.
ظهرت هذه المقابلة في مجلة كراك، وأجراها الكاتب آندرو بروكس. انتحر مارك فيشر في ١٣ يناير ٢٠١٧، قبيل ظهور كتابه الأخير ذ ويرد آند ذ إيري. صورة الغلاف ملك لـ منشورات فيرسو.
في ٢٠٠٢، في ألبومهم الأول لوزينج ماي إدج، غنى جيمس ميرفي نجم فرقة إل-سي-دي ساوندسيستم قائلاً “الحنين المستعار للثمانينات المنسيّة”، قاصفًا بها جبهة هبسترز بروكلين ذوي “الجواكيت الصغيرة”، الذين مثّل ميلهم الغريزي لتأمُّل ماضي البوب الذهبي – بدل مستقبله – استعادية زاحفة وجفاف الإبداع. بينما تراجعت الموسيقى الإلكترونية إلى الخلفية – لتشكّل تراك اليورودانس الباهت المرافق لنجم بوب الألفية الجديدة، ميرفي – أو غاصت إلى الأندرجراوند، لتبدأ شرارة أنواع فرعية جديدة مثل الدبستِب والجرايم، أصبح الروك ماضٍ، متخذًا مكانه إلى جانب استعادات الجراج-روك والبوست بانك.
والآن تفاقم الأمر، أصبح هوس الاستعادة في كل مكان، وكما اختنق الأوروبروس الأسطوري بذيله، يتم تقيُّؤ الماضي باستمرار. لكن لا تلُم الهبسترز.
بالنسبة للمؤلف، الناقد والمُنظّر مارك فيشر، أفضل منهج لتحليل غياب ثقافة يمكن تعريفها بوضوح على أنها تنتمي للقرن الواحد والعشرين، هو دراستها بالتوازي مع التحولات السياسية البارزة التي بدأت منذ ثمانينات القرن العشرين. في كتابه واقعية رأسمالية، ناقش فيشر كون الأفق المحدودة التي فرضها المجتمع النيوليبرالي تعني أن تخيُّل نهاية العالم أصبح أسهل من تخيل نهاية الرأسمالية؛ ويرى أن كون وَعْينا أصبح محدودًا بهذه الواقعية الرأسمالية، تضاءلت احتمالية تصور سيناريوهات مستقبلية جديدة. في كتابه الأخير، أشباحُ حياتي، يناقش فيشر كيف أصاب الزمن الثقافي الخمول، وكيف تضمحل قدرتنا على إنتاج “الجديد”، “الآني” وطرح “المُقبِل”. في نهاية التاريخ، كل ما سيبقى هو عودة لا نهائية لأشكال ميّتة من قبرٍ نستمر بنبشه.
في التالي محادثة مع مارك حول الموسيقى، السياسة، واحتمالات المستقبل الأجوف المتزايدة.
– كُتِبَ كثيرٌ من أشباح حياتي بالتزامن أو قبل واقعية رأسمالية، لذا هو بالتأكيد لا يتخذه كنقطة بداية. على أبسط مستوى، هناك بالكاد مناقشة للموسيقى في واقعية رأسمالية، بينما هناك الكثير من الموسيقى في أشباح حياتي. أعتقد أن الموسيقى هي المكان الذي تظهر فيه الأعراض الرئيسية للتوعُّك الثقافي. واقعية رأسمالية عن حال العيش في هذا الوقت، العيش مع نيوليبراليّة مُجنّسة بالكامل؛ ثم يأتي أشباح حياتي ليحكي عن المستقبل الذي فقدناه بمقابل السماح لهذه الواقعية الرأسمالية بالتسيُّد.
