أنا عايز اقتل الوزن دا | مقابلة مع عبد الله منياوي
مقابلات

أنا عايز اقتل الوزن دا | مقابلة مع عبد الله منياوي

قط أسود ۲۰۲٤/۰۵/۲۲

قابلت عبد الله المنياوي عشان نتكلم على ألبومه الجديد مع كارل جاري، ا​ق​ت​ُ​ل الدافع. كارل جاري هو اسم الفريق المكوّن من يوناس يامر وتيل فانك ويوناس فريدليش، اللي عبد الله اتحرك معاه من ٢٠١٦ مع أول إصدار للمشروع اللي جمعهم سوا في درج، واللي نزل على تسجيلات تريلوجي تايبس واتكتب عنه في أهم المجلات الموسيقية. بيحكي عبد الله عن ديناميكية الشغل ما بين الفريق وهو بيتم سنته التاسعة مع إصدارهم الرابع ا​ق​ت​ُ​ل الدافع، اللي عبد الله بيوصفه بإنه “جنين خديج”١. تم إصدار الألبوم على تسجيلات أمفيبيان من براج، التشيك، المهتمة تنشر لفنانين من المنطقة في الفترة الأخيرة.

“أنا بحب ليونارد كوهين لما طلع في إنترفيو وقال الألبوم بتاعي دا وحش.”

ا​ق​ت​ُ​ل الدافع ألبوم إنساني سهل ترتاح فيه مع أول مرة سمع. لكن مع كل إعادة سمع بتكتشف إنك اتخدعت وبتشوف طبقة جديدة من النص تربك يقينك الأول. صعب تمسك الحالة اللي الألبوم بيخليك فيها. هي أكيد متطهرة من العالم دا، بس في نفس الوقت من عمق العالم دا. هل عبد الله بيهمس لنا إنه موجود في عالم خاص؟ وأسلوبه إعلان لتطهره؟ ولا بيدعونا نلعب بالأشكال والأنماط اللي بتشكّل عالمنا؟ استغلّيت فرصة الحوار دا عشان نغوص أكتر في النصوص والأساليب اللي بيستخدمها عبد الله في اقتُل الدافع. اتكلمنا على تفضيلاته في النشر برا الأطر التقليدية وعوالم الإنتاج الموسيقي ومعنى كلمة الوشيع. اتكلمنا كمان عن التراث إللي المفروض يفضل في المكتبات وعن مايك تايسون وقتل الدافع. بعد ما سلّمنا على بعض وظبطنا نبرة الكلام سألته عن أقرب تراك ليا في الألبوم إقطع إقطع، اللي بيبدأ ببايس لاين مترقّب مَسّ الجن الصديق.

مَسْأَني جُني وَانْتَفَض

عَلَانِي وَزَنَى انْخَفَض

وَرَانِي كُلّ مُنْخَفِض

وَدَانِيّ أَزُورُ كُلّ سجين مُضْطَهَد 

عَرَّفَنِي عَنِّي كُلَّ مَاحفظ

قط: من دخول صوتك في أقْطُف لحد الخروج بمس الجن في إقطع إقطع، إيه إللي كان في بالك وانت بتبني تسلسل النص؟

عبد الله: أنا بحس التسلسل بيتعمل عشان الشاري في الآخر. بعيدًا عن رومانسية إنك بتخلقه للمستمع فإنت بتخلقه دلوقتي للشاري وشاري الفاينل بالأخص. إللي هي فكرة فاسدة جدًا، إنه في الآخر معمول للغني إللي معاه فلوس رايح يشتري فاينل.

تقصد إن تسلسل النص معمول للسوق؟

لا، مابسميش الفاينل للسوق. الفاينل هو للّي يقدر يقتنيه. إللي هي فكرة غربية تمامًا معندناش منها. أنا لاحظت إن كل شغلي مع كارل جاري أو المشاريع التانية بيتبنوا على الفاينل. بيتشاف سايد أ هيتقفل على إيه والوش التاني هيروح فين. فمن هنا شايف إن مش دايمًا تسلسل الأغاني في الألبوم فكرة صادقة للنص أصلًا.

