fbpx .
ليونارد بيرنستين معازف

ما أنزله الله بنا | عن بيرنستين في مئويته

معازف ۲۰۱۸/۰۸/۲۹

ثلاث شهادات مترجمة لفنانين وكتّاب كان لبيرنستين أثر كبير على حياتهم.

بيرنستين مؤلف السمفونيات | أنتونيو بابَّانو

أردت الاحتفال بذكرى بيرنستين المئوية بشكلٍ مختلف، فاستقريت على أداء سلسلة سمفونياته، وهي أعمال تعجبني بشدة. سجلت السمفونيات الثلاثة جميعها مع أوركسترا أكاديمية سانتا سيسيليا، وجئت بإحداها إلى الأداء الحيّ في البرومز جدول حفلات أوركسترالية للموسيقى الكلاسيكية يعقد كل يوم على مدى ثمانية أسابيع كل صيف في قاعة آلبرت هول في لندن.

أحبّ بيرنستين لون ودفء الأوركسترا. قد تكون مؤلفاته قد تعرَّضت للتشهير من قبل الكثير من معاصريه – إذ لم تنسجم مع موسيقى (بيير) بوليز أو أسلوب مدارس دارمشتات أو موجة ما بعد الحداثة لكنّ ليني قدّم للموسيقى الأمريكية المعاصرة أكثر مما قدموه أولئك مجتمعون.

يصف بيرنستين سمفونياته على أنها أزمة إيمان، لكنها تبحث باستمرار عن الخلاص، عن تجديدٍ لهذا الإيمان.  أنظروا إلى ما أنزله الله بنا – من الصعب ان يكون المرء يهوديًا، من الصعب أن يكون مسيحيًا، من الصعب أن يكون متدينًا – هذه هي السمة المهيمنة على سلسلة سمفونياته. كُتبت سمفونيته الأولى جيرمايا عام ١٩٤٨، في زمنٍ كان العالم فيه مكانًا شديد الظلمة. فيما جاءت سمفونيته الثالثة والأخيرة قاديش كردّ فعلٍ على اغتيال جون إف كينيدي، كتب بيرنستين نصها السردي بنفسه مخاطبًا من خلاله زوجة كينيدي.

شاهدت بيرنستين يقود الأوركسترا الشبابية في (مركز) تانغلوود (في بوسطن) خلال السمفونية الثالثة لكوبلاند. كان مقربًا من (آرون) كوبلاند الذي يكبره سنًا، وكانت هذه القطعة بالغة الأهمية له. كانت متغلغلةً بداخله على نحو جعله يستنتسخ منها بلا خجل. لمحات متعددة من سمفونية بيرنستين الأولى، بل وحتى من نهاية سمفونيته الثانية عصر القلق، كان مصدرها سمفونية كوبلاند. الهبوطات الرباعية كان قطعًا وجهًا آخر للاقتباسات بيرنستين، إلا أنك تستطيع سماعها أيضًا في السمفونية الأولى لـ مالر، المؤلف الذي أثر ببيرنستين بعمق بدورِه.

بالنسبة للبعض، طغت سمعة بيرنستين كمايسترو على هويّته كمؤلف – على الأرجح أنه بقي يشعر بالمرارة بسبب ذلك. لكنه أحد أولئك المؤلفين اللذين بوسعك نسب كل سطر من موسيقاه إلى عمل ومصدر آخر، مع ذلك، وأسوةً بسواه من المؤلفين العظماء، بوسعك عزف ثلاثة نوطات فقط لتعرف أن المقطوعة لبيرنستين.

صدر تسجيل أنتونيو بابّانو بيرنستين: السيمفونيات الثلاثة في العاشر من آب / أغسطس الجاري، في ذات اليوم الذي قاد فيه بابّانو أوركسترا أكاديمية سانتا سِسيليا لعزف سمفونية بيرنستين الأولى في الـ برومز.


بيرنستين المايسترو | جون موتشيري

قابلت بيرنستين للمرة الأولى عام ١٩٧١. أصبحت مساعدًا له ثم محررًا، وقدت الأوركسترا لعددٍ من أعماله. أول شيء أخبرني إياه فيما كنا نجلس لتناول سندويتش، هو اعتقاده بأن كل التحف الفنية بُنيت على وتيرة إيقاع واحدة، وكل السرعات الموسيقية  المختلفة خلال العمل ترتبط بذاك الإيقاع المحوري.