– نعم، لكنها النوستالجية الشكلية للحظة الحالية أكثر منها النوستالجية النفسية بحد ذاتها. هي كلاهما بشكلٍ ما، لكن أظن أن الإشكالية تكمن في نوستالجيّة الشكل، كما تعلم، حيث تُكرر الأشياء بشكل غير مُعلن، بالإضافة إلى التجنيس المتزايد للمعارضة الفنية Pastiche. كان تنبؤًا دقيقًا عندما تحدُّث فريدريك جايميسون في نصوصه الثمانينية عن تفشّي المعارضة الفنيّة، لكن في هذه الأيام السابقة التي أطلقنا عليها لاحقًا بعد-الحداثيّة، كانت هذه المعارضة ما زالت بارزة كأسلوب، كانت علامات التنصيص ما زالت موجودَة حول ما يتم اقتباسه. بينما الآن، اختفت علامات التنصيص. لم يعد هناك أي إشارة واضحة على الاستحواذ، الذي أصبح مُفترضًا فقط. فإذًا، بالمقارنة مع ماذا جاءت النوستالجيّة هنا؟ ليس هناك أي شيء يميز ثقافة القرن الواحد والعشرين بشكل يجعلها تنتمي إلى القرن الواحد والعشرين.
أمر الاستعادية مثير جدًا للاهتمام لأنه لطالما كان هناك فرق استعاديّة، على الأقل منذ السبعينات، لكن الفكرة أنهم وقتها كانوا مصنفين على أنهم استعاديون. بينما مع فرقة مثل آركتيك مَنكيز، ليس هناك أي علاقة بالأمانة التاريخية. هم بلا شك فرقة استعادية، لكن نوع الاستعادية لم يعد له معنى لأنه استعادي بالمقارنة مع ماذا؟ ونعم، أعتقد أن ذلك الإحساس بصدمة المستقبل قد اختفى، والذي كان – بالنظر إلى الخلف – دافعًا لتحولاتٍ أسلوبية كنا قد اعتدنا عليها. أعتقد أن الوصول إلى نوع من الوعي الموسيقي في نهاية البوست-بانك، حين كان هناك بشكلٍ ما تعصبٌ واضح تجاه الماضي القريب، فضلًا عن الماضي العميق لثقافة الوقت نفسه، هو ما جعلني أكوِّن توقعاتي. وعندما استهلكت تلك البوست-بانك، أخذت مكانها مساحات أخرى من الموسيقى، خاصةً الجانغل، والتي فكرنا عندما سمعناها: “لم أسمع شيئًا كهذا من قبل.” هذا هو الإحساس البسيط بصدمة المستقبل.
طبعًا، لا يعني ذلك أن الأشياء تأتي بالفعل من العدم بشكل لا تستطيع معه بناء عناصر تلك التركيبات والتآلفات الجديدة استعاديًا. لكن مع ذلك، استمر إنتاج تركيبات جديدة، وبشكل فعّال حتى الألفية الجديدة، ليس عام بدايتها بالضبط، ولكن حتى عام ٢٠٠٣ كان ما زال ممكنًا أن نسمع شيئًا جديدًا ونترقبه. منذ ذلك الوقت تزايد اعتيادنا على فكرة أننا لن نسمع بالفعل شيئًا جديدًا بعد اليوم. هذا ما عنيته بالسلبية الضمنية، المتأصّلة. تكمن السلبية في توقعاتنا، أقررنا بذلك أم لم نفعل.
– يتجاوز الأمر بالتأكيد مُجرّد الأعراض. إنه تشخيص. أحدهما تشخيصٌ والآخر عَرَض. هكذا أُفضّل رؤية الأمر. لا أعتقد أن بيريال يستطيع انتشالنا مما نحن فيه. لا أحد يستطيع انتشالنا من هذا. لكن أعتقد أن الأمر متعلق بدرجة الوعي بالوقت الذي نحن فيه. فبينما تحاول آركتيك مَنكيز تزييف هذا الزمن الثقافي مستندة إلى خلود الروك وقدرته الأبدية على العودة بعد كل غياب، ما يميز بيريال بالنسبة لي علاقته بالماضي القريب، العلاقة بما أسماه سايمُن راينولدز استمرارية موسيقى الرقص البريطانية الأندرجراوند – عابرةً من الغراج إلى الجانغل إلى تو-ستِب. كان هناك إحساس بالعودة إلى ذلك بعد بضعة سنين فقط، لكن فقط العودة، دون القدرة على تقديم استمرار لما عدنا إليه. إحساس بالعودة إلى النشوة الجمعيّة للتسعينات من منظور القرن الواحد والعشرين الأكثر قتامةً بالفعل.
