مشروع ليلى مهرجانات جبيل معازف Mashrou' Leila Jbeil Ma3azef
عربي جديد

أصنام | عن منع مشروع ليلى من الأداء في جبيل

فرح البابا ۰۷/۰۸/۲۰۱۹

انتشرت مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي تهديدات موجهة للفرقة اللبنانية مشروع ليلى، اعتراضًا على مشاركتهم في مهرجانات جبيل الدولية، وتحديدًا بسبب أغنيتين اعتبرتا مهينتَين للديانة المسيحيّة هما جن وأصنام، بالاستناد إلى تفسيرات محرّفة لكلمات الأغنيتين. أتى هذا الهجوم بعد أن انتشرت صورة مركّبة كان مغني الفرقة حامد سنو قد نشرها منذ أربع سنوات، تضمنت المغنية الأمريكية مادونا مكان مريم العذراء وفي ذراعيها السيد المسيح.

يجري هذا ضمن جو عام من قمع لحرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الماضية. مؤخرًا، انتقلت هذه الممارسات لتطال المجالات الثقافية من شتى أنواع الفن. لجأ الناس إلى خلق مساحات بديلة للتعبير عن استيائهم ورفض الأوضاع القائمة، فزاد عدد منصات الشعر والمسرح التفاعلي بشكل ملحوظ، أغلبها يتناول المواضيع السياسية والقضايا الاجتماعية. نذكر منها إعادة إحياء بيت بيروت ذي الرمزية التاريخيّة كمبنى متضرر وواقع على خط التماس خلال الحرب الأهلية، والذي أُقيم فيه معرض عن أوضاع عاملات المنازل المهاجرات.

جزئيًا، أتت هذه الزيادة في منصات التعبير كردة فعل ضد الرقابة على الأعمال الفنية المرئية من قبل الأمن العام، وبعض الجهات الدينية التي تأخذ على عاتقها تحديد المعايير الأخلاقية للمحتوى الفني والثقافي، رافضة التوظيفات الممكنة للفن كأداة لتحدي المنظومات التي تفرض الاحترامية والقيم السائدة في المجتمع اللبناني.

المثير للاستغراب هو أفعال الهجوم والتهديد التي وصفها جمهور الفرقة بالمبالغة، أخذًا بعين الاعتبار أن الفرقة كانت قد شاركت في نفس هذه المهرجانات حتى بعدما كانت تلك الأغنيتان قد صدرتا، وبوجود شخصيات سياسية تمثل مجتمعات محافظة، تغنت بوصول الفرقة إلى الشهرة العالمية وبالتالي رفعها اسم لبنان وسمعته الثقافية إلى أسمى المستويات، نفسه لبنان الذي لطالما تغنوا بانفتاحه الثقافي واحتضانه للتعددية والحريات كحالة استثنائية في العالم العربي.

تتميز بعض أغاني الفرقة بمحتواها ومضمونها السياسي المتضامن مع القضايا الاجتماعية التي تُعنى بحقوق الأقليات المضطهدة والفئات المرغمة على التواجد في الهوامش، وتحاول تقديم نكهة مبتكرة للتعبير عن الواقع وكل ما يحمله من مآسٍ وانتهاكات للحقوق. لعل هذا المحتوى هو ما أثار الهجمات من المجموعات المسيحية المحافظة، التي استنجدت بأجهزة الدولة لتأخذ الضوء الأخضر وتمضي في إطلاق حملة عابرة للطوائف، داعيةً المجتمع إلى الانتباه لمشروع يهدد القيم والأخلاقيات التي على زعمهم تبقي على تماسك المجتمع اللبناني والسلم الأهلي والتعايش، في إطار عدم التفوه بما قد يمس بمعتقدات أي طائفة. بالتالي فإن تخطّي الفرقة لهذه الأخلاقيات وتركيزها على المواضيع الاجتماعية في أغنياتها، شكّل تهديدا لاستمرارية مصداقية هذا النوع من الأخلاقيات من خلال ضخّ أخلاقيات بديلة للسائد، خاصةً بعد ما تسللت هذه المواضيع إلى الحيز العام في السنوات الأخيرة، في إطار خطاب حقوقي يطمح لإدخال وترسيخ القيم التقدمية في ثقافة المجتمع على جميع الأصعدة. قد يكون هذا الهجوم قد حصل كممارسة قمعية لإعادة فرض قوى تميزت بها المؤسسات الاجتماعية التقليدية التي تتحداها الفرقة وأغانيها.

