.
بعد سبعة أشهر فقط منذ بداية مشوارها في الإنتاج، أطلقت المنتجة البحرينية سارة هراس ألبومها الأول ميستِري (ديلُكس) في صيف ٢٠١٧. من الصعب تصور أن ألبومًا كهذا هو نتاج موسيقية بدأت لتوها، فبالرغم من اعتماد الألبوم بأكمله على عينات صوتية جاهزة كما صرّحت بلا حرج في وصف ألبومها الثاني، جاءت التراكات بشكل متجانس يكشف عن ذوقها الخاص وتعدد أفكارها وميلها إلى جماليات مفككة قريبة من صوت أونيوترِكس بوينت نيفر. في ألبومها الثاني أريز، تطور أسلوب هراس الإنتاجي ليشمل التصميم الصوتي واعتمادها على السَب بايس والأصوات المعدنية وإيقاعات غير منتظمة تسبح في الريفرب ومغلفة بخامات حادة. طوّرت هراس من أسلوبها لتضيف على موسيقاها بعدًا جديدًا من الغموض متمثلًا في ابتعادها عن النغمية والتركيز على الضجيج.
في ألبومها الجديد ميتال إيست توسع هراس من ذائقتها الصوتية، فبالإضافة إلى الخط المفكك والصوت الحاد الذي وجدناه في ألبومها السابق، تتجه هراس إلى عالم أكثر غموضًا من الموسيقى المحيطة المظلمة مثل في فويسز وفاير ودِزرت. في التراكين الأولين تأتي هراس بأنسجة صوتية مركبة وتوفق بين البادز اللا نغمية والأصوات المعدنية والضجيج، بينما يأتي الإيقاع بشكل مقل في فاير ليتحرك مع الضجيج المحشرج ككتلة واحدة متوترة وتائهة، فتنجح بذلك في إخضاع المستمع لطابعها السوداوي.
إن خليط الإيقاع المركب في دِزرت والمصمم بالسنث والجليتشات، بالإضافة إلى الصوت الآدمي الحافل بالمؤثرات والنغمات المقلة، يذكرنا بصوت أوتكر في ألبومي كواريستس وأَنتيلتد، كما يظهر أيضًا ذلك في تراك ميتال إيست وذهب. تحتفظ هراس بأسلوبها الشخصي، إذ أن ما يميز تلك التراكات وبقية الألبوم من حيث الإنتاج هو الصوت العريض الموزع بإتقان والمسافات التي تخلقها بين الطبقات عن طريق توظيف المؤثرات دون إفراط، كما توفّق بين الخامات الأنالوج والجرانيولر بشكل واضح لتكسب ألبومها صوتًا غنيًا. أحد أفضل تراكات الألبوم هو وايفز الذي يقف على خط رفيع فاصل بين ما هو راقص وما هو للاستماع بفضل الإيقاع غير التقليدي المعتمد على كيك عنيفة ومشبعة بسَب بايس عميق.
تطعّم هراس موسيقاها بمعالم التراب في تراكي بيرلز وهوب، ففي الأول تقوده العينات الصوتية وتضفي عليه طابع جذاب، أما في الثاني فيأخذ السنث مكان العينات بالإضافة إلى بضعة بارات مقلة لسكاي هوب.
يتنوع صوت الألبوم بفضل التراكات التي تأخذ مسار الساوندتراكس مثل في بخور وجاسمين، فيسير التراكين في تدفق خطي حافل بالضجيج والمقاطع المتغيرة باستمرار. يصل عنصر الضجيج إلى قمته في الطابع الاصطناعي لـ عود، بالإضافة لـ سموك الذي تتصارع فيه الأصوات الحادة والمعدنية والمشوشة لتختبر هراس قدرة تحمل المستمع مدركةً التوقيت الأنسب لانسحاب الضجيج الاصطناعي المعقد في نسيجه. لعل مَسك هو التراك الأسهل على الأذن بسمته التكرارية المعتمدة على الأربيجييتور الذي يخلق فانتازيا لحنية تأتي على خلفيتها بادز ناشزة عن اللحن لتضفي تباينًا واضحًا.
بالرغم من تنوع صوت الألبوم فإن هراس استطاعت توحيده من خلال تدفق التراكات والثيمة الغامضة، وتماسكه إنتاجيًا وتحديد العناصر الصوتية التي ترتكز عليها، بالإضافة للإتقان (mastering) الجيد الذي قامت به. ميتال إيست هو خطوة هامة في مشوار هراس القصير، تعلن من خلاله عن نضجها وتطورها كمنتجة، لتحتل مكانة قوية وسط منتجي الموسيقى التجريبية في المنطقة.