وانا في قلب الشغل، عمري ما بفكر فيه كألبوم، بفكر في كل تراك مستقل بنفسه. بعدها ببدأ ربط الأفكار مع بعض بعد ما تكون خرجت وتظهر العلاقات بينهم. أنا بالنسبة لي التسلسل الحقيقي موجود في إنك لو وقعت بالغلط على أي أغنية هتستمتع بيها. وانا بشكل عام بكره فكرة الألبوم، بحس إنها فكرة قديمة. مثلًا، أنا مطلّع تراك على فاينل في متحف في تورينو بحيث إنك تقدر تسمعه لو زرت المتحف بس. 

بقى شيء مربك بالنسبة لي إن الناس تتكلم على روحانيات. أنا لما بخلص الشغل بكون في اللوب. وأنا لما بسمع الشغل كتير دا إشارة إن مرحلة التأليف انتهت وإن المشروع لازم يخرج للعلن. عندي حب لفكرة اللوب، ودي الطريقة اللي بشتغل بيها مع كارل جاري وكل المشاريع.

إنت كتبت النصوص دي في فترة زمنية معينة؟

لا، دا كتبته بعد الطابق الثامن على طول، إللي هو ألبوم عبقري معاهم. كان باين فيه حب وتماسك الفريق وباين فيه فكرة العيلة. وباين فيه فكرة الشباب الألماني اللي مهتم بالوضع والأزمة العربية، وباين فيه برضه وقت ما قبل الكورونا. كان فيه تفكير في النص واعتذارات كتير وعرفنا نوصل لنقط تفاهم لاختلافاتنا، ودا كان ظاهر في الموسيقى. بعدها وقعنا في الحفرة كعادة معظم المشاريع ما بعد الكورونا.

جات منين فكرة تسمية الألبوم ا​ق​ت​ُ​ل الدافع؟

كنت مرة بتكلم مع تيل ويوناس بقولهم إننا لازم نوقّف شغل بالطريقة القديمة اللي اشتغلنا بيها. لأن إنت لو قعدت تفكر إننا نجوم وقعدنا نشتغل أربع أو خمس سنين على أغنية واحدة ونسمع كل تفاصيل الميكس في الاستوديو مش هنروح في أي حتة. الفكرة إنك تنشر وتعمل أخطاء، والأخطاء سهل تنضف. فبقولهم “Let’s shoot the engine”، شوط العربية وإنزل على رجلك.

غلاف اقتُل الدافع من تصميم عمر الصادق
غلاف اقتُل الدافع من تصميم عمر الصادق

مقارنة بشغلكم اللي قبل دا حسيت إن ا​ق​ت​ُ​ل الدافع أقرب إنتاجكم لفكرة الألبوم المتعارف عليها، من ناحية عدد الأغاني. يعني مثلًا درج كان أربع أغاني والطابق الثامن كان ستة. هل كان فيه سبب خلاكم تاخدوا الاتجاه دا في ا​ق​ت​ُ​ل الدافع؟ 

الشباب عايشين جوا فلسفة تقليدية لصناعة الألبوم. أنا بالنسبة لي أغنية واحدة تقدر تكون قوية جدًا إنها تكون ألبوم. والتشاحن دا هو إللي بيخلق مشروع كارل جاري وعبد الله المنياوي. أنا عفوي جدًا أقدر انشر أغنية بعد عشر دقايق جوا الستوديو وبشوف السحر في اللحظة دي. إنما همَّ جوا الطريق التقليدي في إن التراك محتاج يمشي في السكك المتعارف عليها، واللي سمعوا عنها أو شافوا حد تاني نجح من خلالها، عشان يخرج بشكل مظبوط. فهمَّ مش اتناشر أغنية عشان كنا عايزين نخرج كل اللي عندنا في الهارد درايف. الفكرة إننا نعمل ألبوم في سياق ألبوم تقليدي بأعداد التراكات المتعارف عليها ونجيب جولات فنية. وانا في المقابل بشرح لهم إننا لو نشرنا تراك واحد على الساوند كلاود مثلًا نقدر نحقق نفس الشيء. 