لذا، أعتقد أن بريال يُبرِز الزمن المتصدّع للقرن الواحد والعشرين. الأمر الأهم أن المستقبل الذي تنبأنا به في القرن العشرين عجز عن التحقق، ويجب أن يُبنى منظورنا له على هذه الحقيقة. لا يأتي المنظور الصحيح من القول إن كل شيء كان عظيمًا في التسعينات والآن لا. يجب القول إن هناك اتجاهًا تطلّعت إليه ثقافة ما بعد الحرب، اتجاهٌ أسميه الحداثة الشعبية، التي خلقت توقعاتٍ كبيرة. أُجهض هذا الاتجاه، والتوق إلى المستقبل الذي تطلعنا إليه في القرن العشرين هو برأيي النقطة الأهم. ما لدينا الآن في القرن العشرين هو لبسٌ بين المعاصر والحداثي، وفي الواقع، لا يمكن للمعاصر أن يوصِل إلى الحداثي؛ هي نوع من المُعاصرة لا عمق فيها.
أعتقد أن هذا الأمر بدأ يتضح لي في التسعينات. لكن في التسعينات كان هناك فصل واضح بين الثقافة الاستعادية الناشئة المغضوب عليها، بمقابل موسيقى فرقتَي البريتبوب بلور وأوايسز، اللذَين كان الصدام الزائف بينهما ميالٌ أكثر ليكون معركةً بين الأفكار النمطية للطبقة الوسطى. طُلّابٌ يتنازلون ويعايشون الطبقات الأفقر، كما وصف إيان بِنمان فرقة بلير، بمقابل صورة الإنسان البدائي الكارتونية للطبقة العاملة، وكأن هذَين هما الخيارَين الوحيدَين المتاحَين. لكن في الواقع، كان الصدام الحقيقي في ذلك الوقت بين تلك الموسيقى وأشياء أُخرى مثل تريكي، الجانغل، والنسخ المختلفة من التكنو.
كان هناك وفرة مطلقة من البدائل للثقافة الاستعادية المغضوب عليها في التسعينات. لكن بدأ يتضح لي وقتها، أنه في ١٩٩٥، كانت الستينات أقرب بكثيرٍ مما كانته في الثمانينات. ما أعنيه أنه نعم كان من الممكن وجود فرقة مثل أواسيس في الثمانينات، لكنها ستكون ربما الخيار الرابع على قائمة حانة صغيرة. لم يكن هناك ذلك التسامح مع الإحالات إلى الستينات في ذلك الوقت. كان هناك إحساس بسردية تاريخية وبأن الزمن تقدّم. لكن منذ التسعينات تزايد تسطيح الزمن، بحيث أصبح ممكن حدوث ظاهرة مثل تلك تمامًا.
– أعتقد أن هناك رابط جوهري، لكن قد يحدث الأمر بكلا الاتجاهَين، قد تعمل السببية في كلا الاتجاهَين. يمكن أن تساعد الثقافة في توسيع المجال السياسي بقدر ما هي تعبيرٌ بسيط عن حالة سياسية ضمنية. هناك دائمًا احتمالية نشوء “جديد”. يقول الناس إن أعمالي متشائمة، لكنها ليست كذلك – هي سلبية. هي أقرب لكشف السلبية الموجودة أصلًا، لكن هناك جهود هائلة للإنكار والتنصُّل من المسؤولية. لا يمكنني شخصيًا إلا أن أكون متفائلًا بعدة أشكال، لكن أعتقد أنه يجب علينا تفادي الحدثيّة eventalism والظن بأن شروخًا مفاجئة ستأتي من الفراغ. قد تُشعرنا الظروف بذلك، لكن لا شيء ينشأ من الفراغ. لكن الأمر كالتالي: لا يمكن لما نحن فيه أن يستمر على حاله على عدة مستويات. لا يمكن ذلك سياسيًا، ولا اقتصاديًا. يبدو أن ذلك ممكن فقط ثقافيًا، يبدو وكأنه سيستمر الحال ذاته إلى الأبد. عندما كنت أشاهد مهرجان جلاستنبري منذ بضعة سنوات، كان يقول صديقي، الفيلسوف راي براسييه: “قد يستمر هذا بنفس الشكل لمئة عامٍ آخر.” يبدو أنهم سيستمرون كذلك إلى الأبد، لكنني لا أصدق ذلك. كيف ومتى سيقع ذلك التغيير؟ لا أعرف ذلك بدقة بعد. أعتقد أننا في … ربما إن انتقلنا إلى السياسة قد يكون ذلك مفيدًا. أعتقد أننا في حقبة جوفاء الآن، حيث – وبشكل غير مسبوق في حياتي – يمكن لك القول إن اليمين قد مَلَك زمام السلطة طيلة حياتك. بنظرة إلى الماضي، حتى في الفترات التي ننظر إليها الآن على أنها فترات ازدهار ثقافي، كالتي أثمرت البانك والبوست-بانك، كان المزاج الثقافي متأثر بشدة باحتضار الحداثة الشعبية وبروز النيوليبرالية والواقعية الرأسمالية. بينما الآن هناك إحساسٌ بأن اليمين لم يبق له أي شيء. يشبه حال سيادة اليمين بعض الشيء حال الثقافة الموسيقية التي يمكن تستمر على حالها إلى الأبد إن لم يوقفها أحد.