ليس مفاجئًا أن هذه الحملة قد أتت بعد الحملة الأقل عنفًا ضد مارسيل خليفة، الذي رفض افتتاح حفلته في مهرجانات بعلبك الدولية بالنشيد الوطني اللبناني، احتجاجًا على الوضع السياسي والاقتصادي المتردي من سيء إلى أسوأ، وإصرارًا على استعمال الفن لمناصرة القضايا الاجتماعية بدلًا من إلقاء كلمات وطنية تجمّل الواقع وتلهينا عن مواجهته، وأيضًا رفضًا للخطاب والحركات الوطنية المفرغة من أي معنى في السياق الراهن من قرارات تقشفية إلى ممارسات قمعية ضد اللاجئين.

لعل أكثر ما ساء المتضامنين مع الفرقة هو الأمل الزائف والقصير بفعالية القضاء في معالجة حالات القمع والترهيب المباشرين. بعد أن أُحيلت الفرقة إلى القضاء وبعد أن رسمهم الإعلام التقليدي بصورة مجرمين، حكمت القاضية بإخلاء سبيلهم ولم تصدر أي قرار باعتبارهم لم يرتكبوا جريمة أو خطأ. إلا أن الجهات المدعية والمحرضة تجاوزت هذا القرار الجديد من نوعه وضغطت على الفرقة للمثول أمام الكنيسة التي اصرت أن الفن لا يجب أن يمس بأي مقدّسات تحت مسمى الحرية، وأن الفن عليه فصل نفسه عن السياسة والدين، واعيين كليًا لمحتوى الأغاني والقضايا التي تعبر عنها وامتداد تأثيرها.

من المؤسف أيضًا أن وزارة الثقافة المعنية مباشرةً بهذه الأمور لم تتدخل ولم تعرب عن أي أسف أو قلق تجاه مجريات الأمور.

على الجانب المشرق، أدت هذه الهجمات إلى بروز موجة دعم ممن شعروا أن هذا الانتهاك للفن يشكل خطر زوال المساحة الضئيلة المتبقية لحرية التعبير، إصرارًا على أهمية عدم المساومة في الدفاع عن هذه المساحة في ظل الممارسات القمعية. هذا بالإضافة إلى التضامن من شخصيات فنية وإعلامية بارزة وتقليدية طالبت الفرق الأخرى بمقاطعة المهرجان تضامنًا مع حرية التعبير، ما أثمر انسحاب الفرقة الهولندية ويذن تمبتايشن التي أصدرت بيانًا متضامنًا مع مشروع ليلى ومعبرًا عن قلق من عدم ضمان سلامة الفرق المشاركة أو الحضور.

بادر أيضًا عدد من النشطاء والمتضامنين بالتعبير عن عدم قبول هذه الانتهاكات، من خلال تنظيم حفل بديل مجاني سيضم فرق وفنانين متنوعين سيؤدون أغاني مشروع ليلى وأغانيهم الخاصة. أُعلن عن هذا الحفل من قبل صفحة على الفايسبوك حيث من المتوقع حضور ما يفوق الألف شخص، بالرغم من التهديدات باقتحام الحفل وعدم ضمان الحماية من قبل الدولة.

قد تكون هذه الأحداث قد أتت لتذكير الرأي العام بهشاشة الواقع الثقافي والسياسي، من حيث عدم حماية الفن الذي يطرح المسائل السياسية من قبل الدولة، والتي بدورها تساهم في التعديات على المجموعات والأفراد الذين يحاولون خضّ البنى السائدة، بالاضافة الى الفنانين الذين يخلقون مساحات خلاقة للتعبير عن اعتراضهم وعدم قبول الشكل الحالي للمجتمع والثقافة.

المزيـــد علــى معـــازف