شايف إن فكرتهم كانت صح في ا​ق​ت​ُ​ل الدافع؟

لو بتسألني بصراحة، الألبوم بالنسبة لي جنين خديج غير مكتمل الولادة. ا​ق​ت​ُ​ل الدافع كنت برفع فيه العلم، مش استسلام بس اعتراض على طريقة تفكير. أنا هبدأ الليبل بتاعتي قريب ومش قادر إني اشتغل مع ليبل تانية في الإطار التقليدي دا. تراك واحد كل اللي انت محتاجه. المحتوى كله على المنصات عشر ثواني. مين هيفتح يسمع ألبوم؟ مين هيتفرج على فيلم سبع ساعات؟ ولا تجيب بيلا تار يعمل ساتان تانجو تاني؟ وانا مازال مهم بالنسبة لي الخمس دقايق، ولو محسوسة فعلًا نعمل الاتناشر تراك. لو محسوسين فعلًا أنا معنديش مشكلة.

اخترت تطلعوا الألبوم على أمفيبيان، إيه سبب الاختيار؟

حاليًا بدون الليبل مش هتعرف تتحرك بعيد. بس برضه فيه أمثلة كتير لناس برا الإطار دا. وبالرغم من دا، كل الناس اللي عملت حاجات بشكل مستقل عن الليبلز هي اللي مسموعة دلوقتي وبتسافر. أنا مشروعي الجاي مع موريس لوكا بنفكر له في طرق نشر غير تقليدية. لإني اللي بدوّر عليه دلوقتي هو التفاهم، القيادة والتكافؤ.

مَا تَوَجَّهَ نَحْوَك

وَصْفٌوك كَذِبًا يَأْتِري

وَبِتَرو مِنْك حُذَيْفك

فَمَشَيْتُ مُدَمًّا مُقَارِبًا

حسيت إن الأغاني مبنية حولين صوتك في الألبوم مقارنةً بالإصدارات اللي فاتت اللي كان ظاهر فيها إن العناصر اتخلقت سوا؟

لأننا وصلنا لنقطة إنه قلب المشروع التُهِم، خصوصًا بعد الكورونا والغبرة الكتير في ليالي برلين بأجواءها التقيلة. الروح لما بتنشغل ما ينفعش تعمل فن. فإنت كل اللي في إيدك تعمله إنك تمص في أي شيء لسه عنده روح. أنا أعلنت للفريق إننا هنوقف السنة دي وإنها هتكون آخر سنة. دي كانت الخطة، إن الألبوم يطلع وياخد جولته ونتحرك مع الفريق بالعربية زي زمان، وما نقفلش المشروع واحنا في مرحلة مشاحنات. بس عايز اقفله واحنا في مرحلة سعيدة. 

لعبتوا الألبوم في مهرجان ريواير ٢٠٢٤، كان إيه إحساسك في العرض؟

حسيت اني واقف في نفس المكان اللي سبته في القاهرة. إن احنا كمشروعين منفصلين في الأساس مع الوقت اتحركنا في اتجاهات مختلفة. ودا مفهوم برضه لأن جغرافيتنا مش واحدة والموضوع مش بالعافية. أنا مثلًا الفترة إللي فاتت اتعلمت حاجات كتيرة جدًا. بشتغل برمجة وتصميم ثري دي وآلات موسيقية جديدة وبكتب نصوص طويلة واشتغلت مع كورال ترومبون، وكل دا ممزوج دلوقتي في المشروع الفردي اللي هيخرج في أكتوبر. 