إليك شيء يقوله الناس عادةً: “لا نعلم إن كان هناك جديد حتى الآن، ربما هناك جديد بالفعل، لكننا لا نعلم ذلك بعد.” لكن هذه فكرة خاطئة، فمن قبل كان يعلم الناس ما الجديد. حتى لو كان ذلك صحيح، وكنا نعيش في عصر فرط المواد البصرية بحيث يصبح من الصعب بعض الشيء أن نشاهد شيئًا جديدًا، ما نفتقده بالفعل هو تجربة تجديد ذات جاذبية جماهيرية. على الأقل، هذا ما اختفى. أعتقد أننا فقدنا أيضًا تلك الحلقة بين التجريبي، الطليعي والجماهيري. هذه الحلقة هي ما اختفى. عوضًا عن ذلك، ما لدينا الآن هي “التجريبية” كعلامة تجارية، والتي أصبحت متماسكة ومستقلة، مستهدفةً شرائحها الخاصة البعيدة عن التيار السائد. وبرغم البروباجاندا، التيار السائد ما زال موجودًا، لكن بشكل أكثر هيمنةً من السابق. لماذا؟ لأن أناسًا مثلي أصبح لديهم شرائحهم الخاصة الآن. للوصول إلى جمهورٍ ما لست بحاجة للظهور على بي بي سي. كما تعلم، هناك الكثير من المساحات المفتوحة لي على الإنترنت. هذا يعني السماح لأمثال سايمون كاول بالهيمنة على المزاج السائد. أصبح التلفزيون، أو بالأحرى شبكات البث العامة في بريطانيا، رديئة بشكل غير مسبوق. جزء كبير من كتابي عن التلفزيون بقدر ما هو عن الموسيقى.
أعتقد أن الاستثناء الوحيد هو التلفزيون الأمريكي، مثل شبكة إتش بي أو وما شابهها، التي أنتجت أشكالًا جديدة للقرن الواحد والعشرين. من الجيد حدوث أشياءٍ مثل إنتاجات إتش بي أو، لكن أعتقد أنه في بريطانيا هناك ما يشبه ميلانكوليا البوك ست box set، كما أسميها، حيث تشاهد تلك الأشياء، دون خوض التجربة الجماعية ذاتها، كما كان الحال حين كنت تشاهد خدمات البث التلفزيونية العامة. أعتقد أن هذا سبب حب الناس لبرامح مثل إكس-فاكتر، لأن الجميع يعلمون أنهم يشاهدون العرض ذاته في الوقت ذاته. هذا شيء مشجّع، أن يستمتع الناس بالسلوك الاجتماعي لبعضهم، وأن مسابقة مواهب مبتذلة هي مجرد ذريعة لذلك.