كان بيرنستين يقود الأوركسترا بأسلوبٍ بدنيٍ بحت. قد تفارق قدميه الأرض عندما تقفز الموسيقى بتفاؤل – لم يناسب أسلوبه أذواق الجميع. قال بيير مونتو:” لم يُثبت أحد حتى اليوم أن الأوركسترا تعزف بصوت أعلى في حال قفزت مرتفعًا أكثر.” عبَّر بيرنستين عن الموسيقى بطريقةٍ فريدةٍ حتمًا، أقرب تاريخيًا إلى ما وصلنا من وصف لأساليب بيتهوفن أو بيرليوز في قيادة الأوركسترا. أخبرني مرةً أنه لطالما كره كيف يبدو حين يقود الأوركسترا، ثم أضاف: “ولكن حين أفعل ذلك، أحصل على الصوت الذي أريده.”

بالنسبة له، كان بيتهوفن أعظم مؤلف موسيقي في التاريخ. كان عرضه التلفزيوني الأوَّل حول السمفونية الخامسة لبيتهوفن. لطالما قال إن بيتهوفن لا يمكن أن يخذلك أبدًا، لأن كل ما ألّفه كان محتومًا لا مفر منه. بالمقابل، لم يشعر بالارتياح خلال قيادته الأوركسترا في أعمال فاغنر. كان من الصعب له كرجل يهودي أن يفصل موسيقى فاغنر عن نصها المعادي للسامية وكيف وظّفه النازيون. أحبَّ مع ذلك خفة الدم والتوازن لدى هايدن، والأداءات التي قدمها لـ ماهلر القريب جدًا إلى قلبه، قوبلت باحتفاءٍ خاص.

لو كانت أداءات ليني جسرًا تفاعليًا بين جمهوره وموسيقييه، إلا أنه أثناء التسجيل كان يتحوَّل إلى الحاخام ليني، المرشد الذي يوّد تسليط الضوء على النصوص القديمة. كل قادة الأوركسترا هم رواةٌ بمعنىً ما، وليني كان أحد أفضلهم في ذلك. كان يخرج إلى خشبة المسرح، ينحني، يصافح العازف الرئيسي ويتنظر. ينتظر الجمهور ليصغي. من أكثر ما أفتقده فيه قدرته على سرد النكات، بسبب توقيته المناسب. التوقيت هو كل شيء في الموسيقى الكلاسيكية.

جون موتشيري هو مؤلِّف كتاب المايستروز وموسيقاهم: فن وكيمياء قيادة (الأوركسترا).


بيرنستين نجم التلفاز | هَمفري بورتن

كنت في الولايات المتحدة لمعظم الوقت في بداية الستينات، أصوِّر أفلامًا لبرنامج البي بي سي الفني، لذا شهدت بنفسي كيف هيمنت شخصية ليني بيرنستين الضخمة على شاشة التلفزيون الأمريكي. بدا حينها طيب القلب وذكيًا وموسوعيًا، ومثيرًا. كان له الأثر الأكبر علينا – مُعديّ البرامج – حين أطلقنا قناة بي بي سي الثانية ووسّعنا كمية الموسيقى الكلاسيكية التي تبَّث على التلفزيون إلى ستة أضعاف. لا يملك القارئ الشاب أدنى فكرة حول الأثر الذي استحوذه، وكيف فتح شهيّة العامّة على الموسيقى الكلاسيكية.

منذ عام ١٩٥٤ وعلى امتداد عقدٍ يليه، قدّم بيرنستين مقالات تلفزيونية معّدة للبالغين. كرّاسات بيتهوفن، تطور المسرح الموسيقي الكوميدي في أمريكا، أو ما الذي يجعل الأوبرا مهيبة؟ كانت هذه المواضيع سهامًا في جعبته: كان ماهرًا بالتواصل بالفطرة، ويمتلك آراءً محمِّسة وغير متحذلقة حول طيفٍ واسع من المواضيع الموسيقية. حين أصبح المخرج الموسيقي لفيلهارموني نيويورك (عام ١٩٥٨، كان الأمريكي الأول الذي يشغل هذا المنصب) أصر على شرطٍ يضمن تلفزة أربعة حلقات من مسلسله، حفلات موسيقية لليافعين، في كل موسم. بوجود ثلاث قنوات تلفزيونية فقط على الهواء وقتها، كانت حلقات مسلسله تجتذب جمهورًا من ثلاثين مليون مشاهد خلال ساعات الذروة.

من الأكيد أن بيرنستين غيّر حياتي، للأفضل كما آمل، وأعدّ كتابة سيرته الذاتية، إلى جانب تأسيس برنامج المسابقات التلفازي، الموسيقي الشاب لهذا العام، أكثر إنجازاتي إفادةً طوال أعوامي السبعة والثمانين.

بعد صدورها عام ١٩٩٤، أعادت دار فايبر مؤخرًا نشر بيوجرافي ليونارد بيرنستين من تأليف همفري بورتن مع مقدمة جديدة.

المزيـــد علــى معـــازف