لَوْ احْتَرَقَتْ الْمَدِينَة لَنْ أَهْرَب

بَلْ سَأهِلع لَصُبَّ الزَّيْتِ عَلَى جِسْمِي

وَأرْكُضْ سَهْلًا كَالذَّبِيحَة

ثُمّ أَقْطَع أَسْلَاك الإِنَارَة

هَلْ سَيَفْنَى عَظْم بَيْتِي أَوْ تَمُدَّنّ النَّار زِيّ الْمُفَوَّض

صُرَاخ النَّاس يُطْرِب هَرَب لِلسَّجِّيَنَّه

بَلْ سَأَشْرع لِرَبِّ الصَّوْت يَنْصُرُه لِهَزْمي

ثُمَّ اطَّرَدَ الْمَودلجين جَمِيعُهُمْ

وَارْفُضْ الْخَوْف وَأا​ق​ت​ُ​ل ع المَوْلدِ

شَهْم كَالْمَسِيح حِين أَصْلَب

أنا وإنت علاقتنا مبنية على روح النصوص الي كنت بتكتبها من سنين، فخليني أسألك على النصوص في الألبوم؟

آه إسألني. أنا بحب ليونارد كوهين لما طلع في إنترفيو وقال الألبوم بتاعي دا وحش. الروح القديمة دي ماتت بالنسبة لي خلاص. أنا شايف روح جديدة بتظهر دلوقتي. بشوفها قدامي قبل ما تتحقق. بشوف المشهد ككل. مثلًا أنا دلوقتي شايف نفسي في الخطوة الجاية من التعبير. شايف نفسي لابس جاكيت بيج وقاعد غرقان في الترابيزة دي وبكتب. بس مش عارف لسه هيتحقق إمتى.

مثلًا النص اللي في أركض بيبين الطريقة اللي بقيت اشتغل بيها مع المشاريع الأوروبية. النص دا مكوّن من تلت أجزاء، لو احترقت، ولو أمطرت، ولو تجمدت. من نفس القصيدة خرج هنا جزء مع كارل جاري، وبرضه خرج جزء تاني من النص في تراك زيور. النص بالنسبة لي أهم حاجة، أهم من الناس. بتعامل مع النص تعامل السياسي مع الصحفي. فالموسيقى بالنسبة لي هي الوسيط إللي يقدر يحرك النص. النص اللي بيشكّل الافتتاحية، زي سورة الفاتحة في القرآن. إنت تقرأ الفاتحة وبعدها الآيات التانية. النص هو فاتحة أي ألبوم. لو مفيش نص أرتكز عليه، بحس إني عريان في كل شغلي عامّة. حتى لما بقيس شغلي بشوف أنا أنتجت كام نص السنة دي مش كام ألبوم أو أغنية.  فيه نصوص مثلًا تفضل تعيد فيها لوحدك. ممكن تفضل خمس سنين تعيد فيها. 

زي النص اللي في وطأة –  الشعر يومًا سوف ينهي المعركة؟

دي من القاهرة من أيام أحمد صالح. ودا يرجعنا تاني للألبوم دا وازاي اشتغلنا عليه. معجبتنيش الطريقة دي، إننا قطعنا من تسجيلات من ٢٠١٦ وتسجيلات قديمة. كان فيه اختلافات كتيرة بينا في اتجاه الصوت في الألبوم. 

بس برضه أنا كمستمع لنص اتكتب في وقت سابق ممكن أكون اتحركت وفي مكان تاني عن أول مرة أسمع النص دا، ممكن اسمعه بودن مختلفة دلوقتي.

آه بس دا هنا بيخلق الفرق بين الفنان والمؤدي. من تجربتي، أنا لو محستش النص أنا عارف إن محدش هيحسه. ممكن تسمعه بس مش هيضربك. مش هيوصل إنه يحرّك سلسلة باصات في نقل جماعي. يعني لو جيت النهاردا وسجلت المتنبي على تراك، يعني إيه السيف والقرطاس والقلم؟ أعمل إيه أنا بالقرطاس دا؟       

بذكر المتنبي، فيه إحساس كدا إن احنا بنعيد اكتشاف التراث أكن أثره مش موجود معانا, واحنا محتاجين دلوقتى نبص ورا ونشوف إيه اللي كان بيحصل؟

