحمق على إيقاع اندثر. الأفضل هو أن تستشعر ملمس الصوت والمساحة التي يغطيها، بُعد ذلك الصوت أو قربه. انغمس فيما تسمعه وليس مستبعداً أن تعيد ترتيب أفكارك عن ماهية الأصوات والموسيقى.

قد تعينك بصريات دايف جاسكارث، صديق جامبل منذ الطفولة، على دخول عالم جامبل. تحاكي بصريات جاسكارث أصوات جامبل، أو تُؤوّلها، لتوضح لنا ما قد نتخيله عند سماع المقطوعات: كواكب تتشكل، مياه تغمر كل شيء وتنقشع عنه، جبال إلكترونية جرداء، كائنات إلكترونية تتلوى وتدخل حياة ما ثم تخرج منها، سابحة في فضاءات سوداء تتبع قوانين العالم الحسي الذي يريد جامبل بناءه والهرب إليه. قد يكون من الناجع أيضاً أن تعزل نفسك عن هذا البعد البصري، أن تغمض عيناك أو تدير ظهرك، وتجعل أصوات جامبل تعيث في مخيلتك التي قد ترسم لك أشكالاً مختلفة تماماً.

lee Gamble Dave Gaskarth

“أحتاج أن يكون لدي بعض السيطرة على ما أحسه في عالمي” يقول لي جامبل في نهاية وثائقي قصير عنه. يتحدث جامبل عن موسيقاه بعبارات عفوية واضحة بسيطة، تفصح عن بعد وجودي في أعماله، واغتراب جسدي في هذا العالم الملموس، ليذكرنا بالأزمة والغربة التي نعيشها كلنا كبشر مرميين في هذا العالم. هي أزمة نعرفها جميعاً، وقد يعرفها أكثر أولئك منا المقيمين في القاهرة، تلك المدينة الضخمة الضيقة، التي تتزاحم وتتباعد المساحات فيها بسرعة كابوسية. هذه زيارة جامبل الأولى إلى القاهرة، لكن من السهل أن نتخيل أنه ألّف موسيقاه لها تحديداً. القاهرة التي يستشري فيها الاغتراب المكاني والسمعي، حيث يتوق الكثيرون لعالم تحت سيطرتهم، يلجؤون إليه ولو لأمسية.


يعرض لي جامبل ودايف جاسكارث ضمن مهرجان مسافات في القاهرة، يوم ٢٢ سبتمبر الجاري، في موقع غير معلن عنه في المعادي.

صورة الغلاف للمصور ليون تشو.

المزيـــد علــى معـــازف