نعم هذا ما أتحدث عنه في الكتاب، والميلانكوليا مرتبطٌة بذلك بشكل ما. تلك الخلطة النقدية كوّنتني. كما تعلم، لم أُحصّل تعليمي من المدرسة، التي كرهتها، بل حصلته من قراءة مجلات إن إم إي. مرة أخرى، إن إم إي هي مثل القناة الرابعة على ما أعتقد، إن أردت أن ترى انحدار الثقافة البريطانية عبر الثلاثين عام الفائتين، انظر إلى ما كانته إن إم إي وقتها وما أصبحته الآن. كان هناك خدمة البث العامة تلك عبر القناة الرابعة والبي بي سي، وتلك الثقافة الداعمة الأوسع. كانت كليات الفن أيضًا جزءًا كبيرًا من ذلك. درس جرين في ليدز، وتعلم مدى أهمية إعادة برجزة (من برجوازية) الجامعات الفنية. إنه ما يحصل مع تغييرات باهتة ظاهريًا في الهياكل التمويلية. إذا جعلت الناس يدفعون مقابل تعليمهم، لا بد أن يكون هناك نتائج لذلك.
أحد الأشياء التي لم نتكلم عنها بعد هي سيطرة التقسيم الطبقي على أشياء مثل الثقافة السائدة والموسيقى السائدة. مثل العدد الذي لا يصدق طلاب المدارس الخاصة السابقين الذين يهيمنون على ما يُسمى المشهد المستقل، لأنهم هم الوحيدون القادرون على تحمل تكلفة شيءٍ كهذا، تكلفة الولوج إلى الشبكات حيث تتكون ثقافة العصر. من أساطير النيوليبرالية السخيفة أن الإبداع موجود في عدد لا نهائي من الينابيع التي لا تنضب، الموزعة بالتساوي على كل البشر، والتي لا يعيقها إلا الحكومة أو الاشتراكيين. لكن طبعًا، الحقيقة عكس ذلك. الإبداع يظهر فقط حيث تتوافر الظروف له، إلى جانب شكلٍ ما أو آخر من الظروف الجمعية. هذه الظروف الجمعية وتلك الخلطة النقدية هي ما تم تفكيكه بشكل ممنهج.
يزيد اقتناعي بأن هذا هو الحال، لكن الخيارات المتاحة أمام الناس محدودة جدًا في الواقع. نعم، ظاهريًا هناك ذلك النوع من التبادلية بالنسبة للنفس، لكن إلام يؤدي ذلك؟ في الواقع، يؤدي إلى الاختيار من مجموعة من الخيارات المعدة مسبقًا، وإلى ضمور حاد في القدرة الجمعية على إنتاج شيء لم يوجد من قبل. أعتقد أن هذا ما يكمن وراء كل ما تحدثنا به اليوم، أن القدرة على القيام بعدد لا نهائي من الاختيارات التي لا معنى لها أصبحت بديلًا للقدرة على القيام بتغيير فعلي. ويكمن وراء ذلك الإحساس بالتبادلية اللانهائية إحساسٌ غامر بأن شيئًا جديدًا لن يحصل بعد اليوم. أعتقد بأن هذا المنطق الجدلي للحظة، للواقعية الرأسمالية، أن لا شيء ثابت، لكن أيضًا أنه لا شيء سيحدث. الفكرتان مرتبطتان بالكامل.
هناك ذلك التناقض الذي تحدث عنه سايمون راينولدز، أن سرعة تطور الثقافة تباطأت، بينما تزايدت سرعة الحياة اليومية. هناك نص مؤثر جدًا كتبته جودي دين مؤخرًا، الذي كان ظاهريًا مراجعة لكتاب ديسيدنت جاردن لـ جوناثان لِثِم، والذي ناقش تلك الفكرة حول الانتماء إلى الجماعة. قد تصبح نشاطات شاقة ومملة مثل توزيع المنشورات أكثر احتمالًا، حين تكون هناك تلك السردية حول الانتماء إلى الجماعة، التي تغيّر من طبيعة تلك النشاطات بشكل كبير، من طبيعة الحياة كلها.
لم تعطنا الرأسمالية بديلًا لذلك، وهذا سبب لنكون إيجابيين. لأن اليأس، أو اليأس المُنكر بالأحرى، هو إشارة للتوق أو حتى الجوع للانتماء إلى شيءٍ ما؛ وليست الرأسمالية عاجزةً عن تحقيق ذلك فقط، هي لا تريد أصلًا تحقيقه. لذلك، جزءٌ من عملي هو إخراج تلك السلبية الضمنية إلى الواجهة، كوسيلة للاعتراف بالحزن المسيطر وأسبابه، باعتقادي، بحيث يتم كشفها. وبالتالي عملي وسيلة لتحويل الاكتئاب إلى غضب.