آه هي فكرة كويسة إننا نبص ورا نشوف التراث فيه إيه. بس أنا شخصيًا عمري ما بستعمل دا أو يستهويني. أظن إني لو مكنتش بكتب مكنتش هعرف أغني. مش قادر استوعب فكرة إعادة تدوير فكرة حد عاشها في وقت معيّن وظروف فكرية ونفسية وجنسية خاصة. مثلًا إن حد بيغني فريدي ميركوري كوفر ومعاشّ طفولة فريدي ميركوري في أسرة محافظة ومتزمتة.  

رِكَاب الْخَيْبَة

قَدْ تَاهُوا بِالعفرِ 

قَبْلَهُ الْمَرْجَيْن

أيوا معاك. بس غير الكلمة، أنا برضه بسأل بالأخص بالنسبة لطريقة الغنا، المقامات والأداء ككل. 

مفيش مقامات في أغاني الألبوم بس ممكن نسميها أساليب. 

زي مثلا تسجيل الرحْلَة الخائِبة

أيوا. في النص دا أنا كنت شايف جمع من الناس بيضيعوا في الغبار. فبقول ركاب الخيبة قد تاهوا بالعفر، قبلة المرجين يعني رايحين للمجهول،  جاية من مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. إللي هو ممكن يوصلوا لي أو يضلوا طريقهم.

أنا مبشتغلش بطريقة تفكيك المقام أو إعادة اكتشافه. أنا بس إنسان عربي. زي ما مخرج تونسي صاحبي، علاء الدين سليم، قالّي إنت مشكلتك في الحياة إنك مصري. ودا حقيقي. أنا مشكلتي إني عربي وبفكر عربي بس أنا مجرّب معاصر وهدفي أضيف إلى ماهية الفنّ. بيوصلني لشغلي كله رد قوي جدًا من المتاحف للنوادي الليلية الصغيرة. عرفت أطلّع من صوتي آلة قادرة تنتج شكل وأسلوب مميزين ومربوط إسمي به. ودا عمره ما كان هيتحقق لو أنا بفكك المقام. أنا الأصوات اللي في دماغي هي اصوات عربية. أنا مولود في السعودية والقرآن في البيت والحاجّة لابسة خمار والآذان طول الوقت حواليك ولهجات كتير. فإنت هتطلع بتتخيل بناءً على إيه لو في طفولتك صليت ورا الحذيفي؟ ودي حاجات بتشوفها بشكل أوضح وانت عايش بعيد. لو كنت سألتني وانا في مصر عمري ما كنت هجاوبك كدا. 

التراث العربي بتشوفه ازاي؟

عادي. التراث العربي حاجة مهمة وجميلة وبتمنى الناس تحافظ عليه. وأتمنى إن الناس تشتغل عليه بجد ومتتسحلش فيه لمجرد الحصول على المنح. وأتمنى إن التركيز يكون بس على حفظ التراث مش إعادة تفكيكه وتكوينه وخلق مشاريع منه. مش هتعرف تفكك التراث لغاية ما تبقى عايش في العصر دا. خلصت! أنا مش بفكر في التراث اللي فات. أنا بفكر في إني لما تنتهي رحلتي هسيب إرث ضخم ودي حاجة أنا مآمن بيها. 

أنا محبش إن الإنترنت يزيح التراث. مبحبش إن الأمركة والاستغراب باسم الاستشراق يزيح التراث. لإن التراث مهم ولازم يفضل متحافظ عليه. مش عايز أولّد أجيال تفهم إن فيه مكان في إسرائيل إسمه الطالبية. هو دا اللي بيحصل، أسرلة للعالم العربي. المشروع مش بتاع السنتين دول والحرب. هو مشروع إن في خلال مدّة كل دا هيبقى إسرائيل … 

تقصد فكريًا.

أيوا، وهنا هيفضل التراث هو الدليل.

يعني هتعامل مع المكان اللي أنا منه كغريب عنه؟

ما هي دي الأسرلة كفكرة. دا بيخوفني لإن الإنترنت مخلي إن ثقافته تبقى مركز ثقافة العالم ودا أنا شايفه في الأجيال الجديدة وحاجة بتخوفني جدًا. اركع للحقيقة آخر قصيدة كتبتها وفيها سطر حلو “أَرَاكعٌ لِلَّهِ أَجْرَم؟“، يعني إللي ركع لله هو المجرم ولا مين المجرم؟ دا واحد راكع يعني في منتهى الهشاشة والخنوع. يعني ممكن تنتهكه ومينفعش يبطل صلاته.

مُرْ لَقِيَنِي 

أَغْرَقُونِي فِي الوشيعِ 

مُرْ لَقِيَنِي

أَزَلْقُونِي

وَالْعِيَاذُ بِالْحَدِيثِ 

وَالْعِيَاذ بِالْجُنُونِ

إيه الْوَشيع هنا، استخدمتها في أُقْعُدْ و فقدُ العاق؟

دي كلمة أنا خلقت معنى جديد ليها. أقصد بيها النور والوهج أو الأقوى من الشعاع زي نور حارق. ومصدرها وَشَعَ. استخدمتها برضه في تراك في ألبوم هفاد. ودي كانت لعبة كنت بلعبها مع أبويا زمان إننا نغير في الكلمات ونحاول نطلع منها بكلمات جديدة. خلتني برضه أشوف اللغة كطين أحمر أقدر أشكّله، زي ساموراي متمرد على اللغة والشكل القائم. بقول في القصيدة إنهم سابوني في النور المتوهج والقوة هتحضر من الكلمة والتجربة. 

إيه المشاريع إللي انت مركز عليها الفترة دي؟

دلوقتي كارل جاري من المشاريع اللي بقفلها. بحاول أقفل كل المشاريع التعاونية خاصة الإلكترونية.

مش شايف الصوت الإلكتروني مناسب في المرحلة دي؟ 

مش موضوع إنه مش مناسب، بس بحس انه بياكل مني كتير. ودا وقت إني أعيد طرح نفسي كمفكر ومؤدي وملحن. أو يمكن الناس اللي اشتغلت معاها دي طريقتهم في الشغل. أنا حاليًا عاجبني صوت المشروع الفردي وعايز أهتم بيه أكتر وأعمل بيه عرض كامل متماسك. الألبوم الجاي هيطلع في أكتوبر ٢٠٢٤ اسمه  نجمة انِجما. مشروع صرخة القاهرة (Le Cri du Caire) بيقف برضه. وهيخرج التريو تحت اسم عبد الله المنياوي وضيفنا ليه إريك تروفاز وعندنا ٢٠ حفلة السنة دي. 

أنا محتاج إلهام الكاتب اللي بنحكي عنه في المرحلة دي. ودا مش هيجي طول ما انا مشغول بجولات وسفر كل شوية. إنت عارف مالك تايسون إنه كان بيشتغل مع عصابة وهو ١١ سنة وكان بيشتري بالفلوس حمام وكان طفل بريء. في يوم، واحد من العصابة جاله البيت وشاف تايسون في الحالة دي مع الحمام، أخد حمامة أكنه بيهزر معاه وكسر رقبتها أدامه. قام تايسون هاج على الولد وبدأ يضرب فيه. دا تايسون لما اكتشف إنه قوي، دي الملكة بتاعته. لما اتسحل في الجولات وبدأ يبقى معاه فلوس ومش هيعمل بيها حاجة، ملكة الملاكمة اللي كانت بتطلع وهو بيلعب تبددت منه عشان مش هي دي البيئة اللي هو منها وحياته تدهورت بعد موت بنته ودخل السجن. 

الجولات الفنية مش هي الهدف اللي أنا وراه حاليًا. أنا لعبت في أهم المسارح في أوروبا في ست أو سبع سنين. أخدت جايزة Victoires du Jazz ٢٠٢٣ وأحسن ألبوم في السنة على ريزيدنت أدفايزر (Resident Advisor) و إن بي آر (NPR) وأكتر من محطة. الحاجات المادية دي لو هي رسالتي،  يعني أنا كدا خلصتها. أنا عايز لسه أكتشف إيه هي رسالتي.

عايز حاليًا أشتغل مع أصوات حيّة كتير واكتب لكذا آلة. فكرة إنك تشتغل مع ١٢ صوت وآلة غير عن ما تشتغل مع صوت واحد. الرؤية نفسها هتختلف. عايز أطوّر الجزء دا. واختبرته مع آفليتا، كورال من كورسيكا وموما بي إس وان في نيويورك.

دخلت طريق نشر القصص في إطفاء مدينة النور. ايه رأيك في التجربة دي بعد سنتين تقريبًا منها وهل ناوي تكمل فيها؟

أنا بحب الأعمال الصعبة. هشتغل على كتابي الجديد اللي بحكي فيه عن الغرب. فكرة إنك تخلق كتاب أصعب من التسجيل لإنك بتكوّن شخصيات وبتعيش معاها ومحتاج نوع من الصفاء الذهني والاضطراب النفسي في نفس الوقت. لإنك بتكوّن المحاور بين الشخصيات ولازم تصفى عشان يتكلموا مع بعض.

اسلوب مختلف عن النص الشعري اللي انت متعود عليه؟

أنا حبيت أفتح وأخرج برا النص الشعري كمان. أنا كنت جوا الوزن، القافية والموسيقى الشعرية في دماغي طول الوقت. يوم صحيت من النوم وقلت أنا عايز اقتل الوزن دا. لو تقرأ القصائد كنص هتلاقي فيها السجال الشعري ده. في كتاباتي زي الصلة الصمدية، كن كما كانوا، وتطور التصوّر كنت بقول لنفسي مش هستعمل أي أداة من العالم دا في القصيدة. فمثلًا عمري ما اتكلمت عن الهاتف أو السيجارة. بس بعد الطابق الثامن، وضّحت للناس آدميتي برضه، وأنا انتحرت من الشخصية دي. سقوطي من الطابق الثامن لحد الأول كان فيه خلقي من جديد. السقوط من الطابق الثامن للأول وتهشم وشي وبعدها الصعود للطابق التاسع كان فيه مفاجأة. سجلت المشهد ده في The Cyg مع كارل جاري. طلعت في الألبوم التجميعي من أتونال.

سَيَرَى ارْفَعِي أَيْدِيَهُمْ عَنِ حَلْقي 

سَيَرَى وَأَرَزقي الْكُلُّ رِزْقِي

في الكتاب بقى حاولت أكسر منياوي الشاعر مش أقتله. لإنه هيطلع من الكتاب دا شاعر أقوى وأمتن ودا اللي بيحصل دلوقتي. النهاردا الوسيط بتاعي مش بس إني أقفل عيني واتخيل جملة غنائية. دلوقتي بشوف الكلام يجي مكتوب ومُلحن.

[وأنهينا القعدة بالكلام عن اللعبة اللي بيلعبها عبد الله دلوقتي. سيريال كلينر.]

إنت بتكون جزء من عصابة بتنضف دليل الجريمة والبوليس بيكون في المكان. بيكون على البوليس زي عين معناها إنه بدأ يحس إن فيه حاجة غلط. لما بيشوفك بيطلع من العين خط بيشاور على الشخصية وبيطلع صوت إنذار. لازم ساعتها تستخبى. دلوقتي كل ما بقفل عيني بشوف الخط دا بيشاور عليا.


غلاف المقابلة من تصوير هنري نَن.

الهوامش:

١. المولود الخديج هو طفلٌ يُولَدُ قبل حلول الأسبوع ٣٧ من الحمل. توجد عند الخديج أعضاءٌ غير مكتملة النمو قد لا تكون جاهزةً لأداء وظائفها خارج الرَّحم.

المزيـــد علــى معـــازف